رغم أن المملكة العربية السعودية، باعتبارها الدولة الخليجية الأقدم نشؤا ككيان مستقل، كانت الأولى بين شقيقاتها الخليجيات في تأسيس علاقات دبلوماسية كاملة مع تايلاند ( أو ما كانت تعرف وقت تبادل التمثيل الدبلوماسي في عام 1957 بمملكة سيام) فان علاقاتها الثنائية بهذا البلد ذي الاقتصاد الصاعد والنظام الملكي المستقر والتاريخ العريق والشعب الودود تتميز بالجفاء والبرود الشديدين، واللذين نجدهما منعكسين في قرار الرياض بحظر استقدام العمالة التايلاندية منذ الثمانينات، ومنع مواطنيها من السفر إلى تايلاند تحت طائلة الغرامة وسحب جواز السفر ومنع المغادرة، وإيقاف رحلات خطوطها الجوية إلى بانكوك، وإجبار أرباب الأعمال فيها على التخلص مما بقي في البلاد من أيد عاملة تايلاندية – بحيث لم يعد فيها اليوم سوى عشرة آلاف عامل من بعد أن كان عددهم في عام 1989 ، نحو مائتي ألف . أما السبب في هذا البرود والجفاء من بعد سنوات طويلة من العلاقات الدافئة التي ظهرت أفضل تجلياتها في حقبة الطفرة النفطية في سبعينات القرن المنصرم حينما شرعت السعودية أبوابها أمام عشرات الآلاف من الأيدي العاملة التايلاندية الماهرة وغير الماهرة، و الآلاف من خادمات المنازل، ناهيك عن إرسائها للعديد من المناقصات على الشركات التايلاندية العاملة في قطاع الإنشاءات والصيانة والطرق والموانيء والخدمات الملحقة، فيعود بحسب بعض المصادر إلى استياء الرياض من بانكوك واتهامها لعدد من جنرالات الشرطة التايلاندية بالتواطيء مع العناصر الإرهابية المرتبطة بإيران أو حزب الله اللبناني، التي يعتقد أنها كانت وراء اغتيال اثنين من دبلوماسيي المملكة في بانكوك ( عبد الله البصري و محمد الباهلي) في عام 1989 ، ووراء اغتيال دبلوماسي ثالث ( احمد السيف) في عام 1990 ،قبل أن تختطف أيضا رجل أعمال سعودي وتقتله وذلك في عمليات يعتقد بصلتها بموقف المملكة من الحرب العراقية – الإيرانية.
الرياض وبانكوك: جفاء من بعد علاقات دافئة
غير أن مصادر أخرى تعزي أسباب الاختلال في علاقات الرياض ببانكوك إلى قضية أخرى مختلفة هي تلك المعروفة في الصحافة و وسائل الإعلام التايلاندية بقضية “الماسة الزرقاء”، حيث تقول هذه المصادر أن الرياض مستاءة مما تصفه بعدم جدية الشرطة التايلاندية في الكشف عن ومعاقبة المتورطين في سرقة مجوهرات ثمينة تعود إلى أحد كبار أمراء الأسرة السعودية المالكة، بل أن ما زاد في استياء الرياض هو أن الشرطة التايلاندية أعلنت في وقت من الأوقات توصلها إلى مكان المجوهرات، لكنها أعادت إلى السعوديين مجوهرات مزيفة بدلا من أن تعيد الأصل، هذا على الرغم من قيام السلطات التايلاندية بتوجيه الاتهام في القضية المذكورة إلى احد كبار جنرالاتها، تشالور كيلدتيس، النائب الأسبق لمفوض التحقيقات الخاصة في الشرطة، والمحكوم بالسجن المؤبد منذ 14 عاما.
وفي الوقت الذي يحدث كل هذا معطوفا على إبداء الرياض تصميما شديدا على عدم التخلي عن القضية، بدليل الإبقاء على سفارتها في بانكوك مفتوحة – وان بمستوى قائم بالأعمال – ناهيك عن فتحها للملف مع كل حكومة تايلاندية جديدة تأتي إلى السلطة، على نحو ما حدث هذا العام حينما آلت حقيبة الخارجية إلى وزير جديد هو “نوبودون باتاما ” الذي سارع إلى القول بأن ملف تطبيع العلاقات مع الرياض هو في مقدمة اولوياته، الأمر الذي أشاع جوا من التفاؤل في الأوساط الاقتصادية والسياحية والعمالية التايلاندية التي تكبدت ولا زالت تتكبد خسائر سنوية بمئات البلايين من العملة المحلية (البات) بسبب تراجع أو انقطاع الطلب السعودي على العمالة والمنتجات والخدمات التايلاندية، بل وأشاع أيضا تفاؤلا لدى الجانب السعودي الذي يبدو في سباق مع الزمن من اجل كشف وإدانة المجرمين والمتورطين في القضايا المذكورة آنفا، قبل أن يكتمل مرور عشرين عام عليها فتسقط تلقائيا بحسب القانون التايلاندي.
بانكوك والمنامة: تبادل الزيارات على أعلى المستويات
في هذا الوقت تشهد علاقات تايلاند مع شريكات الرياض في مجلس التعاون الخليجي نموا ملحوظا ومتواصلا، بل تمددا إلى قطاعات جديدة غير مسبوقة. وتأتي في مقدمة هذه الدول الخليجية البحرين التي يتبادل المسؤلون فيها مع نظرائهم التايلانديين الزيارات على أعلى المستويات، و التي يحظى فيها التعاون الثنائي مع بانكوك بمتابعة شخصية من لدن سمو رئيس وزرائها الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة، بل التي أخرجت تعاونها مع هذا البلد الآسيوي المهم من النطاق التقليدي ممثلا في التجارة والسياحة والعمالة إلى قطاعات جديدة مثل التعاون والاستثمار المشترك في حقول تدريب الموارد البشرية والتعليم العالي والصحة والتمريض والنفط والغاز. ولعل أفضل دليل على صحة هذه التطورات هو أن البلدين وقعا مؤخرا اتفاقية إطار عمل من اجل تحقيق تعاون اقتصادي امتن بينهما، وإزالة الحواجز التجارية والجمركية أمام انتقال السلع والخدمات والأشخاص في موعد أقصاه حلول عام 2010 ، وزيادة فرص الاستثمار المتاحة أمام رعايا كل بلد في البلد الآخر مع منحهم معاملات تفضيلية. وتعتبر البحرين من وجهة نظر التايلانديين المكان الأنسب والأفضل لكي تكون بوابة عبور لسلعها وخدماتها إلى دول الخليج الأخرى.
الكويت وبانكوك: اتفاقية الأجواء المفتوحة
الدولة الثانية بعد السعودية التي أقامت علاقات دبلوماسية مع تايلاند كانت الكويت، وقد تم ذلك في 13 يونيو/ حزيران 1963 . ومنذ ذلك الحين تمتع البلدان ولا يزالان بروابط حارة ووثيقة في مجالات التجارة والمصارف والصناعة والتعليم والسياحة والنقل الجوي. وتعتبر الكويت أول بلدان الخليج التي وقعت اتفاقية الأجواء المفتوحة مع تايلاند والتي سمحت للناقلتين الرسميتين للطرفين بتسيير رحلات دون اشتراطات تتعلق بنوع الطائرة أو عدد المقاعد أو مطارات الهبوط أو عدد الرحلات. وقد شهدت علاقات الجانبية دفعة قوية بعيد الزيارة التي قام بها أمير الكويت سمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح إلى بانكوك وبوكيت في يونيو/ حزيران عام 2003 ، بدليل إبرام الطرفين لاتفاقية حول الاستثمار المشترك، وقرار بانكوك منح الأفضلية للمستثمرين الكويتيين في مجالات معينة، والمديح الذي أسبغه وزير المالية الكويتي وقتذاك ( بدر الحميضي) على تايلاند لنجاحها في تجاوز الأزمة النقدية الآسيوية في عام 1997 سريعا وتحولها إلى مكان آمن ومضمون للاستثمار. ويعتبر السياح الكويتيون في مقدمة الخليجيين الذين يفضلون تايلاند مكانا للراحة والاستجمام والعلاج. إذ يأتون في المرتبة الثانية بعد الإماراتيين وبنسبة 14.51 في المئة من سياح الشرق الأوسط الذين يتزايد عددهم سنويا بنسبة 15 بالمئة طبقا للمصادر الرسمية التايلاندية.
ابوظبي وبانكوك: مذكرة تفاهم حول حقوق العمالة الوافدة
أما دولة الإمارات العربية المتحدة التي أقامت التمثيل الدبلوماسي مع تايلاند في 12 ديسمبر/ كانون الأول 1975 ، فان أهم مجالات التعاون بينها وبين تايلاند هي السياحة والتجارة. فسياحيا يعتبر الإماراتيون كما قلنا في مقدمة من يختارون تايلاند كوجهة سياحية لهم. حيث يتزايد عددهم بمعدل 60 ألف سائح كل عام. أما تجاريا، فتصدر تايلاند إلى الإمارات الأرز والمنسوجات والملابس الجاهزة والمجوهرات والكماليات وبعض الآليات، وتستورد منها النفط الخام والمعادن والمواد الكيماوية. كما أن ميدان العمالة هو احد أهم ميادين التعاون القديمة بين الجانبين. إذ كان يعيش ويعمل في إمارة دبي وحدها في عام 2006 نحو 3500 عامل تايلاندي، ارتفع عددهم في العام التالي إلى 6500 ، وذلك بسبب الطلب المتزايد عليهم ناهيك عن رضا أرباب الأعمال عن مهاراتهم وانضباطهم. وفي الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي، وقعت الإمارات وتايلاند مذكرة تفاهم حول حماية حقوق مواطني الأخيرة العاملين في الأولى من حيث الرواتب والسكن وساعات العمل والتعويضات والاجازات والنقل.
الدوحة وبانكوك: اتفاقية طويلة الأجل حول إمدادات الغاز الطبيعي المسال
وبالنسبة لدولة قطر، فإنها ارتبطت بعلاقات دبلوماسية مع تايلاند منذ 7 أغسطس/ آب 1980 ، و الأخيرة سعت ولا تزال تسعى منذ ذلك الحين إلى تطوير روابطها مع الدوحة، وخاصة في حقل التبادل التجاري، بدليل افتتاحها مكتبا خاصا لهذا الغرض في الدوحة مؤخرا. وتقول أرقام عام 2001 أن مبادلات الطرفين التجارية تجسدت في استيراد تايلاند من قطر ما قيمته 253 مليون دولار من النفط والأسمدة والكيماويات، مقابل استيراد القطريين لسلع وخدمات تايلاندية بقيمة 19.6 مليون دولار، شملت المركبات المجمعة والألبسة والكماليات والمواد الغذائية. وفي عام 2008 أضافت قطر تايلاند إلى قائمة الأسواق التي تصدر إليها الغاز الطبيعي القطري المسال، وذلك في أعقاب توقيع الطرفين اتفاقية طويلة الأجل بهذا الخصوص. وكان عام 2002 قد شهد زيادة ملحوظة واهتماما غير مسبوق من جانب القطريين بالاستثمار في تايلاند في مجالات التعدين واستكشاف وإنتاج النفط والصناعة المصرفية.
مسقط وبانكوك: اكتشاف وإنتاج النفط في دول ثالثة
وإذا ما تحدثنا عن علاقات سلطنة عمان بتايلاند، فإننا سنجد تميزها بميزة الجهد والتعاون المشترك للبحث والكشف عن النفط والغاز في دول ثالثة سواء في جنوب شرق آسيا أو الشرق الأوسط. وكانت هذه إحدى ثمار ونتائج الاتفاقية التي وقعتها وزارة النفط والغاز العمانية في ديسمبر2007 مع شركة بي تي تي التايلاندية التي تعتبر أول شركة تايلاندية تنخرط في عمليات نفطية في الشرق الأوسط . هذه الاتفاقية التي منحت الشركة المذكورة حقوق اكتشاف وإنتاج النفط في المكمن النفطي رقم 41 المغمور الذي تصل مساحته إلى 23.850 كيلومتر مربع أمام سواحل مسقط، وجاءت من بعد اتفاقية مماثلة عقدت بين الطرفين في مارس/ آذار 2005 حول المكمن رقم 58 والجدير بالذكر أن التايلانديين نجحوا في سبتمبر 2005 في اكتشاف حقل شمس العماني، الأمر الذي شجع السلطات النفطية البحرينية على منحهم عقدا لاكتشاف وإنتاج النفط في المنطقة رقم 2 الواقعة إلى شمال جزيرة البحرين بمساحة 2228 كيلومتر مربع.
وتعززت أواصر التعاون العماني- التايلاندي بفتح الخطوط الجوية العمانية في يناير/ كانون الثاني 2006 خطا جويا مباشرا ما بين مسقط و بانكوك لخدمة السياح العمانيين المترددين على تايلاند والذين يقال أن معدلهم السنوي يفوق 36 ألف سائح، ناهيك عن اتخاذ الناقلة العمانية لمطار بانكوك منطلقا لها نحو مدن أخرى في منطقة جنوب شرق آسيا، أو كمحطة لنقل المسافرين إلى أوروبا والشرق الأوسط عبر مسقط.
*محاضر وباحث أكاديمي في الشئون الآسيوية من البحرين:
elmadani@batelco.com.bh
العلاقات الخليجية – التايلاندية : الضلع المفقود
السؤال الى متى ننتظر الحلول؟؟؟؟؟؟؟؟الفروض المشكلة انحلت كما هي الحال مع ايران كانت علاقات مقطوعة فتغيرت والجريمة قريبة منها!!!!!!!!مثلها تماما!!!!!!!لماذا نحرم من السفر اليها كشعب مادخلنا وقد عرفنا التعامل الطيب منهم!!!!!!!!قد لاتنحل الى الأبد فماهو مستقبل العلاقات انقطاع الى الأبد وحظر السفر وان المسافر يعتبر مجرما فتطبق بحقه عقوبات؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟!1111111111111!!!!!!!!!!!!!!!!!