أحمد القبانجي رجل دين شيعي عراقي مثير للجدل، ينتقده الشيعة قبل السنة، أما الليبراليون والعلمانيون والأقليات فيجدون فيه مفكرا إسلاميا تجرأ على تحدي الإسلام السياسي في معقليه، في قم في إيران، وفي النجف في العراق. موقع قنطرة أجرى معه حوارا مطولا دار في إطارمحور مهم يخيم على المشهد السياسي الإسلامي في ظل الاستقطاب الطائفي الذي يسود العالم الاسلامي.
أحمد القبانجي رجل دين شيعي عراقي، هو واحد من خط فكري شيعي متصاعد صار يضم أسماء لامعة، بينها: المفكر غالب الشابندر، السياسي الليبرالي العلماني ضياء الشكرجي، رجل الدين الاصلاحي السياسي الليبرالي السيد اياد جمال الدين، الناشط السياسي حسين العادلي، والسيد محمد خاتمي ، ورجال دين إيرانيون من الخط الإصلاحي، وآخرون.
سكن القبانجي في مدينة قم الدينية حيث الحوزة العلمية الشيعية الإيرانية. في 18 شباط/ فبرايرعام 2013 اعتقلته السلطات الإيرانية بسبب استيائها من كتبه المنشورة ومن محاضرته التي تنتشر على يوتيوب بشكل واسع، ثم أطلقت سراحه في مطلع شهر آذار/ مارس من العام الجاري، وأعادته مبعدا الى بلده العراق.
نبدأ بالخاص قبل العام، تحديت الأسد في عرينه، في مدينة قم، ثم سُجنت هناك واطلق سراحك بعد أسابيع. هل يعني هذا أن لا حرية في إيران، أم أن فيها كثيرا من الحرية مقارنة بحواضر دينية أخرى؟
أحمد القبانجي: الحرية نسبية في إيران وإن كانت أحسن من الحريات في بعض البلدان العربية، ولكن مقارنة بالحريات في بعض البلدان الاسلامية مثل أندونوسيا وتركيا وحتى مصر، فالحرية في هذه البلدان أكثر، ولكن لكوني عراقي الجنسية ، ولكون كتاباتي غير مقرؤة في إيران لأنها بالعربية التي يجهلونها فلم يجر التعرض لي ، وبكلمة أخرى لكوني مفكرا وكاتبا إسلاميا كان من الصعب عليهم إطالة إعتقالي، و لو كنت إيرانيا لتعاملوا معي بشكل آخر، لأن بعض المشايخ الإيرانيين كتبوا وصرحوا باقل مما فعلت ، فتم إقصاءهم واعتقالهم.
من ناحية أخرى، فقد طبعت أغلب كتبي خارج إيران، وهذا يعني أني لم أتحدّ الأسد في عرينه كما تفضلت، بل كنت أحترم قوانينهم. كان جلّ نشاطي في العراق حيث مساحة الحريات كبيرة جدا . ولكن تأثير الاحزاب العراقية المقرّبة من إيران وتأثير أجهزة المخابرات العراقية والأيرانية وغيرها من التنظيمات هي التي دفعت الأيرانيين الى اعتقالي .
هل يعني هذا أنك اعتقلت بسبب وشاية عراقية؟
أحمد القبانجي: السلطات الإيرانية قالوا لي ذلك، لأني طلبت منهم أن يبينوا لي من هو الذي اشتكى مني فتسبب في توقيفي، فقالوا لي: “إن الشاكي من العراق” ، ولم يوضحوا بالتحديد من.
في كتابك ( خلافة الإمام علي بالنص أم بالنصب ) تنكر أحقية الإمام علي بن أبي طالب بالخلافة، وهذا يمثل أصلا تقوم عليه فلسفة التشيع، كيف فعلت ذلك وأنت إبن الحوزة الشيعية؟
أحمد القبانجي: كنت معتقدا بما يعتقد به الشيعة (بهذا الشأن) في البداية، لكن المعطيات الحديثة، ومكتشفات العلوم الجديدة في حقل السياسة والحقوق قادتني الى إعادة النظر. والتاريخ كما يعلم الجميع، يحتمل قراءات متعددة، كما في النصوص الدينية حيث لا توجد هناك قراءة واحدة، كما هو الحال في الأمور العلمية الأخرى. من هنا بحثت هذا الأمر فوجدت أن أدلة الشيعة على نصب الإمام علي والإعتماد على رواية التنصيب الإلهي له للخلافة، كانت ضعيفة جدا، وهناك بضع روايات بهذا الخصوص، أما الآيات القرآنية فهي ساكتة عن هذا الأمر.
الروايات المنقولة تتحدث عن فضيلة الإمام علي فقط . بحثت في ذلك التاريخ ، فوجدت أنّ هذه الروايات والإدعاءات قد قامت بعد 3 أو 4 قرون من نهاية ولاية الإمام علي، وقد تحول الموضوع من خلال هذه الروايات الى خلاف ديني، وإلا فهو قد بدأ خلافا سياسيا أول الأمر.
والحقيقة أنّ فقهاء الشيعة المتعصبين قد أدخلوا هذه المسألة السياسية في الدين عنوة. الله تعالى لا يتدخل في شؤون البشر الدنيوية، والحكومة مسألة دنيوية. وفي إعتقادي أن النظرية السنية حول الخلافة الإسلامية هي أقرب الى الواقع، ولكن هذا لا يلغي فضل الإمام علي الذي لا يخفى على أحد.
وقد خلصت في كتابي الى أن فضل الإمام علي مشهود، لكن هذا لا علاقة له بقضية الخلافة، وبهذا أردت الفصل بين ما هو ديني وما هو سياسي. هذه النتيجة هي المسؤلة عن قيام السطات الإيرانية بسحب الكتاب من الأسواق والمكتبات، رغم أن وزارة الإرشاد الإيرانية سبق أن وافقت على نشره.
الضجة التي أثارها الكتاب لفتت نظر السلطات الدينية والسياسية في إيران اليه، وفهموا أن الناس اذا وعت ما يرمي إليه الكتاب، فهذا سيهدد نظرية ولاية الفقيه، التي تقوم عليها نظرية الحكم في إيران. هذه النظرية تفترض ان الأئمة هم من يمثلون الله على الأرض، وبغياب الائمة ( أي في فترة انتظار المهدي الغائب) ، يتولى الفقهاء تدبير أمور الناس ( الحكم).
وكتابي اعتبر ان معصومية الأئمة لا تعني بالضرورة توليهم السلطة السياسية، لأن هذه المعصومية تتعلق بأمور السماء الدينية، وعليه فإن الحكم يجب أن يأتي من خلال انتخاب الناس، وإذا كان الإمام لا يمتلك ولاية سياسية على الناس، فمن باب أولى أن لايمتلك الفقيه هذه الولاية ، وهذا يعني هدما كاملا لنظرية ولاية الفقيه.
هناك من يقول إن إيران هي التي صنعت مبدأ التشيع، وتحديدا الشاه عباس صفوي، ما رأيك بهذا القول؟
أحمد القبانجي: يصح القول إن علماء الفرس هم الذين صنعوا التشيع، ولكن ليس الصفويون، فالإمام الصادق هو من وضع المذهب الجعفري، وهذا أمر لا شك فيه، لكن الفرس ارتاحوا لمقولة إنهم هم من صنعوا التشيع، لأنها تتوافق مع نفسياتهم ومزاجهم، فأكدوا عليها وأشاعها علماؤهم – كالشيخ الصدوق والشيخ المفيد – قبل ألف سنة .
نظرية الإمامة أكثرها مقتبس من الصوفية ونظرية القطب والمريد والمراد. فيما وراثة الإمامة والحكم مأخوذة من الثقافة الفارسية في وراثة الشاه، وبذلك فقد أدخلوا كثيرا من القضايا (من ثقافتهم وميراثهم التاريخي) وجعلوها من الدين، وهي ليست منه في شيء.
مع التحقيق التاريخي لا نجد في أصول الدين شيئا مما يذكره الشيعة، بل جاءت هذه الأمور متأخرة. وأعتقد أن الظروف السياسية التي مرت على الموالي جعلتهم يختارون هذا المذهب كبديل لمذهب أهل السنة الذين كانوا يشكلون الدين الحكومي. ففي ظل حكومة الأمويين والعباسيين ، كان الفرس (وهم من الموالي) مضطهدين.
ويروي لنا التاريخ أنه منذ زمن الخليفة الثاني وحتى نهاية العصر الأموي كانت ظلامات الشعوب المفتوحة كثيرة، وأبناء هذه الشعوب لم يكن لهم من سبيل للإرتداد على الدين لأنهم سوف يقتلون، (فاختاروا التشيع).
هل أفهم من كلامك أن التسنن هو مذهب أهل السلطة، مذهب الأقوياء الأغنياء، فيما التشيع هو مذهب الفقراء المحكومين والمعارضين؟
أحمد القبانجي: السنة هو دين الحكومة، والشيعة دين المعارضة ، وهذا شيء جميل جدا وسبب لدوام الإسلام . فالمعارضة تختلف مع السلطة لأنها ترى ظلامات كثيرة باسم الدين، فإن المعارضة بذلك لا تنحرف كثيرا عن الدين، لأنها لن تنسب للدين نفسه هذه الظلامات (بل ستنسبها لرجال يتولون شؤون الدين). ولو أخذنا نماذج الدول الدينية في السعودية وإيران، فإن أخطاء رجال الحكم في هذين البلدين تنسب كظلامات الى الدين.
ومنذ ثورة الإمام الحسين إنكشف أن السلطات لا تمثل الإسلام، والدليل وجود معارضة مؤمنة متدينة ملتزمة ترفض هذه الحكومة، وهكذا فقد دأب بنو أمية على إيهام الناس بأن من هو خارج عليهم خارج عن الإسلام، ومن هنا نعتوهم بالخوارج ، حتى أنهم اتهموا الحسين بن علي وهو حفيد النبي بأنه خارجي.
لكن في رأيي أنّ كل هذه الأمور تصب في مصلحة الإسلام ، لأن وجود معارضة يحافظ على الدين حيويا وناشطا، بينما إقتصاره على أن يكون دينا للدولة سيجعله متكلسا.
هل يعني هذا أن على الشيعة أن يبقوا دائما في معسكر المعارضة؟
أحمد القبانجي: نعم، فالشيعي حتى إذا انتصرت ثورته، عليه أن لايستخدم الدين كسلاح لمواجهة الناس والشعب. اعتراضي على السلطات الإيرانية مردّه أن من حقهم أن يحكموا بما يرونه صلاحا لشعبهم، وهكذا فإن ما فعله الخميني بتأسيس مجلس تشخيص مصلحة النظام كان إجراء جيدا. لكن هناك نقطتين لابد من المرور عليهما في هذه العجالة:
الأولى: أن السلطات الإيرانية لا تقول بمصلحة الشعب، كما في حالة صراعهم مع الغرب، بل تقول بمصلحة النظام، وحتى لو كانت مصلحة الأغلبية الشعبية مخالفة لمصلحة النظام فهم يرون وجوب قمعهم ، كما جرى في الإنتخابات وثورة الإصلاحيين التي قمعت.
الثانية: أنهم يستخدمون الدين كسلاح. الغرب وأمريكا بالذات، تقول أنا أتدخل لأحمي مصالح امريكا علنا ودون نفاق، وكل دولة اليوم تهتم بمصالح شعبها ، وهذه براغماتية مقبولة في السياسة وسلوك الحكومات.
لكن حكومة إيران – للأسف- تستخدم الدين، ونحن نعلم أن كثيرا من سلوكياتهم مخالفة للدين، وهكذا فإن علاقاتهم وثيقة جدا مع أعتى الطواغيت، كوريا الشمالية وفنزويلا وكوبا، وعلاقتهم الوثيقة بنظام بشار الأسد مثلا، كل ذلك يجعلنا على يقين من أن الدين أضحى وسيلة يستغلونها لتثبيت مواقعهم.
سمعت من مفكر شيعي معروف أن إيران تقود الشيعة الى هولوكوست، هل تعتقد أن الشيعة سيكونون هدفا لهولوكوست اسلامي يسعى لإبادتهم؟
أحمد القبانجي: غالبية الشيعة – حتى في إيران- غير مؤيدين لولاية الفقيه، وفي العراق يخالف المراجع مبدأ ولاية الفقيه ويرفضون هيمنة إيران. التوجه الإيراني مدعوم من الشيعة العملاء لإيران، أي ممن يندرجون ضمن تيار ولاية الفقيه، ومنهم حزب الله في لبنان، وأحزاب شيعية متشددة في العراق تمثل أقلية بالنسبة للشيعة.
وفي ظل الإصطفاف الطائفي القائم اليوم، فإن ما يحدث في سوريا يؤثر على الشيعة، لكن غالبية العرب يعلمون هذه المسألة، فهم يعلمون أن إيران تهتم لمصالحها فقط. والحكومة الإيرانية قائمة على أساس وجود عدو دائم، فيقضون بحجة العدو على أي معارضة قد تنشأ، وعداؤهم لاسرائيل فيه مصلحة لإيران، وهي ليست عداوة مبدأية.
ولكن هناك من يفهم هذا الأمر بالشكل التالي: إيران اليوم هي الدولة الوحيدة التي تدعو لإزالة إسرائيل من الخارطة، هل سبب هذا كون إسرائيل دولة اليهود؟
أحمد القبانجي: نعم، هناك عداء قائم بين المسلمين وبين اليهود، ولكن ما دام هذا العداء يصب في صالح إيران فلا بد من استمراره، بمعنى تحشيد الناس وشحذ عواطفهم بالإدعاء بوجود خطر حقيقي على إيران متمثلا في أمريكا وإسرائيل، فيتم بهذا الشكل التغاضي عن كثير من المشكلات الداخلية، والسياسية والاجتماعية.
العداء لإسرائيل يصب في صالح السلطة وليس في صالح الشعب، وهذا شيء لا يمكن أن نؤاخذ إيران لوحدها عليه، لأن الطرف الآخر وهو إسرائيل يمثل أيضا دولة محتلة وظالمة، ولم تتنازل حتى الآن قيد شعرة لتسهيل حل الدولتين، ولم توقف بناء المستوطنات. وهذا أمر يدغدغ مشاعر العرب، لذا تراهم يناصرون إيران، لأن إسرائيل أيضا ظالمة، وهذا الظلم يضع في يد إيران ورقة رابحة.
أجرى الحوار: ملهم الملائكة
تحرير: لؤي المدهون
أحمد القبانجي رجل دين شيعي عراقي ولد في النجف بالعراق عام 1958 وتخرج من حوزتها ، ثم درس بحوزة قم في إيران، وقرر أن يستقر بقم لغرض الدرس والتأليف. نشر كتبا عديدة، أثارت جميعها جدلا في الأوساط الشيعية ومن ثم السنية. من أهم كتبه : تهذيب أحاديث الشيعة، العدل الالهي وحرية الإنسان، المرأة، المفاهيم والحقوق، تشيع العوام وتشيع الخواص، خلافة الإمام علي بالنص أم بالنصب. وكتب أخرى كثيرة علاوة على عشرات المحاضرات الصوتية الفديوية الموجودة على موقع يوتيوب.