من جنيف 1 إلى جنيف 2 إلى فيينا ومجلس الأمن، قرارات متتالية لم تلامس تطلعات الشعب السوري، وأصبحت مثار جدل وتساؤل وكان آخرها القرار 2254 الذي يأمل بعض السوريين بأن يحقق نقلة أو زحزحة في قضيتهم التي تتجاذبها القوى الدولية. حول أهمية القرار وما يمكن أن يقدم للقضية السورية التقت سوريتنا الحقوقي والمحامي أنور البني، رئيس المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية.
القرار 2254 لم يأت ليحل الوضع في سوريا وكحاجة للسوريين وإنما جاء كحاجة للدول الأخرى، روسيا بوتين تحتاجه لتترجم تدخلها العسكري على الأرض بوضع سياسي دولي يشرعن تدخلها ويمنحها صلاحية إدارة الوضع ويرسخ نفوذها وإقصاء إيران نسبيا عن الصورة، أمريكا أوباما تحتاجه لتغسل يدها من دم السوريين وتؤكد استقالتها من المنطقة وتركها لتأكل بعضها، اوروبا وحدها تحتاجه كمنقذ من هذا الدوران العبثي الذي يعرضها لمختلف الأخطار دون أن تتمكن من اتخاذ مبادرة للدفاع عن نفسها، إيران مرغمة على قبوله في ظل التوازنات العسكرية على الأرض والخسائر الكبيرة التي لحقت بها مؤخراً، واقصائها نسبيا، النظام السوري يحتاجه ليتقدم خطوة في ظل بعض الأصوات والمبادرات الغربية المطالبة بإعادة تأهيله والاستفادة من التدخل الروسي العسكري في مواجهة التغول الإيراني، تركيا والدول الخليجية تحتاجه لتمرير الوقت في ظل عجزها عن اتخاذ مبادرات عملية للتأثير الفعلي في ظل تعقد الوضع في اليمن والعلاقات التركية الروسية. القرار الدولي كان حاجة لجميع اللاعبين في سوريا ما عدا الشعب السوري، ولم يقدم له شيئا.
وقال البني: السوريين وحدهم من سيرسم مستقبل سوريا، ولكن هذا يختلف عن دورهم بالوصول للحل والبدء برسم المستقبل، لم يحصل سابقا أي تغيير في أي منطقة بمعزل عن التأثير الخارجي. ويجب أن نبحث ونشجع الدور الخارجي الداعم لمطالب الشعب، علمأ أن شدة تأثيره يختلف بمدى متانة الوضع الداخلي وعناصر القوة المتوفرة لجعل التأثير متبادلا ونافعا للجميع، وهذا مطلبنا من السوريين المنوط دورهم بطريقة الحل القادم، فكلما كانت الحلول المقترحة مائعة ولزجة وغير قابلة للتنفيذ والحياة وتعتمد على مجرمي الحرب والمجرمين ضد الانسانية لبناء سلام يتضاءل دور السوريين ويترك للدور الخارجي الفعل والتأثير، وكلما كانت الحلول جذرية وحاسمة ترفض مشاركة المجرمين لبناء المستقبل يزداد دورهم ويصبح هو الأساس في بناء المستقبل، لذلك فإن الحلول المقترحة حتى الآن تحت عنوان ” حل سياسي” هي حلول مائعة لزجة غير قابلة للحياة ويتم تسويقها لتعزيز الدور الخارجي وإعطاءه الأولوية لرسم المستقبل وسحق أي دور للسوريين وهذا ما يتوجب التركيز عليه.
لماذا لم يتجه الحقوقيون السوريون في أوروبا للقضاء الأوروبي المحلي لمحاكمة رموز النظام السوري ومجرمي الحرب
لا يمكن مبدئياً وحتى الآن إقامة محاكمات لمجرمي الحرب في سوريا أمام محاكم دول أخرى.
القضاء الوطني لكل دولة يختص بالجرائم التي تقع على أراضيها بغض النظر عن جنسية المجرم أو الضحية، أو إذا كان المجرم أو الضحية من جنسيتها بغض النظر عن مكان وقوع الجرم، وبالتالي لا اختصاص للمحاكم الوطنية بأوروبا للنظر بالجرائم المرتكبة في سوريا، والطريق الوحيد هو محكمة الجنايات الدولية، وطريقها مغلق للأسف بسبب ضرورة إصدار قرار من مجلس الأمن وهذا ما يبدو مستحيلا بسبب الموقف الروسي المتورط بالجرائم في سوريا بنفسه.
نتيجة متابعة العديد من الجهات الحقوقية تقدمنا خطوة على طريق فتح المحاكم الوطنية الأوروبية أمام القضايا السورية بحيث أصبح يمكن تنظيم ضبوط بالجرائم من قبل الضحايا الذين يصلون كمهاجرين، وتحال الشكوى للمحكمة إذا كان الجاني قد وصل إلى الدولة نفسها كلاجئ، وبالتالي فإنها خطوة جيدة على طريق تحقيق العدالة ولكنها حتما غير كافية، لأن العدالة في سوريا يتوجب أن تكون في الداخل وبأيدي سورية بمساعدة ومشاركة دولية. ولذا سنقوم مستقبلاً في المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية بمشاركة منظمات حقوقية وجهات قضائية دولية بإنشاء “المحكمة السورية لمنع الإفلات من العقاب ” وسيتم فتح ملفات الجرائم المرتكبة، كخطوة أولية على طريق العدالة الانتقالية الطويل في سوريا.
يرى البني أنه لا يمكن السؤال عن جدوى العدالة الانتقالية، لأنه لا جدوى من أي مخرج أو حل للوضع السوري دون عدالة انتقالية، لا يمكن بناء مستقبل لسوريا قبل إبعاد ومحاسبة المجرمين الذين ارتكبوا كل هذه الجرائم وأوصلوا سوريا لهذا الوضع ليس خلال السنوات الخمس الماضية بل خلال الخمسين سنة الماضية لأن الجرائم مستمرة ومتواصلة ومتصلة، أي حلّ يسمح للمجرمين بالمشاركة بصناعة المستقبل هو حلّ مجرم يغامر بمستقبل سوريا كله، ولا يمكن إعادة اللحمة للنسيج الوطني السوري قبل الاقتصاص من المجرمين الذين فتتوا هذا النسيج، والحديث عن مصالحة ومسامحة هو لغو وتجاوز واضح لأبشع جرائم يمكن أن ترتكب بالتاريخ تجاه شعب.
مدى جدوى العدالة الانتقالية بعد تخريب النسيج من خمس سنوات حرب، وهل هناك أي أمل لعودة النشاط المدني والقانوني على الأرض
سيعود النشاط المدني والقانوني داخل سوريا حتما بل هو حجر الأساس لبناء سوريا الجديدة، هو لم يتوقف أساسا وإن تراجع بشكل كبير نتيجة سيطرة السلاح المنفلت، وحالما يتم وضع ضوابط ومرجعية للسلاح والقوة وتبدأ ورش البناء فإن النشطاء المدنيون والحقوقيون هم أول المتواجدين في ساحات البناء.
ماذا عن اليوم التالي؟
اليوم التالي واضح ومرسوم برأيي، سوريا بلد ديمقراطي مدني، هذه حقيقة لا لبس فيها بالنسبة لي، لأيماني بالشعب السوري وتاريخه وطبيعته، المشكلة كيف سيبدأ اليوم التالي ومتى؟
برأيي بل من معرفتي لهذا النظام منذ الثمانينيات، لن يحلّ الوضع السوري ونقضي على الدكتاتورية ونبدأ ببناء سوريا الجديدة دون وضع سوريا تحت وصاية دولية وتدخل عسكري خارجي بضوابط ومحددات زمنية وقانونية يحفظ الأمن ويمنع حالات الانتقام العشوائي ويقصي المجرمين ويحاكمهم ويسمح للشعب بتحديد خياراته ويعيد بناء جيش وقوى أمن وطنيين وينتخب قيادة جديدة. ودون هذا الحل لن يكون بمقدور أي جهة أن تفرض الأمن على المناطق السورية كافة، وسيبقى مجرمو الحرب الداخليون والخارجيون يتحكمون بالوضع لخدمة مصالحهم وسلطاتهم على حساب معاناة ودماء ودمار سوريا والسوريين.
واختتم المحامي البني بالقول “العالم كله اليوم مدعو لاتخاذ القرار بإنقاذ ليس الشعب السوري فقط وإنما لإنقاذ سمعته والتخلص من اللعنة التي أصابته بسكوته عن جرائم العصر الفظيعة مدة خمس سنوات والتي ستصيبه لقرون إذا لم يعمل على وقف الهولوكوست الذي يقوم به النظام السوري وإيران وروسيا على مرأى من كل العالم لشعب أراد العيش بحرية والتخلص من الديكتاتورية والاستبداد”.