مشروع هيمنة وليس مشروعاً طائفياً: ردّ على المفكر صادق العظم
كتب المفكر السوري البارز صادق جلال العظم مقالا قبل بضعة شهور ابتكر فيه مصطلحا جديدا في السياسة في سورية هو مصطلح “العلوية السياسية”، محاولة منه غير موفقة في اعتقادنا للمشاركة في تأويل التاريخ السياسي السوري المعاصر زمن الاسدين الاب والابن، منطلقا من ظاهر هذا التاريخ دون العودة الى اعماقه الذي ما زال حياً وفاعلاً في السوريين. هنا محاولة سريعة لنقاش مصطلح صادق جلال العظم، الوارد في مقاله وفي لقاء اجرته معه مؤخراً الزميلة ديمة ونوس، قال فيه “لا يمكن للصراع أن يصل إلى خاتمته بدون سقوط العلوية السياسية، تماماً كما أن الحرب في لبنان ما كان يمكن أن تصل إلى خاتمتها بدون سقوط المارونية السياسة (وليس الموارنة) في لبنان”.
اول ملاحظة على مصطلح الاستاذ العظم انه مصطلح بلا تعريف حتى اللحظة، ومن المهم في الفلسفة السياسية كما في العلم اختراع المصطلحات فهو امر يجددها ويجدد الحياة نفسها. لكن اختراع المصطلحات لا يكون عبثا وإنما عن رؤية، ولو فرضنا ان المصطلح وُلِدَ بوحي اللحظة فلا بد من الاشتغال عليه ليكون ذا معنىـ وإلا فالأفضل نسيانه .
ولنعد الى المصطلح . هل يوجد في سورية المعاصرة ما يبرر مصطلح علوية سياسية؟
سانطلق من المقارنة التي عقدها استاذنا العظم: المقارنة بين “علوية سياسية” ومارونية سياسية باعتقادي تنطلق من ارضية طائفية. فلماذا لم يقارن بين الجهاز الاسدي والجهاز الصدامي؟ هل اعتمد صدام على الشيعة في حكمه ام على السنة ام على الاكراد ؟ لقد بدأ انتشار الريفيين، واكثرهم علويون، في اجهزة الدولة البعثية من قََبل الاسد ومن قَبل صلاح جديد، فلماذا لم يأتِ الياس مرقص ليقول ان هناك “علوّنة” للجيش او ان هناك مشروع علوي سياسي؟ او ان هناك محاولة لـ”أقلَوَة الجيش؟
من ناحية اخرى إن كان العظم فصلَ بين المارونية السياسية والموارنة، فهو لم يفصل بين مصطلح العلوية السياسية خاصته وبين العلويين، وكان هناك إضماراً عنده او رغبة لإنهاء العلويين مع العلوية السياسية. قد يكون الظن ظالماً، لكنه ظن يحتاج للنفي او للتاكد …
لا تستوي المقارنة بين المارونية السياسية والحالة الامنية للنظام الاسدي، من حيث ان المارونية هي بالفعل حالة سياسية متعددة في داخلها في ،مجتمعها اللبناني المحيط، في حين ان الحالة الامنية الاسدية هي حالة تسلطية تحكمية أسّسها فرد ليحكم هو، ومن ثم اولاده وبجانبه عائلته مستخدماً ادوات من ضمن العلوية اصطفاها بحسب العشيرة والعائلة والمنطقة بحسب القرابة الدموية والولائية والعصبية، واستثنى منها عشائر وعائلات علوية على ذات الاساس والعامل الحاسم في عملية الاختيار والاصطفاء. هذأ هو العامل الامني فقط، وبالتالي كان عامل .الولاء المطلق هو الذي يختار على اساسه الاشخاص فيقربهم ويقصي سواهم
-2-
القرار في سورية الاسد كان قرارا اسدياً وليس قرارا علوياً. هناك رهط علوي، ورهط سني ومسيحي ودرزي، لهم القرار والثقة والسلطة. وهناك رهط علوي ورهط درزي ورهط سني يُداس بالاحذية . طالما ان العقل السياسي السوري يقف عند التفسير الطوائفي للسياسة في سورية، فالثقافة السياسية التي نشرها النظام ستبقى كما كانت. القضية اكبر بكثير من هذا الوَهَم (علوية سياسية) لأن هذا الرهط العلوي الحاكم له سند سني سعودي وسند شيعي ايراني وسند ماسوني تركي لبناني. وسند قومي مصري … لم تكن المسالة السياسية في سورية مسألة علوية او طوائفية. ولن تكون. هي مسالة توزيع ادوار داخلية واقليمية وفقط.
وفي ما نشأ وينشأ الآن في “حُمص”، من محاولة تغيير ديمغرافي يذهب البعض ليسميه “مشروعاً سياسياً علوياً”، فهو هو مشروع سياسي ايراني مضاف لمشروع بيت الاسد لهندسة المجتمع الحمصي وفق اسس جديدة يُستخدم فيها علويو حمص. وهذا ليس بحال من الاحوال مشروعاً سياسياً يمكن ان ينسب للعلويين، لأن العلويين اليوم لا يفكرون باكثر من البقاء والحفاظ على ما يمكن من شروط العيش الانساني كباقي السوريين.
قد يكون هناك هيمنة امنية علوية عليا على كافة قطاعات المجتمع، لكن قطاعات المجتمع هذه تحتاج الى افراد ومجموعات غير علوية تعمل تحت سيطرتها كي تتمكن هذه القيادة العليا من استمرار الهيمنة. ولا يعقل ان يكون السوريون كلهم علويين او باطنيين دون ان نُدرك! من ناحية، كان هناك تعايش بل وانسجام اجتماعي مع الوضع التحكمي، ومن ناحية ثانية كان هناك تقرّب من هذه الحالة العلوية القرداحية تبدّى في محاولة كل معجب بالوضع كي يقلد “لهجة الساحليين” او “اللهجة العلوية” او لينسب نفسه بالايحاء الى “القرداحة” . حتى ان فنان النظام الكوميدي الاول، دريد لحام اطلق، نكتة شهيرة مفادها ان “عدد سكان القرداحة عشرين مليوناً”، تشير الى المعنى الذي نقوله.
قبول السوريين للهيمنة الاسدية سواء كانوا علويين او سنّة هو قبول بالهيمنة وتعايش معها وصل درجة التماهي، بحيث يمكن القول ان الشعب السوري كله كان واقعا في حالة “عقدة استوكهولم”، لأن السوريين كلهم كانوا سجناء هذا النظام الامني.
– 3-
كتب الدكتور “منير شحود” تعليقا على طرح هذه المسألة اي العلوية السياسية على صفحة “حوار الجمهورية” اجدُهُ من اقوى الردود لأنه استحضر وقائع تاريخية تدحض فكرة الدكتور العظم. أستعير رد الدكتور منير كما نشره كاملا في صفحة “حوار الجمهورية” ردا على الدكتور محمد مرعي مرعي.
يقول الدكتور منير شحود: ” إذا كان ما أتذكره من طرح الأستاذ العظم صحيحاً، فقد قارن بين العلوية السياسية والمارونية السياسية وهذه المقارنة غير موضوعية بالطبع (الطبيعة الطائفية لتقاسم السلطات في لبنان وهيمنة المارونية من خلال الدستور… ). اعتماد النظام على عناصر علوية أمنيا وعسكريا يهدف لحمايته هو كنظام مدّ جذوره في كامل المجتمع، وليس من أجل العلويين (الواقع الآن يتكشف عن فداحة المأساة التي أحاقت بالجميع)”.
العلوية السياسية كانت مشروعا تاريخيا بالفعل، بالتوازي مع المارونية السياسية، ولكنه فشل. هذا المشروع كان تمرّد الزعيم اسماعيل خير بك على العثمانيين وسيطرته على كل المناطق المحصورة بين حمص ومصياف وطرطوس وإقامته حكومة الدريكيش (1854-1858)، وكانت له علاقاته مع الأوربيين أيضا ومع عبد القادر الجزائري بدمشق (ربما كانت هذه العلاقة للتوسط مع الفرنسيين). ولو دعم الأوروبيون اسماعيل كما دعموا الموارنة لولدت دويلة من هذا القبيل بالفعل.. لكن تحالفا عثمانيا كبيرا أجهضها (قوات والي بيروت ودمشق بالتنسيق مع “الدنادشة” السنيين في “تلكلخ” وآل شمسين العلويين في الدريكيش).”
-4-
كان جديراً بفيلسوفنا العظم ان يرى الهاجس الامني والمحور الامني والبنية الامنية لهذا النظام باعتباره محتوى جوهرياً، وليس المحتوى العلوي وهو محتوى “أداتي”، وليس جوهرياً، بدليل ان الاخوين رفعت وحافظ الاسد دخلا صراعا كاد ينهي حياة احدهما. وبدليل ان حافظ ارتكب اكثر من مجزرة بحق مجموعات (علويين) تابعة لأخيه رفعت آخرها كان في الشاطىء الازرق قبيل استلام بشار الحكم بسنتين او اقل.
إقرأ أيضاً: