أحب الله وأحب عباده ، وكتابي «عيال الله» شاهد على ذلك ـ (حاوره: محسن الزغلامي) ـ
رجل تجاوز العقد التاسع من عمره… ومع ذلك لا يزال يتقد فطنة ونباهة… مؤرخ ومفكر شجاع وحاسم… يعرف كيف يدافع عن أفكاره وكيف يناظر خصومه… ربما تصدمك آراؤه ومواقفه الفكرية ولكنك مع ذلك لا تملك الا أن تحترمه بل وتجله لأنه بالأساس رجل فكر ومعرفة تشعر وأنت تتحدث اليه أنه لا يكن عداوة لأحد ولا ينكر على أحد من الناس حقه في أن يفكر وأن يقول ويصرح بما يعتقد.
انه الأستاذ محمد الطالبي الذي تعرض ولا يزال يتعرض هذه الأيام الى حملة تشويه وتسفيه ظالمة وغوغائية حتى من قبل بعض زملائه الأكاديميين المتنورين – وهذه مفارقة – من امثال عبد المجيد الشرفي وعبد الوهاب بوحديبة وغيرهما… وهي الحملة التي يجب أن تتوقف – فورا – لأنها لا تليق لا بأصحابها ولا بالمؤسسة الأكاديمية التونسية الحديثة…
فالأستاذ محمد الطالبي يجب أن يظل محترما حتى وان اختلفنا معه في الرأي لأنه – من جهة – مفكر مسلم شجاع ولأنه – من جهة أخرى – جدير بالتقدير لأنه ومن خلال ما يجهر به من آراء ومواقف صادمة وأحيانا مستنكرة ( بفتح الكاف ) دينيا انما يحيل – وبشكل من الأشكال -على ذلك الجانب العظيم في الانسان المخلوق… جانب التجرؤ وحرية التفكير التي وضعها فيه الله خالقه… والتي تمثل في حد ذاتها وجها من وجوه عظمة هذا الخالق ذاته وكذلك من عظمة الاسلام كدين حرية ودين عقل وارادة…
مع الأستاذ محمد الطالبي كان لنا هذا الحوار…
أستاذ محمد الطالبي ، أنت رجل ثقافة وفكر برهنت عن شجاعة – لا فقط – فكرية وأدبية بل وسياسية أيضا لما جهرت بمعارضتك لنظام المجرم بن علي زمن حكمه… لكن مع ذلك هناك من يذهب الى القول أنك لم تفصح الى حد الآن بوضوح و«شجاعة» كاملتين عن حقيقة مشروعك الفكري خاصة في مجال ما يعرف «بالاسلاميات» أو الدراسات الاسلامية… ماذا يريد – مثلا – محمد الطالبي تحديدا من قوله «أنا مسلم قرآني» ولا أعترف بغير النص القرآني مرجعا لعقيدتي الاسلامية ؟
بالنسبة إلي ، عندما أقول «أنا مسلم قرآني» فذلك يبدو واضح المعنى والدلالة… لماذا؟ لأنه بالنسبة لي ، النص القرآني هو تنزيل من الله وهو كلام الله الذي يجمع بيني وبين اخواني في الدين بدون تفريق… يجمع بين مختلف الفرق والمذاهب الاسلامية وهي عديدة وشتى تفرقت وتقاتلت فيما بينها – تاريخيا- للأسف… اليوم بعض هذه الفرق لا تزال تتقاتل فيما بينها… الشيعة يقتلون السنة… والسنة تقتل الشيعة… معنى ذلك أن هذه الفرق أضحت عنصر تفرقة فيما ظل القرآن وحده من يجمع بيننا كمسلمين… لذلك أنا أدعو الى الالتفاف حول القرآن والاعتصام به وحده… وهذا هو المقصد من قولي «أنا مسلم قرآني»…
لشريعة الاسلامية هي التي أسست عبر التاريخ للديكتاتوريات في العالم الاسلامي
بقدر ما يبدو الأستاذ محمد الطالبي قاطعا وواضحا في دفاعه عن الوحي كمصدر الاهي للعقيدة الاسلامية من خلال رفضه لمشروع من يسميهم «الانسلاخسلاميين» في مجال الدراسات الاسلامية من أمثال الأستاذ عبد المجيد الشرفي وتلامذته ، بقدر ما يبدو – بالمقابل – جريئا في ممارسة «الفتوى» والتجرؤ على الخوض في جزئيات دقيقة وشائكة في المجال الديني مثل القول – مثلا – أن الشريعة الاسلامية هي التي أسست عبر التاريخ للديكتاتوريات في العالم الاسلامي أو انكار «أشياء» يعتبرها البعض «من المعلوم من الدين بالضرورة» مثل التسليم بمكانة السنة النبوية كمصدر من مصادر التشريع… هل من توضيح ؟
أولا ، أنا لست بمفت… ولا أقدم نفسي أني مفت… أنا مفكر مسلم حر لا أتقيد بأقوال العباد خاصة منهم أولئك الذين يتولون الافتاء واصدار الأحكام لأني لا أعتبر كلام البشر ملزما… كلام الله بمفرده ملزم بالنسبة لي… وموقفي من الشريعة هو من هذا المنطلق… فانا لا أعتبر الشريعة تنزيلا من الله انما هي أحكام وأقضية من اجتهاد الفقهاء – عبر التاريخ -… اذن، لماذا ألتزم بالشريعة والحال أنها كذلك ؟… ثم الشريعة ليست واحدة – يابني – انما هي شرائع كثيرة يختلف بعضها عن بعض… فعلى سبيل المثال فان من أفطر في رمضان عمدا وجب عليه التعويض والكفارة – عند المالكية – في حين أن الكفارة لا توجد عند الشافعي فضلا عن أنها لم ترد أصلا في القرآن…
أعود فأقول أن المذاهب تفرقنا ولا تجمعنا لذلك يبقى الأخذ بالقرآن وحده هو الأساس وهو العاصم…
أما بالنسبة لمسألة السنة والحديث النبوي… فأنا أسأل : متى وقع تدوين الحديث؟ صحيح البخاري – مثلا – يعود الى منتصف القرن الثالث للهجرة وكتب الصحاح الأخرى وضعت بعده… معنى هذا أن المسلمين عاشوا بدون حديث على مدى قرن ونصف القرن… فما دام الأمر كذلك فلماذا نقيد أنفسنا بالحديث ؟
الامام أبو حنيفة بحسب ما يروى لم يستعمل في فتاواه – على أكثر تقدير- سوى ما يقارب العشرين حديثا...
باختصار – وحتّى لا أطيل عليك – أقول ، الأحاديث النبوية «فيها وعليها» واذا كان لا بد أن نأخذ منها فلنأخذ ما وافق منها القرآن…
يبدو الأستاذ محمد الطالبي وكأنه على طرفي نقيض مع جماعات الاسلام السياسي في العالم العربي… هل هذا معناه انك – وباطلاق – ضد حق هؤلاء في أن ينخرطوا في الحياة السياسية داخل المجتمعات العربية أم أنك – فقط – ضد مشروع الدولة الدينية الذي تبشر به بعض الجماعات الاسلامية ؟
الاسلام عندي دين ودنيا ، أي عبادات وسلوك وليس الاسلام سياسة ولا دولة… ولكن هذا لا ينفي أن أول دستور الاهي هو دستور المدينة... هذا الدستور الذي وضعه النبي – عليه أفضل الصلاة والسلام – بعد تشاور مع اليهود والوثنيين يعد أول دستور مدني – على الاطلاق – أي لا صلة له بأحكام القرآن.
اذن لم لا نفرق اليوم بين السياسة والدين… أي بين الأحزاب السياسية الي شارف عددها على المائة هذه الأيام وبين الدين الذي هو دين واحد… التفريق ضروري بين الدين والسياسة لكي نترك الحرية للجميع.
لأن الشيء بالشيء يذكر – كما يقال – ، كيف ينظر الأستاذ محمد الطالبي الى تجربة «حزب العدالة والتنمية» في تركيا ؟
لا أعرف أي شيء عن هذا الحزب…
خصوم الأستاذ محمد الطالبي الفكريين ليسوا – فقط – مجموعة «جهلة» لا يقرأون – كما يقول عنهم بنفسه أحيانا – بل توجد في صفوفهم أسماء لمفكرين وجامعيين مرموقين لا يمكن أن تصح فيهم صفة «الجهلة» من بين هؤلاء الأستاذ عبد المجيد الشرفي… ما رأيك ؟
لهؤلاء وغيرهم كل الحرية في أن يقولوا عني ما شاؤوا وأن يعترضوا على مواقفي وأفكاري… مثلما أنني أعتبر نفسي حرا بالكامل في أن أقول ما أعتقد وأن أطرح أفكاري واستنتاجاتي المدعومة بالبراهين والحجج العلمية من النصوص الشرعية والتاريخية… فأنا عندما أقول – مثلا – في أحد كتبي أنه لا وجود لحكم «الكفارة» في القرآن بالنسبة لمن أفطر رمضان متعمدا فانني من وراء ذلك – وبصفة غير مباشرة – أدعو كل من يخالفني الرأي الى أن يأتي بحجة من القرآن ( آية قرآنية ) تخالف ما ذهبت اليه… «قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين»…
اذا ما قدر لانتخابات المجلس الوطني التأسيسي أن تجري في أجلها المحدد… فلمن – يا ترى – سيصوت الأستاذ محمد الطالبي ؟
في الوقت الحاضر… لا أدري…
لو يعود الزمن بالأستاذ محمد الطالبي خمسة عقود كاملة الى الوراء… هل سنراك تختار سبيلا أخرى غير سبيل الثقافة والفكر والمعرفة ؟
هذا سؤال له وقعه على النفس… العودة بالزمن – افتراضيا – نصف قرن كامل الى الوراء… ومن أجل ماذا؟ من أجل البحث في امكانية اعادة الاختيار… كيف يمكن لي أن أتصور ذلك؟… ومع ذلك فانني أقوله – هنا – أنني أؤمن وأعتقد وأسلم بقوله تعالى «وما تشاؤون الا أن يشاء الله»، بمعنى أنني أجد أنني – تاريخيا – لم أختر لنفسي وانما تصرفت بمقتضى وعلى ضوء ما وضعه الله – سبحانه وتعالى – من ملكات وقدرات عقلية… لذلك قد يصح أن أقول أنه لو عاد بي الزمن – افتراضا – نصف قرن كامل الى الوراء فانني سوف لن أكون الا ما كنته…
هل هذا ضرب من ضروب الجبرية ؟
هذه ليست جبرية ، ثم ان موضوع الجبر والاختيار موضوع شائك جدا لا يمكن الحسم في قضاياه… وحتى الذين فعلوا ذلك أو توهموا أنهم فعلوا ذلك فانهم لم يفعلوا سوى أنهم «حسموا» فيه من وجهة نظرهم وبما يتوافق مع مقولاتهم وتوجهاتهم الفكرية والفلسفية… المعتزلة – مثلا – لم يفعلوا سوى أنهم «طوعوا» المسألة لصالح مقولاتهم الفكرية والعقدية… وكذلك فعل الأشاعرة… أما من ناحيتي فاني أقر بأن كل شيء في هذه الدنيا هو بتسخير وقضاء وقدر كما أقر أيضا بأن الانسان مسؤول عن أفعاله لأن الله ميزه بالعقل وأن الانسان صاحب ارادة…
لو أنك قررت – اليوم – أن تعتذر لشخص أو جهة ما… لمن تراك تقدم اعتذارك ؟
الى الله… لأن حبيبي هو الله وربما أكون قد قصرت في حق ذاته – سبحانه -.أما الناس فانني لم أعتد على أحد منهم ولم أثلب أحدا منهم… أنا لم أقل – مثلا – أن الفيلسوف أبي يعرب المرزوقي صاحب «شطحات» فكرية كما بلغني أنه قال عني… وحتى اذا كان قد قال فانني لن أطالبه بالاعتذار… نفس الشيء بالنسبة للأستاذ عبد المجيد الشرفي الذي قال عني أنني «غريق السن» بمعنى أنني أهذي و«أخرف» وأنا لا أطالبه بالاعتذار… أيضا الأستاذ عبد الوهاب بوحديبة الذي قال عن كتابي «ليطمئن قلبي» أنه «خزي لتونس»… لن أطالبه أيضا بالاعتذار… فأنا رجل «ديني الحرية» كما أردد دائما وسأبقى أردد…
زوجتك ورفيقة دربك الأجنبية… هل كان لها دور ما في توجيه أفكارك ومواقفك ؟
زوجتي غربية الأصل مسلمة الديانة… عقدت عليها في جامع باريس وعشنا معا في وئام ووفاء وأنا أدين لها بالكثير… أما أنها ربما تكون قد أثرت في فكريا أو في توجيه أفكاري… فأنا رجل أفكر اذا ما فكرت بمفردي وباستقلالية تامة… لا أقبل أن يوجهني أحد كما أنني لا أريد أن أوجه أحدا فكريا.
زوجتك هذه ، هل هي حبك الوحيد ؟
أنا أحب الله وأحب زوجتي وأحب كل الناس وكتابي «عيال الله» شاهد على ذلك… فالناس كلهم اخوة بالنسبة لي ويجب أن يتحابوا وألا يتباغضوا لأن الله لا يحب العداوة والبغضاء…
ماذا تعني كلمة «حب» عند الأستاذ محمد الطالبي ؟
تعني ما تعنيه عند كل الناس… فليسأل كل انسان نفسه ماذا تعني كلمة «حب» عنده وسأكون شريكا له في معناها عنده… فأنا بشر مثلهم وشريكهم في الطبيعة البشرية…
“القرآني” محمد الطالبي: الشريعة ليست تنزيلاً من اللهالسلام عليكم أولاً يقول الله تعالى في كتابه الكريم: “ما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا” وايضاً: “وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى…” نستدل ان الرسول لا يتكلم الا باذن الله تعالى عن لسان الوحي وكل اعماله واقواله انما هي منزلة من السماء فلذلك لا بد من مصداقية راوي الحديث حتى نكون على يقين بان المنقول عن النبي الاكرم انما هو وحي وتشريع من السماء. لذلك لم يذكر التاريخ شخصية او صحابة لازم ولاسق النبي الاكرم كما كان الامام علي بن أبي طالب عليه السلام الذي ولد في الكعبة… قراءة المزيد ..