أحيانا تأخذ بعض الكلمات معنى مخالفا تماما لمعناها الأصلى واللغوى ، وهذا يحدث فى اللغات التى أعرفها على الأقل ، ولن أستغرب إن عرفت أنه يحدث فى كل أو معظم اللغات . ففى الإنجليزية كلمة ، تعنى مسرور أو مبتهج ، ولكنها الآن أصبحت تستخدم بمعنى آخر وتعنى المثل جنسيا.Gay
ومن النوادر الطريفة والتى سمعتها ، أنه فى أحد الإنتخابات التى تمت فى مصر فى العصر الذى أطلق عليه “العصر البائد” والذى يترحم عليه الكثيرون منذ نصف قرن ، أن قرر أحد رواد النهضة المصرية الحديثة أحمد لطفى السيد التقدم للإنتخابات فى مسقط رأسه فى السنبلاوين بمحافظة الدقهلية. وقبل أن أذكر النادرة الطريفة ، لا بد بتعريف القارئ بمن هو أحمد لطفى السيد ،هو يعتبر من رواد الإصلاح والحداثة فى مصر والعالم العربى وكان وزيرا للمعارف ورئيسا لمجمع اللغة العربية وجامعة القاهرة (الجامعة المصرية فى هذا الوقت) ، وقدم إستقالته من الجامعة إحتجاجا على إقالة طه حسين من الجامعة عام 1932 ، نادى بتعليم المرأة فى الجامعة وتخرجت فى عهد رئاسته للجامعة أول دفعة للطالبات ويقال أنه صاحب المقولة الشهيرة: “الإختلاف فى الرأى لا يفسد للود قضية” ويعتبر بحق رائد الليبرالية. وبناء على كل ما له من مؤهلات قرر التقدم للترشيح لدخول البرلمان ، وكان يرفع شعار الديموقراطية ، وأشاع أحد منافسيه فى دائرته من الحزب المعارض بأن الديموقراطية تعنى الحرية الزائدة والتى تسمح للمرأة بأن تتزوج أكثر من رجل فى وقت واحد!! وإنتشرت الإشاعة بين الفلاحين، وعندما كان يسأله الفلاحون: “ألا إنت يأحمد بيه راجل بتحب الديموقراطية بصحيح؟” وكان يجيب: “طبعا الديموقراطية أهم وسيلة للحكم”. وكان الفلاح يهمس لزميله: “جالك كلامى أهو طلع ديموقراطى أهو، يعنى عاوز نسواننا يتجوزا علينا”!!. ونتيجة هذه الإشاعة سقط أحمد لطفى السيد (رائد الليبرالية) فى الإنتخابات. وعندها أخذت “الديموقراطية” سمعة سيئة بفضل الإشاعات المغرضة.
وفى بداية حكم عبد الناصر أثناء أزمة مارس 1954، إحتشد بعض الدهماء المأجورين من قبل النظام أمام مبنى نقابة المحامين فى القاهرة يهتفون: “تسقط الحرية”. وكانت تلك بداية الصدام بين المثقفين وبين النظم العسكرية، وكان الفائز هو نظام إستبدادى آخر يستخدم الشعارات الدينية، وأخذت كلمة الحرية مرة أخرى سمعة سيئة.
وآخر ضحايا السمعة السيئة للكلمات هى كلمة “العلمانية” وهى ترجمة للكلمة الإنجليزية :
“Secularism”
ومعناها كما جاء فى القواميس والموسوعات الإنجليزية والأمريكية:
The view that religious considerations should be excluded from civil affairs or public education.
Secularism was the word adopted by George Jacob Holyoake in the early 1850s to describe a system of morals and social action shaped exclusively by this-worldly considerations, irrespective of religious beliefs. The word was derived from the secular education movement for the complete separation of religious teaching from other forms of education.
وكما ترون الكلمة باللغة الإنجليزية تعنى بإختصار فصل التعليم الدينى عن التعليم العام. ولست أدرى من هو صاحب ترجمة الكلمة للعربية إلى “العلمانية”، وكنت أود أن تتم ترجمتها إلى “الدنيوية”. ولكن الكلمة الآن فى العالم العربى والإسلامى أخذت سمعة سيئة وأتهم المنادون بها بالإلحاد وإلى آخر قائمة التهم المعروفة، حتى أصبح الكثير من المؤمنين بفصل الدين عن الدولة يتحاشون إستخدام كلمة “العلمانية”. وأنا لى رأى جديد ومخالف وقد يجر علىّ العديد من المشاكل والمصائب، لكن يجب بداية كى أقرب هذا الرأى أن أذكر القارئ بشعر أحمد شوقى فى مدح الرسول محمد (صلعم) وقد تغنت أم كلثوم بتلك الأبيات:
لطفي
بنيت على التوحيد وهو حقيقة *** نادى بها سقراط والقدماء
ومشى على وجه الزمان بنورها ***كهان وادى النيل والعرفاء
الله فوق الخلق فيها وحده *** والناس تحت لوائها أكفاء
والدين يسر والخلافة بيعة *** والأمر شورى والحقوق قضاء
الإشتراكيون أنت إمامهم *** لولا دعاوى القوم والغلواء
………
وفى رأيى أن شوقى قد قام بتلخيص الدين بعبقرية شديدة:
الدين قائم على التوحيد
الناس أكفاء تحت ظل الديانة
الدين يسر لا عسر
الحكم بالإنتخاب المباشر (البيعة)
الأمر شورى (مجلس النواب)
والحقوق يتم قضاؤها عن طريق القضاء
وكانت المفاجأة الكبرى عندما جعل الرسول (صلعم) إمام الإشتراكية ، ولم يتم إتهام شوقى فى هذا الوقت ولا فى أى وقت بالإساءة إلى الرسول .
….
وأنا من جهتى أقول أن الرسول (صلعم) هو إمام العلمانية ، لأنه أول من قال:
“أنتم أدرى بأمور دنياكم ” فى الحادثة المشهورة عندما مر الرسول بجماعة يقومون بتلقيح النخل ، ولما سأل ماذا يفعلون قالوا له أنهم يقومون بتلقيح النخل ، فقال لهم ربما لو لم تفعلوا هذا لأثمر ، فأطاعوا الأمر بصفته صادر من قائدهم الدينى ، ولم يثمر النخل بالطبع فعادوا إليه يطلبون المشورة ، فقال لهم القول المأثور والذى يصلح أن يكون بداية للحركة العلمانية قبل بدايتها فى أوروبا بأكثر من ألف ومائتين عاما :
“أنتم أدرى بأمور دنياكم ”
….
وقد حدث أثناء غزوة بدر حين تجمع المسلمون للقاء الكفار وكانت آبار المياه أمامهم وهنا نهض الحباب بن المنذر وسأل الرسول :”أهذا الأمر منزل من عند الله أم هو الرأى والحرب والمكيدة ؟” فقال رسول الله: بل هو الرأى والحرب والمكيدة . فقال الحباب : يارسول الله ماهذا بمنزل وأشار على رسول الله بالوقوف بحيث تكون آبار المياه خلف المسلمين فلا يستطيع المشركون الوصول إليها، وفعلا أخذ الرسول بهذا الرأي الصائب وكان ذلك أحد عوامل النصر في تلك المعركة.
….
وكما ترون فى هاتين الواقعتين المنفصلتين قام الرسول بالأخذ بالأسباب وبالأمور الدنيوية عندما تعلق الأمر بأمور الدنيا .
وأعطانا الرسول درسا بليغا بأن أمور زراعة النخل يقوم بها المزارعون وأمور الطب يقوم بها الأطباء ، وأمور البناء يقوم بها المهندسون ، وأمور الحرب يقوم بها العسكريون .. إلخ ..
….
ونحن نؤمن بفصل الدين عن السياسة ، لإيماننا بأن السياسة متغيرة وبأن الدين ثابت ، وإذا أدخلنا الدين فى السياسة فلسوف نندم أشد الندم لأننا إما أن نقوم بتثبيت السياسة على حالها كى تتمشى مع الدين فنفقد الدنيا وإما أن نقوم بتغييرالدين فنفقد الآخرة ، وليكن لنا فى رسول الله قدورة حسنة عندما قال:
“أنتم أدرى بأمور دنياكم ”
وأستأذن شاعرنا العظيم أحمد شوقى بأن أقول:
العلمانيون أنت إمامهم **** لولا فتاوى الجهل والجهلاء
samybehiri@aol.com
العلمانيون أنت إمامهم؟الاصل في الكلمة هو المعنى المتداول وليس البدئي كمثال نأخذ كلمة (شاطر) التي نتداولها اليوم للتعبير عن ذكاء او فعل حسن صدر من الطفل مثلا .. او للدلالة على التاجر القناص للفرص ولكن لو عدنا لمعناها الاصلي فهي الشخص الذي طرده اهله بسبب سوء خلقه .. فشتان ما بين المعنيين ولكن من الغباء بمكان ان استخدم هذه الكلمة كمسبة (شتيمة) لانه لا يوجد من يتلقاها بمعنى الشتيمة ولا حتى العارف بمعناها الحقيقي وبالتالي اصبحت العلمانية كلمة مرادفة لمجموعة من الناس تطالب بالغاء الدين من جميع نواحي الحياة .. وحاربت حتى الرمزية بالدين من حجاب اولحية او صليب او… قراءة المزيد ..
العلمانيون أنت إمامهم؟
لعلك مثل كثيرين لم تدرك أن هذه الكلمة هي العلمانية بفتح العين (مشتقة من كلمة عالم) وليس بكسرها، وبالتالي تصبح شبه مرادفة لما تقترحه انت أي الدنيوية.
الحل هو تحرير الناس من جهلهم وعبوديتهمليس من حل آخر غير تحرير الناس من جهلهم وعبودبتهم.. وهذا لن يتسنى دون نخبة سياسية وفكرية واقتصادية.. ترفع تحدي التقدم في كل المجالات، وبطبيعة الحال فإن نخبنا العربية تُفضل أن تمشي الهوينى متلصصة، ملتصقة بالحائط، لأنها تعرف مغبات ومهالك المطالبة بإصلاح حقيقي للأوضاع، هذا فضلا عن الإزدواجية في الشخصية التي تنهب ذوات المثقفين العرب، فهم من جانب، يحبون إنتاجات الحضارة الغربية، بدءا بربطة العنق، وكأس الويسكي، وانتهاء بتفضيل ركوب الطائرة من عاصمة عربية لآخرى لإلقاء محاضرات تقول كل شيء ولا شيء في نفس الوقت.. خلاصة القول أن العلمانية اعتقاد راسخ بجدوى التقدم و..… قراءة المزيد ..
العلمانيون أنت إمامهم؟
حقيقة مقال رائع وأود أن أزيد أنه عندما قامت ثورة اليمن وأعلنت الجمهورية شاع
مفهوم لاأعرف كيف ؟ ولكن فحواه أن الجمهورية هي عنوان الفسق والفجور حتى
كنت أسمع ألناس تقول لكل من يسلك مسلكا مخالفا حتى ولو كان للأحسن
(مجمهر)حتى أصبحت سبة يتحاشاها كل فرد ولو أردت أن تلصق بأحدهم ما ينتقص
من قدره بين الناس تشيع عنه أنه (مجمهر ) والأعجب أن خالي رحمه الله رآني مرة أسير
وليس على رأسي عمامة فنهرني قائلا (خلاص مات أبوك وجمهرت) صدق الكاتب
هاهو الإعلام يسوق مفاهيمنا حيث يشاء والأمر لله ولكن أشهدكم الله أنني لست
مجمهر
العلمانيون أنت إمامهم؟
العداء للعلمانية مرده ليس سوء فهم نتداركه بالشرح و القواميس، ولا” فتاوي الجهلاء “بل المصالح الدنيوية.لذا حتى لو ترجمنا العلمانية “بالدنيوية “لقالوا انهم الفئة التي تشتري الدنيا وتبيع الآخرة..انهم ملحدون؟ّّ