أتى عبدالله الحاتم، في الصفحة 163 من كتابه «من هنا بدأت الكويت» (الطبعة الثانية/مطبعة القبس/الكويت/1980) على ذكر شيء عن هذه الأسرة ومساكنها وشارعها، فقال: «يمتد هذا الشارع من دروازة آل عبدالرزاق، أو من مسجد العبدالرزاق، حتى بيت شاهين الغانم شمالا، وتقع على جانبيه بيوت آل عبدالرزاق ـ وعميدهم الشيخ عبداللطيف آل عبدالرزاق – وهي من الأسر الكبيرة في الكويت، وكذلك بيت الحاج عبدالعزيز السالم البدر القناعي وكيل الشيخ مبارك الصباح في البصرة، وبيت ابن عمه عبدالرحمن البدر القناعي، وبيت الحاج يوسف الدويرج، وهو من الشخصيات البارزة في الكويت، وبيت حمد المنيس، وبيت الشاعر الكويتي عبدالله بن محمد الفرج، والشاعر الأديب خالد بن محمد الفرج، وبيت عبدالعزيز الهاشم، وبيت الحاج يوسف البودي، وبيوت أبناء أخيه: جاسم البودي، وعبدالوهاب البودي، وزيد البودي، وبيت بن جوعان، وبيت الشيخ أحمد الفارسي، وبيت الشيخة حبابة، وبيت الشيخ صالح البراهيم، وبيت الشيخ سعود المحمد الصباح. وفي وسط هذا الشارع تقع حسينية الشيخ خزعل، ومسقف آل عبدالرزاق، الذي كان في يوم من الأيام أشبه بندوة من ندوات العلم والأدب والتاريخ، أما الآن فقد أزيل هذا الشارع تمامًا».
ولهذه العائلة، التي يعود نسبها إلى الهلايمة من فخذ بني ثور من قبيلة سبيع الغلبا، مصاهرات مع معظم العائلات الكويتية المعروفة مثل: العبدالجليل، الرفاعي، السميط، النصرالله، المساعيد، العوجان، الصالح، البسام، الثنيان، القطامي، البدر، الحمد، الفهد، النواخذة، الحميضي، النصف، الغانم، بودي، العثمان، الساير، الفليج، الصباح، الغنيم، الجوعان، الأحمد، العودة، البابطين، الصبيح، البراك، السديراوي، العودة، المعوشرجي، السعدون، وغيرها (طبقا لموقع تاريخ الكويت الإلكتروني).
ومن يقرأ تاريخ الكويت وعلاقاتها الاقتصادية والاجتماعية مع الهند البريطانية سيجد أن لعائلة العبدالرزاق صولات وجولات في تلك البلاد وبنادرها منذ قديم الزمان. ومن محاسن الأعمال أن الباحثة الكويتية المجتهدة الأستاذة حصة عوض الحربي وثقت كل ذلك في كتابها الهام «تاريخ العلاقات الكويتية الهندية 1896-1965» الصادر في 2017 بالتفصيل المدعوم بالصور التاريخية النادرة.
وقد أتت ابتداء على ذكر «إسماعيل عبداللطيف محمد إبراهيم العبدالرزاق» الذي يعتبر أحد الخليجيين القلائل الذين انطلقوا من «غوا»، المستعمرة البرتغالية التي لم تكن آنذاك تحت السيادة البريطانية (استردتها حكومة الهند المستقلة سنة 1961). ذلك أن إسماعيل بدأ نشاطه التجاري في الهند من هناك سنة 1925 خلافا لبقية تجار الخليج الذين تركزت أنشطتهم وإقامتهم في بومباي أو كلكتا أو كراتشي، وذلك بسبب توافر تسهيلات تجارية أكبر في غوا من قبل المستعمر البرتغالي.
تخبرنا الحربي في الصفحتين 322 و323 من كتابها أن إسماعيل فتح له مكتبا قريبا من الميناء الرئيسي في “غوا” لأغراض تصدير البضائع الى الكويت بالعمولة، فراح يصدر إليها المواد الغذائية كالأرز والفاكهة المجففة القادمة من كراتشي والأخشاب وألياف جوز الهند والحبال، ويستورد إلى غوا من الكويت التمور وغيرها. وتضيف أن تجارة إسماعيل توسعت في فترة لاحقة فوصلت إلى مستعمرة مكاو البرتغالية التي راح يصدر منها إلى الخليج على ظهر المراكب الكويتية (مثل المركب أسامة) الأقمشة والمنسوجات ولاسيما القماش المعروف عند أجدادنا بالململ والذي كان مفضلا عندهم آنذاك لصناعة الثياب بسبب سماكتها الخفيفة المناسبة لمناخ الخليج الحار صيفا. ومع مرور الزمن، ولاسيما بعد ظهور النفط في الكويت وتغير احتياجات الكويتيين، صار يصدر إلى وطنه الأم بضائع متنوعة أخرى مثل الأجهزة الكهربائية والبطاريات والمواد القرطاسية ومواد البناء كالحديد والأسمنت والأدوات الصحية وقطع غيار السيارات وغيرها، وذلك بالتعاون مع نظرائه الكويتيين المقيمين في بمبي من أمثال الساير وبودي والجلال والتاجر الهندي «سريدار كاكولا» والأخوين «شانتي وكانتي لال» إضافة إلى تجار من اليابان.
وبعد أكثر من 27 عامًا قضاها إسماعيل في ربوع الهند وغوا وبعد أن تملك منجمًا للحديد وعددًا من البيوت وتعلم اللغات البرتغالية والإنجليزية والكونكينية وتزوج في الهند من سيدتين إحداهما هندية والأخرى باكستانية، عاد إلى الكويت ليعمل في تجارة العقارات والذهب، لكنه أبقى مكتبه التجاري في الهند ولم يغلقه إلا بوفاته سنة 1974. وتخبرنا الحربي أن الأسباب التي دفعته للعودة إلى الكويت هي تضييق الخناق على التجار الأجانب في “غوا” بعد عودتها إلى السيادة الهندية وتقييد عمليات الاستيراد والتصدير لصالح الهنود وسحب ترخيص منجم الحديد منه.
ومن الشخصيات الأخرى التي أتت الحربي على ذكرها «محمد عبدالعزيز العبدالرزاق» و«يوسف عبداللطيف العبدالرزاق» اللذان عملا بالتجارة في بمبي في عشرينات القرن الماضي وتمكنا من الوصول إلى سنغافورة حيث راحا يصدران منها إلى الخليج الأخشاب والبخور ويستوردان منه ومن البصرة (حيث كانت لهم بساتين نخيل شاسعة) التمور الى أسواق إندونيسيا وسنغافورة والملايو بالتعاون مع سعود عبدالعزيز العبدالرزاق (سيأتي الحديث عنه لاحقا)، الأمر الذي شاع معه صيتهما في تلك البلاد، وخصوصا في أوساط العرب الحضارمة المهاجرين، بفضل أمانتهم وصدقهم في التعامل وقيامهم ببناء مسجد في سنغافورة يحمل اسم العائلة ناهيك عن مدهما يد المساعدة للفقراء والمحتاجين. ظل يوسف ومحمد العبدالرزاق مقيمين في سنغافورة لنحو ثلاثة عقود تملكا خلالها مكتبا تجاريا في شارع ملقا ومسكنا في شارع «أبر إيست كوست»، بل وتزوجا أيضا من نساء تلك البلاد. وبعد الحرب العالمية الثانية انفصلا عن بعضهما البعض، وانفرد محمد بالعمل وظل كذلك إلى أن توفي سنة 1985 ودفن في سنغافورة بناء على وصيته.
أما يوسف فقد عاد إلى الكويت في عام 1954 حيث عمل في الاستثمار حتى وفاته في عام 1974. تاركا خلفه أبناءه عبداللطيف وعبدالرزاق وعبدالمحسن وغازي وعادل.
من شخصيات العائلة البارزة الأخرى الرجل الكريم الطيب الشيخ عبداللطيف محمد العبدالرزاق الذي يعتبر عميدًا للعائلة (توفي سنة 1955). قال عنه الدكتور يعقوب يوسف الغنيم في مقال له بجريدة النهار الكويتية (11/5/2016) إنه اكتسب لقب «الشيخ» تقديرًا له من قبل الذين عايشوه، أو عملوا معه. ويضيف أن الحديث عن الشيخ عبداللطيف مرتبط بالحديث عن الغوص وصيد اللؤلؤ والهند والسفن والنواخذة والطواشين والقوانين التي كانت تنظم وقت الابحار (الدشة) ووقت العودة (القفال)، ناهيك عن مواقع الصيد وتحركات السفن ومراكز بيع اللؤلؤ (خاصة البحرين وبمبي). ويستطرد الغنيم فيذكر أن الشيخ كان من كبار تجار اللؤلؤ الكويتيين من ذوي الباع الطويل في هذا المجال، ومن أصحاب الخبرة والمعرفة بأنواعه وأشكاله وأوزانه، فكان حجة يلجأ إليها النواخذة والطواويش لاستقاء المعلومات، بدليل وجود رسائل متبادلة بينه وبين نظرائه أورد نصوصها سيف مرزوق الشملان في الجزء الثاني من كتابه المهم «الغوص على اللؤلؤ في الكويت والخليج العربي». وللشيخ فضل إصدار كتاب مهم حول أوزان اللؤلؤ وتصنيفاته، بلغ عدد صفحاته الـ438 وطبعه في الهند عام 1911، وجاء من بعد كتابين في هذا المجال، كان أولهما كتاب «أوزان اللؤلؤ» للبحريني «سلطان بن محمد المناعي» الذي طبع في بمبي سنة 1886، والآخر كتاب «تحفة الأصحاب لتسهيل الحساب» للبحريني علوي بن السيد طالب البحراني والذي طبع في بمبي أيضا في عام 1904. إلى ذلك كان للشيخ دور في تأسيس بعض المدارس العربية والمؤسسات الثقافية في الهند مثل المنتدى العربي الإسلامي الذي ترأسه، وكان له دور مهم في تقارب الجالية العربية في بومبي وغيرها من البلدان الهندية. فكانت تجمعهم، وتقضي على المشكلات التي قد يتعرضون لها في حياتهم، وتيسر لهم سبل الاتصال بأصولهم العربية. ناهيك عن قيام المنتدى بقيادة الشيخ عبداللطيف بحملة تبرعات لصالح الثورة السورية سنة 1926.
ومن أبناء الشيخ، خالد العبداللطيف العبدالرزاق الذي عمل مديرا عاما للبرق والتلفون ابتداء من 1/1/1956، ثم وكيلا لوزارة البرق والبريد بعد تحول الدائرة إلى وزارة في أعقاب استقلال الكويت، وتحديدًا منذ 27/3/1962، وابنه الثاني يوسف العبداللطيف العبدالرزاق المولود سنة 1917 والذي درس في الهند والتحق بالسلك الدبلوماسي وصار سفيرًا لبلاده في السودان وباكستان قبل أن يتقاعد في عام 1979 (توفي سنة 1990).
ومن الأسماء الأخرى التي لابد من الحديث عنها ضمن رموز العائلة، المرحوم سعود عبدالعزيز العبدالرزاق (توفي عام 1988) والذي تولى رئاسة مجلس الأمة ما بين عامي 1965-1967، وكان قبل ذلك عضوًا في المجلس ونائبًا لرئيسه، وقبلهما عضوًا في لجنة الدستور. وابنه الأكبر المرحوم بدر سعود العبدالرزاق (توفي سنة 2010) الذي شغل منصب وكيل وزارة الأشغال العامة. وابنه الأصغر الشهيد الطيار عبدالوهاب سعود العبدالرزاق الذي ضحى بحياته كي لا يتسبب في سقوط طائرته الحربية من نوع «لايتنينغ» فوق بيوت مواطنيه في منطقة الجليب على إثر تعرضها لخلل فني في عام 1973. وابنه الأوسط عبدالله سعود العبدرزاق المولود سنة 1940 والذي درس في لندن وحصل منها في عام 1967 على دبلوم عال في الاقتصاد والإحصاء والقانون واللغة الإنجليزية، قبل أن يلتحق في العام ذاته بوزارة الخارجية، حيث تدرج في الوظائف الدبلوماسية في سفارة الكويت لدى بريطانيا وممثليتها الدائمة لدى الأمم المتحدة حتى وصل إلى مرتبة سفير. وكان آخر وظيفة تقلدها قبل تقاعده سنة 1995 هي مدير مكتب نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية.
وهناك من شخصيات العائلة الأخرى الأستاذ الجامعي الدكتور عبدالرزاق يوسف العبدالرزاق الذي تولى حقيبة الصحة العامة العامة في 26 يناير عام 1988 على إثر تعديل وزاري على التشكيل الحكومي الثالث عشر في تاريخ الكويت المستقلة.
ولا يكتمل الحديث عن آل عبدالرزاق دون الإشارة إلى قطب من أهم أقطابها الحاصلين على أعلى الدرجات العلمية في الطب ألا وهو الدكتور عبدالمحسن يوسف العبدالرزاق المولود في سنغافورة (بسبب إقامة والده هناك كما أسلفنا) سنة 1934. والذي يعتبر بحق عراب تعليم الطب في الكويت. فقد حصل على بكالوريوس الطب والجراحة من جامعة أبردين الأسكتلندية سنة 1961، ونال زمالة الكلية الملكية البريطانية سنة 1966، وحصل على درجة الدكتوراه في أمراض القلب من جامعة تشارلز في مدينة غلاسغو الأسكتلندية سنة 1973 والدكتوراه الفخرية من جامعة لوند السويدية سنة 1986.
عمل الدكتور عبدالمحسن في وزارة الصحة كطبيب منذ عام 1963، وتدرج في وظائفها حتى أصبح رئيس وحدة في مستشفى الصباح ما بين عامي 1968-1970 ورئيس قسم أمراض القلب بمستشفى الأمراض الصدرية. وفي عام 1973 كان على موعد مع نقلة هامة في حياته وتاريخ الكويت، إذ أسندت له مهمة تأسيس أول كلية للطب في بلاده، وكان وقتها قد حصل على دكتوراه الفلسفة من جامعة براغ.
قام الدكتور عبدالمحسن بالمهمة الموكولة إليه خير قيام، فظهرت بجهوده وعمله الهادئ المنظم وإخلاصه ودأبه وحرصه على إنشاء كيان علمي يصنع طاقات طبية وطنية كفؤة، الكلية المنشودة كثاني كلية من نوعها في الخليج بعد كلية الطب بجامعة الملك سعود في الرياض، بل أسس إلى جانبها مركز العلوم الطبية، وأعد فوق ذلك خريطة عملية واستراتيجية محددة لتطوير كلية الطب في مرحلة مقبلة. وبسبب إسهامه هذا تم تعيينه كأول عميد للكلية، كما تولى، إلى جانب وظيفة العمادة، منصب مساعد مدير جامعة الكويت للشؤون الطبية في الفترة ما بين 1982-1984.
ومما ذكر أيضا في سيرته المهنية المنشورة أنه فاز بجائزة الكيمياء من جامعة أبردين، وحصل على عضوية الجمعية الطبية البريطانية وزمالة الكلية الأمريكية لأطباء الأمراض الصدرية وصفة ممتحن خارجي للكلية الطبية الملكية، وشارك في العديد من المؤتمرات العربية والدولية في مجال تخصصه، ونشر نحو أربعين بحثًا علميًا في الدوريات العلمية العالمية حول أمراض القلب والأمراض الصدرية، ونال عضوية مجلس جامعة الكويت، وشغل منصب رئيس الجمعية الطبية الكويت، وساهم بعلمه وخبرته في تأسيس مستشفى مبارك الكبير.
كتب عنه الكاتب اللبناني حمزة عليان في الجزء الخامس من كتابه «وجوه من الكويت» (دار ذات السلاسل/الكويت/2017/الطبعة الأولى/ص:112) قائلا: «هذا الرجل صادق مع نفسه ولا يرغب في أن يكون مادة إعلامية. يكفيه شرفًا أنه وضع اللبنة الأولى لكلية الطب منذ السبعينات، وها هي اليوم تخرج الدفعات تلو الأخرى، وتلاميذه يمارسون المهنة داخل المؤسسات الطبية في الكويت».
والحقيقة أن الرجل ثروة بشرية خليجية نادرة في مجال الطب وأمراض القلب والصدر، وشخصية تجبرك على الانحناء لها بسبب أخلاقها وحبها للعمل واحترامها للقوانين والأنظمة وبغضها للواسطات والمحسوبيات. وهناك شيء آخر تميز به الرجل طوال مسيرته وهو ابتعاده عن الاشتغال بالسياسة وتكريس حياته للتدريس ومزاولة الطب، أي على خلاف الكثيرين في عالمنا العربي ممن تركوا تخصصاتهم العلمية وانخرطوا في الشأن السياسي ومعاركه العبثية.
قال عليان (مصدر سابق ص:113) أنه لا يـُعرف عن الدكتور عبدالمحسن إجادته للعربية (بسبب نشأته الأولى في سنغافورة وقضائه سنوات طويلة في بريطانيا من أجل التحصيل العلمي)، لذا كانت الإنجليزية ملازمة له على الدوام في البيت والعيادة والجامعة وفي خطاباته وكلماته وأحاديثة.
في عام 1996 قرر مجلس جامعة الكويت استحداث منصب شرفي تكريمي بمسمى «أستاذ شرف» كنوع من التكريم الأدبي لكبار أساتذتها ممن قدموا خدمات متميزة لها، فلم يكن هناك شخص أجدر من الدكتور عبدالمحسن ليكون أول شخصية تنال هذا التكريم، خصوصًا وأن الرجل لعب دورًا كبيرًا في إعادة تشغيل كلية الطب والمستشفيات الكويتية بعد التحرير سنة 1991، حيث كان من أوائل الكويتيين العائدين إلى وطنهم المدمر من بعد عام قضاه في الخارج، متابعا لأحوال الطلبة الكويتيين الدارسين في الجامعات الأجنبية، ومدافعا عن وطنه في المحافل والمنتديات الدولية.