ينبنى النظام الحقوقي الفقهي في الإسلام على مجموعة من الأسس التي تجمع بين المصادر الدينية وبين شروط الحياة الثقافية والاجتماعية الخاصة لحياة العرب والمسلمين خلال قرون عديدة مضت.
ويشهد التاريخ أن الانتماء إلى التنوع الفقهي كان أمرا شائعا بين الناس، فكان أفراد العائلة الواحدة يتوزعون في الانتماء الديني الحقوقي إلى مدارس فقهية عدة. وكان ذلك مؤشرا على قدرة النماذج الفقهية على تحقيق التعايش بين الناس على الرغم من اختلاف الانتماءات. إلا أن ذلك لم يرق إلى اعتباره واقعا مدنيا أو مقدمة لبناء حياة مدنية.
يعتقد المفكر الإيراني آرش نراقي بضرورة وجود ثلاثة شروط لكي نطلق على النظام الفقهي بأنه نظام مدني:
الشرط الأول، أن يكون هذا النظام ضامنا للحقوق والحريّات المدنية لأفراد المجتمع، بما في ذلك حقوق المتديّنين، ويشدد على ضرورة التنازل عن أي حكم فقهي يتعارض مع تلك الحقوق والحريات. فإذا كان الحكم بقتل المسيء إلى المقدّسات الدينية، أو الحكم بقتل المرتد، يتعارض مع مدنيّة الحياة، يجب على النظام الفقهي التنازل عن هذا الحكم.
الشرط الثاني، لا يمكن الاحتكام إلى الشرعيّة الدينية خارج إطار الشرعية الأخلاقية للمجتمع. فالمعتزلة – حسب نراقي – كانوا يرون أن دين الله لابد أن يتبع المتطلبات الأخلاقية للمجتمع، وبالذات المتطلبات المرتبطة بمبدأ العدالة. فتحقيق العدالة وفق مقاصدها الواقعية المعاشة، لا وفق أطرها وصورها التاريخية، هي المسطرة التي من خلالها نستطيع قياس الأخلاق.
وعليه، فالقانون الفقهي يجب أن لا ينقض أي مهمة أخلاقية. فإذا كان تنفيذ مسألة أخلاقية أمرا واجبا، لا يمكن للفقه أن يجعل ذلك حراما أو مباحا. وإذا كانت المسألة الأخلاقية حراما، لا يمكن للفقه أن يجعلها مباحة أو واجبة.
الشرط الثالث، أن يكون تنفيذ قوانين النظام الفقهي، الشرعي والأخلاقي، ضروريا على أتباعه فقط. أي لابد أن يشمل التنفيذ الأفراد الذين اختاروا هذا النظام الفقهي واعتبروا قوانينه هي التي يجب أن تنظّم حياتهم.
فالقوانين الفقهية، بسبب اعتبارها قوانين دينية خاصة، لا يمكن تبديلها إلى قوانين ملزمة على الجميع. فلا يمكن إلزام الأفراد غير المؤمنين، أو الأفراد غير المنتمين لمدرسة فقهية ما، أن ينفّذوا قوانينها الفقهية.
بالمحصلة، يؤكد نراقي بأنه لا يمكن تبديل القوانين الفقهية إلى قانون مدني عام للجميع. فقوانين أي نظام حقوقي فقهي، ملزمة فقط على أتباع مدرسته الدينية الفقهية الذين انتموا لتلك المدرسة بمحض إرادتهم واختيارهم. لذلك، لا يمكن للقوانين الفقهية، حتى لو كانت عقلانية وعادلة وأخلاقية، أن تتحول إلى قانون مدني ملزم على الجميع.
ويعتبر نراقي أن القوانين الفقهية التي يمكن اعتبارها جائزة ومسموح بها في المجتمع، ويمكن أن تتعايش مدنيّا، هي:
– تلك التي تستند إلى أدلة عقلية مستقلة.
– لا تناقض المعيار الراهن لحقوق الإنسان.
– تستطيع عن طريق آلية الاختيار المعمول بها في الديموقراطيات أن تتحول إلى أحد القوانين إلى جانب القانون العام المدني في المجتمع.
إذاً، التجمعات الدينية تستطيع أن تحصل على مشروعية العيش في داخل المجتمعات المدنية، وأن تنظّم شؤونها وفق القوانين الفقهية الخاصة بها، إذا تحقق شرطان:
– أن يكون المجتمع ذي صفة “تطوعية”. أي لا يكون الفرد حرا ومختارا فقط في عملية “انتمائه” إلى ثقافة المجتمع، بل أيضا يجب أن يتوفر للفرد الاختيار “للخروج” من هذه الثقافة وحرية “عدم الانتماء” إليها.
– أن تكون القوانين الفقهية في المجتمع، تطوعية، اختيارية، وأن تعيش في إطار عدم تناقضها مع المعيار الحديث لحقوق الإنسان.
وبتوضيح أشمل وأعم، يعتبر نراقي أن التجمعات الدينية التي تحترم الطابع المدني للمجتمع الذي تعيش فيه، تستطيع ممارسة وتنفيذ قوانينها الفقهية على أفرادها الذين اختاروا هذه القوانين واعتبروها ملزمة عليهم لتنظيم حياتهم، مع شرط عدم الإخلال بالنظام المدني العام للمجتمع.
كاتب كويتي
fakher_alsultan@hotmail.com
الفقه.. والنظام المدنيهناك مثل دمشقي يقول : مثل القرعا ( القليلة الشعر ) التي تتباهى بشعر بنت خالتها ؟ وهذا ماينطبق على كاتب المقال عندما نصّب من نفسه شارحاً وموجهاً لما يقوله ( آرش نيراقي ) وانا اسأل كاتب المقال هنا : هل فوّضك نيراقي بتفسير كلامه ؟ أم هل ان كلامه عصي عن الفهم حتى تحمّل نفسك مسؤولية بيانه ؟ والاخطر من ذلك : ١-إما ان يكون نيراقي قد بيّن لك مايقصد من كلامه وشرح لك مقاصده من ذلك (وهذا مستبعد ) ٢- وإما انك نصّبت من نفسك وصياً على نيراقي لتشرح مايقصد بكلامه وهذا يقلل من مكانتك ؟… قراءة المزيد ..