ينص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والصادر عن الأمم المتحدة في 10 ديسمبر عام 1948 علي الآتي:
– مادة أولي: يُولد جميع الناس أحراراً متساوين في الكرامة والحقوق، وقد وُهبوا عقلاً وضميراً، وعليهم أن يعامل بعضهم بعضاً بروح الإخاء .
– مادة 19: لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير. ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية .
– مادة 23: 1- لكل شخص الحق في العمل. وله حرية اختياره بشروط عادلة مرضية، كما أن له حق الحماية من البطالة. 2- لكل فرد- دون أي تمييز- الحق في أجر متساو للعمل. 3- لكل فرد يقوم بعمل، الحق في أجر عادل مُرضٍ يكفل له ولأسرته عيشة لائقة بكرامة الإنسان، تضاف إليه، عند اللزوم، وسائل أخري للحماية الاجتماعية .
وينص الدستور القطري علي الآتي:
مادة 18: يقوم المجتمع القطري علي دعامات العدل والإحسان والحرية والمساواة ومكارم الأخلاق .
مادة 19: تصون الدولة دعامات المجتمع، وتكفل الأمن والاستقرار، وتكافؤ الفرص للمواطنين .
مادة 47: حرية الرأي والبحث العلمي مكفولة، وفقاً للشروط والأحوال التي يحددها القانون .
مادة 48: حرية الصحافة والطباعة والنشر مكفولة وفقاً للقانون .
ونلاحظ في كل تلك المواد- الدولية والمحلية- ما يدعم حق الإنسان في العمل دون تمييز، أو تفضيل فئة دون أخري، وتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص، وأن يتم استغلال ثروات البلاد الطبيعية الاستغلال الأمثل، وهي مُلك الدولة. ونلاحظ أيضاً كفالة حرية الرأي وحرية الصحافة، وأن العدل والإحسان والمساواة ومكارم الأخلاق من دعامات المجتمع القطري .
من هنا، فإن من حق المواطن التعبير- من خلال وسائل الإعلام- عن أي خلل يطرأ في مؤسسات الدولة العامة. وفي المؤسسات التي تنشئها الدولة وتتعلق بحياة المواطنين. أو بمخالفات المباديء الأساسية لحقوق الإنسان، أو الدستور القطري.
فتناول قضايا الفساد الإداري من الواجبات الأساسية لكل صاحب قلم، وأن الأقلام المداحة لا تكسب احترام القاريء علي الدوام، وهي أقلام لا تفيد المجتمع، بل إن مثل هذه الأقلام تسيء إلي المجتمع وإلي الحكومة، التي لا يفيدها إلا كشف ما يعتور المؤسسات العامة من هنات وخفايا تتعارض مع القوانين، ومع النصوص الداعمة لدعامات المجتمع القطري الأساسية. فالعدل يتعارض مع سوء استغلال المنصب، والمساواة تتعارض مع المحاباة، وتجميع العائلات والجنسيات في مؤسسات محددة دون أن تكون لتلك العائلات والجنسيات المؤهلات اللازمة لإدارة العمل ودعم الانتاجية، وهذا يضعف الانتاجية، ويخالف مبدأ تكافؤ الفرص.
كما أن شعور الفرد بأنه يُعامل بدونية مقارنة بأفراد آخرين يجعله إما يكون عضواً غير فاعل، و مُطنش لقضايا وطنه وأمته، أو يكون عضواً في جبهة أو مؤسسة منحرفة تسعي إلي زعزعة الأمن والاستقرار، وهذا يتعارض مع مبدأ الاستقرار الذي تصونه الدولة!
ولأن حرية الرأي من الأساسيات التي كفلتها القوانين الدولية والمحلية، فإن مصادرة هذا الرأي وحجبه عن وسائل الإعلام تُعتبر من المخالفات الأساسية لتلك القوانين، ولا يحق لأي جهة كانت مصادرة ذلك الرأي إن لم يتجاوز القوانين والأعراف الإعلامية، خصوصاً إن كان ذلك الرأي في مصلحة المجتمع، ويتناول قضية من قضايا الأمة، ويسعي لرفع ظلم وقع علي مجموعة، أو تنوير المسؤولين أو المؤسسات بممارسات غير صحية تحدث هنا أو هناك، أو تكشف خللاً إدارياً أو مهنياً يطال مؤسسات قطرية تسعي لأن توجد لها بني تحتية تؤهلها للنجاح والمنافسة.
ودوماً كان الرأي الآخر محل تقدير الحكومات الديمقراطية، وهو المعول الأساسي في تثقيف وتنوير الشعوب، وإخراجها من حظائر الولاء التاريخي- بكل أبعاده الأمية والقبلية والثيوقراطية- وبث الشعور في المجتمع بحتمية التغير والمطالبة بحقوق الأفراد والجماعات علي أساس من العدالة والإنصاف، ما يساهم في تشكيل الفرد القادر علي التعامل مع معطيات العصر، المدرك لحقوقه وحقوق الآخرين، وبذلك تسود المجتمع قيم الوفاء والأمانة والسوية!
إن إيقاف مقال هنا، أو تكبيل رأي هناك، لن يوقف كرة الثلج من التدحرج، ولن يحد من كشف زيف الممارسات الخاطئة، أو قيام مؤسسة أو أكثر بالإجتراء علي حقوق المواطنين، أو القفز فوق القوانين في غفلة من التاريخ، أو إهتياج بالنشوة أو الانتصار المرحلي المؤقت.
وإذا كانت هنالك فئة من الكتّاب، وهبها الله نعمة الكتابة والتعبير، فإنها حتماً لا تعبر عن مصالحها الذاتية، بل تعبر عن الفئات الأخري، التي ليست بالضرورة تستخدم القلم، وإن كانت تمتلك الرأي، وتتعاضد مع الطروحات النيرة التي تسعي ل تنقية مؤسساتنا المحلية من أدران الفساد، أو الاستئثار الإداري الشخصي لبعض المتنفذين، خصوصاً إن كان هؤلاء المتنفذون لا يمتلكون المؤهلات الحقيقية التي تؤهلهم لقيادة العمل، أو أن الصدف خلقت منهم أبطالاً من ورق.. لن يطول الوقت حتي تعصف بهم حقائق الزمان!
إن قضايا الرأي العام يجب أن تأخذ مكانها وطريقها نحو النشر، خصوصاً إن كانت تمس مؤسسات وطنية محلية، ولا نعتقد أن عاقلاً سوف يختلف معنا، إن طالبنا بتحقيق العدالة والانصاف الإداري وتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص، بل ويجب ألا يزعل و ينرفز علينا بعض – غير المؤهلين، والمتسلقين الذين دخلوا تلك المؤسسات من دون كفاءة وتحت جنح الظلام. هذا إذا ما افترضنا أن الآخرين يمتلكون العقول النيرة والآراء السديدة في مساندتنا في تنقية المؤسسات من المخالفات الإدارية، وإن تعارض هذا المطلب مع مصالحهم الشخصية، والتي بُنيت علي باطل!
في كل دول العالم- حتي الديمقراطية منها- تحدث مخالفات وسرقات وعسف إداري، وتفتح الملفات بروح من العقلانية والوضوح من أجل وضع الأمور في نصابها، وإصلاح الإعوجاج، ومحاسبة المخطيء!! وما وُجدت المحاكم إلا لإبراز الحقيقة ونصرة المظلوم وإدانة الظالم. ولكون العلاقة الأهلية احدي أبرز وسائل الإعلام في معاضدة المحاكم في كشف الحقائق، فإن من أولي واجبات هذه الصحافة أن تساند قضايا الرأي العام. بل وتنشط في جمع المعلومات المفيدة لدعم الحقيقة ومعاقبة المفسدين، ونصرة المظلومين.
ومتي شعر المذنبون بأن الصحافة تتابعهم وترصد اتجاهاتهم- المخالفة للقوانين- حتماً سوف تزول الظواهر السلبية في المؤسسات، وتصح مقولة: ما يصح إلا الصحيح!
كما نعترف بأن اليد الواحدة لا تصفق! ومتي أغلق باب في وجه كاتب، يجب أن يقوم كاتب آخر بفتح باب آخر. لكنني أشترط أن يكون الاختلاف في الرأي عاقلاً، وبكلمات لا تشق الصف، ولا تُفشل المسعي الأساسي لحرية الصحافة. فالكتابة المتشنجة والمتسرعة تحيد بالقضية عن مسارها الصحيح، وتصب في مصلحة المفسدين في الأرض . وأنا أتمني أن تخلو مقالاتنا من كلمات الاستعداء، أو الهجوم غير المبرر، والتحقير للآخرين الذين نتوسم فيهم الخير وصفاء النية لإبراز الحقيقة والدفاع عنها. وهنا نُعّول كثيراً علي درجة وعي الكاتب، وإيمانه العميق بصفاء سريرته ونقاء قلمه من الانتفاعات الذاتية، والمواقف الشخصية السلبية تجاه نظرائه من الكتَّاب. ولكي يتحقق الهدف الأسمي من حرية الصحافة، يجب أن يتخلص الكاتب من الذاتية ويعبر عن رأيه بأسانيد ورؤي ولغة صالحة لنقل فكرته للآخرين دونما الاقتراب من الشخصنة أو تنميط الآخر، في محاولة للحط من رأيه، أو كسب مجموعة من الآراء السطحية ضد الكاتب الجيد، والذي يدافع عن قضية يراها مهمة لإصلاح إعوجاج في مجتمعه.
نقول إن الكتابة عن الحق واجب وطني.. والوطنية تقتضي تشجيع أصحاب الرأي- وبكل الوسائل- لإيصال آرائهم لصاحب القرار ولجمهور المجتمع، وإن اختلف معه البعض، ومن أهم سلوكيات الوطنية هو الحفاظ علي تماسك المجتمع ووقف يد الظالم عن المظلوم، ودعم الحفاظ علي المال العام وتوجيهه نحو خدمة المجتمع وأمنه واستقراره، وإحسان أفراد المجتمع لبعضهم البعض، وهو ما يرتقي بالمجتمع عن حالات الحسد والضغينة والكراهية، تمهيداً للوصول إلي العدالة الاجتماعية التي تلغي الطبقية واستئثار فئة دون أخري، وقيام مراكز قوي لا تخدم المجتمع.
نحن نعيش حالة من الغلاسنوست التي تتطلبها المرحلة الحالية، وبدونها سوف نظل نعايش مشكلاتنا القديمة. وتخلف بعض مؤسسات وقلة انتاجتها. الغلاسنوست الجديدة تقتضي فتح الملفات.. جديدها وقديمها.. ووضع الأمور فوق الطاولة، ومكافأة المجد المنتج ومحاسبة المقصر الخارج عن الجادة!
الغلاسنوست تقتضي أن تكون الصحافة أكثر تعبيراً عن قضايا المجتمع، وأن يتفهم القائمون علي الصحافة دور الصحافة الأسمي، ويدعمون ضميرهم المهني.. وإن طار بعضهم- فكم من رؤساء التحرير طاروا لأنهم أصحاب مواقف، ورفضوا تأجير أقلامهم لطوارق الليل! فَلْيَطُرْ ثلاثة أو أربعة أو ستة، المهم أن يتوالي إبراز الحقيقة وتقوم الصحافة بواجبها الأساسي في تنوير المجتمع وخدمة الصالح العام. والذين يطيرون بكرامتهم خير ألف مرة لهم ولذويهم، من الذين يبقون صاغرين للهاتف الأحمر الذي يهددهم بالقذف خارج المكتب المطهم!!
إن الصحافي الذي لا يؤمن بقضية المهنية لن يستمر طويلاً، وأن الصحافة التلميعية تصلح لبعض الوقت، وليس كل الوقت، فحتي الحكومات تريد الوصول إلي الحقائق، خصوصاً الحكومات الرشيدة العاقلة التي تجاوزت مراهقة المجاملة وكهنوت التبجيل المزيف الذي لا يخدمها، ولا يحقق أهداف التنمية لمجتمعاتها. نحن ندعو إلي كلمة سواء !! ولا نود التهجم علي أحد أو تحقيره، بقدر إيماننا بأن كشف الممارسات الخارجة علي القانون يجب أن تظهر، إن كانت الوسائل التحتية أو رسائل التوسل لم تؤت ثمارها!! وكلمة السواء هذه تحتم علينا الإنصاف وكشف العيوب، ومساعدة صاحب القرار في حُسن إدارة الشؤون بكل صدق ووضوح!
إن مجتمعنا مُقبل علي انتخابات برلمانية مباشرة، وهناك من سوف يمثل الشعب في المجلس المرتقب، فما هي الثقافة المطلوبة للمرحلة القادمة! وهل ستكون هذه المرحلة امتداداً لمرحلة مجلس الشوري قبل 25 عاماً؟! وماذا سيحمل ممثلو الشعب إلي ذلك المجلس، إن لم يشهدوا حراكاً صحافياً يتناسب والمرحلة الحالية التي يعيشها المجتمع وتؤكدها شواهد الدولة الحديثة!
(الراية القطرية)