هناك.. في الأفق، تلوح “نقطة تصادم”..هذا يقين. لكنني أرى قربها راية أمل.. وهذه ربما تكون وهما!
كان حدث اغتيال الشيخ مبارك الصباح لأخويه في العام 1896 وانتزاعه الإمارة لنفسه بالقوة، الحدث السياسي المحلي الأول الذي ترك آثاره بوضوح على “السياسة المحلية” وعلى العلاقة بين (الشيوخ) و(الأهالي)، وقد ظهر التوتر وعدم الارتياح بين الأهالي في عهد مبارك الصباح الذي تصفه كتب التاريخ بأنه أمير مستبد. وفي عهده حدث (التصادم الأول) حين هجر الكويت بعض تجارها احتجاجا على سياساته.. وعلى الرغم من جبروته وعناده إلا أن الشيخ مبارك كان ذكيا فقد (استرضى) التجار بنفسه ومن خلال ابنه الشيخ سالم، ولم يستنكف أن يقوم هو شخصيا بزيارة البحرين لاسترضاء أحد التجار وتقديم تعهدات شخصية.
بعد مبارك جاء ابنه الشيخ جابر الذي لم يشهد عهده ما يستحق الذكر. أما عهد ابنه الآخر الشيخ سالم، فقد مر بسلام على الرغم من تذمر (الأهالي) من سياسات سالم وحروبه.. وقد آثر (الأهالي) انتظار موته، وما أن توفي الشيخ سالم حتى “تنفس الكويتيون الصعداء” كما تورد كتب التاريخ، وقرر (الأهالي) تقديم تصورهم للعلاقة بين الأمير الجديد وبينهم، فصدرت وثيقة العام 1921 التي تعتبر الموقف السياسي الأبرز (للأهالي) وقد وافق الشيخ أحمد الجابر على مطالب (الأهالي) بلا أدنى تردد و(احتوى غضبهم) الذي تراكم منذ عهد سلفه سالم وربما منذ عهد مبارك.
وبحسب وصف كتب التاريخ للوضع في الكويت في الفترة بين العام 1937 والعام 1939، يمكن ملاحظة بعض أوجه التشابه بين تلك الفترة وما تشهده البلاد اليوم، حيث “كانت الإدارة تعاني من عدم اهتمام المسؤولين ولم تكن هناك عناية بالمصالح العامة ولا يوجد تنظيم يكفل تحقيق العدل للناس فالتلاعب كثير وفي كل فروع الإدارة..”. وقد دفع سوء الأوضاع إلى قيام “حركة إصلاحية” (استجاب) الحاكم لأهم مطالبها وهو إنشاء المجلس التشريعي الأول الذي أعد أول دستور للبلاد تضمن النص على أن الأمة مصدر السلطة.. تردد أحمد الجابر في الموافقة، فلاحت في الأفق نقطة تصادم جديدة، فخاطبه أعضاء المجلس التشريعي كتابة بقولهم: “فإما على الخير وأنت على رأس هذه الأمة يحيط بك الإجلال ويحفك التقدير والحب من كل حدب وصوب، وإما إلى ضده..”، فاضطر الشيخ أحمد إلى الموافقة على الدستور الجديد ولم يكابر أو يعاند، و(احتوى غضب الشعب) مرة ثانية. غير أن نقطة صدام أخرى كانت تلوح في الأفق أيضا، فأحمد الجابر لم يكن مقتنعا بضرورة وجود المجلس التشريعي، فبعد أن تم حل المجلس التشريعي الأول وانتخاب المجلس الثاني، حدثت المواجهة الدامية بين الحاكم و(الأهالي) فقتل من قتل فيها وسجن من سجن، وما زال ذلك الصدام الذي لم يحتويه الحاكم، يثير حماس الشباب اليوم ويكدر خاطر الشيوخ ويثير حساسيتهم عند ذكره.
بعد الشيخ أحمد الجابر، جاء الشيخ عبدالله السالم الذي كان إصلاحي النزعة، ومع ذلك جرت بعض الأحداث في عهده، وظهرت مطالبات بإعلان الاستقلال وإصدار دستور وتبني الحكم النيابي، وقد أحسن عبدالله السالم، في نهاية المطاف، التعامل مع تلك المطالبات، وكان متوافقا مع نفسه ومتجاوبا مع رغبة (القوى الوطنية)، فجاء دستور 1962.
خلال جلسات المجلس التأسيسي توترت العلاقة بين الشيوخ وبعض أعضاء المجلس التأسيسي.. لكن حكمة عبدالله السالم (احتوت التوتر) وانحاز صوب الشعب. ومع بداية مجلس الأمة أعماله في العام 1963 طرأ تحول مهم إذ أصبحت (الحكومة) هي واجهة الشيوخ، وأصبح (المجلس) واجهة الأهالي.. أو الشعب.
مات عبدالله السالم عام 1965 وخلفه الشيخ صباح السالم.. تم تزوير انتخابات مجلس الأمة عام 1967 ولم يحدث صدام.. تم حل مجلس الأمة وتعليق الدستور عام 1976، ولم يحدث صدام. مات صباح السالم وجاء الشيخ جابر الأحمد.. صمد الشيوخ في قرارهم حتى العام 1981 حين (احتوى) جابر الأحمد الرغبة الشعبية التي تنامت بعودة العمل بالدستور لاسيما بعد فشل مشروعه بتعديل الدستور. أعاد الشيخ جابر الأحمد الكرة وعلق الدستور في العام 1986 ولم تحرك المعارضة ساكنا لمدة 3 سنوات ثم تحركت فيما يعرف “بدواوين الأثنين”.. وقد أعادت الحركة الشعبية تلك العمل بالمعادلة القديمة: (الأهالي) و(الشيوخ)، أو (الشعب) و(السلطة)، وكانت الأمور تتجه نحو التصادم، إلا أن الغزو العراقي جاء فحال دون وقوع ذلك التصادم.. خرج الشيوخ من الغزو بلا قدرة على استكمال مشروع الانقلاب على نظام الحكم الدستوري فعاد البرلمان، و(احتوى) جابر الأحمد الزخم الشعبي الغاضب بعد التحرير فعين ستة وزراء من مجلس الأمة.
مات جابر الأحمد.. فتولى الإمارة صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد عن طريق مجلس الأمة. جاءت أزمة الدوائر الانتخابية.. خرج الشعب إلى الشارع.. فاستجاب الأمير لمطالب الشعب ونوابه و(احتوى) الرغبة الشعبية فلم يحدث تصادم.
تكررت الأزمات السياسية بوجود الشيخ ناصر المحمد في رئاسة الحكومة منذ العام 2006.. وهو لا يتمتع بخبرة أو كفاءة من سبقه.. أدركت بطانته أن عليهم، إن أرادوا تثبيته في السلطة، أن يفعلوا شيئا ما. واعتبارا من العام 2009، نفذوا، باقتدار، “سياسة السيطرة” على القوى السياسية والأغلبية البرلمانية والصحافة.. كانت النتائج مبهرة.. ديمقراطية شكلية وصحافة حرة “نسبيا” مع إعلام فاسد “حر” يضرب الوحدة الوطنية كيفما شاء.. لم تكتف بطانة ناصر المحمد بهذا القدر من “السيطرة”، بل انتقلوا إلى مرحلة “السيطرة التامة”.. فظهرت الملاحقات السياسية فتم سجني، ثم سجن خالد الفضالة، ثم ظهر أسلوب استعراض القوة فاستخدمت القوات الخاصة في ضرب الناس والنواب، ثم سجن الدكتور عبيد الوسمي.. أحكموا “قبضتهم” على مجلس الأمة وعطلوا جلساته.. لكن “البوعزيزي” أجبر سلطة ناصر المحمد على التراجع قليلا.. ثم فاحت رائحة الفساد حتى أزكمت الأنوف كما يقال. ساد التذمر.. بدأ (الأهالي) في التحرك.. تراجع منهج القوة قليلا.. سمح (للأهالي) بالتظاهر والتجمع.. ارتفع سقف الحراك الشعبي رفضا لسياسة السيطرة التامة.. وها هم الشباب يناقشون الآن علنا في “تويتر” فكرة العصيان المدني.. بعد المطالبة العلنية في ساحة الإرادة بمحاكمة رئيس الوزراء.. والتمنيات التي تطرح علانية برؤيته خلف القضبان.. الغضب الشعبي يحتدم.. مطالبات بإمارة دستورية.. الوضع أكثر جدية من دواوين الأثنين، ولست أدري إلى أين تتجه الأمور.. لكنني أرى في الأفق نقطة صدام.. هل ترونها معي؟
مع ذلك، فأنا أرى، أو ربما أتوهم، رؤية شيء ما على الجانب الآخر.. شيء يبدو لي كأنه راية أمل.. نعم أمل لأن رائحة الكويت القديمة الأصيلة مازالت فواحة.. (الاحتواء الإيجابي.. الاستجابة قبل بلوغ نقطة الصدام) ذلك هو تراث الشيوخ.. أما إن كنت أتوهم وجود تلك الراية، فإنني على يقين أن لدى الكويت راية أمل أخرى.. هي معين لصيانة حاضرها وبناء مستقبلها.. معين لن ينضب من الأمل.. روح وهمة ونقاوة وسواعد شبابها..
لقد عادت معادلة (الأهالي) و(الشيوخ) للعمل مجددا.. وحين تعمل هذه المعادلة.. يفوز (الأهالي)، هذا ما يقوله التاريخ!
الكويت: هذا ما يقوله التاريخ!
ارى ان ازلام ايران يحيكون المؤامرات وليس بمستبعد ان يحدث انقلابا ابيض بشكل ديمقراطي مزيف يمكن لإيران من الكويت . فهل مايجري في الكويت الان لأجلها واجل تطورها وحريتها وديمقراطيتها وقوميتها العربية الخليجية ام ذلك كله مبررات لأجل دخول عملاء ايران لإحكام السيطرة على الكويت عن طريق الانتخابات وتفاهمات الشيوخ والاهالي؟