العمال الاجانب في لبنان …جسور للحياة والموت
بيروت (رويترز) – يعبرون جسورا للحياة.. يخافون جوعا في بلادهم الفقيرة.. فيدركهم قدرهم في غربة عن ترابهم.. يلهثون وراء العيش في لبنان واذ بأنفاسهم تخطف مرة في السماء ومرات تحت الانقاض.. تضيع رفاتهم في مياه البحر المتوسط ويحاصرون تحت تربة لطالما عملوا على نهوضها عمرانيا.
انهم العمال الاجانب في لبنان من أثيوبيين وسودانيين ومصريين وفلبينيين وسيريلانكيين وغيرهم الذين يعملون ليل نهار عند مخدوميهم وقد يموتون في البلاد ولا يستطيعون الحصول على أدنى حقوقهم.
يضعهم القدر أيضا مع قضاء عادل في احتساب النهايات. فالموت يوحد بين البشر فتصبح العاملة الاثيوبية كمخدوميها في لحظة السقوط من السماء الى البحر كما حدث لدى سقوط الطائرة الاثيوبية منذ عامين وهو الحادث الذي قتل فيه جميع من كانوا على متنها وعددهم 90 شخصا. وكما حصل أيضا في يناير كانون الثاني الماضي عندما انهار مبنى سكني في العاصمة بيروت أدى الى مقتل نحو 26 شخصا بينهم سودانيون وأثيوبيون ومصريون وفلبينيون.
انهم يتسولون أوراقهم الرسمية على أبواب الادارات …تخافهم المستشفيات ولا تلتزم شركات التأمين بتغطية نفقات علاجهم الصحي.
وتفيد التقديرات الرسمية بان حجم العمالة الاجنبية في لبنان لا يقل عن 400 ألف الى نصف مليون شخص في بلد لا يتعدى تعداد سكانه اربعة ملايين نسمة.
الاسبوع الماضي لجأت الاثيوبية مسكريم ايسفا ميسراك الناشطة في جمعية للمهاجرين في لبنان الى برنامج تلفزيوني لجمع تبرعات لعلاج صديقتها قائلة “حرام ان تموت. لم تر أمها وأهلها منذ سنوات. نحن نسعى لتجميع 30 ألف دولار لدفع تكاليف المستشفى الباهظة.”
فما كان من وزير الصحة اللبناني علي حسن خليل الا ان تكفل بأن تدفع وزارته تكاليف العلاج رغم انها لاتغطي النفقات الصحية للاجانب. لكن هذه الحالة تثبت أن الكثير من المهاجرين لا يستطيعون تلقي العلاج الباهظ الثمن في لبنان.
ويقول عثمان الصديق العامل في احدى محطات الوقود في بيروت “أحد اقربائي أصيب بكسور في انهيار مبنى الاشرفية (في بيروت) الذي قتل فيه سبعة سودانيين لكنه فر من المستشفى قبل اتمام علاجه لانه يخشى ملاحقته لانه دخل البلاد خلسة ولا يستطيع أن يحصل على الاوراق الرسمية الباهظة الثمن.”
لم ينصفهم البحر الذي احتضن أجسادهم ولم تكن الارض وركامها أكثر رحمة. هي جاليات تحيا تحت سقف السقوط.. ودموع ذويهم في الوطن تبقى محاصرة بين المقل لا تجد جثمانا تبكي عليه.
وتقول العاملة الاثيوبية سارة “تركت طفلتي قبل خمس سنوات ولم أرها منذ ذلك الحين الا عبر الصور وأنا هنا أعمل منذ الصباح الباكر حتى ما بعد منتصف الليل ولا أنام الا خمس ساعات لقاء 150 دولارا في الشهر أدفع منها المخابرات الهاتفية الباهظة الثمن لاطمئن على ابنتي.”
أضافت “أنا هنا أربي الاولاد وأعمل كل شيء ولا يمر يوم من دون توبيخي وشتمي من المدام (ربة المنزل).. حتى أنهم لم يسمحوا لي بالذهاب للبحث عن قريبتي التي سقطت في حادث الطائرة. لقد حجزوا جواز سفري ولا استطيع المغادرة الان.”
ويسلم مسؤولون رسميون وحقوقيون وناشطون في مجال حماية الفئات المهمشة ومن ضمنها العاملات في المنازل بأن انتهاك حقوقهم يشكل ظاهرة مقلقة في لبنان من باب تعرضهم للاساءات الاقتصادية والنفسية والجسدية واحيانا الجنسية.
وفي ظل استثنائهن من قانون العمل اللبناني تترك العاملات في المنازل فريسة للاستضعاف والانعزال والارتهان المطلق لارادة الكفيل الذي يحدد شروط العمل والياته.
وتقسم الناشطة في جمعية “كفى” مايا عمار الاساءات التي تتعرض لها العاملات المنزليات الى اقتصادية.. تتمثل بعدم دفع رواتبهن سواء في الوقت المحدد أو بالكامل ونفسية.. تتجلى في منعها من الاتصال بعائلتها او تقييد حركتها في أوقات فراغها ولفظية.. يعبر عنها باستخدام الالفاظ المهينة والمذلة بحق العاملة او السخرية من لفظها او ملبسها او ديانتها وجسدية.. تمارس عليها بالضرب والركل والحرق وغيرها من الممارسات التعنيفية وجنسية.. تبدأ بالتحرش الجنسي وتصل الى حد الاغتصاب.
ويقول وزير العمل شربل نحاس لرويترز “لدينا مشكلة كبيرة جدا في كل أوضاع العمل في لبنان. من جهة اللبنانيون يهاجرون بكثافة ومن جهة أخرى تأتي يد عاملة اجنبية بكثافة.”
أضاف “السياسة التي نعتمدها.. ان كان على مستوى الاجور أو سياسة الاستثمارات العامة هي اعادة تصويب الوضع لانه من غير الطبيعي ان يكون هناك بلد أبناؤه يهاجرون وفي نفس الوقت يجلب أولاد الناس من اخر الدنيا.”
ومضى يقول “رقم العمالة الاجنبية لا يقل عن 400 ألف الى نصف مليون شخص (في بلد لا يتعدى تعداد سكانه اربعة ملايين نسمة). قسم كبير من السوريين لا نستطيع ان نحصيهم لانهم يدخلون ويخرجون وعملهم موسمي.”
وقال نحاس “لبنان بنفس الوقت قوة طاردة وجاذبة للايدي العاملة. طاردة على مستوى الكفاءات المتوسطة والعليا وجاذبة على مستوى الكفاءات المتدنية.”