ثلاثون عاماً من القمع والظلم والفساد ونهب المال العام واستغلال السلطة، من قبل الرئيس المصري المخلوع محمد حسني مبارك وأعوانه، لم يصمد أكثر من ثمانية عشر يوماً أمام جحافل الغضب والمعارضة الشبابية في ميدان التحرير وسط العاصمة المصرية القاهرة. هذا الميدان الذي أعاد رسم خارطة الشرق الأوسط في أقل من ثلاثة أسابيع، وفتح الباب على مصراعيه لأن تكرر هكذا ثورات شعبية في عموم العالم العربي ذي الغالبية الدكتاتورية والقمعية التي تحكم من قبل طغاة وجبابرة ظالمة جبانة.
ثمانية عشر يوماً من الثورة الشبابية، أسدلت الستار على أعتى الأنظمة الدكتاتورية الفاسدة في العالم العربي، شباب في مقتبل العمر غيروا بإرادتهم وكلماتهم وأغانيهم مستقبل وطنهم الكبير، وخطوا بدماء شهداء التحرير تاريخ مصر الحديث، ففاض النيل بالغضب والجماهير، وجرفت جحافل الغضب المصرية النظام الفاسد وعلى رأسه رئيسه الدكتاتور. هذه الجماهير التي أرادت التغيير فصنعته خلال أيام من الصمود والتصدي لآلة القمع.
بعد أقل من شهر من تنحي وفرار الرئيس التونسي زين العابدين بن علي، كرر المسلسل ذاته وبإخراج مصري الرئيس محمد حسني مبارك، فلم يصمد طويلاً أمام ثورة الجياع والحرية، ثورة شباب الفيسبوك وتويتر والإنترنيت. هذه الثورة التي اندلعت في فضاء إلكتروني لتطبق عملياً في ميدان التحرير، وتجني ثمارها في عدة أيام من المواجهة مع المجرمين والبلطجية وأزلام النظام البائد. تلك البطانة الفاسدة والظالمة التي انهارت بكل بساطة أمام ثورة الملايين الذين قالوا كفاية لحكم مبارك ونظامه الفاسد.
لو كان يدري محمد البوعزيزي بأن إحراقه لنفسه سيفجر ثورات تحررية في العالم العربي، لأضرم النار في نفسه قبل عشرات السنين، هذا المواطن التونسي البسيط، البائع المثقف، الذي حرمته شرطية من بيع الخضار ليعتاش عليها هو وأسرته، أصبح رمزاً للحرية والتحرر في العالم العربي وربما في العالم أسره. رمز من رموز الصمود وتحدي آلات القمع الظالمة المستولية على الحكم في البلاد العربية.
بسقوط نظام حسني مبارك، سقطت هيبة الدكتاتورية في الشرق الأوسط، وفتحت أبواباً لتكرار السيناريو ذاته في سورية وليبيا والسودان واليمن والجزائر وإيران وغيرها من الدول التي ترزخ تحت نير الاستبداد والقمع والظلم والفقر. هذه الكيانات المشوهة من الفساد والأنظمة المستبدة السارقة لثروات وخيرات هذه الأوطان، التي ترتكب أبشع أنواع الظلم والاضطهاد بحق هذه الشعوب التواقة للحرية والديمقراطية والعيش في وئام.
صدقت أيها الشابي حين قلت إذا الشعب يوماً أراد الحياة، وها هي الشعوب تريد وتنفذ وتسقط الأنظمة، فسقط في بلدك تونس نظام بن علي الفاسد والظالم. هذا النظام الذي فتك بالتونسيين ثلاثة وعشرين عاماً من القهر والحرمان والاضطهاد. وطبق أحفاد الفراعنة أهل الكنانة الأمر ذاته، وأردوا نظام الطغاة في مصر وعلى رأسه حاكمهم، ذليلاً خانعاً لمطالب الجماهير. هذا الشعب الذي أراد الحياة فاستجاب له القدر، وقدم في سبيل هذا النصر كثيرون حياتهم فداءً لها شهداء معركة التحرير والحرية. لتحيا الملايين غيرهم من المصريين في خير وسلام، وحياة مليئة بالكرامة والعزة والافتخار.
أيتها الشعوب المتعطشة للحرية، في هذه المساحة الممتدة من المحيط إلى الخليج، ثوروا على طغاتكم وقفوا بحزم أمام جبروت الظلم والطغيان، إن قلاع الظلم لأهون من بيت العنكبوت. فلو أراد الشعب الحياة سيستجيب القدر بلا تردد، وما شعبي تونس ومصر إلا خير مثالين لإرادة الشعوب حينما تناضل وتقاتل وتقاوم الظالمين والفاسدين والمجرمين. شعبين خطا بدماء شبابهما تاريخاً ناصعاً مليئاً بالإرادة والتصميم، ورسما خطوطاً عريضة لمستقبلهما، رغم أنف الظالمين الخانعين.
أيها المستبد في كل مكان “سيجرفك السيل سيل الدماء ويأكلك العاصف المشتعل، حذار فتحت الرماد اللهيب ومن يبذر الشوك يجن الجراح” إن الشعوب حينما تريد الحياة تنتصر على حكام الظلم. هؤلاء الذين يحكمون بالنار والحديد ويعيشوا الشعوب في ظلم وهوان. تراهم يسقطون كما الغبار، فليس في الكون ظالم يستطيع مواجهة الشعوب إذا أرادت الحرية. إن الشعوب الحية هي التي تكتب التاريخ، وترسم البطولات وتحيا إلى الأبد في سلام، ولا يغرنكم أيها الطغاة سكون الشعوب، فإن قامت وثارت فإنها تقضي على دكتاتوريات الأعوام في أيام، وفي تونس ومصر خير مثالين لإرادة الشعوب حينما تريد التغيير، إنها أرادت فغيرت وأسقطت الطغاة.
akkopress@gmail.com
* كاتب سوري