حتى صعود حزب الله و”هوبقته” على الدولة اللبنانية لم يكن هنالك “سجين رأي” في لبنان! تسلّط “الدويلة” على “الدولة” في عهد ميشال سليمان أنجب ظاهرة السجين السياسي الذي يعرف كل الناس أنه “بريء” وأنه “سياسي”، أو أن اعتقاله تمّ لأسباب سياسية! من الشيخ مشيمش، إلى الشيخ الحسيني، إلى المهندس طارق الربعة، إلى غيرهم..
الشفاف
*
عشية الجلسة الخامسة لمحاكمة الشيخ حسن مشيمش أمام المحكمة العسكرية، وعلى سبيل التضامن معه في محنته القضائية، استضاف المجلس الثقافي للبنان الجنوبي، في 10 أيار الماضي، في إطار لقاءاته الثقافية التي تنعقد تحت عنوان «كتاب الشهر»، ندوة لمناقشة كتاب «ضفاف 23 ــ في الإسلام والحريّة وولاية الفقيه».
يذكر أن الكتاب المذكور الذي نشرته مجموعة من الهيئات الثقافية المستقلة يتضمن مجموعة من المقالات السجالية التي نشرها الشيخ حسن مشيمش خلال السنوات الماضية على صفحات مجلة «ضفاف».
حضر الندوة فضلاً عن أعضاء المجلس وعلى رأسهم الأستاذ حبيب صادق عدد من رجال الدين، ومن الشخصيات العامة ومن ممثلي هيئات المجتمع المدني وجمعيات حقوق الإنسان والديبلوماسيين العرب والأجانب.
قدم الندوة وأدارها عضو الهيئة الإدارية للمجلس الدكتور عبد الله رزق. بداية عرّف الدكتور رزق بالسيد محمد حسن الأمين، والتزامه الدؤوب الدفاع عن حريّة الرأي وإعمال العقل والتمسك بالإيمان الحق المنفتح. ثم عرض رزق لأبرز المحاور التي يدور عليها كتاب «ضفاف 23».
أما السيد محمد حسن الأمين فاستهل كلمته مشيداً بالدور الريادي الذي يضطلع به المجلس الثقافي للبنان الجنوبي منذ تأسيسه، مادحاً حرصه على التمسك برفع لواء الكلمة الحرّة تحت شتى الظروف معتبراً دعوة المجلس إلى الاحتفاء بـ«ضفاف 23» لمؤلفه الشيخ حسن مشيمش نزيل سجن رومية دليلاً إضافياً على هذا التمسك. ومما قاله السيد الأمين: «إن صاحب هذه المقالات المجموعة بين دفتي هذا الكتاب مظلوم تبتلعه اليوم غياهب السجون اللبنانية. إن الشيخ حسن مشيمش يدفع اليوم ثمن مقاومته… نعم إنه يدفع ثمن مقاومته النقدية التي لا تسلم بما هو سائد في الفكر والثقافة والسلطة. لذا توجّه بنقد لاذع للفكر الديني وللفكر العلماني على حد سواء. لقد كتب الشيخ مشيمش، ويستمر اليوم في الكتابة، ضد الأيديولوجيا أي ضد الحقائق الثابتة وهو يفعل ذلك لأنه من المؤمنين بأن الحقيقة في صيرورة دائمة وأن كل من يدعي الكمال لا يمكن أن يقود المجتمع. أو قل يقوده إلى التهلكة».
وفي هذا السياق سرد السيد الأمين قصة اختياره، هو، «ضفاف» اسماً للمطبوعة التي أزمع الشيخ مشيمش يوماً على إصدارها؛ حيث قال له ممازحاً: «حذار يا شيخ حسن من السباحة بعيداً في المواجهة مع الفكر المُتَسيّد. إلزم الضفاف ضناً بأمنك وبعائلتك». غير أن الشيخ مشيمش، كما تابع السيد محمد حسن الأمين، تبنى الاسم، «ضفاف»، ولم يتبع النصيحة فسبح بعيداً في المواجهة إلى أن أفضى به الأمر إلى حيث هو اليوم!
وختم السيد الأمين مطالعته بالإشارة إلى أن التوسل بتهمة «العمالة» لكم الأفواه وتقييد العقول يفرغ هذا التهمة من مضمونها، وهو إن يعبر عن شيىء، فعن إفلاس من يتوسلون بها.
تلت مطالعة السيد محمد حسن الأمين جملة من المداخلات والشهادات فاعتبر الشيخ أيّاد العبد الله أنّ صاحب الكتاب مُجدّد وواضع لاستراتيجة ثقافية تريد تنقية الثقافة الإسلامية من مخلفات عصر الانحطاط، في حين شبّه الأستاذ يوسف الحوراني الشيخ مشيمش بالفيلسوف الكاثوليكي المتمرد تيار دي شاردان الذي نبذته الكنيسة قبل أن أعادت له الاعتبار.
أما الأستاذ راشد صبري حماده فاعتبر أن قضية الشيخ حسن مشيمش لا يمكن أن تفصل عن واقع الهيمنة السياسية والفكرية الذي تعيشه الطائفة الشيعية. في حين قدم الشاعر مصطفى سبيتي شهادة عن ابن قريته وصديق عمره الشيخ حسن مشيمش الذي كثيراً ما اختلف معه في الرؤية السياسية والثقافية، واتفق معه في الحماسة للقضايا الوطنية. ختاماً تحدث الناشط لقمان سليم فذكر الحضور بأنه في الوقت الذي ينتدون فيه حول «ضفاف 23» يقبع الشيخ حسن مشيمش في زنزانة من زنازين سجن روميه، وأن الحد الأدنى من تكليفهم المواطني هو متابعة هذه القضية التي سوف تُكتب وصمة عار في سجل حقوق الإنسان اللبناني.