لقي ما لا يقل عن 199 عراقيا حتفهم من أصل 238 أصيبوا بمرض الأيدز بعد حقنهم بدم ملوث اشترته إحدى حكومات النظام السابق من شركة فرنسية مطلع ثمانينيات القرن الماضي، في حين ينتظر الباقون مصيرهم في ظل افتقاد العلاج اللازم، وفقا لهيئة الهلال الأحمر العراقي.
وقال رئيس الهيئة سعيد اسماعيل حقي في بغداد “اجرينا مفاوضات للتوصل إلى تسوية أوضاع 238 شخصا أصيبوا بالإيدز، قضى منهم 199 حتى الآن بسبب الدم الملوث, لكنها توقفت عام 2004 فالمعروض كان مهينا للضحايا”.
وأضاف “عرضت الشركات مبالغ تراوحت بين خمسة آلاف و25 ألف دولار فهذا المبلغ لا يفي بتكاليف العلاج (…) خمسة آلاف دولار فقط فهل لأنه عراقي؟ هل هي ما يساويه الإنسان؟ نحن الآن نطالب 238 مليون دولار، أي مليون دولار لكل ضحية”.
وتابع “ما فعلته الشركات لا يمكن السكوت عنه أو التساهل حياله وجهنا نداءات إلى شركات الأدوية بواسطة الاتحاد الدولي للصليب والهلال الأحمر لنحصل على الدواء الثلاثي لمعالجة المصابين لكننا لم نتلق شيئا”.
وعبر عن اعتقاده أن “أي حضارة غربية لا توافق على هذا حتى البرابرة لا يقبلون بذلك (…) يجب على العالم المتحضر أن يطلع على معاناة المصابين وعائلاتهم وخصوصا فرنسا. فهل هذه هي الحضارة الغربية”؟
دعاوى قضائية ضد شركات فرنسية
وأكد “رفعنا دعوى قضائية ضد شركات افنتيس وسانوفي وباكستر عبر سفارتينا في باريس وواشنطن. لقد حذرت وكالة الأدوية الأمريكية من أن الدم ملوث ورغم ذلك سلمته شركة ماريو إلى العراق وليبيا وتونس والجزائر لقد اعطوه حتى لمواطنيهم في فرنسا”.
ووفقا لحقي، فإن شركات “افنتيس” و”سانوفي” الفرنسيتين و”باكستر” الأمريكية هي وريثة “شركة ماريو” التي كانت زودت وزارة الصحة العراقية بكميات من الدم مطلع الثمانينيات لمعالجة حالات الأطفال المصابين بالهيموفيليا.
وحددت محكمة كرادة (وسط بغداد) الثامن من ابريل/نيسان المقبل موعدا للجلسة الأولى للنظر في القضية و”فور صدور الحكم سنقوم بتصنيف هذ الشركات على اللائحة السوداء وبالتالي فإن وزارة الصحة لن توقع أي عقود لاستيراد الأدوية منهما” على ما قال حقي.
الشركات ترفض تقديم العلاج
وأوضح أن السفير الفرنسي السابق برنار باجوليه “حاول مساعدتنا عبر محاورة الشركات لكنه لم يتوصل إلى نتيجة (…) فهذه الشركات ترفض تقديم الدواء اللازم لعلاجهم (…) لم تظهر أي بادرة حسن نية”.
وتابع حقي “يموت سنويا بين اثنين وثلاثة أشخاص من المصابين لانعدام الدواء اللازم وهناك عائلات باكملها تدمرت لأن أحد أفرادها مصاب بالايدز فأهالي الضحايا يعيشون مأساة منذ حوالي ربع قرن تقريبا”.
وأكد رئيس الهيئة “فور شيوع نبأ الإصابات أواسط الثمانينيات نقلت الحكومة الأطفال المصابين، وأعمارهم تراوحت بين ستة أشهر و 12 عاما، إلى المحاجر الصحية وهي اماكن مخصصة لمرضى السل”.
كارثة تحل بأسر بأكملها
وأشار إلى أن “عددهم الأصلي 186 طفلا عام 1986 لكن العدد ازداد مع الوقت نظرا لزواج البعض فقد توفي احدهم قبل اشهر وسبقته زوجته التي انتقل اليها المرض لم يعرفوا ماذا أصابهم كانوا أطفالا والكارثة ان بعضهم تزوج دون معرفته بالأمر”.
من جهتها, اجهشت الطبيبة حنان بالبكاء فشقيقها الصبي الوحيد بين سبعة اطفال قضى بالايدز بينما كان في السادسة عشرة من عمره. وقالت “حتى الاقارب لا يقومون بزيارة منزلنا خوفا من التقاط المرض” كما انها لا تستطيع ان تتزوج هي وشقيقاتها.
واضافت “اتمنى على الشعب الفرنسي ان يطلع على ما فعلته هذ الشركات المجرمة (…) كان شقيقي في الثامنة عندما اخذته الحكومة من المدرسة الى مستشفى الثويتي (جنوب بغداد) وهو مكان شبيه بمعتقل كانوا يقدمون له الطعام من النافذة”.
وتابعت “كنا نراه مرة واحدة شهريا ومن بعيد لمدة ثماني سنوات حتى وفاته العام 1996 فوضعوا جثمانه في صندوق حديدي ومنعونا من فتحه. وقد حذرونا من عدم اثارة المسألة بإمكانكم ان تتخيلوا ماذا يعني طفل مصاب بالايدز في العراق”.
اما خالد علي جبر ففقد خمسة من اولاده اكبرهم في الثامنة عشرة واصغرهم في السادسة توفي اولهم عام 1986 واخرهم عام 1996. وقال “وقعت تعهدا بعدم الافصاح عن سبب المرض اضطررت الى تغيير اماكن السكن مرارا خوفا من معرفة الناس بالامر”.
واضاف “رفعت الحكومة ابان النظام السابق دعوى قضائية شكلية لان فحواها كان سياسي ووزارة الصحة السابقة والحالية تنفي وجود اصابات وحده الهلال الاحمر تبنى قضيتنا حتى السفير الفرنسي اكد عدم وجود وسائل لممارسة ضغوط على الشركات وعرض مساعدتنا في الحصول على تاشيرات قائلا انها مسألة قانونية”.
واكد ان “الغالبية العظمى من العراقيين يجهلون ماهية الايدز فقد رفض الناس خلال مناسبات تلقي العزاء بوفاة اولادي تناول الطعام خوفا من الاصابة بالمرض (…) انها كارثة”.