هذه الدعوة إلى “صوت شيعي معتدل” في الشرق الأوسط وإلى “حركة شيعية للدفاع عن حقوق الانسان” نُشِرَت على موقع “نداء الحرّية الأخضر” الإيراني المعارض، الذي يغتنم “الشفّاف” الفرصة لتحية وتشجيع العاملين فيه. وهذه الدعوة تعني أن ما يعاني منه اللبنانيون الآن من محاولات الإنقلابيين للتسلّط على بلدهم وجرّه إلى أتون حرب جديدة يجد صداه في إيران العظيمة التي يعاني شعبها بدوره من السلطة الإنقلابية التي زوّرت إنتخابات 12 حزيران/يونيو 2009.
حتى العام الماضي، كانت كثير من الصحف ومواقع الإنترنيت العربية تتهجّم على الشيعة بحجة “الهلال الشيعي” و”الخطر الشيعي”، وكانت معظمها تهاجم شعب إيران نفسه تحت تسمية “الصفويين” (الأستاذ وليد جنبلاط كان من أكثر المروّجين لهذا اللقب العنصري قبل أن يظهر عليه “النور” على طريق دمشق..). ولأن “الشفّاف” لم يدخل يوماً في هذه المعارك السقيمة ضد “الشيعة” وضد شعب إيران، فنحن لم نفاجأ لأن الحركة الخضراء، أي الغالبية العظمى من الشعب الإيراني (أي غالبية “الشيعة” في إيران) تمدّ يدها اليوم للإصلاحيين العرب، ولليبراليين العرب، داعيةً إلى “صوت شيعي معتدل في الشرق الأوسط” وإلى “حركة شيعية للدفاع عن حقوق الإنسان”. وهذا مع أن كاتب المقال يشير إلى أن “هذا المقال يجب أن يتناول جميع المسلمين بمذاهبهم المختلفة, الا أن كاتب المقال مضطر الى مخاطبة الشيعة لثلاث آسباب… إلخ).
موقع “النداء الأخضر للحرية” زيّن المقال بصورة للإمام المغيّب السيّد موسى الصدر مع رجال دين مسيحيين ومسلمين، الإمام الصدر الإيراني – اللبناني الذي كان رمزاً للإعتدال. ويضع الكاتب تراث موسى الصدر بمواجهة إنحياز زعيمي حزب الله إلى الحكومة الإنقلابية في طهران. وفي مقطع رائع يقول الكاتب:
“هل لاستخدام السلاح لفرض السياسيات الداخلية وانتهاك حقوق الشعب اللبناني, ايجاد عقبات في مسير عملية السلام والمساعي المسالمة بحجة الاحتفاظ بالسلاح فقط, دعم ظلم الجمهورية الاسلامية مقابل الشعب الايراني المسلم و المظلوم الذي كان عونا للمقاومة و الغور في المفاسد الاقتصادية, صلة بذلك الماضي العريق و الميراث الثقافي للامام موسى الصدر؟
ما أجمل هذا الكلام بمواجهة أصحاب شعار “شاء اللبنانيون أم أبوا”!!
ويقول كاتب المقال: “حان الوقت كي يرفع المثقفون الشيعة راية النقد الذاتي في مواجهة الانحرافات الفكرية و السياسية والإجتماعية التي يشهدها مجتمعاتهم”.
لقد حان الوقت فعلاً، في لبنان خصوصاً، وفي العراق، وفي بلدان الخليج.
وحان الوقت لكي يتحرّك المثقفون العرب لملاقاة الحركة الإيرانية الخضراء التي ستكون أهم حليف لهم في مستقبل قريب.
حرصنا على نشر الدراسة الإيرانية كما نُشِرت، بكل أخطائها اللغوية، لأنها تستحق القراءة كما هي.
بيار عقل
*
نظرة تحليلية الى موقع التيارات الشيعية في المنطقة
الشرق الاوسط بحاجة الى صوت شيعي معتدل
نورالدین حسینی – بعد مضي حوالي ثلاثون عاما على غياب الامام موسى الصدر, ما زال العالم الاسلامي بحاجة الى التحلي بقدرة تحمل الغير و قبول وجوده.
الامام موسى الصدر كان حقا مؤسس الحوار بين الاديان في تاريخنا المعاصر. لكن بالرغم من الخطابات التي تلقى في تكريمه و صوره التي تعلق على حيطان المدن, لا نرى اثرا لمضي غالب العالم الاسلامي في طريق التساهل و التسامح الذي رسمه الصدر لنا و لا نرى اي افقا واضحا لذلك.
مازال المجتمع الاسلامي بحاجة الى أن يدرك أن عليه احترام الانسان لكونه انسانا ذو حق و حرمة عليه احترامه في التعامل مع الغير مسلمين أو حملة الفكر المخالف من المسلمين و لهذا عليه فسح المجال له كي يعبر عن رأيه.
ما زال الكثير من مثقفي العالم الاسلامي في مصر و لبنان و ايران و… يعملون على عكس صورة منطقية و انسانية للاسلام خلافا للصورة العنيفة و البعيدة عن المنطق التي رسمها المسلمون. لكن بالنظر الى ما يجري في العراق و افغانستان و اليمن, و بالنظر الى الحرب التي تشنها الحكومة الاسلامية لايران ضد شعبها, و بما يعمل السلفيون المتطرفون ضد المثقفين, هل تثمر كل تلك المساعي؟!
بالرغم من أن هذا المقال يجب أن يتناول جميع المسلمين بمذاهبهم المختلفة, الا أن كاتب المقال مضطر الى مخاطبة الشيعة لثلاث اسباب:
أولها, أن الكاتب مسلم شيعي, و أن اراد أن يخاطب المذاهب الاسلامية و السنة منها بشكل خاص و من جهة واحدة, فسوف ينقض كلامه الذي ذكره أنفا.
ثانيا, أن الشيعة كونهم ورثة الامام موسى الصدر و يعتبرونه من اكبر قادتهم الدينية و السياسية و يفخرون لكونه كان شيعيا, هذا ما يضع مسئولية خطيرة على عاتقهم في حفظ ميراثه أو بعبارة احرى, فكره و عمله.
ثالثا, مع الاسف خلافا للمسئوليات التي ذكرناها, التيارات الغالبة في المجتمع الشيعي, ابتعدت شيئا فشيئا عن ما كان ينوي تحقيقه الامام موسى الصدر. على سبيل المثال, لدينا ثلالث مناطق شيعية في المنطقة و هي ايران و العراق و لبنان – ولد الامام موسى الصدر في احدها و درس في الاخرى و مارس نشاطه في الثالثة- اسيرة اليوم بيد الافكار الديكتاورية و الاذان الغير صاغية. لذا فقد حان الوقت كي يرفع المثقفون الشيعة راية النقد الذاتي في مواجهة الانحرافات الفكرية و السياسية و الاجتماعية التي يشهدها مجتمعاتهم.
ابرز وجه في فكر الامام موسى الصدر هو التسامح و التساهل في مواجهة الافكار المختلفة و المخالفة و الاعتراف بحقوق الآخرين من الذين مختلفة افكارهم لنا لاسباب سياسية او مذهبية او دينية و اجتماعية لكن لهم حقوقهم انسانية كما قال الامام علي عليه السلام “الناس صنفان, اما اخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق”
في اطار هذا الفكر فأن السيطرة على الثرواة و السلاح و قدرة تهديد الاخيرن و تطبيق السياسيات بالأتكاء على القوة القهرية في المنطقة, تفتقر الى الشرعية و لا يمكنها خلق ارضية مستقرة. كما أن “المظلومية السابقة” لا تعطينا حقا لتبرير الظلم الجديد الذي نمارسه نحن.
نبدأ دراسة الوضع الحالي من ايران أي الدولة الوحيدة في العالم التي تتمتع بحكومة شيعية. حينما نرى الوضع في ايران بعد مرور ثلاثين عاما من الثورة الاسلامية, فأن الحديث حن التعامل بين الاديان المختلفة و ضرورة مراعاة الاعتدال في السياسيات الدولية في هذه الدولة, ما هي الا مزخة مضحكة. لأن الحكام الدينيين في ايران هم اليوم اكبر منهكي حقوق الايرانيين الشيعة, فيا ترى ما هو حال اتباع باقي المذاهب ممن لهم عقائد مختلقة. من الطبيعي أن الحاكم الذي ينتهك حقوق شعبه, فمن الاولى لا يمكنه صيانة حقوق الاخرين.
القمع الواسع الذي شهده الايرانيون في السنة الاخيرة ما ادى الى قتل ما لا يقل عن 400 مواطن مسلم شيعي و اعتقال الالاف من الناس العاديين و الناشطين السياسيين و الاجتماعيين, التعذيب الوحشي الذي انعكس بعضا منه في الاونة الاخيرة من استعمال الهراواة و الاسلاك الكهربائية في تعذيب السجناء, و نزع الاعترافات تحت التعذيب و الاعتدائات الجنسية على الرجال و النساء,- التي وثقت سبع منها و في احد الحوادث كانت الضحية بنت قتلت بعد الاعتداء و احرقت جثتها- اغلاق الصحف المستقلة و الضغط على الصحفيين و قمع طلاب الجامعة في جميع انحاء البلد و الهجوم الدموي على السكن الجامعي و الدفن الخفي لاجساد العشرات من المواطنين الطهرانيين دون علم عوائلهم و دون وضع علامة مميزة على قبورهم في مقبرة جنة الزهراء و في النهاية تشكيل 2582 ملف قضائي بحق المعتقلين, ما هي الى حاصل ما قامت به الجمهورية الاسلامية في العام الماضي فقط.
المثير هو أن جميع الجرائم التي ذكرت, نفذتها السلطات و المنظمات التي تعمل مباشرة بأمر ولي الفقيه.
وضع الاقليات الدينية في ايران واضح ايضا. الدستور يعترف بالاسلام (الشيعة و السنة) و المسيحية و اليهودية و الزرادشتية و يعتبر اعتناق باقي المعتقدات جريمة. بالرغم من هذا فأن اتباع الديانات المعترف بها يتعرضون ايضا لانواع الضغوط و الحرمان من قبل الحكومة. السنة في طهران محرومون من امتلاك مسجد لاداء فريضة صلاة الجمعة او الجماعة و يضطرون للجوء الى سفارة باكستان لأداء فرائضهم. في العام الماضي فقط تعرضت المجاميع المسيحية لهجومين و اعتقل قس بتهمة الترويج للمسيحية. حسينيات الدراويش الكنابادية و مجاميع اهل الحق تعرضت عدة مراة لهجمات وحشية و بين فترة و اخرى تهدم بيوت البهائيين –منها هدم العشرات من منازل البهائين في احدى قرى شمال ايران في الشهر الماضي- . توضيف اهل السنة و المسيحيين و اليهود و الزرادشتية ممنوع في الدوائر الحكومية. و عشارت الامثلة التي تبين النقض الواضح لحقوق اصحاب الافكار المغايرة في الجمهورية الاسلامية.
قبل ثلاثين عام عند انتصار الثورة الاسلامية, كان من المفتوض أن صوت الشعب و رأيه هو الذي يعين مصير البلد و تنتهي كل ممارسات القمع و التعذيب و نقض الحريات الانسانية و حسب اقوال مؤسس الثورة حتى الشيعيون, احرار في طرح نظرياتهم و اعتقاداتهم. لكن نرى اليوم أن المنابر الرسمية و الحكومية تعتبر زعيم الحكومة ممثل الله على الارض و طاعته المطلقة فرض على الجميع. لا يمكن لاي شخص او اي موسسة أن تشرف على عمله أو أن يطرح اقل انتقاد أو سوال حول ادائة و يعتقل السائل و المنتقد و يعذب اشد العذاب.
هكذا حكومة تدعي زعامة الشرق الاوسط و العالم الاسلامي و تسعى لبسط سيطرتها و نفوذها في العالم. تؤسس مئآة المراكز و المؤسسات في مختلف بلدان المنطفة و تحرف مسيرة الاحزاب و المجاميع التي غالبها شيعية بالمال و السلاح و الدعاية الكاذبة. في حين أن قسم يعتنى به من الشعب الايراني المظلوم يعيش تحت الفقر لكن الوارد العظيم للنفط يستخدم في ازدياد قدرة الحكام و تخزين الاسلحة الخفيفة منها و الثقيلة و المغامراة الخاوية.
نستمر في بحثنا بالنظر الى لبنان و حزب الله.
حزب الله اكبر و اقوى حزب شيعي خارج ايران. محله لبنان المشهورة بمعالمها الطبيعية و الثقافية و الاجتماعية الجميلة. بلد كان محل نشاط الامام موسى الصدر انذاك. بلد كان مثالا جميلا لتعايش الاديان و المذاهب.
اسست المقاومة في لبنان لمكافحة العدو الصهيوني العنصري الغاصب و المحتل و تمكنت من دحر العدو من الاراضي اللبنانية بكل عز و فخر. تاريخ حزب الله تاريخ مجيد. لكن المليشيا التي تدعى اليوم حزب الله هل تنتمي الى ذلك الماضي؟
هل لاستخدام السلاح لفرض السياسيات الداخلية و انتهاك حقوق الشعب اللبناني, ايجاد عقبات في مسير عملية السلام و المساعي المسالمة بحجة الاحتفاظ بالسلاح فقط, دعم ظلم الجمهورية الاسلامية مقابل الشعب الايراني المسلم و المظلوم الذي كان عونا للمقاومة و الغور في المفاسد الاقتصادية, صلة بذلك الماضي العريق و الميراث الثقافي للامام موسى الصدر؟
المقاومة في لبنان كانت محبوبة لانها كانت حركتا في مواجهة الظلم. الظلم مذموم في اي حال و لا فرق بصدوره من اي كان او بأي ذريعة كانت. ظلم اليهود و ظلم المسلمين و ظلم الشيعة و ظلم السنة و غيرهم كله مذموم و غير اخلاقي.
حزب الله اليوم يدعم بشدة الحكومة الظالمة في ايران. الشيخ نعيم قاسم نائب امين عام حزب الله يقول بصراحة في حديث مع وكالة ارنا للنباء أن الحزب يتبع ولي الفقية في ازمة ايران الداخلية. الامين العام للحزب يخطو خطوة اكبر و يصرح امام الاعين الحيرانة للاصلاحيين الذين كان لهم الفضل الاكبر في تأسيس الحزب أن زعيم الجمهورية الاسلامية اصبح اقوى بعد حل الازمة التي تعرضت لها ايران بعد الانتخابات. بعبارة اخرى يعتبر السيد حسن نصرالله جميع الدماء التي سفكت بعد الانتخابات و صرخات السجناء تحت التعذيب و كل المشاهد المخزية التي رآها العالم بأم عينه, عامل لتقوية الزعيم. هل حزب الله يبحث عن قوة كهذه؟!! هل حزب الله يدعي مكافحة الظلم بهذه الطريقة؟!! المشهد السياسي اللبناني لا يختلف كثيرا. فحزب الله يمنع جميع المساعي المسالمة لان في حال السلام ليس له مبررا لحفظ سلاحه
.
لكن اليس كان من المفروض أن يستخدم السلاح في نصرة الشعب و الحفاظ على المصالح العامة؟!!
اليست هذه الممارسات سخرية لميراث الامام موسى الصدر و الاسم الطاهر للمقاومة؟!!
استمرار هذا المنهج يذكرنا بمصير الجمهورية الاسلامية و يبين أن كل قوة تعمل بعيدا عن اعين الناس و من دون شفافية, حتى لو كان لها ماض مجيد, محكومة بالانحراف. هذه الحركة تنسى اهدافها المقدسة و تنتهك حقوق الاخرين و للحفاظ على موقعها تلجأ الى اساليب الكذب و الاتهام و التوطئة و القمع و اتباع الاجانب.
وضع العراق ليس احسن حالا مما ذكر. حضور الشيعة في الحكومة كان يمكن أن يكون فرصة مغتنمة لطرح نموذج لتحمل المخالفين و ترسيم صورة من التعايش المسالم الذي كان الامام موسى الصدر بصدد تحقيقه. لكن مع الاسف…
***
يواجه الشيعة اليوم نموذجين من السياسية و الحضور المؤثر في اجتماع المسلمين:
النموذج الاول هو النموذج الايراني و اتباعه. اي بعبارة اخرى خلق المعارك و القمع و اتهام المخالفين بأتهامات مفبركة و كاذبة كانتسابهم الى الصهاينة او الدول الغربية.
النموذج الثاني هو نموذج الصلاحيين في ايران الذي يمكن اعتباره ما كان ينوي تحقيقه الامام موسى الصدر يعني الاعتدال و الاعتراف بحقوق الاخرين و التعايش السلمي مع الفرق و المذاهب الاسلامية و سائر الاديان و مراعاة الحرياة الشخصية و المذهبية و الاجتماعية و مخالفة الظلم بما هو ظلم و السعي للسلام العادل و الشامل و مقاومة جميع انواع الظلم و الاعتاء.
هذا المقال ينوي الى بيان مسألة واحدة الى و هي “الشرق الاوسط بحاجة الى حضور صوت شيعي معتدل” “وحركة شيعية للدفاع عن حقوق الانسان”.
من دون شك في حال وجود هكذا حركة عظيمة, يمكن مجابهة التطرف الشيعي و ايضا مجابهة التطرف و الارهاب السني كالقاعدة و غيرها من المجموعات باستعانة كبار و علماء السنة.
لا يجب أن ننسى أن العدو ليس فقط الصهاينة بل العدو الاكبر هو الجهل و التطرف و عدم تحمل آراء الغير و انتهاك حقوق الانسان ما يشجع العدو الاجنبي للحضور في مواطننا و يعطيه ذريعة لتبرير هذا الحضور.
“الشرق الاوسط بحاجة الى صوت شيعي معتدل”: وجهة نظر الإصلاحيين الإيرانيين المرجع الاسلامي لشيعة العرب سيرة ذاتية-مختصرة- العلامة السيد محمد علي الحسيني ، لبناني الجنسية يقيم في الضاحية الجنوبية لبيروت . هو المرجع الإسلامي لشيعة العرب والأمين العام الحالي للمجلس الإسلامي العربي في لبنان ، كما يترأس جمعية ذو القربى اللبنانية المرخصة من الدولة اللبنانية تحت رقم (50/أد ) . باحث إسلامي سياسي لديه أكثر من سبعين كتاباً في المواضيع الإسلامية والسياسية, وهي مطبوعة وترجم منها إلى الانكليزية . مؤلفات السيد الحسيني التي تزيد عن السبعين تشمل الكتب الفقهية والأصولية والسياسية ، وكتب السيرة ، والكتب الإسلامية العامة ، وسلسلة… قراءة المزيد ..