لا تشذّ بلدة جنوبية او بقاعية عن قاعدة أنّ العشرات من ابنائها يقاتلون في سوريا. بل تكاد لا تخلو واحدة من هذه البلدات من قتلى او جرحى سقطوا على جبهات القتال الممتدة على طول سوريا وعرضها. ولا يخفى أنّه لم يسبق أن سقط هذا العدد من القتلى والجرحى لحزب الله في فترة زمنية كما حصل خلال الأسبوعين الماضيين. وهو عدد مرشح للازدياد والتنامي إذا لم يظهر ما يشير إلى عكس ذلك. فليس في الأفق الا المزيد من القتل او التبشير بالقتال والجهاد. واذا كان هناك من يعتقد ويبشر المحازبين في هذه المناطق بأن طريق الجنة تمر حصراً في سوريا هذه الايام، فثمة من، في المقلب الآخر، من لا تنقصه الحجة والوسيلة، ولا سيل الفتاوى، لمزاحمتهم على هذا الطريق. وهذا ما تشتهيه اسرائيل اليوم، حين ترى الآلاف من الشبان الشيعة ينتقلون، في الوعي وفي الجغرافيا، نحو جبهة اخرى لا افق للنصر فيها لا بالسلاح ولا بالعتاد/ هي خسائر تراكم خسائر وكل انتصار عسكري فيها يفتح على جحيم لا جنة فيه.
هل يستحق النظام في سورية كل هذا الدخول في أتون النار؟ هل يستحق استسهال تجاوز الشبهات التي تحيط بكل تورط لبناني في سورية بل اقولها بصراحة: هذا تجاوز كل ما يحيط بحكمة عدم التورط الشيعي في بئر العقارب والأفاعي الذي لا سبيل إلى النجاة منه. فهل تستحق فلسطين كل هذا الالتفاف الدموي والفتنوي، اذا صحّ ما يقال عن ان قتال حزب الله في سوريا دفاعا عن فلسطين؟
ثمة من اعداء حزب الله من يتمنى ان ينجح في السيطرة على القصير، من اجل ان يحول هذه المدينة الى قميص عثمان، ليستجلب الجحافل من كل حدب وصوب، لتكون سببا لفتنة عمياء.
لا يمكن ان ندعو لكل من قضى في القصير الا بحسن الخاتمة، ولكل جريح بالشفاء، ولكل ام او اب فقد فلذة كبده، في قتال لم يكن يتمناه، الا بالصبر على فراق من احب، ولكل طفل فقد والده ان يعوضه الله برحمة منه. لكن ذلك لا يقلل من مسؤولية القيادة عما يجري، وعن الطريق الذي يسلكه حزب الله اليوم.
نجح حزب الله في المقاومة ضد الاحتلال الاسرائيلي لأنه حمل قضية حقيقية. واليوم: لو كانت القضية في سورية واضحة كما تحرير الجنوب، لما قام حزب الله بنسف الثوابت التي يقوم عليها الكيان اللبناني، بتجاوز صارخ للدولة ولشروط الميثاق والتوافق الوطنيين اللذين يقوم عليهما بلد اسمه لبنان. حتى النائب ميشال عون لم يستطع هضم هذا التدخل في القصير.
أسأل نفسي احيانا: هل يدرك حزب الله افق هذه المعركة ام لانه اكبر من مجرد حزب لبناني في وظيفته يدرك ان ما يقوم به ويسير نحو هدف مرسوم؟
أغلب الظن ان حزب الله وايران متيقّنان من نهاية نظام الاسد. لكن لماذا هذا الاستبسال من قبلهما هناك؟
هو بالتأكيد قتال لن يحصد مشروع المقاومة منه الا خيبات الانقسامات المذهبية في لبنان وسوريا والمنطقة. هو قتال يستجلب المزيد من الاعداء لايران وحزب الله والشيعة في لبنان وعلى حدود فلسطين المحتلة. إذ لا يوجد في معركة القصير الا خيار ستفرضه مسارات هذه المعركة – الفتنة، والقصير احدى محطاتها الرئيسية. وهي ذاهبة في اتجاه واحد: نحو فكرة الكيان الشيعي – العلوي.
ففي الثقافة الشيعية المسيطرة اليوم ان العلويين هم شيعة، وهم اقرب اليهم من المسلمين السنة. وهذه ثقافة جرى تعميمها وترويجها عبر عشرات الكتب وفي داخل الحوزات الدينية في العقدين الاخيرين. وفي الثقافة التي تسيطر على الجمهور الشيعي اليوم، ان الخطر قادم من الثقافة السنية وتكفيرييها.
شعار “لبيك يا زينب” صار بديلا عن “لبيك يا مقاومة”. فكل مقومات المجتمع الخاص تكاد تكتمل ثقافيا وسياسيا واجتماعيا. يبقى ان حرب حزب الله في القصير ستجعل من التمركز بكيان سياسي يجمع الشيعة والعلويين امراً واقعا، وخيارا لا مفر منه وسط الاحقاد المذهبية المعمدة بالدماء. لنصير أمام كيان او كيانين، بوصاية ايرانية، ليس مهما. لكنّ معركة القصير قاعدة تأسيسية لهذا الخيار، وما التمديد لمجلس النواب الا عمل مقصود لتفتيت كيان لبنان، بعدما وصل الى دولة بحال انعدام وزن كاملة.
alyalamine@gmail.com
إعلامي لبناني
البلد