الشيعة وحكام العرب

0

لا شك أن وثائق ويكيليكس كشفت ما يدور في كواليس صناعة القرار في العالم بشكل عام والوطن العربي خصوصا، وأوضحت الكثير من التعقيدات والصراعات وعوامل الانهيار الحضاري والإنساني التي تعاني منها البلدان العربية ، وبغط النظر عن مدى صحتها والجهات التي تقف وراء تسريبها والأهداف بعيدة المدى منها، إلا إنها في نهاية الأمر تكشف الكثير من المعوقات ذات الجذور العميقة التي تقف حجر عثرة في سبيل نهضة الأمة العربية وسبل خروجها من مأزقها الوجودي الذي تعيش فيه منذ مئات السنوات وحتى الان.

وما يلفت النظر هو إشارة هذه الوثائق للشيعة كأقلية مذهبية في نطاق الانتماء للملة الإسلامية والقومية العربية ، حيث تزيل اللثام عن توجس بعض الحكومات من مواطنيها المعتنقين للمذهب الشيعي ، بيد انه عندما نعود لفترات الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي فإننا نجد أن حركات وتيارات المعارضة للكثير من الأنظمة العربية كانت يسارية ويمينية ، أما المعارضة الدينية فقد كانت غائبة أو شبه غائبة ، وكان رموز وأعضاء هذه الحركات – لا سيما في بلدان الخليج – من المنتمين للأقليات الروحية كالشيعة ، ولكن الحكومات الخليجية لم تكن تعاملهم على أنهم شيعة ، بل كانت تتعامل معهم على كونهم شيوعيين أو ماركسيين أو بعثيين أو قوميين ، وغيرها من التنظيمات والأيدلوجيات التي كانت رائجة في أوساط الشباب العربي في تلك الحقبة ، والتي حملت على عاتقها حمل لواء التغيير والمطالب بالحقوق والمشاركة الشعبية في السلطة والإدارة والثروة ، وعلى الرغم من كون الشاه في إيران يدين بالمذهب الشيعي بينما الدول العربية – لا سيما السعودية ومصر- تدين بالمذاهب السنية ، إلا إن العلاقة ما بين إيران ودول الخليج ومصر كانت قوية ، لان الشاه لم يكن يقدم نفسه على انه شيعي المذهب ولم يكن نظامه دينيا ، وبالتالي لم تتعامل معه الأنظمة العربية على أسس دينية بل على الأسس التي صاغ شخصيته وممارساته السياسية من خلالها.
هذا السرد التاريخي السريع يدفعنا للقول بان حركات التغيير والتنمية مهما كانت مسمياتها ( معارضة سياسية- حركات حقوقية- تيارات إصلاح اجتماعي ) عندما تتعامل مع مؤسسة الدولة أو غيرها من القوى والتنظيمات الجماهيرية من منطلق انتمائها الروحي فانه من الطبيعي أن تتعامل معها الدولة والتنظيمات الجماهيرية الأخرى بنفس المنطلق ، لأنها تقدم ذاتها الحركية وتبني شخصيتها العامة وسماتها الرئيسية وفقا لنظمها الروحية وأيدلوجيتها الدينية وهويتها المذهبية وتراثها الطائفي.

عندما تخرج الحركة السياسية من الحسينيات والمساجد ومواكب العزاء! فمن الطبيعي أن تتعامل معها الدولة من منطلق كونها معارضة شيعية! وقاعدتها الشعبية على أنها القاعدة المركزية لأتباع المذهب الشيعي! المخالفة والمختلفة مع مذهب الأكثرية.

وعندما تخرج ذات الحركة من الكنائس والأديرة فمن الطبيعي أن تتعامل معها الدولة على أنها معارضة مسيحية!

عندما تخرج جماعة جند الها على حكومة إيران الدينية الشيعية فمن الطبيعي أن توصم بكونها معارضة سنية وهابية ناصبيه!

وعندما تخرج المعارضة السياسية من المساجد والجوامع في البلدان العربية السنية فمن الطبيعي أن توصم بأنها معارضة إسلامية!

ثمة نموذج حي ، فالكويت منذ تأسيسها اتخذت في تنظيمها العلاقة ما بين النظام السياسي الحاكم ( العائلة المالكة – الدولة) والشعب دستور ناجز، يعتبر من أهم مخلفات الوجود البريطاني في الخليج عامة والكويت خاصة ، ولم يعرف عن الكويت أنها مارست سياسة تمييز أو اضطهاد ضد مواطنيها ، بل إن الكويت كانت معروفة بأنها واحة الحريات الدينية في الخليج والمنطقة، بل إن الكثير من رجال الدين الشيعة اتخذوا منها مقرا في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين هربا من بطش نظام حزب البعث الحاكم أنداك، (علاوة على الكثير من المثقفين والأدباء العرب منهم شاعر المنفى احمد مطر على سبيل المثال ) ومع ذلك فان المواطنين الكويتيين المعتنقين للمذهب الشيعي يتعاملون مع النظام الكويتي من منطلق كونهم شيعة! ويقيمون علاقات مع غيرهم من القوى الوطنية من منطق كونهم شيعة! رغم عدم وجود أي علامات حمراء حولهم وسياسات قمع أو اضطهاد أو تهميش تمارس ضدهم من قبل مؤسسة الدولة ، وحتى هذا اليوم فان وسائل الإعلام غير الحكومية عندما تفرز مجلس الأمة الكويتي تشير إلى إن الشيعة حصلوا على هذا العدد من المقاعد ، وإنهم يشغلون في السلطة التنفيذية هذه الوزارة وتلك المناصب ، وتصورهم كأقلية مذهبية أكثر من كونهم مواطنين كويتيين، وكل ذلك لأنهم تكتلوا مذهبيا وكونوا تنظيما طائفيا يعلوا على الانتماء الوطني والهوية الوطنية الكويتية التي ينتمون إليها.

وفي لبنان مثال صارخ ، فالتشكيلات الطائفية والمذهبية اكبر من الدولة وتفوق كافة مؤسساتها، والشيعة من خلال حزب الله وحركة أمل يقدمون أنفسهم ويتعاملون مع غيرهم من هذا المنطلق ، الذي لا تشكل فيه الدولة إلا كيان هزيل وذاتا صغيرة ، واليوم يعتبر الشيعة قوة عسكرية وسياسية واجتماعية كبرى في لبنان ، ويمتلكون مؤسسات تناهز الدولة وتضاهيها ، بل إن سلطة الدولة اللبنانية ليس لها وجود فاعل في مناطق الشيعة لا سيما الضحية الجنوبية.

وفي العراق تبدوا مؤسسة الدولة اقل مكانة لدى مواطنيها من موقع الطائفة والقبيلة، والشيعة في ذلك على هذا المنوال، فقد أصبحت المناصب في ما يسمى بالعراق الجديد وفقا لمقاسات الهوية المذهبية والطائفية والعرقية والقومية وفقا لمقدار قوة كل منها.

والشيعة باعتبارهم الأكثر عددا والأكثر قوة وتنظيما فقد أصبحت الدولة بأيديهم! ورغم شعارات المواطنة والعراق أولا وعروبة العراق إلا إن حكام العراق الجدد لم يتمكنوا حتى الان من التجرد من مشاعرهم المذهبية! وظلوا يتعاملوا مع البلدان العربية من حولهم على أنهم حكام من الأغلبية الشيعية في العراق!.(1)

وإيران اليوم كدولة شرق أوسطية تبنت الخيار الديني تقدم نفسها كدولة إسلامية شيعية وتتعامل مع محيطها العربي والإسلامي من منطلق أيدلوجيتها الدينية ، فتعاملت معها دول الجوار وفقا لهويتها وشخصيتها التي صاغتها وقدمتها للعالم بعد سقوط نظام الشاه وتأسيس الجمهورية الإسلامية في إيران عام 1979م ، بل إن الحرب العراقية الإيرانية – في نظر بعض المراقبين – ما كانت لتقع لولا ما أقدمت عليه إيران من استفزاز للعراق وشنها حملات إعلامية ضد النظام العراقي ، وتدخلها في الشأن الداخلي للعراق ، واحتضانها للتنظيمات السياسية والعسكرية المناوئة لحكومة البعث ، الأمر الذي دفع بنظام صدام حسين لشن الحرب ضد إيران في محاولة منه لإسقاط الحكومة الدينية في طهران (2)

في ظل هذه الانقسامات الخطيرة التي تتحكم بمجريات الواقع العربي الراهن فقد عادت الجماهير العربية في أكثر من قطر عربي إلى المكونات الخام التي نشأت منها، ويمكن ملاحظة ذلك في أكثر من موقع ومكان، فالإعلام والثقافة العربية – مثلا- تشير إلى الفائزين في الانتخابات العربية من خلال هوياتهم المذهبية والطائفية والدينية ، فتشير إلى الشيعة بمذهبهم والأقباط بدينهم ، أما السنة فتسميهم بالإسلاميين! باعتبار أن السنة يشكلون الأغلبية العددية المذهبية في العالم العربي ولا يمكن في هذه الحالة تمييزهم أو وصفهم كما توصف الأقليات المذهبية والطائفية.

إن الطوائف الدينية عادة ما تشكل قوى معارضة دينية وسياسية للنظام الديني والسياسي الحاكم، وعادة ما تكون مناوئة لكل نظام يحكمها ، مهما كان رشيدا ومتوازنا ، لأنها تعتقد في أعماق وعيها ولا وعيها بأنها وحدها من تمثل الحق المطلق وان ما عداها يمثل الباطل، سواء كان جزئيا أو كليا، وعلى ذلك قامت نظم المعارضة الدينية على مر العصور.

الشيعة لم يتمكنوا لهذا السبب ولأسباب أخرى عديدة من الاندماج في منظومتي الدولة والمجتمع على مر العصور وظلوا أقلية محكومة ومعارضة ومعزولة ، وقد بنيت الكثير من نظمها الدينية على ذلك وانعكست شخصيتها المنبوذة على التراث العربي في مختلف جوانبه ، جاء في (ألف ليلة وليلة) قصة الخليفة هارون الرشيد عندما تعرض لمحاولة اغتيال من خلال إطلاق سهام على موكبه، وعندما اعتقل الجاني سأله الخليفة: لماذا تريد قتلي أو لست مسلما؟. قال : لا أنا شيعي!!

وللأسف الشديد – فان الشيعة – وغيرهم من الطوائف الدينية – في هذا العصر عندما يطالبون بحقوقهم، فأنهم ينطلقون من كونهم أقلية دينية أو مذهبية أو طائفية، لا كونهم مواطنين!

من ابرز الأمثلة على ذلك المواطنين السعوديين المعتنقين للمذهب الشيعي، الذين يتعاملون من منطلق كونهم تكتل مذهبي له شخصيته وهويته المستقلة ، المبنية على تراكمت تاريخية موغلة في القدم والتراكم ، ولكونهم شيعة فلهم بذلك حقوق!

أنهم يريدون نسبة لهم في مجلس الشورى لكونهم شيعة! ويريدون حصتهم من مجلس الوزراء لأنهم شيعة! ويريدون مناصب عليا في الدولة لأنهم شيعة! أنهم يريدون رصف هذا الشارع! وتشييد هذه الجامعة وبناء هذا المستشفى لأنهم فقط وفقط شيعة!!

أنهم بذلك يقعون في تناقض مركب عجيب ومحير!! فهم يريدون من الحكومة السعودية أن تعاملهم كغيرهم من المواطنين! وفي نفس الوقت يتعاملون معها على أنهم تكتل مذهبي وطائفي!

هذا نص من رسالة بعث بها رجل الدين الشيخ نمر النمر لحاكم المنطقة الشرقية الأمير محمد بن فهد، يقول فيها”: رابعاً: التهجم على ولاة الأمر ووصفهم بالطغاة في 27 جمادى الأولى 1427هـ. ويرد عليها:

“إن ولاة الأمر – في العقيدة الشيعية – الذين قرن الله طاعتهم بطاعته وطاعة رسوله في العقيدة والسياسة والاجتماع و… هم الأئمة المعصومون من آل النبي وهم علي والحسن والحسين والتسعة المعصومين من ولد الحسين ، ومن بعدهم الفقهاء الربانيون فقط وفقط، وأقصد بالفقهاء العلماء المتقون القادرون على استنباط الأحكام ومعرفة الزمان. وليس للحكام ولاية شرعية على الناس، وليسوا هم المصداق لولاة الأمر الذين ذكرهم الله في القرآن؛ بل الولاية للفقهاء على الحكام. فالعقيدة الشيعية تؤمن بولاية الفقيه الرباني ولا تؤمن بولاية الحاكم. فكل فقيه رباني له ولاية على نفسه وعلى أتباعه، فهو ولي نفسه ولا ولاية لأي حاكم عليه. لأن مصدر الولاية والسلطة الشرعية هو الفقه بأمر الله وليس التربع على عرش السلطة.

“نعم للحاكم أمارة على البلاد وعقيدة الشيعة في الأمارة أنها ضرورة لا بد منها ويجب حفظها لانتظام أمر العباد والبلاد في الأمن والاقتصاد و… ومن دونها تتحول البلاد إلى فوضى وحروب وسلب ونهب وكلها محرمات شرعية. ولكن الأمارة شيء والولاية شيء آخر.

“إن عدم إيمان الشيعة بولاية الحاكم لا يتنافى ولا يتعارض مع وجوب حفظ الدولة والأمارة.”

من خلال هذه الرسالة نتطرق إلى مفهوم الوطن القطري عند الطوائف الدينية الإسلامية بشكل عام، فالوطن لا وجود في الأدبيات والتعاليم والقيم الدينية الإسلامية ، سواء عند الشيعة أو عند السنة، وإنما الأمة المبنية على اعتناق الإسلام هي ما تشير إليه كافة النصوص والتعاليم والقوانين والمفاهيم الدينية لدى المسلمين ، وذلك لكون الوطن مفهوم حديث نسبيا ، حيث كانت الأقطار العربية تحت حكم إدارة مركزية واحدة لفترات طويلة من الزمن ، فالوطن عند الشيعة والسنة ليس سوى جزء ضئيل من الأمة الكبيرة ، التي تتجاوز الأبعاد القومية واللغوية والجغرافية لتشمل كل قطر دخل في حظيرة الانتماء لملة الإسلام في كافة بقاع الأرض، وبسبب هذه العقيدة الراسخة تكونت هذه الإشكالات العويصة ما بين الولاء للوطن وتقديم مصالحه على مصالح أوطان أخرى ومجتمعات أخرى ، لأنه ليس سوى جزء من الأمة والوطن الكبير الذي قد تكون مقر قيادته في تورا بورا! أو قم! وتقديم مصالح القيادة والأمة أولى من تقديم مصالح الوطن الصغير!

إن غياب مفهوم الوطن والتداخل ما بين مفهومي ومنظومتي الدولة والوطن أدى إلى دوران الأقليات المذهبية في نطاق منظومتها العقائدية ، مما ساهم في ترسيخ هويتها الذاتية بمعزل عن الهوية الوطنية الجامعة ، وحولها إلى تكتلات مذهبية وطائفية داخلية ، الأمر الذي جعلها تتعامل مع حكومات أوطانها بشخصيتها المذهبية وهويتها الطائفية ونزعاتها الدينية ، فأصبحت العلاقة ما بين الطرفين مبنية على ذلك.

إن إيران في الوعي السياسي العربي دولة شيعية!! بالرغم من كونها دولة متعددة القوميات، أكبرها القومية الفارسية ، بينما سوريا دولة عربية بالرغم من كون الكثير من مسئولي النظام السوري من أبناء الطائفة الشيعية العلوية!

لان الأولى تقدم نفسها كدولة دينية شيعية، بينما تقدم الأخرى نفسها على أنها نظاما علماني عربي، لا مكان للانتماء الديني والمذهبي في أنظمته وقوانينه.

في لبنان حيث لا وجود لحزب سياسي وطني عروبي وحيث ضعف الدولة وضآلة شانها وتضخم الطائفة وقوتها فانه يتعامل مع حزب الله على انه شيعي ، وتيار المستقبل على انه سني! بالرغم من عروبة أعضاء حزب الله ، وعلمانية أعضاء تيار المستقبل وكون اغلبهم من الأفندية والرأسماليين!

جمهورية بورما تحكم من قبل نظام عسكري علماني مستبد، ليس للدين موقعا سلطويا في أجهزته ومؤسساته، ولكن عندما تتعامل معه وفقا لهويته الروحية الدفينة فانك سوف تدفعه لان يتعامل معك على نفس الأساس!! فعندما أقدمت طالبان على تدمير تمثال بودا استيقظت المشاعر الدينية والأحاسيس الروحية لدى الحكومة البورمية فأقدمت على طرد أكثر من 300 ألف من المسلمين البورميين المعروفين باسم ” الروهنجيا” فرحلوا إلى بنغلادش المسلمة ، التي رفضت رعايتهم، وهم اليوم يعيشون فيها في ظل أوضاع إنسانية مزرية.

في استراليا صرح رئيس الوزراء الاسترالي السابق جون هاورد بان الاستراليين بالرغم من كون نظام حكمهم علمانيا دستوريا ليبراليا، إلا إن الاستراليين يظلون مسيحيين متمسكين بهويتهم الدينية، وان على المسلمين الرافضيين للقيم الاسترالية والراغبين بحكم شريعتهم المغادرة والاستقرار في إحدى البلدان المسلمة وهي كثيرة! جاءت هذه التصريحات بعد سلسلة من الحوادث التي اظهر فيها المسلمون سلطويتهم الدينية ومزاحمت قيمهم الروحية ونظمهم الاجتماعية للقيم المركزية في المجتمع الاسترالي. يقول ‘إنني أقول لرجال الدين الذين يعتقدون بان هناك قانونين يحكمان الناس في أستراليا؛ أحدهما القانون الأسترالي والآخر هو القانون الإسلامي بأن هذا خطأ. وإذا كنت لا تتفق مع القانون البرلماني والمحاكم المستقلة والديمقراطية وتفضل الشريعة ولديك الفرصة للذهاب إلى بلد آخر يطبق هذه الشريعة فمن المحتمل أن يكون هذا هو الاختيار الأحسن لك’.

“إن فكرة أن أستراليا هي مجتمع متعدد الثقافات كانت سببا في إضعاف سيادتنا وهويتنا الوطنية. ونحن كأستراليين لنا حضارتنا الخاصة ومجتمعنا الخاص ولغتنا الخاصة وطريقة حياتنا الخاصة….. إن حضارتنا نمت وتطورت خلال قرنين من النضال والتجربة والانتصارات للملايين من الرجال والنساء الذين تعطشوا للحرية وسعوا لها. نحن نتكلم الانكليزية أساسا وليس الأسبانية أو اللبنانية أو العربية أو الصينية أو اليابانية أو الروسية أو أي لغة أخرى. ولذلك إذا أردت أن تصبح جزءا من مجتمعنا عليك تعلم الانجليزية’.

وأضاف ‘معظم الأستراليين يؤمنون بالله. وهذا ليس تحت ضغط سياسي للجناح اليميني من بعض المسيحيين ولكنها حقيقة لأن الرجال والنساء المسيحيون وعلى الأسس المسيحية أوجدوا هذه الأمة وهذا موثق بوضوح وثابت. ومن المناسب أن نعرض هذا على جدران مدارسنا. وإذا كان أسم الرب يزعجك فأقترح عليك التفكير بمكان آخر من الأرض تعيش فيه لأن الرب جزء من حضارتنا’.

‘إننا نقبل معتقداتك ولن نسألك لماذا. كل ما نسألك هو أن تقبل معتقداتنا وأن تعيش بانسجام ورضا وسعادة معنا’.

‘إذا كان الصليب يثيرك وإذا لم تعجبك الفرصة العادلة فعليك أن تفكر بالانتقال جديا إلى مكان آخر على هذا الكوكب. نحن نشعر بالسعادة بحضارتنا وليست لنا رغبة بتغييرها ولا يهمنا فعلا ما كنت تعمل حيثما كنت. ولا مانع لدينا من أن تحتفظ بثقافتك ولكن لا تفرضها على الآخرين ‘.

‘هذا بلدنا وهذه أرضنا وهذه طريقتنا في الحياة وسنسمح لك بكل الفرص لتستمتع بها. ولكن عندما تكتفي من الشكوى والانتقاد والنواح ورفض علمنا وأهدافنا ومعتقداتنا المسيحية وطريقتنا في الحياة فإنني أشجعك بشدة على الاستفادة من إحدى الحريات الأسترالية العظيمة وهي حرية المغادرة’.

‘إذا لم تكن سعيدا هنا فعليك بالمغادرة. نحن لم نجبرك على المجيء إلينا. أنت طلبت أن تكون هنا فعليك أن تقبل بالبلد الذي قبلته وقبلك.”

إن معضلة العرب والمسلمين – بمختلف مذاهبهم- سواء عندما يكونون في بلادهم أو في بلدان المهجر أنهم لم يتمكنوا بعد من الفصل ما بين الدين و( الدولة والنظام العام ) ، فالدين هو دين الفرد لا دين الدولة والنظام ، الدين يعيشه الفرد وفقا لقناعاته وادراكاته ، والنظام العام وجد من اجل الجميع ويلتزم به كافة أفراد المجتمع دون استثناء ، وذلك من اجل حفظ الحريات والحقوق وضمان استقامة الحياة بأوجهها المختلفة، والحقوق الدينية ليست سوى جزء من الحقوق المدنية والإنسانية المشروعة ، إلا إن المسلمين والعرب لم يتمكنوا بعد من إيجاد منظومة فصل وانسجام ما بين الدين والنظام ، حيث لا يزال الدين هما عاما ونظاما مركزيا، وسلطات المذهب والطائفة موازية للسلطات العامة المنظمة لأوجه الحياة المختلفة في المجتمع، ومن هنا نشأت كافة هذه الإشكالات العميقة من معاناة الأقباط والمسيحيين في مصر والعراق ، والوثنيين والأفارقة في جنوب السودان ، والشيعة في اليمن وبعض دول الخليج ، والسنة في العراق وإيران ، علاوة على ذلك فان سلطة الطائفة تكونت وترسخت بحيث أصبح لها جذور وأبعاد وامتدادات سياسية واقتصادية وثقافية ودينية عميقة ، بحيث أن أي محاولة لنقل المجتمع العربي في هذا البلد و داك للحالة الوطنية سيصطدم بمعوقات هائلة من قبل السلطات الدينية ، إذ ستسخر كل قواها وبناها التحتية الضخمة لمنع تفتت الحالة المذهبية والطائفية لصالح الحالة الوطنية.

من جانب آخر فان ما تعانيه العديد من الأقطار العربية من هيمنة الطائفة على الانتماء الوطني ليس سوى دليلا على فشل مؤسسة الدولة في تفكيك الانتماءات الفرعية لصالح الانتماء الوطني المركزي ، بل وأضحت الدولة كمؤسسة – في بعض الأحيان- تحت هيمنة سلطة مذهب أو طائفة أو قومية تمارس الإقصاء المنهجي ضد بقية شركائها في الوطن.

إن وثائق ويكيليكس التي أظهرت موقفا سلبيا للأنظمة العربية من مواطنيها المعتنقين للمذهب الشيعي ، تكشف كذلك كيف أن هؤلاء المواطنين لا يمتلكون هم أيضا القدرة على تجاوز انتماءهم المذهبي لصالح الانتماء الوطني، وكيف أنهم ينظرون إلى حكوماتهم على كونها حكومات غير شرعية وفقا لمنظومتهم العقائدية ، ومثلما تتوجس الأنظمة العربية منهم فأنهم كذلك متوجسين منها، ومثلما تكشف ضعف مؤسسة الدولة في العالم العربي وفشلها في تكوين انتماء وطني حقيقي فإنها تكشف كذلك عدم قدرة مؤسسة الطائفة الدينية على تكوين علاقة ايجابية مع الانتماء الوطني والدولة القطرية ، والملائمة ما بين الهوية الدينية والمذهبية من جهة والهوية الوطنية من جهة أخرى، والانتماء للأمة الدينية من ناحية والانتماء للوطن من ناحية أخرى، ومثلما تمارس الدولة استبداد السلطة وطغيانها وسياسات التهميش والتمييز ضد الأقليات الدينية فان هذه الأقليات الطائفية كتكتل ديني ومنظومة دينية ذات سلطة فعلية على الأرض تدار أيضا وفقا لمنظومة استبدادية سلطوية طاغية.

ومثلما يطالب الكاتب وليد سليس في مقاله الحكومات العربية أن تثق بمواطنيها الشيعة وان تعاملهم على أنهم مواطنين ، فان على هؤلاء المواطنين أن يبادلوا حكوماتهم هذه الثقة ويتعاملوا معها على أساس الهوية الوطنية ، فالإصلاح والعمل على إنشاء مرحلة جديدة في البلاد العربية يتطلب إصلاح شامل لا يستثنى منه الفكر الديني ، سواء في أوساط الشيعة أو السنة ، يكون أساسه العمل على تحييد الانتماءات والهموم المذهبية والطائفية من اجل إيجاد هم وطني مشترك ، تتقاسمه كافة مكونات الشعب العربي في وطنه القطري ، ولن يتم ذلك ما دام الكاتب سليس وأمثاله ينطلقون من كونهم شيعة!

وحتى ذلك الوقت فان الصراعات والنزاعات ما بين الطوائف ستستمر وستكون مؤسسة الدولة إلى جانب هذه الطائفة أو ذلك المذهب ، ليظل شعبنا العربي يعيش في ظل عار وجودي وتهاوي حضاري وتخلف إنساني لن يخرج منه إلا إذا آمن بالحرية منهجا وفكرا وممارسة ومدرسة أزلية لا تموت أبدا.

raedqassem@hotmail.com

* كاتب سعودي

*

(هوامش)

(1) كيف لهم التحرر من القيد الطائفي والغل المذهبي في سياستهم الخارجية وهم في الداخل محكومين بمعادلات الطائفة ورهاناتها! ولإيران الشيعية في العراق دورا واسع النطاق بلغ مداه واستفحلت قوته حتى غذت إيران لاعبا بارز في دائرته السياسية ، فقد دعمت إيران ترشيح نوري المالكي لرئاسة الحكومة لدورة ثانية حتى نجحت في ذلك ، وأصبح الفرز السياسي المبني على الهوية المذهبية منهجا متبعا في العراق، فالمالكي شيعي ومرشح من إيران، واياد علاوي مرشح البلدان العربية بالرغم من كونه شيعيا ، إلا انه يحظى بقبول البلدان العربية لكونه علماني الفكر والثقافة والتوجه ، ويسعى لقيادة العراق من منطلقا قوميا عروبيا وطنيا ، وتسعى الأنظمة العربية من خلاله إيجاد عراق خالي من النفس المذهبي والبعد الطائفي ، لتتمكن من التعامل معه بصورة طبيعية.

(2) يقول الأستاذ احمد الكاتب: “كان لدينا تحليل للنظام العراقي أنه (نمر من ورق) وأنه يقوم على الخداع بوسائل الإعلام الهائلة التي يملكها، فإذا عرينا النظام بواسطة الإذاعة، فان الجماهير العراقية ستبادر إلى الثورة. وهكذا بدأت أكتب كل يوم تحليلا سياسيا بعد نشرة الأخبار، أسلط فيه الضوء على النظام العراقي.
وبعد ثلاثة أِشهر انتقل القسم العربي إلى طهران ، وبدأنا نبث من هناك والتحق بنا عدد من الإخوة العراقيين الذي أخذوا يعدون البرامج والمقالات والمسرحيات الساخرة.

وعندما حل شهر محرم ، عملنا برنامجا خاصا ثوريا باسم (عراق اليوم يبحث عن حسين) وهو عنوان كراس أصدرته في الكويت قبل سنوات ، وما أن بدأ البث ، حتى بدأت الاتصالات تنهمر على مدير الإذاعة العام السيد قطب زادة ، الذي أصدر أمرا فوريا بإيقاف البرنامج. ولكنا لم نستسلم، فبدأنا اتصالاتنا الخاصة مع أصدقائنا في مختلف الدوائر ، وعاد قطب زادة فاتصل بنا بعد ساعة وقال خففوا البرنامج قليلا ، وتواصلت الاتصالات معه ، فعاد ليقول بثوا ما تشاءون ولكن ارفعوا الضغط عني. هذا رغم أنا كنا مجرد مجموعة متطوعين عراقيين نعمل مجانا وبصورة غير رسمية في الإذاعة والتلفزيون.

وذات مرة جاء سفير إيران في بغداد (السيد دعائي) وطلب منا تخفيف حدة اللهجة ضد العراق ، كما نقل لنا أحد الموظفين بأن وزير الثقافة الإيراني يعترض على برامجنا ، وعلمت من خلال أحد الأشخاص (السيد مرتضى القزويني) الذي طلبت منه إجراء مقابلة ضد العراق ، أن الإمام الخميني يرفض أيضا تلك الحملة الإعلامية ، فقد سأله شخصيا ونصحه بعدم إجراء المقابلة. ولكننا في ظل الفوضى الإدارية في بداية الثورة لم نكن نبالي أو نستمع إلى أحد، وكنا نحاول تنفيذ مخططنا في إثارة الشعب العراقي ودفعه نحو الثورة، تحت شعار: (اليوم إيران وغدا العراق). وقد انضم إلى حملتنا السيد محمد الشيرازي الذي هاجر من الكويت إلى إيران وأخذ يصدر البيانات المتتالية ضد العراق.

وكان من الواضح أن الإذاعة كانت تشكل ضغطا كبيرا على النظام العراقي المرتبك، الذي كان يحاول أن يرد على ما نقول كل يوم.

ولذلك اعتبر بعض المحللين الإذاعة العربية سببا من أسباب اندلاع الحرب بين العراق وإيران.

ومع استقطاب الإذاعة العربية للمستمعين في العراق وأنحاء العالم العربي ، أصبحت محل اهتمام حزب الدعوة الإسلامية في العراق ، الذي بدا أعضاؤه يهاجرون إلى إيران ، وحدث نوع من المنافسة والاحتكاك بين كوادر منظمة العمل والحزب ، الذي كان يمثله الشيخ حسين الكوراني. مما دفعني إلى الانسحاب من الإذاعة بعد مضي حوالي سنة من المشاركة فيها وقبل بدء الحرب العراقية الإيرانية. وفي تلك الأيام قام شاب عراقي يدعى (السيد حسين الهاشمي) كان يعمل في صحيفة (جمهوري إسلامي) بإجراء مقابلة تلفونية مع الشهيد الصدر ، وجاء بالشريط وبثه بالتنسيق مع مدير القسم الدولي (سليماني). ثم أصدر الإمام الخميني يوما بيانا مفتوحا موجها إلى السيد الصدر، يطلب منه البقاء في العراق، بعد أنباء سمعها عن نيته بمغادرة العراق إلى إيران. وقد نشر هذا البيان في الإذاعة الفارسية وترجم إلى العربية ضمن القنوات الرسمية. وقد شكل البيان المفتوح صدمة للشهيد الصدر ولكل من سمعه، إذ أنه كان يحمل معنى توكيل الإمام الخميني للصدر و إعداده لقيادة الثورة في العراق، مما أخاف النظام العراقي كثيرا فبادر إلى اعتقاله وإعدامه.

المعارضة العراقية في إيران

أدركنا منذ الوهلة الأولى لذهابنا إلى إيران ، أنها بلد واسع متعدد الاتجاهات والخطوط ، ولاحظنا الموقف الرسمي الإيراني ، في ظل حكومة السيد مهدي بازركان ، أنه يميل إلى إقامة علاقات طبيعية مع العراق ، وانه يلتزم باتفاقية 1975 الموقعة في الجزائر بين البلدين. ولذا فقد ذهب وزير الخارجية السيد إبراهيم يزدي إلى السفارة العراقية في 17 تموز ليهنئهم بذكرى “الثورة”. وكنا كمعارضة عراقية نريد من إيران أن تكون سندا لنا ومنطلقا للثورة ضد العراق، فكان علينا أولاً تعبئة الرأي العام الإيراني الذي كان ينظر بإيجابية إلى نظام البعث ، باعتباره البلد الوحيد الذي آوى قائد الثورة الإمام الخميني مدة خمسة عشر عاما ، و أعطى الثورة نافذة إذاعية باللغة الفارسية ، وان كان قد ضغط على الإمام في الشهور الأخيرة وقيد حريته مما دفعه إلى مغادرة العراق. ولتحقيق هذا الهدف بدأنا نكتب في الصحف الإيرانية مقالات عن الديكتاتورية في العراق ، وأصدرنا مجلة (الشهيد) وأخرجنا مظاهرة في ذكرى 17 تموز ، أمام السفارة العراقية في طهران. مما دفع الرئيس صدام حسين إلى الشكوى من وزير الخارجية الإيراني إبراهيم يزدي الذي التقاه في مؤتمر عدم الانحياز في هافانا ، والطلب منه إعدام رئيس تحرير مجلة الشهيد التي نشرت رسما كاريكاتوريا له عند توليه منصبه الجديد ، ولكن يزدي اعتذر بأن المجلة غير خاضعة للحكومة في ظل الأجواء الديمقراطية الجديدة في إيران.

وبالتنسيق مع أصدقائنا في الحرس الثوري، بدأنا نقيم قواعد عسكرية على الحدود، لتسهيل عبور عناصرنا من والى داخل العراق. ولكن أحد الأخوة (الشهيد طالب العليلي) كان يلح ببدء العمل العسكري في داخل العراق، ولم نكن قد اتخذنا قرارا بعد، إذ لم نكن قد انتهينا من دراسة المشروع العسكري للتغيير. ولكنه ذهب إلى العراق من دون استشارتنا ولا إخبارنا ، وقام بعملية الهجوم على كوادر حزب البعث في كربلاء ليلة العاشر من محرم. وأعقبه قيام أشخاص آخرين من الخط العسكري بمحاولة اغتيال طارق عزيز في الجامعة المستنصرية ، ثم هجوم (خالد) على موكب تشييع الضحايا في بغداد ، بقرار من قيادة العمل في العراق. ومع ذلك فقد تبنينا العمليتين في طهران وأصدرنا بيانات باسم (منظمة العمل الإسلامي في العراق).

وقد قرأت في التقارير الواردة من أصدقائنا في العراق : أن (خالدا) كان يتميز بشجاعة فائقة ويجيد تمثيل دور رجال الأمن ويندس فيما بينهم ، وأنه ذات مرة ذهب إلى قاعة كان يفترض أن يحضر فيها طه الجزراوي أو غيره ، وراح يعطي أوامره لرجال الأمن حتى حسبوه واحدا منهم ، ثم وقف وراء المنصة لكي ينفذ عملية اغتيال للوزير ، ولكن هذا لم يأت ذلك اليوم. وكان الأخوة في داخل العراق يحسبوه بطلا مقداما، ولكني كنت أشك بكونه شرطيا سريا مخادعا متسللا إلى التنظيم، وقد خدم النظام أكبر خدمة عندما هاجم المشيعين باسم منظمة العمل الإسلامي أو إيران.

كل ذلك دفع النظام العراقي إلى اتخاذ قرار الحرب والاستعداد لها، بشن حملة تهجير للعراقيين من أصل إيراني، والذين يشك بولائهم للثورة الإيرانية. فهجر حوالي خمسين ألفا من مختلف المحافظات العراقية. وهنا دعا السيد محمد الشيرازي في بيان له إلى تعبئة الشباب المهجرين في جيش للهجوم على العراق، وتشكل بناء على ذلك (الجيش الثوري الإسلامي لتحرير العراق) مما دفع النظام العراقي إلى احتجاز الشباب وتهجير الشيوخ والنساء والأطفال.

وقد تشكل الجيش الثوري العراقي، بالطبع بالتنسيق مع الحرس الثوري الإيراني، وأصبحت عضوا في قيادته السياسية، المشكلة من مختلف الأحزاب العراقية المعارضة المتواجدة في إيران، ممثلا عن منظمة العمل الإسلامي. وكان يتولى الإشراف على الجيش الثوري السيد مهدي الهاشمي ، مسئول قسم حركات التحرر في الحرس الثوري ، مع الشيخ محمد المنتظري.

و شن النظام العراقي الحرب على إيران في 22 أيلول 1980.

Comments are closed.

Share.

اكتشاف المزيد من Middle East Transparent

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading