في العلاقة الجديدة بين العراق والكويت هناك جانب مؤلم، كما هناك جانب يدعو الى بعض التفاؤل مع كثير من الريبة. فوق ذلك كلّه، يعلو أمل في أن يكون هناك، أخيرا، نضج سياسي في العراق، نضج يقود الى رفض الدخول في تحالفات ذات منطلق مذهبي ضيّق تساعد في جعل البلد امتدادا لايران ومشروعها المخيف على الصعيد الاقليمي.
مؤلم سماع الحديث عن رفع غير كلّي للعقوبات عن العراق بموجب الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة. مؤلم ايضا أن الجزء الاخير من العقوبات التي فرضت بعد الغزو الذي تعرّضت له الكويت في العام 1990 سيرفع، ولكن بعد دفع كامل للتعويضات المستحقة للكويت والناجمة عن الاضرار التي تسبب بها الغزو الذي لم ينته الا بعد تدخل دولي فرضته الولايات المتحدة أوّلا وأعاد الكويت الى أهلها.
وفي هذا الصدد، يقول وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري أن العراق دفع الى الآن، اثنين وأربعين مليار دولار وأنه بقي عليه أن يدفع مبلغ اثني عشر مليارا… وسيكون قادرا على ذلك قبل نهاية السنة 2015. هذا جزء من الخسائر التي الحقها نظام العائلة- البعث بالعراق، خصوصا منذ تولى صدّام حسين السلطة كلّها في العام 1979 آخذا البلد من مغامرة الى أخرى…
ما هو مؤلم أكثر من ذلك كلّه، أن هناك ستمئة مواطن كويتي ما يزال مصيرهم مجهولا منذ العام 1990. لم يعرف الى الآن ماذا فعل النظام العراقي الذي أسقطه الاميركيون في العام 2003 بالاسرى الكويتيين، علما أن الحكومة الكويتية فعلت كلّ ما في وسعها من أجل التوصل الى معرفة الحقيقة المتعلقة بابنائها.
هذا لا يعني من دون أدنى شك تجاهل مأساة مئات آلاف العراقيين الذين كانوا ضحايا الحروب التي خاضها صدّام ونظامه والوحشية الاميركية في التعاطي مع هذا النظام… وهي وحشية جرى تبريريها بوهم اسمه الشرق الاوسط الجديد المبني على الديموقراطية التي ستقوم في العراق. كانت النتيجة الحقيقية للسياسة الاميركية في العراق زلزال معروف كيف بدأ وليس معروفا الى أين سيأخذ الشرق الاوسط كلّه. الامر الوحيد الثابت حاليا أن المنطقة ذاهبة الى التفتيت والى اعادة تشكيل تشمل الحدود الجغرافية لغير دولة بينها العراق نفسه…
ولكن ما يدفع الى بعض التفاؤل تصرّف الحكومة الحالية في العراق بطريقة توحي بأنها على استعداد لفتح صفحة جديدة مع الكويت بعيدا عن عقد الماضي وروح الاستعلاء.
يبدو، أقلّه ظاهرا، أنّ هناك في العراق من يعتبر أن الوقت حان للتصرف بعقلانية مع الكويت. وهذا يعني بكلّ بساطة أن التعامل يكون بين دولة مستقلة سيّدة وأخرى مستقلة وسيدة ايضا استنادا الى القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن. والظاهر، أن الحكومة العراقية بدأت تسير في هذا الاتجاه الذي يجعل من مسألة الحدود بين البلدين، بغض النظر عن حجم كلّ منهما وامكاناته، مسألة ثانوية مقارنة بعلاقات الثقة المتبادلة بينهما.
بفضل هذه الثقة المبنية على الاحترام المتبادل، يمكن بناء علاقات مستقبلية تتجاوز قضية الحدود، تماما كما الحال بين بلدين وشعبين خاضا حروبا طويلة مثل فرنسا والمانيا.
هل تتحقق مصالحة تاريخية بين العراق والكويت يوما ويقبل العراقيون بأنّ العالم تغيّر وأن عليهم، قبل التفكير في كيفية التعاطي مع الكويت خارج القانون الدولي وميثاق الامم المتحدة الاهتمام بشؤون بلدهم أوّلا والعمل على المحافظة على وحدته وتطوير النظام بعيدا عن الطائفية والمذهبية؟
لا شكّ أن الكويت تراهن على أنّ النظام العراقي الجديد يتجه الى التعقل، أقلّه تجاهها. لذلك زار رئيس الوزراء الشيخ جابر المبارك الحمد الصباح بغداد أخيرا في خطوة تؤكد الرغبة في تحسين العلاقات والمساعدة في اخراج العراق من العقوبات المفروضة تحت الفصل السابع جراء جريمة احتلال الكويت. وهذا ما حصل بالفعل، بدليل التعاون القائم بين البلدين في اطار مجلس الامن والامم المتحدة. وكان هذا التعاون موضع اشادة من رجل عاقل هو وزير الخارجية العراقي الذي اعترف بالروح الايجابية التي تعاملت بها الكويت مع رفع العقوبات عن العراق.
هل تنسحب العقلانية العراقية في التعاطي مع الكويت، وهي عقلانية لقيت ترحيبا من الجانب الاخر، على مسائل أخرى؟ يبقى ذلك السؤال الكبير.
لا يمكن التعاطي بعقلانية في مجال والعودة الى ممارسات الماضي في مجال آخر. بكلام أوضح، لا يمكن اعتماد العقلانية مع الكويت والابتعاد عن كلّ ما هو عقلاني في التعاطي مع عراقيين آخرين هم أهل السنّة والاكراد عموما.
كذلك، لا يمكن التعاطي بهدوء ورصانة مع الكويت والسماح بارسال متطوعين من منطلق مذهبي بحت الى سوريا للتدخل الى جانب النظام في الحرب التي يشنها على شعبه. فامّا أن الحكومة العراقية التي يرئسها السيد نوري المالكي حكومة العراق، كلّ العراق، وامّا هي حكومة تتلقى تعليمات من طهران وتستجيب للرغبات الايرانية.
من هنا، يترافق التفاؤل بتحسن العلاقات العراقية- الكويتية ببعض الريبة. تعود الريبة الى أنّ بلدا غنيا مثل العراق يحتاج أوّل ما يحتاج الى الابتعاد عن كلّ ما من شأنه اثارة الغرائز المذهبية ارضاء لايران وغير ايران.
في النهاية، ما على المحك هو مستقبل العراق ووحدة اراضيه. لا يمكن في أي شكل تجاهل حاجة العراقيين الى علاقات متوازنة مع محيطهم العربي والايراني والتركي. ولكن ما هم في حاجة اليه أكثر من أي شيء آخر هو الى حكومة تنبذ المذهبية والطائفية لا تفرّق بين مواطن ومواطن ومنطقة ومنطقة أخرى…أي الى حكومة تجعل العراق قادرا على التصالح مع نفسه أوّلا.