تشكيك “الفيغارو”، ومثله قناة التلفزيون الفرنسي الأولى اليوم (على لسان مراسلتها في بيروت) في إمكانية أن لا يكون نظام الأسد هو الذي شن الغارة الكيميائية الإجرامية على شعبه يبعث على التساؤل! حتى لا نقول أكثر! كما لا يبدو مقنعاً، أو منطقياً، أن يشارك كوماندوس إسرائيليون في تدريب وحدات الجيش الحر، لأسباب بديهية..!
عدا ذلك، فمعلومات “الشفاف” من دمشق هو أن النظام فعلاً “في وضع عسكري صعب”، وأن حسم المعركة بإسقاط النظام “لم يعد بعيداً”! وإذا كان النظام يشارك في هذا “الإنطباع”، فإن يأسه يمكن أن يدفعه لاستخدام كل الأسلحة المتاحة له. أي أن الإجرام الكيميائي هو دليل “يأس”. وهذا، خصوصاً أن النظام اضطر إلى نقل قوات وقدرات عسكرية إلى منطقة اللاذقية لاستعادة ما انتزعه الثوار قبل أسابيع، الأمر الذي أضعف جبهته الدمشقية، وبعد سقوط مطار “منغ” الذي كان النظام يستخدمه لتخزين أسلحة متطورة وقعت كلها في أيدي الثوار.
الشفاف
*
“الفيغارو”: عملية إسقاط الأسد بدأت..!
حسب معلومات نشرتها جريدة “الفيغارو” الفرنسية مساء الخميس، فإن “معارضين للنظام يؤطرهم رجال كوماندوس أردنيون وإسرائيليون (؟) وأميركيون يتقدمون نحو دمشق منذ منتصف شهر أغسطس الحالي. ويمكن أن تكون هذه الحملة العسكرية للثوار سبب لجوء الرئيس السوري للسلاح الكيميائي.
وحسب “الفيغارو”: مع أنه لا يمكن بعد تنحية مزاعم دمشق وموسكو بأن المعارضة السورية هي المسؤولة عن المجزرة اتي وقعت (في غوطة دمشق)، فقد بات ممكناً بالمقابل توفير الإجابات لسؤال يثير الحيرة. فما هي مصلحة بشار الأسد في شن هجوم بسلاح “غير تقليدي” في لحظة سماحه للمفتشين الدوليين- بعد أن عرقل مجيئهم منذ أشهر- بالتحقيق في مزاعم استخدام أسلحة كيميائية؟
ويتمثل الجواب الأول في أسباب عملياتية. فحسب معلومات حصلت عليها “الفيغارو”، فإن أولى الوحدات التي أشرف الأميركيون على تدريبها على حرب العصابات في الأردن دخلت مرحلة العمل العسكري منذ منتصف الشهر الحالي في جنوب سوريا، بمنطقة “درعا”. وقد اجتازت الحدود في يوم ١٧ أغسطس مجموعة أولى تضم ٣٠٠ رجلاً، يؤازرهم بدون شك رجال كوماندوس إسرائيليون وأردنيون، وعناصر من “السي آي أي”. ولحقت بهم مجموعة ثانية في يوم ١٩ آب/أغسطس.
وحسب مصادر عسكرية، فإن الأميركيين، الذين يرفضون إرسال جنود إلى سوريا، أو تسليح الثوار الذين يغلب فيهم جزئياً إسلاميون متطرفون، يقومون منذ أشهر بتدريب عناصر من الجيش الحرّ، تم انتقاؤهم بعناية، في معسكر تدريب يقع على الحدود الأردنية-السورية.
وقد استفاد عناصر الجيش الحر هؤلاء من فصل الصيف لمهاجمة كتائب الجيش السوري في جنوب البلاد، وللإقتراب من دمشق. ويقول “دافيد ريغوليه-روز، وهو باحث في “المعهد الفرنسي للتحليل الإستراتيجي”، أن “تقدمهم وصل حتى منطقة الغوطة، ولكن من غير أن يفلح في تغيير موازين القوى في دمشق المحاصرة”.
شعور الأسد بالحصانة
وحسب هذا الباحث، فإن تصوّر واشنطن هو إقامة منطقة عازلة إنطلاقاً من جنوب سوريا، أو حتى منطقة حظر جوي، تسمح بتدريب المعارضين بكل أمان، بانتظار تغيير موازين القوى. وذلك هو السبب في أن الولايات المتحدة نشرت بطاريات صواريخ “باتريوت” ومقاتلات “إف-١٦” منذ أواخر شهر حزيران/يونيو في الأردن.
إن الضغط العسكري ضد “الغوطة” يهدّد العاصة دمشق، أي قلبَ السلطة السورية. وفي تموز/يوليو الماضي، أكّد الناطق بلسان الرئيس الأسد علناً أن النظام لن يستخدم الأسلحة الكيميائية في سوريا “إلا في حالة اعتداء خارجي”. من نوع تسلّل عناصر أجنبية إلى جنوب البلاد، مثلا….
والسبب الثاني، إذا كان الجيش السوري قد اقترف مجزرة كيميائية في دمشق (؟) هو سبب ديبلوماسي. فمنذ شهر آب/أغسطس ٢٠١٢، حينما حذر باراك أوباما من ان استخدام الأسلحة الكيميائية يشكل “خطاً أحمر”، يمكن أن يؤدي اجتيازه إلى رد فعل عسكري، فقد أمكن إحصاء أكثر من ١٣ هجوم كيميائي أصغر حجماً مما حصل يوم أمس من غير أن تسفر تلك الهجمات عن أي رد فعل أميركي. حقاً أنه يصعب الحصول على إثباتات، طالما أن دمشق تعرقل بصورة منهجية عمل محققي الأمم المتحدة. ولكن الشعور بالحصانة لدى النظام السوري تعزّزه الحماية التي توفرها له روسيا في مجلس الأمن الدولي. إن باراك أوباما، الذي كان، عند وصوله إلى البيت الأبيض، قد اقترح على الكرملين “إعادة تنشيط” العلاقات الأميركية-الروسية، لا يرغب في كسر العلاقة مع موسكو. أما مستشاره العسكري الأول، وهو رئيس الأركان الجنرال مارتن ديمبسي، فيبرر معارضته لتدخل عسكري بانقسامات المعارضة السورية وبالوزن الكبير للجماعات المتطرفة ضمنها.
في هذه الأثناء، كان مدنيون أصيبوا من جراء الأسلحة الكيميائية التي استخدمت في الهجوم على الغوطة ما يزالون ينتظرون الإسعافات الأولية في مركز طبي ميداني في “سقبا” في ضاحية دمشق.
أية خيارات؟
وإذا كان النظام السوري مسؤولاً فعلاً عن القصف الكيميائي قرب دمشق، فإنه بذلك يكون قد اجتاز درجة أعلى في الحرب التي كلفت أكثر من ١٠٠ ألف قتيل. ويقوم إختصاصي في الملف السوري: “الهجوم لا يمثل اختباراً على نطاق صغير كما حصل سابقاً. فالأسلحة الكيميائية باتت الآن جزءاً من الحرب الدائرة، وهي تلعب دور الردع. وهذه رسالة للأميركيين. كما أنها تحدي لباراك أوباما، الذي يمكن أن يخشر شرعيته في نظر حلفائه في أنحاء العالم”.
وبالتوازي مع العمليات السرية التي بدأت إنطلاقاً من الأراضي الأردنية، فإن المجتمع الدولي يقوم، مثلما يفعل كلما تجاوز الامور درجة أعلى، بإعادة النظر في خياراته العسكرية. هل يقوم بتسليح الثوار؟ يرد مصدر ديبلوماسي: “إذا فعلنا ذلك في المستقبل، فسوف نعلن عنه”. ضربات جوية “جراحية”؟ ممكن، ولكن هذا الحل يحمل خطر نقل الحرب إلى خارج سوريا. إستخدام قوات خاصة للسيطرة على مواقع الأسلحة الكيميائية السورية؟ لقد أغارت إسرائيل عدة مرات على جارها السوري. ولكن الإستخبارات الغربية لا ترغب في المغامرة بإمكانية وقوع مخزونات الأسلحة الكيميائية في ايدي مجموعات جهادية.
والخيار الأخير هو عدم القيام بأي رد فعل. ويبدو أن ذلك هو ما يراهن عليه بشار الأسد في دمشق.