وسط المخاوف من تكرار التفجيرات الدموية، مثلما حصل في الرويس في الضاحية الجنوبية لبيروت قبل عشرة ايام، او طرابلس يوم الجمعة الفائت، تزداد الاجراءات الامنية وتتنوع وتتعدد بين الرسمي والخاص. هذا من دون ان توفر هذه الاجراءات الطمأنينة للناس، ما دام الانقسام السياسي على حاله. ولا يبدو ان في الافق ما يدفع الى التفاؤل بخطوات سياسية تحاصر مخاطر السيارات المفخخة ضد الناس، او تمنع تنفيذ عمليات اغتيال سياسي وغير سياسي.
التفجيرات والاجراءات الميدانية، الرسمية وغير الرسمية، هي ما يشغل اللبنانيين اليوم. فالخطر لم يعد محددا في مكان دون آخر، والسؤال اليوم: اين سيكون موقع التفجير التالي بعد تفجيريْ طرابلس؟ في بيروت في صيدا في الجنوب ام البقاع في الاشرفية… ؟
ولأن التحقيقات والمعلومات لم تكشف ما يمكن من خلالها تحديد الجهة المنفذة، وتلك المخططة، فالخيال يذهب في اتجاه توقع حصول مجزرة اخرى. ما دام المنفذ او المنفذون هدفهم القتل من دون تمييز بين الناس. تفجير الرويس افضى الى خروج اكثر من 30 في المئة، في الحد الادنى من سكانها، الى خارجها، سواء في اتجاه الجنوب او البقاع او الى مكان يعتقدون انه آمن.
الحواجز وعمليات التفتيش على مداخل الضاحية، ومداخل مخيم برج البراجنة، ليست هي الحل. هي وسيلة تخفف من الاخطار، بحسب ما يتداوله الناس، لكنها لم تحل دون خروج هذا العدد الكبير من ابناء الضاحية الى مناطق اخرى.
الحواجز التي يقيمها حزب الله على مداخل الضاحية تقوم بتفتيش السيارات بالشكل التقليدي، والتثبت من هويات اصحابها، لكنها لا تحول دون خطر ادخال متفجرات بوسائل مختلفة. الجميع يدرك هذه الحقيقة المرة. ولعل خبراء الامن والمشرفين على هذه الاجراءات، سواء من حزب الله او من الجيش، اول من يدرك هذه الحقيقة. في المعلومات ان اختبارات امنية قام بها حزب الله على هذا الصعيد قد تمت على اكثر من عشرة حواجز في الضاحية، ثبت خلالها ان امكانية ادخال متفجرات امرٌ متاح عبرها. في كل الاحوال، إزاء مخاطر القتل العشوائي، ليس امام الناس الا التمسك ولو بقشة الامن في بحر المخاطر.
في موازاة هذه الاجراءات بدأ الناس يتساءلون الى متى ستمتد مرحلة الخطر؟ وهل ستستمر كما هي لا سيما اننا مقبلون على بدء الاستعدادات للعام الدراسي، مع اقتراب نهاية فصل الصيف؟ الى جانب التساؤل حول امكانية عودة الحياة التجارية والاقتصادية الى حالها. فالشكوى على هذا الصعيد لم تزل مكتومة، وثمة عدد من اصحاب المؤسسات التجارية يتأملون ان يكون ما يجري غمامة صيف عابرة.
الحركة التجارية في الضاحية تراجعت اكثر من سبعين في المئة، على ما يؤكد رئيس هيئة احد الاسواق في الضاحية رافضا ذكر اسمه. ويتابع: “نتمنى ان يكون الامر ظرفيا”، لافتا الى ان “جزءا كبيرا من ابناء الضاحية الذين لديهم خيار آخر في السكن خرج منها بعد تفجير الرويس”. واضاف: “احد من خارج الضاحية ليس مضطرا الى التبضع منها هذه الايام”؟ ولفت الى ان “بقاء الامور على هذه الحال سيدفع الكثير من التجار الى البحث عن خيارات اخرى، ومنها اغلاق مؤسساتهم او صرف جزء من العاملين”.
في ظلّ هذه الوقائع والصرخات المكتومة وغيرها الكثير، وفي ظل غياب اي مؤشر يدلل على وقف مسلسل التفجيرات، يسعى حزب الله، باعتباره الجهة الامنية الفعلية والمسؤولة في الضاحية وغيرها من المناطق ذات الكثافة السكانية الشيعية، الى التحضير لخيارات تحمي امن هذه المناطق، بوسائل جديدة، منها توظيف اعداد من الشباب في لجان امنية وشعبية تشكل في الاحياء، يترأسها مسؤول في حزب الله، وفي مناطق نفوذ حركة “امل” يترأسها مسؤول في الحركة.
ويتعهد حزب الله بدفع رواتب هذه اللجان، سواء كان أفرادها ينتسبون الى حزب الله او لا. وعمل هذه اللجان مراقبة منطقة عملها، بواسطة عناصر منتشرين في الشوارع والاحياء. كما ستقوم دوريات سيارة تنتقل في شوارع الضاحية، مزودة بتجهيزات قادرة على كشف اكثر من تسعين في المئة من المواد المتفجرة. فيما يجرى توسيع شبكة كاميرات المراقبة على مناطق الضاحية، وتعزيزها على مداخل مخيم برج البراجنة، والسعي الى تنسيق الجهود مع جهات فلسطينية من اجل نشر شبكة موازية داخل المخيم.
بعد تفجير الرويس ليس كما قبله. الحياة تتغير في الضاحية. الأمن فوق كل اعتبار. وبالتالي يجب تقبل الاجراءات كلها . لا احد يستطيع ان يعترض. فالاعتراض اليوم هو من قبيل الترف واللامسؤولية. ولعل ابرز ما تبدل في الضاحية اليوم، هو التسليم بأن لا امن.. الا الامن الذاتي.
alyalamine@gmail.com
البلد