بعد انقضاء أكثر من 12 عاما على بداية دراسته، عاد مشروع قرار استعادة الجنسية للبنانيين الذين فقدوها بفعل الهجرات منذ عشرينيات القرن الماضي الى الواجهة، حيث تصـّر الاطراف المسيحية على إدراجه على جدول الجلسة التشريعية، بصفة قانون معجل مكرر.
أين تكمن اهمية هذا القانون وحيويته، ولماذا هذا الاصرار على إعطائه صفة الضرورة، وهل هو فعلا حاجة مسيحية صرفة ام حاجة لبنانية ووطنية؟.
من السذاجة القول إن أبناء اللبنانيين الذين هاجروا بداية القرن الماضي، واستوطنوا بلاد المهاجر في الولايات المتحدة واميركا اللاتينية وكوبا وسواها، وممن فقدوا اتصالهم بأهلهم في لبنان، يبدون حماسة لاستعادة جنسيتهم اللبنانية. علما ان معظم هؤلاء هاجروا من جبل لبنان المسيحي، ولم تكن “دولة لبنان الكبير” موجودة ومعترفاً بها، وكانوا يغادرون عبر المرافيء البحرية، فيتوجهون الى المرافيء في طرابلس وبيروت، ينتظرون قدوم باخرة (“بابور”)، ويتوسلون نقلهم الى اي مكان، على ان يعملوا على الباخرة لقاء إطعامهم فقط. وكانوا حين يبلغون مقصدهم في القارة الاميركية يصرحون بالجهة التي جاؤوا منها، وكانت مرفأ طرابلس، اي انهم من التابعية السورية، نظرا لوقوع مرفأ طرابلس في تلك الايام ضمن ولاية الشام.
فلهؤلاء، في كل قرية في الجبل اللبناني حكاية عائلات هاجرت وانقطعت اخبارها، خصوصا أولئك الذين لم يوفقوا في تحصيل المال الوفير لارساله الى لبنان او للعودة الى بلاد الارز.
ولهؤلاء أبناء وأحفاد، لا يعرفون لبنان، ولا يعرفون أقاربهم الذين قدّر لهم البقاء على قيد الحياة في زمن المجاعة، ولكن قسما كبيرا من هؤلاء يمثل مشكلة عقارية! فبينهم من يملك عقارات في القرى والمدن التي هاجر منها، وفي الاغلب هم لا يعرفون انهم اصحاب عقارات في لبنان، او انهم لا يدركون اهمية هذه العقارات المالية اليوم.
ولكن في المقابل غالبية هؤلاء، وإن كانوا مستهدفين بقانون استعادة الجنسية إلا أن بينهم وبين إثبات لبنانية نسبهم صعوبات ليست قليلة، تبدأ أولا بإثبات ان اجدادهم ليسوا سوريين، فضلا عن ان عدد المهتمين من بينهم باستعادة الجنسية غير معروف. وهم، وإن كانوا بمئات الآلآف في المهاجر، إلا أن معظمهم غير معني بلبنان، وهم أسسوا حياتهم في المهاجر ولا يرتبطون بأي صلات من اي نوع مع بلاد اجدادهم.
وتاليا، التعويل على حماسة هؤلاء في استعادة جنسيتهم قد لا يكون في محله، ليس بالنسبة للمسيحيين، بل بالنسبة للذين يتخوفون ويرفضون طرح هذا القانون. فإذا كان تسجيل اللبنانيين في السفارات ليمارسوا حق الاقتراع في الخارج، قد أخفق ولم يتسجل في كل العالم سوى بضعة آلاف من كل الطوائف، فالحماس لن يصيب جميع اللبنانيين المهاجرين الذين فقدوا جنسيتهم وسيسعون الى استعادتها فور صدور القانون.
وإذا كان القانون لا يمثل إغراءا للمهاجرين، فمن هم الذين يمثل لهم القانون عامل جذب لاستعادة الجنسية؟.
في الغالب قد يكون عناصر جيش لحد الذين فروا الى إسرائيل من اكثر المهتمين بهذا القانون. فهؤلاء تكاثروا في إسرائيل وسواها من المهاجر التي قصدوها، وانجبوا اولادا، لا يملكون جنسية لبنانية، وبطبيعة الحال لا يملكون جنسية إسرائيلية. بالتالي، فإن القانون يمثل عامل جذب لاعطاء الجنسية اللبنانية لابنائهم عبر السفارات اللبنانية في الخارج.
في العام 2002 أشارت الاحصاءات الى ان عدد عناصر ميليشيات لحد وعائلاتهم وجميع الذين فروا الى اسرائيل يبلغ 7600 شخصا، بقي منهم ما يقارب الثلاثة آلاف.
ومع فشل محاولات إعادة هؤلاء الى لبنان، خصوصا ان ورقة التفاهم بين التيار العوني وحزب الله لحظت حلا لهؤلاء إلا أنه بقي حبرا على ورق. فقد يشكل هذا القانون مخرجا لهؤلاء.
*
وورد في ورقة التفاهم العونية مع حزب الله، في البند السادس
“اللبنانيون في إسرائيل:
انطلاقاً من قناعتنا ان وجود أي لبناني على أرضه هو أفضل من رؤيته على أرض العدو فإن حل مشكلة اللبنانيين الموجودين لدى إسرائيل تتطلّب عملاً حثيثاً من أجل عودتهم الى وطنهم آخذين بعين الاعتبار كل الظروف السياسية والأمنية والمعيشية المحيطة بالموضوع؛ لذلك نوجه نداء لهم بالعودة السريعة الى وطنهم استرشاداً بنداء سماحة السيد حسن نصر الله بعد الانسحاب “الإسرائيلي” من جنوب لبنان واستلهاماً بكلمة العماد عون في أول جلسة لمجلس النواب”.