الشيوعي السابق والشاب الوسيم زياد صعب، بدأ بقتال الجيش الاسرائيلي قبل أن يتم الثامنة عشرة. أمضى سنوات يقود العمليات ضد الاحتلال في جنوب لبنان ثم في بيروت ومجدداً في الجنوب، يقول اليوم في ذكرى التحرير: “لا قتال الى ما لا نهاية. الاولوية للقضية الوطنية اللبنانية”.
لا حنين لديه الى تلك السنين، انما ينظر اليها بعقله الحاضر من أجل المستقبل. ويقول انه تعلم من اخفاقات الماضي “لا يهرب الانسان من تاريخه. ان لا تشيخ هو ان لا تخاف من ماضيك”.
تزوج في العشرين، لكن الزواج لم يبدل كثيراً في شخصيته يقول ضاحكاً: “كنت أضحي بكل شيء. والزواج يصير مسألة تفصيلية أقل تكلفة من الاستعداد للموت”. وبدل مذهبه أكثر من مرة “ايماناً مني بحق الاختيار”، ومخالفة الامر الواقع حكماً على الناس.
كانت “المغالاة في القومية العربية” الصفة الاولى لليسار، وعلى قدر ما تكون قريباً من القضية الفلسطينية تكون يسارياً. وقد أنشأ اليساريون في لبنان الحرس الشعبي للدفاع عن الحدود في وجه الأطماع الاسرائيلية، والمساهمة الميدانية العسكرية مع المقاومة الفلسطينية.
كانت للقضية الفلسطينية الأولوية على الوطنية اللبنانية. أما اليوم فقد تبدل الترتيب. ولم يعد ممكناً أن تكون وطنياً عربياً حقيقياً إن لم تكن أولاً وطنياً لبنانياً.
سابقاً كانت الاولويات وفق الآتي: أنت أممي، فعربي، ثم لبناني. كان الأهم أن تنتصر الاشتراكية في الوطن الأم (الاتحاد السوفياتي). فارتضينا أن نكون البحصة التي تسند الخابية. لكننا أصبحنا بحصة لا حدود مستقلّة لنا.
المقاومة الاسلامية تلعب حالياً الدور نفسه: البحصة التي تسند النظام الايراني. انهم يمارسون ممارساتنا السابقة في ما يخص الاولويات، طبعاً من موقع إيديولوجي مختلف. “شيل أممي، حط إسلامي. وشيل اتحاد سوفياتي، حط ايران”.
كل الاحزاب التي تؤمن بالانقلاب وسيلة للتغيير تؤمّن تركيباً تنظيمياً يمتزج فيه التركيب السياسي العسكري الأوامري. وهذا دائماً حال الاحزاب الشمولية.
عام 1973 بدأنا نتدرب مع فتح في مخيم تل الزعتر من اجل الدفاع عن المقاومة الفلسطينية. كنا نؤمن كثوريّين انه لا يمكن رد العنف الرجعي للأنظمة (والنظام اللبناني احدها، اذ لم نكن نميز بين الانظمة العربية والنظام اللبناني الديموقراطي الا بالعنف الثوري. كان نقولا شاوي رئيسا للحزب الشيوعي، وجورج حاوي امينا عاما مساعدا، وعمليا القائد الفعلي.
عام 1975، بدأت الحرب ولم نتردد في خوضها اذ كنا نعتقد ان التغيير بالعنف هو من اسهل الوسائل لبلوغ الاهداف.
“كنت في منطقة النبعة – برج حمود حيث نشأت، وانا من عائلة درزية من راشيا. بقينا سنة في النبعة نقاتل يحاصرنا الكتائب وحراس الارز والاحرار وبعض وحدات الجيش اللبناني وقوى الامن.
في صيف 1976 سقطت النبعة مع مخيم تل الزعتر. وكنت يومها عائداً من قبرص بعدما تابعت دورة عسكرية في الاتحاد السوفياتي. فاتجهت الباخرة بنا نحو مرفأ صور. ومنها انتقلت الى مرجعيون لأكون مسؤولاً عن القطاع الشرقي. قبل نشوء “جيش لبنان الجنوبي”، وكان النقيب غسان الحمصي مسؤولاً عن وحدات من الجيش مدعومة من اسرائيل ومتمركزة في القليعة. وتزامن هذا الدعم الاسرائيلي صدفة مع دخول الجيش السوري الى منطقة كفرمشكي في البقاع الغربي، كانت بدايات التكليف الاميركي للسوريين بالسيطرة على لبنان وبموافقة اسرائيل. وكانت احدى واجبات هذا النظام ان يثبت كفاءته بمنع اي عمل عسكري على الحدود السورية – الاسرائيلية فوقعنا ثانية تحت الحصار:.سوريون من جهة ومن الاخرى اسرائيليون.
المعركة العسكرية الفعلية الاولى حصلت في مرجعيون اوائل 1976.بمساعدة الوحدات الصاروخية الاسرائيلية والمدفعية الثقيلة ووحدات الاستخبارات وسيطر من خلالها على مرجعيون والخيام.
اثناء هذه المعارك بلغت الثامنة عشرة. ولأثبات ذاتي نظمت هجوماً مضاداً استمرت عمليات الاستطلاع اياماً. كنت مريضاً ولكي اخفي سعالي، فلا ننفضح خلال الاستطلاع رحت اعض التراب. بعد ساعات من المسير من ابل السقي في اتجاه الخيام وصلنا الى اهدافنا، فقوبلنا بقصف عنيف شارك في الهجوم نحو 500 مقاتل وعدنا الى الخيام ومرجعيون.
بعدها انتقلت الى العزيّة (قضاء صور) مكلفا بناء القوة المركزية للحركة الوطنية. وانتشرت القوة المركزية على الحدود في الناقورة وبنت جبيل والطيبة ورب التلاتين. وفي اليوم الذي نقلنا فيه قيادة القوة المركزية من العزية الى مدينة صور، قصف الطيران الاسرائيلي العزية واستشهد ولد اسمه ايمن كان يزورنا. وصار موضوع اغنية لمارسيل خليفة.
بين 1976 و1978 حصلت معارك متفرقة مع “جيش لبنان الجنوبي” اهمها في مارون الراس حيث تمكّن سعد حداد من احتلالها بضربة مباغتة. وبعد كر وفر، تمت استعادتها.
حصل الاجتياح الأول في آذار 1978 فكانت المعركة الأولى مع الاسرائيلي في الغندوية. خلال الاجتياح استخدمنا صواريخ كاتيوشا طالت بلدات في الاراضي الفلسطينية المحتلة، منها المطلّة ومسكاف عام وكريات شمونة، وغيرها. لم يتغيّر شيء: الطرق والخرائط وقوانين الرماية ذاتها منذ ايام المنجنيق. أما الاختلاف اليوم فهو في استخدام تكنولوجيا “الامبريالية الأميركية المتوحشة”. ما كنا نقوم به يدوياً لتحديد زوايا الرماية استعيض عنه اليوم بتقنية GPS. فاستهدفنا اسرائيل بصواريخنا التي كانت غير إلهية.
بعد الاجتياح انتقلت الى قيادة القوات المشتركة في منطقة النبطية، حيث حصلت أكثر من مواجهة مع الاسرائيليين أذكر منها الانزال في محيط قلعة أرنون حيث استمرت المعركة مع لواء غولاني نحو ثماني ساعات لم يتمكن خلالها الاسرائيليون من السيطرة على القلعة بسبب دفاعنا الباسل. واضطر الاسرائيليون للمرة الاولى الى استخدام القصف الجوي على مواقع قريبة من قواتهم بما يشبه قصف تخليص الأرواح، حتى تمكنوا من سحب جنودهم.
اثناء اجتياح 1982 أذكر العمليات التي حصلت عند ميدان سباق الخيل والمتحف وكفرشيما وحي السلم والشويفات ومثلث خلدة – الأوزاعي. صمدت بيروت مئة يوم منها عشرة ايام من المفاوضات والهندة.
ووفق اعتراف الجيش الاسرائيلي سقط لهم 376 قتيلاً وأكثر من 7000 جريح.
دخل الاسرائيليون بيروت بعدما خرجت منظمة التحرير منها، وانسحبت “القوى الوطنية” من التحصينات. فدُمّرت لهم في منطقة الكولا دبابتان، واضطرت ثالثة تحت النيران الى سلوك جسر سليم سلام الذي لم يحتمل فهوى تحت ثقلها. وتمّ تدمير آليتين قرب كنيسة الوردية في الحمرا. كان هدفنا ان نمنع سيطرة الاسرائيلي على العاصمة. العملية الاولى جرت قرب صيدلية بسرتس (الصنائع) والثانية قرب محطة ايوب (مدخل زقاق البلاط – البطريركية).
كنا مجموعة خلايا سرية نتواصل فيما بيننا بطريقة هرمية لا أفقية. والطريف أن ثلاث خلايا تلقت الأمر نفسه وهاجمت في الوقت ذاته الموقع المعروف بمبنى منظمة التحرير في كورنيش المزرعة.
كان الجيش اللبناني ينفّذ اتفاق فيليب حبيب في بيروت باحثاً عن المسلحين، بينما الجيش الاسرائيلي لا يزال في بيروت. وكنت في احد المنازل التي دهمها الجيش، وحين بدأ رقيب اول تفتيش المنزل، ففتح الخزانة ووجد فيها قاذف ب-7 مضاد للدروع. فصرخ للنقيب: “ما في شي”.
ولا أزال اذكر المناداة بعد ذلك بعشرة ايام بمكبّرات الصوت: “يا اهالي بيروت نحن جيش الدفاع الاسرائيلي سننسحب من بيروت، نطلب عدم إطلاق النار علينا”.
التحرير بدأ من بيروت
بالتأكيد تعرّض الاسرائيليون لضغوط دولية ولكن هذه الضغوط كادت ان تبقى بدون أي تأثير لولا المقاومة التي أبدينا، استمر عمل المقاومة ما بعد الانسحاب من بيروت ودخول القوات المتعددة الجنسية اليها.
والى ان تم الانسحاب من صيدا عام 1985، تركزت عملياتنا على خط صيدا القديم، من مار مخايل وصولا الى الدامور – وادي الزينة – صيدا، حتى سمته الصحف الاسرائيلية “هو – شي – مين”. لم يمر يوم دون ان ننفّذ على الاقل عملية ضد القوات الاسرائيلية. واشهرها الهجوم على موقع وادي الزينة، والعملية في صيدا، التي نفذتها مجموعة شباب في ساحة النجمة بكواتم صوت. وكانت مانشيت “مقاومون يستخدمون السلاح الابيض لطعن ضباط اسرائيليين في ساحة النجمة”.
استخدم الاسرائيليون مطارا في الدامور وكان في حوزتنا صواريخ Strella 2 المتعارف عليها محليا باسم Sam 7، فتوصلنا اخيراً الى اسقاط طائرة مروحية بين قريتي صديقين وزبقين جنوب صور.
بدأ التحرير من بيروت وانتهى في الجنوب. واذا قمنا بمقارنة لخسائر الاسرائيليين ما بين عامي 1982 و1986 انها كانت اكثر واكبر منها بين عامي 1986 و2000. والسبب الأهم في ذلك هو انتشار الجيش الاسرائيلي على بقعة اوسع من الارض.
لماذا أختار تاريخ 1986 كمحطة عبور؟ لأنها كانت بدايات تقليص دور جبهة المقاومة اللبنانية والانتقال الى قيام دولة لبنانية على طريقة البعث.
بدأ التضييق على المقاومين اليساريين من قبل اطراف حليفة للسوريين في جنوب لبنان. والمفارقة اننا كما حاصرنا السوري والاسرائيلي في مرجعيون سابقا، كذلك حوصرنا ايضا بين 1986 و2000. وبينما كان الطيران الاسرائيلي يُغير عام 1986 على مواقعنا في المعنيّة والرميلة (اقليم الخروب) كانت القيادات تتعرض للاغتيال ويُمنع المقاومون من التنقّل لتنفيذ مهماتهم. تصوّر أنك تذهب لتنفذ عملية ضد الاسرائيلي، فتُعتقل وتخضع لاطفاء السجائر في جلدك على طريق العودة.
كان السوريون يطلبون المعرفة المسبقة بالعمليات وكان الجواب الديبلوماسي “نحن لا نعرف بها مسبقاً” أي ما معناه “هذه الورقة لن نسلّمها”. فهموا، تلقّينا الجواب. وبدأت عمليات التصفية لنخب ثقافية في الحزب الشيوعي من ميشال واكد (مدرّس، اغتيل في حارة حريك) ونور طوقان (موسيقي مقعد اغتيل في الشياح) وابرهيم نعّوس (قُتل بنفس الطريقة التي اغتيل بها الشيخ صبحي الصالح – بإطلاق نار من على دراجة نارية) الى حسن مروة ومهدي عامل (كتّاب) وجورج حنا (استاذ في الجامعة الاميركية، اختُطف ولم يُعرف عنه شيء).
بغض النظر عمن كان في مواجهة التحرير عام 2000، شعر اللبنانيون بالفخر والاعتزاز لانتمائهم الى بلد صغير حقّق نصراً مدوّياً على عدو كان يطمع دائماً بأرضه.
التحرير كان محطة لبدء بناء الدولة. لكن هناك جهات ترى وجوب استمرار القتال الى ما لا نهاية. أحد أسباب نجاحنا في التحرير هو تعاطف المجتمع الدولي مع حقّنا في تحرير الارض بناء لقرارات الأمم المتحدة، عنيت القرار 425. بعد العام 2000 لم يعد الغطاء الدولي لمشروعية المقاومة موجوداً. ومن ينجح في الامتحان ليس مضطراً أن يتقدّم الى الامتحان مرات أخرى.
جاد سمعان
النهار
زياد صعب من أهم الكادرات العسكرية أنتجها الحزب الشيوعي اللبنانيكوني لي تجارب مريرة بالعمل العسكري وكانت تجاربي بالحرب عديدة بحيث قدت تشكيلات عسكرية متعددة أبتداء من أمر مجموعة ألى أمر فصيل وقائد وحدة عسكرية مقاتلة ذات كفائة عالية المستوى من حيث التدريبات والتجهيزات العسكرية والمعنوية واللوجستية والمادية بنفس الوقت وكوني من مدرسة قتالية متعددة التدريبات من حيث الدورات العسكرية فلسطنية عراقية جزائرية وكوني أبن جبهة التحرير العربية وكنت أيضآ بجهاز قوة أل 17 بزمن أبو حسن سلامة وأبو الطيب وكنت مساعدآ للشهيد القائد راسم الغول رحمه ألله أقر وأعترف لصديقي زياد صعب ذاك المارد الشيوعي وذاك القائد الشيوعي اللبناني المميز… قراءة المزيد ..