– أورينت نت
عاملان يسهمان في تخويف الكُرد، العامل الأول: عدم وجود الإرادة الحقيقية لدى كل الأطراف المنضويّة في مؤسسة تسمى ب”الهيئة الكُرديّة العليا” للعمل سويّا لنقل الشارع الكُردي من حالة البقاء على مفترق طرق إلى كونها عنصراً أساسياً في مستقبل الثورة.
والعامل الثاني: عدم وجود رؤية واضحة لدى كل الكثير من القوى الكُرديّة لتطمين الناس على مستقبلهم باستثناء حزب”ب ي د” وهو الحزب الوحيد الذي يعمل ليلاً نهاراً لتحقيق الخطط التي اتخذها لنفسه والعمل على تحقيقها.
والحق وإن كان هذان العاملان يسهمان في تعكير صفو الشارع الكُردي إلا انّ ثمة خلفية مشتركة لهذين العاملين وهذه الخلفية لا نبالغ إن قلنا تختزل في مفردة واحدة “النفاق الكُردي”. هذا النفاق الكُردي السياسي أصبح جزءاً من الثقافة السياسيّة منذ أواسط سبعينيات القرن المنصرم أي عندما حدث انشقاق في الجسد الكُردي السياسي وصار جزء منه يتناغم مع ثورة البرازاني وجزء ضدها.
حينذاك بدأ كل طرف يراوغ ويصنع الأكاذيب لتبرير وجه نظره التي تحولت شيئاً فشيئاً لأسلوبٍ يطبع الثقافة الحزبيّة. ففي السابق اكتفت الأحزاب الكُردية بالمزاودة بعضها على البعض بالشعارات الكبيرة وغير المدروسة، ولغة المخاطبة الوحيدة وهي لغة المهاترات ونعت بعضها البعض ب”التبعية” لجهة كردستانية سواء في تركيا أو العراق، بعد ذلك بدأت الأحزاب بالمزاودة على “الاشكالية القومية والوطنيّة” أي أن جزءاً منها التزم بالوطنية السورية أكثر من القومية الكُردستانيّة لكن سرعان ما تحول النهج الكُردي إلى المزاودة على “الوطنيّة الخالصة” عبر سلسلة بيانات غير المكلفة التي يعلن بها دعم الثورة، وبدت كما لو أنّ كل هذه الأحزاب لا علاقة لها بالكردستانية ،أو الانتماء لكُردستان، لكن بالمقابل فإن هذه الأحزاب التي انخرطت بالثورة عبر بيانات فقط ،استغلت بعض التنسيقيات الكُردية من خلال تناغم مؤسسيها وراحت تهمس في أذن جمهورها كيف أنهم عندما التقوا بالبرزاني كانوا يقولون كذا وكذا. وهنا برزت اللوحة الكاملة للنفاق مع نقصٍ بسيط لم يكتمل إلا حينما انكشفت الأمور وتبين أن ثمّة أحزاب كُردية تحمل الهويّة المزدوجة للحراك، فهم أعضاء في المجلس الوطني الكردي وبنفس الوقت أعضاء في مجلس الوطني السوري خصوصاً أن رؤى الطرفين أي المجلسين متناقضة بخصوص الثورة إذ أن المجلس الوطني الكردي يؤمن بالنضال السلمي الديمقراطي في حين المجلس الوطني السوريّ منخرط بالعلاقة مع القطاع العسكري، أي الجيش الحر، والسؤال الذي يطرح نفسه، هو كيف استطاعت الأحزاب المنضوية لجهتين متعارضتين تحديد موقف ثابت لها في ظل عدم وجود اتفاق بينهما، وكيف استطاعت تنفيذ رؤى المجلسين في آن واحد؟ وكيف استطاعت تحقيق الانسجام الذاتي؟ في الحقيقة لا يستطيع أي حزب مهما كان محنكاً سياسياً التوفيق بين الرؤيتين المختلفين إلا إذا ما استند إلى “النفاق السياسي”، وهنا مربط الفرس.
لذا لا نستغرب ما يحدث اليوم فهو نتيجة حتمية لاستهتار القوى الكردية بحال الثورة من جهة وبحال الكرد من جهة أخرى، فالأطراف الكُرديّة لم تلتزم بروح الثورة عند مقاربة مصالح الناس، وكانت تقفز فوق تطلعاتهم عندما يريدون وحدة الصف الكُردي إضافة إلى غريزة الحسد حيث يتصور بعض الشركاء أن تقاسم الكعكة أصبح قريباً وما عليه إلا التحرك ليكون له نصيبٌ فيها، في الوقت الذي نسي أن الكعكة ستكون لهم حينما يحسنون الأداء ويعملون برويّة مع الثورة و يجارون حال الكُرد أيضاً.
قدر الثورة السوريّة أن الأحزاب السياسيّة المشاركة بها، كُرديةً كانت أم عربيّة لا تهمها الثورة بقدر من ما يهمها الكسب السهل والتباهي بالعظمة ويحدث كل هذا في ظل وصول عدد الشهداء إلى ما فوق المائة ألف، بالإضافة إلى مئات الآلاف من المعتقلين، وملايين المشردين والمحرومين من السكن في بيوتهم التي تحمل ذكرياتهم..الخ.
بقي القول أن حال الكُرد لا يختلف كثيراً عن حال الثورة، ولذلك فان الثورة هي كفيلة بتغيير أحوال سوريا بأجمعها لكن قبل ذلك على القوى الحريصة على الكُرد أن تكون فاعلة في المشهد السياسي للثورة أن تكون قريبة إلى ضمير الناس وأن تغض النظر ولو قليلاً عن مصالحها الآنية وعليها الانتظار والتمعن في تطلعات الناس وذلك لئلا يضيع الجزء الباقي من مجتمع الثورة عبر الانخراط في الحرب المجنونة…كُردية كانت أم عربية!!
2/7/2013