تلمع القبة الزرقاء المحاطة بمأذنتين تحت شمس كابول. وتحيط أسوار مرتفعة، مكللة بأسلاك شائكة، بالمسجد المجاور لجامعة تحيط بها حدائق أنيقة. إن فخامة مجمّع “خاتم النبيّين” تثير الدهشة وسط حي “كارتي سي” في وسط كابول، حيث تتمركز الطائفة الشيعية. ويقول لنا رجل أعمال شيعي كان دليلنا: “الإيرانيون هم الذين دفعوا”. ونقرأ على أحد جدران الحي شعار “أيها الأميركيون، أخرجوا من أفغانستان”.
إن “خاتم النبيين” هو مقر “آية الله آصف محسني”، زعيم حزي “لحركة الإسلامية” الأصولي. ويتمتع “محسني” بنفوذ واسع إلى درجة أن الرئيس “حامد كرزاي” يتودّد له علناً ويقدّم له التنازلات الواحد بعد الآخر. وكان آخر تلك التنازلات “قانون الأسرة”، الذي ينطبق على الشيعة الأفغان وحدهم، والذي يضفي الشرعية على التمييز الصارخ ضد المرأة. ويتضمن القانون (الذي أثار ضجّة عالمية لأنه أسوأ حتى من ممارسات “الطالبان”!) مادة تجيز حرمان الزوجة من كل شيء، بما في ذلك الطعام، إذا رفضت الخضوع لرغبات زوجها الجنسية.
إن “آية الله محسني” يحظى بدعم إيران، ويرأس أكبر جامعة إسلامية في أفغانستان (10 آلاف طالب) ويملك قناة تلفزيونية (“التمدّن”)، وهذا ما أتاح له أن يفرض نفسه في المشهد السياسي الأفغاني.
إن الهالة التي يتمتع بها “محسني” تمثّل أحد تعابير صعود الأقلية الشيعية الأفغانية (15 بالمئة من السكان)، التي تعرّضت دائماً لاضطهاد الأغلبية السنّية الحاكمة في كابول. وتعيش هذه الأقلية، التي تمثّل أغلبية إثنية “الهزارة”، التي تمثّل أغلبية سكان منطقة “باميان” (وسط أفغانستان) حالةَ صحوة. ويتمثّل نهوضها في ميدان التعليم بصورة خاصة. ويقول “أكرم غيزابي”، الذي يرأس جمعية من “الهزارة” تدعى “الحركة المدنية الأفغانية” أن “نصف طلاب جامعة كابول هم من “الهزارة”، في حين قام الطالبان بإحراق المدارس في أنحاء أفغانستان الأخرى”. ويضيف أن “إهتمامنا بالتعليم ناجم من رغبتنا في الإنعتاق من الماضي المتأخّر”.
ولكن الصعود الشيعي يعبّر عن نفسه في السياسة كذلك. فللمرة الأولى في تاريخ أفغانستان، فقد فتحت حكومة كابول الأبواب لـ”الهزارة” الشيعة الذين باتوا يتولّون 4 وزارات (المناجم، والأشغال العامة، والعدل، ومكافحة المخدّرات). إن أبرز رموز هذا الصعود الشيعي هي “حبيبة سرابي”، وهي المرأة الوحيدة في حكومة أفغانستان، وهي حاكمة منطقة “باميان”. كما تبرز “سيما سمر”، التي ترأس “اللجنة المستقلة لحقوق الإنسان” في طليعة المعارك التي يخوضها المجتمع المدني.
ويعني ذلك كله أن الصعود السياسي لشيعة أفغانستان ليس وحيد الجانب. فمقابل النشاط الأصولي لـ”آية الله محسني”، تبرز إنتلجنسيا ذات توجّه ليبرالي. ويقول “أمين أحمدي”، وهو عميد “جامعة الكاتب”، وهي واحدة من عدة مؤسسات جامعية خاصة نشأت في كابول، أن “إيديولوجيات التحرير شكّلت الأساس الذي قام عليه الإلتزام السياسي لمثقّفي “الهزارة” الذين سعوا لتحرير طائفتهم المضطهدة”.
ويضيف السيد “أحمدي” أنه لو عدنا إلى سنوات السبعينات، فإن عدد “الهزارة” في أوساط اليسار المتطرّف في كابول كان كبيراً جداً بين “الماويين”. ثم جاء إغراء “الإسلام الإشتراكي”، بالتوزاي مع التحرّك الثوري الذي اجتاح إيران قبل سقوط الشاه. وبعد ذلك، ازدهرت مدرسة “الجهاد” بعد الغزو السوفياتي، لتحلّ محلها “الوطنية الإثنية” بعد انهيار النظام الشيوعي في العام 1992 وفي أعقاب الحرب الأهلية.
لقد رحّب “الهزارة” الشيعة، الذين عانوا الأمرّين من إضطهاد الطالبان السنّة المتطرّفون، بدخول المجتمع الدولي بعد العام 2001. ويشدّد السيد أحمدي على أن “الهزارة، بصفتهم أقلية مضطهدة، يتطلّعون إلى المساواة وإلى المشاركة السياسية. وذلك ما دفعنا لاعتناق مُثُل الديمقراطية وحقوق الإنسان”.
وقد أثار هذا التطوّر النسبي، كما آظهرت النقاشات التي أثارها “قانون الأسرة”، شروخات بين المثقفين الليبراليين والجمهور الشيعي المحافظ جداً. ومع ذلك، فالمسار الذي يصفه السيد أحمدي يظهر بوضوح حدود لعبة إيران التي تسعى، عبر تمويل بناء المساجد وشراء الزعماء السياسيين، إلى وضع “الهزارة” الشيعي تحت نفوذها. ويؤكّد السيد أحمدي: “نحن نسعى للحفاظ على مصالح طائفتنا بطريقة مستقلة”.
مراسل “لوموند” Frédéric Bobin
*
آية الله آصف محسني: جاء في سيرته الرسمية أنه من مواليد قندهار. ذهب إلى النجف الأشرف بعد إتمام المقدمات الحوزوية عام 1332هـ، وأفاد من دروس الأساتذة هناك، كالسيد محسن الحكيم، والسيد أبو القاسم الخوئي. رجع إلى قندهار بعد 12 عاماً من الدراسة في النجف الأشرف، وأسس حسينية قندهار، ومدرسة علمية في مسقط رأسه. هاجر إلى إسلام آباد الباكستانية إثر وقوع الحروب الداخلية بين الأحزاب المجاهدة في كابل. قرر السفر إلى إيران عام 1376هـ، وشرع بتدريس بحث الخارج في علمي الفقه والرجال في قم المقدسة.
أصبح آية الله آصف محسني الناطق الرسمي باسم شورى قيادة جمهورية أفغانستان الإسلامية، وأسس حزب الحركة الإسلامية في أفغانستان، بمساعدة جمع من الطلاب الأفغانيين المقيمين في قم المقدسة.