«
نحن لا نولد نساء، بل نصبح نساء»
سيمون دي بوفوار
*
أنت خليكي بالبيض والطماطم وبمطبخك أحسن لك، وخلي المواضيع المهمة لأهلها»، وآخر «اقول سدي فمك وخلي تويتر للرجال عيب عليك».. هذا بعض مما يصلني يوميا على تويتر ردا على ما أكتبه، سواء في تغريدة عابرة أو من خلال آرائي في هذه الزاوية، علاوة على السخرية والشتائم التي قد تصل إلى حد التكفير، فيما لو تجرأت واقتربت من قائمة المحرمات والممنوعات.
هذا ما نواجهه ككاتبات بعد أن انتقلت الحرب ضدنا من تعليقات الصحف إلى مواقع التواصل الاجتماعي، فنضطر إلى خوض رحاها يوميا عبر 140حرفا هي كل ما يحتاجه «أوصياء الفضيلة» الذين أعطوا لأنفسهم الحق في إقصائنا وفرض آرائهم ورقابتهم علينا، وتكميم أفواهنا والحجر على أفكارنا.
أن تكوني امرأة في مجتمعاتنا العربية، فهو أمر بسيط ومعقد في الوقت نفسه. بسيط فيما لو قبعت في الزاوية التي حددها لك المجتمع الذكوري، وخضعت لتعليماته واستجبت لوصاياه، واكتفيت بالمهام الموكولة إليك من «طبخ ونفخ وتفريخ». أما إن كنت ممن يحاولن نفض غبار التخلف وتشغيل عقلهن وتفكيرهن، فتلك هي الطامة الكبرى، فويل للتي فكرت وويل أكبر للتي تجرأت وعبّرت عن رأيها، ناهيك عن الكارثة التي ستحصل فيما لو تعدت على خطوطهم الحمر وتجاسرت على مفاهيمهم و«كتبت».
و«صار اللي صار».. فكرنا وعبّرنا وكتبنا.. لكن أن تفوز امرأة بجائزة أفضل عمود صحفي ضمن جائزة الصحافة العربية، فهذا ما لم يستطيعوا احتماله. فعندما نالت الكاتبة السعودية الدكتورة بدرية البشر تلك الجائزة من بين مئات الكتّاب العرب، قامت الدنيا ولم تقعد. ومع ظهور الخبر هلّت الشتائم عليها، لأنها فازت وعلينا لأننا نهنئها، واستنفر البعض بكل قواه للهجوم والتشكيك بالجائزة وبصدقيتها، وبدأ كيل التهم، لا لسبب إلا لأنها امرأة.. فكيف تتجرأ أنثى وتتفوق على كل هذا العدد من الذكور؟! ولهم نقول: قافلتنا تسير بكم أو من دونكم، وبدرية البشر تستحق الفوز ونحن فخورون بها.
أعود للأخ «أبو البيض والطماطم» الذي نصحني بالعودة إلى المطبخ (من قال لك اني مقصرة في هذا الشأن؟ فأنا ماهرة أيضاً في ما يتعلق بالبيض والطماطم)، وإن كنت تملك 24 ساعة في اليوم تقضيها بالتعدي على الآخرين والتدخل في خصوصياتهم، فأنا أستغل كل وقتي لإفادة من حولي، بدءا بعائلتي الصغيرة (وهذا يشمل أكلهم وشربهم وفكرهم)، وانتهاء بقرائي ومن يتابعني على تويتر وغيره. بينما أمثالك يلاحقون خطاي لا لسبب إلا لتفريغ شحنات النقص التي تنوء بها صدورهم.
وإلى باقي الرجال المحترمين: لا تخافوا منا..! ما نحن إلا نصفكم الآخر (ربما النصف الأهم)، لكننا لا نستطيع العيش من دونكم. وإن كنا قطعنا عليكم حبل استفرادكم في كل شيء، فهذا يحسب لنا وليس علينا. شدوا على أيادينا، وقفوا معنا لا ضدنا، فمعاً نحقق ما نصبو إليه.
d.moufti@gmail.com
كاتبة كويتية