مفتي الجمهورية وضع إصبعه على الجرح، وعبّر عن مشاعر المواطن اللبناني حينما طالب رئيس الجمهورية والجيش وقوى الأمن بالقيام ب،”تمام واجبها وحماية المواطن”!
*
وطنية – 27/8/2010 تفقد مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ الدكتور محمد رشيد قباني مسجد البسطة الفوقا اثر تعرضه لحريق أثناء الأحداث الأخيرة التي حصلت في بيروت.
والقى المفتي قباني خطبة الجمعة، وأم المصلين فيه، وكان في استقباله ممثلون عن جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية في بيروت الشيخ عبد القادر فاكهاني والدكتور بدر الطبش، وحضر إلى جانب مفتي الجمهورية ممثل رئيس كتلة المستقبل النائب عمار حوري، والنواب: عماد الحوت، محمد قباني، محمد الحجار ورئيس جمعية المقاصد أمين الداعوق، رئيس بلدية بيروت بلال حمد، رئيس جمعيات اتحاد عائلات بيروت محمد خالد سنو، أمين الفتوى في الجمهورية اللبنانية الشيخ أمين الكردي، المدير العام للعلاقات العامة والإعلام في دار الفتوى الشيخ خلدون عريمط، مدير عام الأوقاف الإسلامية الشيخ محمد الجويدي، شيخ قراء بيروت الشيخ محمود عكاوي، مدير إذاعة القران الكريم الشيخ جهاد الأمير، رئيس “حركة المرابطون” محمد درغام وأعضاء من المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى ومخاتير وقضاة شرع وعلماء وحشد من المواطنين.
وجاء في خطبة مفتي الجمهورية: “الحمد لله الذي خلق فسوى، وقدر فهدى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أضحك وأبكى، وأمات وأحيا، وله الآخرة والأولى، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا رسول الله، نبي الرحمة والهدى، اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه، ومن عمل بشريعته، واهتدى بهديه إلى يوم الدين، يوم القيامة والحساب، يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا، وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا، ويحذركم الله نفسه، والله رؤوف بالعباد”.
أضاف: “لقد دار الزمن دورته بعد عام كامل، وعاد إلينا شهر رمضان هذا العام، عاد إلينا شهر رمضان هذا العام بعد أن نسينا كثيرا، وبعد أن سبحنا في شئون دنيانا سبحا طويلا، ترى هل يطول بنا العمر حتى نلقى رمضان في عام قادم؟ أم هل يسبق الأجل؟ فلا نلقاه بعد عامنا هذا؟ وكل نفس ذائقة الموت، ألا من اتخذ منكم عند الله عهدا، أنه سيطيل له في عمره، أو يؤخر له في أجله، فليبطئ ما شاء له أن يبطئ، وليسوف وليؤجل، أما وأن القدر مستور محجوب، والأجل قد ينتهي في لمحة، والساعة لا تأتي إلا بغتة، وما تدري نفس ماذا تكسب غدا، وما تدري نفس بأي أرض تموت، إن الله عليم خبير، فالواجب علينا إذن والحالة هذه، أن نقف قليلا مع بداية هذا الشهر الكريم، وأن نلتفت التفاتة يسيرة إلى الوراء، لنحصي على أنفسنا سقطاتنا وزلاتنا، وأن نمحو بماء الندم ما مضى من تقصيرنا في حق ربنا، وأن نصمم على الاستقامة في مستقبل أمرنا، وتلك هي حقيقة التوبة والاستغفار، الذي جعله الله ضمانا للأمن والأمان في هذه الدنيا، ويوم القيامة، حيث قال الله تعالى في القرآن الكريم: “وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم * وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون”.
وتابع: “والعاقل من يتفكر في عواقب الأيام والليالي، وفي عاقبة أمره فيها، وما تعود به عليه هذه العاقبة، من خير وشر، ونجاح وفشل، وطاعة ومعصية، وحزن وسرور، وثواب وعقاب، فهو إن ذهبت أيامه في هذه الدنيا لا تعود ليصلح ما أفسده فيها، والسعيد من تدارك نفسه وفاز بطاعة الله تعالى ورضوانه فيها، والشقي من خرج منها ولم يحظ بغفران الله تعالى له فيها، فالأيام تمضي، والشهور تمضي، والسنوات تمضي، والعمر كله يمضي، وكل شيء هالك إلا وجهه، ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام، وإذا أردتم فاسألوا أنفسكم؟ أين الآباء والأمهات؟ أين الأجداد والجدات؟ أين الأعمام والعمات والأخوال والخالات؟ أين الملوك والرؤساء؟ لقد مضوا إلى ربهم، وكل يوم نودع غاديا ورائحا إلى الله، فسبحان من بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون، والعاقل أيضا من يعرف قيمة الوقت والزمن، ففيه يقع ربحه وخسرانه، وفوزه وحرمانه، فعن معقل بن يسار: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ليس من يوم إلا هو ينادي: يا ابن آدم، أنا خلق جديد، وأنا فيما تعمل في عليك شهيد، فاعمل خيرا أشهد لك به، فإني لو مضيت لن ترني، ويقول الليل مثل ذلك”، وقال الإمام الحسن البصري: “يا ابن آدم، إنما أنت أيام في هذه الدنيا، كلما ذهب منها يوم ذهب بعضك”، وعن الحسن البصري أيضا أنه مر في شهر رمضان بقوم يضحكون ويعبثون، فقال: “إن الله عز وجل، جعل شهر رمضان مضمارا لخلقه (أي ميدانا لخلقه)، يستبقون فيه لطاعته، فسبق قوم ففازوا، وتخلف أقوام فخابوا، فالعجب كل العجب، للضاحك اللاعب، في اليوم الذي فاز فيه السابقون، وخاب فيه المبطلون، أما والله لو كشف الغطاء (أي الحجاب عن البصر وعاين الإنسان الحقيقة)، لاشتغل المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته”، أي لكان سرور المقبول عند الله يشغله بالطاعة عن اللعب وتمضية الوقت فيما لا نفع عند الله، ولكانت حسرة المردود عند الله تسد عليه باب الضحك والفسوق والعبث”.
وأكد “ان الجراح التي ألمت بمدينتنا بيروت بالأمس لا يسر لها إنسان، ولا يرضى عنها الله عز وجل، ولا رسوله صلى الله عليه وسلم، كيف الرضا والأحياء تفقد أمنها؟ كيف الرضا والأرزاق تشهد ضياعها؟ كيف الرضا والأنفس تخسر أنفسها؟ كيف الرضا والمساجد تنتهك حرمتها؟ والأشياء لا بد أن تسمى بمسمياتها، كشفت البيوت والشوارع، وأصبحت عرضة لنيران القتل الغادرة، وأصاب التدمير الممتلكات، وسقط الجرحى، وسال الدم البريء، أهذه هي بيروت التي أردنا؟ أهذه بيروت التي نريد؟ لا والله، إن العاصمة التي نريدها لا تشبه بيروت على تلك الصورة، ولبناننا، ليس لبنان برداء القتل والتدمير ذاك”.
وشدد قباني على “ان الدولة اللبنانية، رؤساءها ووزراءها ونوابها، وأمنيوها وعسكريوها، مطالبون اليوم، بالقيام بتمام واجبهم في حفظ أمن المواطن، في وطننا لبنان، واتخاذ الإجراءات العملية، لضمان أمنه نهائيا، لاسيما الآن بعد تكرر مظاهر كانت، في سنوات ظننا أنها مرت ولن تعود، ولا بد لنا من محاسبة المقصرين متى قصروا، والعابثين بالأمن متى تجرأوا، فإن التفريط في أمن المواطن جريمة كبرى، تنطوي تحتها إثارة الفتن، وإشاعة الفوضى، وإرهاب الأطفال والنساء والشيوخ، والدمار في الأموال والأنفس. ولابد للبنان أن يشهد الأمن الحقيقي في داخله، وأن توجه البنادق جميعها نحو العدو الإسرائيلي، ذلك الصهيوني المتربص بنا وبوطننا الشرور، وأن نكون جميعا يدا واحدة في وجهه ومواجهته، عملا بقوله تعالى: (وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين) ، وعملا بقول الله تعالى أيضا: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا). والوحدة الوطنية هي عمدة وطننا، وصمام أماننا، وسر قوتنا، وإن العدو الإسرائيلي وغيره من الطامعين بوطننا، ومن المستفيدين من تأجج أوضاعنا الداخلية، لطالما راهنوا ويراهنون على الفتن الداخلية في وطننا لبنان، لتحقيق غاياتهم، ولكنهم لا يعلمون بأننا اليوم قد حصنا أنفسنا ووطننا في وجه الفتن الداخلية، حصيلة الأعوام الثلاثين الأخيرة من تاريخ لبنان، ونحن أعلم اليوم بالجسد اللبناني أكثر من أي وقت مضى، وأعلم بحال أنفسنا، وإن أي رهان سيقوم على فتنة داخلية في لبنان سيكون خاسرا إن شاء الله تعالى، وإن أية محاولة لتوظيف أي حادث في فتنة داخلية، مذهبية أو طائفية، سيفشل بإذن الله تعالى، فليس هناك خلاف بين السنة والشيعة في لبنان، ولا خلاف بين المسلمين والمسيحيين في لبنان، وإن اللبنانيين سيكونون دوما وحدة لا تتجزأ في الكيان والمصاب، ولابد لنا أن نبقى دوما المثل الذي يحتذى به بين الأمم”.
وقال: “أما الخلافات السياسية فهي مشروعة في نظامنا الديموقراطي، ولكن لا بد لها من أن تبقى في حدود السياسة والسياسيين، وأن يحيد الشارع عنها، وعسى أن تتحمل وسائل الإعلام مسؤولياتها في التخفيف من حجم أي توتر سياسي قد يطرأ، وإن من واجبنا في توحيد كلمتنا ورص صفوفنا، إصلاح ذات بين المتخاصمين من الإخوة في الوطن الواحد، عملا بقوله تعالى: (إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون)، وعلينا جميعا بلين الجانب والتآخي والتصافي، والتراحم ومناصرة كل عمل يؤدي إلى وأد الفتنة في كل زمان ومكان، فأحسنوا رحمكم الله صلتكم بربكم، وصحبتكم لهذا الشهر المبارك، وحببوا طاعة الله إلى قلوب أولادكم وأهليكم، فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، وقد قال الله تعالى في القرآن الكريم: (قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا)، وقال أيضا في القرآن الكريم: (فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسن*أولئك الذين هداهم الله فبهداهم اقتده)،تقبل الله منا ومنكم، الصلاة والصيام والقيام، وصالح الأعمال، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، وتوبوا إلى الله أيها المؤمنون لعلكم تفلحون”.
وأعلن مفتي الجمهورية أن دار الفتوى سوف تقوم بترميم وتأهيل مسجد البسطة الفوقا ليعود في أبها حله وتقام فيه الصلوات الخمس.
وابلغ رئيس جمعية المقاصد أمين الداعوق مفتي الجمهورية بتبرعه بمبلغ عشرة آلاف دولار من حسابه الشخصي مساهمة في مشروع ترميم وتأهيل المسجد.