“الشفاف”- بيروت
في الوقت الضائع حكومياً، عادت القوات اللبنانية لتثبت وتؤكد حضورها المسيحي واللبناني في القداس الاحتفالي الذي اقيم لـ”شهداء” القوات الذين سقطوا منذ تأسيسها وصولا الى يوم السبت في السادس والعشرين من ايلول المنصرم الذي شهد سقوط احد الوافدين للمشاركة في القداس من حافلة كانت تقله مع قواتيين آخرين.
تميز القداس الاحتفالي بدقة في التنظيم اعادت اللبنانيين بالذكرى الى الاحتفالات التي كان ينظمها “حزب الكتائب اللبنانية” بعد ان عقدت له الطائفة المارونية يمين الولاء. كما تميز القداس الاحتفالي بالمشاركة الجماهيرية الحاشدة من سائر المناطق اللبنانية في مؤشر على ان القوات استطاعت وبسرعة قياسية لملمة جمهورها وتأطيره وتنظيمه من جديد، الفرصة التي لم تتح لها بعد ان سلمت سلاحها أسوة بالميليشيات الاخرى، الحزب التقدمي الاشتراكي، وحركة امل التي ما تزال تحتفظ بجيشها كما حزب الله، في حين ان القوات تعرضت ومنذ اعتقال قائدها لجميع صنوف الملاحقات الميدانية والاعتقالات وصولا الى الافراج عن حكيم القوات قبل نيف واربع سنوات استطاع خلالها بالعمل الدؤوب والمستمر ان يختصر الوقت ويعيد للقوات اللبنانية وهجها على الرغم من المنافسة الشديدة التي يتعرض لها مسيحيا ولبنانيا، من قبل التيار الوطني الحر وحزب الكتائب اللبنانية التي خرجت القوات من رحمه على الساحة المسيحية وسائر مكونات الحياة السياسية اللبنانية على المستوى الوطني، حتى ليصح القول ان جعجع ما يكاد يقفل بابا حتى تـُفتح في وجهه ابواب.
وعلى الرغم من كل ذلك استطاع جعجع وفي فترة قياسية اعادة القوات الى الخريطة السياسية اللبنانية، وهو اثبت انه قابل على الالتزام بالتحالفات السياسية وذو صدقية ميدانية لجهة التصويت الانتخابي الامر الذي اربك الخصوم كما بعض الحلفاء.
في القداس الاحتفالي اعاد جعجع تأكيد التغيير الذي الحقه بخطاب القوات السياسي. فهو، بعد ان كان اعتذر بجرأة الواثق عن اخطاء وارتكابات الحرب التي ارتكبها عناصر القوات يوم ترأسها ومنذ تأسيسها، فهو شدد على الانفتاح القواتي على سائر مكونات الحياة السياسية اللبنانية حتى الشيعية من بينها وفي مقدمها حزب الله وحركة امل مؤكدا احترامه لخيار الطائفة الشيعية في التصويت للحزبين وحق الحزبين تاليا في التمثل الحكومي. كما اكد جعجع ان اللبنانيين بجميع مكوناتهم هم ضمانة لبعضهم البعض وتاليا يجب التخلي عن منطق وفكرة الاستقواء بالخارج التي خبرها جعجع يوم كان كتائبيا ولمس فشلها، كما ادرك ان الغلبة ليست قانونا لبنانيا ولا عرفا يستظله اي فريق، فاكد انفتاحه على رحاب الوطن.
ولكن جعجع اكد ايضا انه “قواتي” بمعنى انه لم يتنازل عن تاريخ القوات المقاوم للتوطين وللوجود الفلسطيني المسلح على الاراضي اللبنانية ومصادرة قرار الدولة من قبل الميليشيات اللبنانية منها وغير اللبنانية. وهو وان كان سجل في مرحلة سابقة ارتياحه للمواقف الصادرة عن قوى 14 آذار والقيادات السنية في لبنان لجهة تبني مواقف القوات في العلاقة مع سوريا والوجود الفلسطيني، لا ينفك يؤكد مشروع الدولة اولا وضرورة العمل على تكريس منطق الدولة بمكوناتها الفلسفية والجيوبوليتيكية، وفور تثبيت مكونات الدولة بالامكان الاختلاف على شكلها ديمقراطيا وفي صناديق الاقتراع.
لماذا يثير جعجع كل هذه الريبة لدى الخصوم وبعض الحلفاء؟
مسيحيا بالامكان ادراك خطورة تنامي القوات اللبنانية على التيار الوطني الحر وحزب الكتائب. فالقداس الاحتفالي اظهر ان جعجع اصبح قاب قوسين او ادنى من الامساك بزمام الشارع المسيحي خصوصا وان المشاركين هم في غالبيتهم من جيل الشباب، في حين ان حزب الكتائب الذي تلقى ضربة قاصمة باغتيال الوزير بيار الجميل يعاني من التقلبات السياسية الناجمة عن تباين في الرؤية السياسية بين الرئيس السابق امين الجميل ونجله سامي ما اوجد حالا من الضياع الكتائبي. في حين التيار الوطني الحر يعاني من سيطرة العماد عون التوتاليتارية عليه، وتجيير هذه السيطرة لصهره الوزير جبران باسيل، الامر الذي يربك قيادات التيار في ضوء فشل العماد عون في تحويل تياره الى حزب سياسي حيث ما زال الامر حبرا على ورق. وما يجري من تنظيم داخل صفوف التيار العوني لا يعدو كونه تكريس مواقع نفوذ الوزير باسيل دون سواه من القيادات العونية.
اما على المستوى الآخر فيبدو ان حزب الله هو الاكثر تضررا من تنامي القوات اللبنانية وصولا الى درجة مضارعتها للحزب الالهي تنظيما, فارتفعت الاصوات مزمجرة ومهددة خصوصا النائب نواف الموسوي الذي اتهم القوات بشن حرب الغاء على العماد عون مستخدمة الرئيس الحريري. ونسي الموسوي انه، بالاتفاق الرضائي وبالشراكة المطلقة مع التيار الوطني الحر وعن سبق الاصرار والتصميم، يشن حرب الغاء على جميع المسيحيين من غير العونيين وفي مقدمهم القوات اللبنانية وقيادات قوى الرابع عشر من آذار المسيحية. وما التصويت الشيعي في جبيل والبترون وبعبدا والمتن وكسروان الا خير دليل على سياسة الالغاء العونية-الحزب الهية. اما النائب السابق حسن يعقوب فاتهم القوات بالتسلح وبان الجيش اللبناني صادر شاحنة محملة بالاسلحة لصالح القوات اللبنانية. وفي معزل عن صحة هذا الخبر او عدمها، يتساءل اللبنانيون هل التسلح في بلادهم حرام؟ وهل مفاخرة حزب الله بمضاعفة ترسانته الصاروخية حلال؟ وهل حقا هذه الترسانة لردع العدو الاسرائيلي عن مهاجمة لبنان؟ واذا كان الامر كذلك، هلى كانت اسرائيل في شوارع بيروت في السابع من ايار يوم استباح هذا السلاح منازل المواطنين الآمنين والمحطات الاعلامية المناوئة وامعن فيها حرقا وتدميرا ونهبا؟ وما هي وظيفة هذا السلاح بعد ان وضع القرار 1701 اوزاره في الجنوب اللبناني وابعد الحزب وسلاحه ولو نظريا الى ما بعد نهر الليطاني؟ فلماذا سلاح القوات في ما لو كان الامر صحيحا يعتبر تهديدا للسلم الاهلي في حين ان سلاح حزب الله والحزب السوري القومي وسلاح احمد جبريل وجند الشام وفتح الاسلام الذي قال عنه السيد حسن نصرالله يوما انه “خط احمر”، وسلاح حركة امل، شرعي وضروري وسلاح القوات اذا وجد يمثل تهديدا للسلم الاهلي؟
وفي هذا السياق، يتساءل اللبنانيون هل حقا استفادت الاطراف اللبنانية واستخلصت العبر من تجارب الحرب ام ان هذا الامر مطلوب من القوات اللبنانية فقط؟ ولماذا تعمد جميع الاطراف الى تذكير القوات بمواقف كانت لها حيثياتها التاريخية والظرفية والعمل على محاسبتها على الماضي من دون الالتفات الى الحاضر والمستقبل معها؟ وهل المحاسبة على الماضي تقتصر على القوات على دون سواها؟ وماذا عن الميليشيات الاخرى؟ هل كانت توزع الازاهير على الناس وتؤمن لهم امنهم واستقرارهم في حين ان القوات كانت تعيث في الارض فسادا؟
والجواب هو ان الجميع في لبنان، ما عدا القوات اللبنانية طبعا، يريدون قوات الماضي التي شكلت في ما مضى مبررا لخطابهم السياسي المتوتر. اما القوات بخطابها السياسي الحالي الانفتاحي فتشكل دافعا وحافزا وطنيا لسائر المكونات السياسية لاعادة النظر في خطابها السياسي المتوتر والذي تنتهجه للمحافظة على مكتسباتها التي اخذتها من القوات اللبنانية والمسيحيين عامة في لحظة مطاردتها وسجنها.
richacamal@hotmail.com
القوات اللبنانية: إثبات احضور اربك الخصوم وبعض الحلفاء!
يا أخ رامز، هل لك أن تفسر ماذا تعني بالوجدانية حين تتحدث عن وجدانية سنية ووجدانية مسيحية وإلى ما هنالك؟ لقد أضحت هذه العبارات بالية يتم استعمالها كديكور لزخرفة مقال فارغ من أي مضمون فعلي مثل رشة بقدونس على الخفيف فوق صحن البابا غنوج. ولكن في حل البابا غنوج فإن طعم الباذنجان المخلوط بالملح والثوم هو الأساس بعكس التعليق حيث البقدونس هو الطعم الوحيد في صحن فارغ.
القوات اللبنانية: إثبات احضور اربك الخصوم وبعض الحلفاء! إلى جانب ما يمثله حزب “القوات اللبنانية” على الصعيد المسيحي، من موقع وجداني تاريخي راسخ في أذهان أجيال متعاقبة، وباستثناء الدور الشاذ الذي لعبته “القوات” حين اجتياح جيش الإحتلال لسوري عام 1990 لما كان باقياً من لبنان حر الأراضي، وهو دور نقيض تماماً لما أنشئت أصلاً من أجله، فإن الحزب، اليوم، بتوسيع آفاق خطابه، وإغناء منظوره، وبما يشهده من دينامية تغيّرية، يمثل الموقع الأكثر عصرية على الساحة اللبنانية، من حيث إحياء الديمقراطية وقيَمها، وثقافة القانون ودولة المؤسسات. سيدفع ذلك بالمزيد من الالتحاقات بالحزب، داخلاً وخارجاً، بما فيه لشرائح مسيحية لم تؤخَذ يوماً… قراءة المزيد ..