سحب عبد ربّه منصور هادي الرئيس الإنتقالي في اليمن من الحوثيين، أي “انصار الله” ورقة الشرعية. إنّها ورقة في غاية الأهمّية سعوا دائما إلى الحصول عليها مستخدمين القوّة أحيانا والديبلوماسية الملتوية في أحيان أخرى.
شئنا أم أبينا، لدى عبد ربّه شرعية ما أخذها معه من صنعاء إلى عدن التي قد تعود إليها سفارات عربية وأجنبية غادرت صنعاء. كان مجلس النوّاب وحده قادرا على سحب هذه الشرعية، لو مكّن الحوثيون المجلس من الإجتماع لإعلان قبول إستقالة الرئيس الإنتقالي. بدل ذلك، لجأ “أنصار الله” إلى إصدار “الإعلان الدستوري” الذي تضمّن بين ما تضمنّه حلّ مجلس النواب.
ينادي “أنصار الله” منذ سيطرتهم على صنعاء بـ”الشرعية الثورية” تعويضا عن عجزهم عن الحصول على شرعية حقيقية. سيكون عليهم الآن التعاطي مع شرعية الرئيس الإنتقالي الذي استطاع أن يخدعهم في نهاية المطاف بعدما خدعوه مرّات عدة.
لم يلتزم “أنصار الله” أيّا من وعودهم أو ما تضمنته التفاهمات التي تناول إحدها مرحلة ما بعد سيطرتهم على محافظة عمران ومعسكراتها في تمّوزـ يوليو من العام الماضي. كانت عمران التي تتحكّم إستراتيجيا بصنعاء الخطوة ما قبل الأخيرة للسيطرة على العاصمة والمؤسسات الرسمية فيها.
ثمّة من يعتقد أن هناك عملية أميركية ذات طابع إستخباراتي أدّت إلى تغيير المعادلة في اليمن عن طريق إخراج الرئيس الإنتقالي من صنعاء. لم تعد المعادلة في مصلحة الحوثيين، خصوصا أن حجر الزاوية الذي يبنون عليه في كلّ تحركاتهم السياسية هو “إتفاق السلم والشراكة” الذي فرضوه بقوّة السلاح، مباشرة بعد إحتلالهم لصنعاء في الواحد والعشرين من أيلول ـ سبتمبر الماضي. وقتذاك، شاركت معظم الأحزاب في توقيع الإتفاق بحضور الرئيس الإنتقالي وممثل الأمين العام للإمم المتحدة جمال بنعمر الذي ليس معروفا بعد ما الذي يسعى إلى تحقيقه.
أعاد عبد ربّه منصور الوضع اليمني إلى نقطة الصفر، أي إلى ما قبل توقيع “إتفاق السلم والشراكة”. سعى “انصار الله” من خلال هذا الإتفاق، إلى الحصول على شرعية ما يبحث عنها زعيمهم عبد الملك الحوثي المقيم في صعدة.
من لديه أدنى شكّ في أهمّية “إتفاق السلم والشراكة” بالنسبة إلى “أنصار الله” والذين يقفون خلفهم، يستطيع العودة إلى خطاب ألقاه السيّد حسن نصرالله الأمين العام لـ”حزب الله” في لبنان الذي حرص في حينه على الترويج للإتفاق بصفة كونه إنجازا ضخما تحقّق في اليمن. لا حاجة إلى شرح مدى إرتباط “حزب الله” بإيران ومدى تعبير نصرالله توجّهات طهران وطموحاتها على الصعيد الإقليمي…
أمام “أنصار الله” الآن وضع جديد. هل يتمسّكون بـ”الإعلان الدستوري” الذي أصدروه الشهر الماضي والذي كان تتويجا لإنقلابهم ولرغبتهم المعلنة في قيام نظام جديد يدفن “الجمهورية اليمنية” ويصبح فيه عبد الملك الحوثي “إماما”؟
لم يتردّد الحوثيون، بلسان عبد الملك الحوثي، في الإعلان عن أنّ “ثورة الواحد والعشرين من سبتمبر” حلّت مكان “ثورة السادس والعشرين من سبتمبر” التي أطاحت الإمام قبل ثلاثة وخمسين عاما.
في مسيرتهم الطويلة إلى صنعاء، سجل الحوثيون انتصارات كبيرة. كانوا المستفيد الأوّل من الإنقلاب الذي نفّذه الإخوان المسلمون على علي عبدالله صالح الذي سلّم السلطة في شباط ـ فبراير ٢٠١٢، أي قبل ثلاث سنوات بالتمام والكمال، لنائب الرئيس.
منذ وضع الحوثيين اليد على صنعاء قبل ستة أشهر وفرضهم شروطهم على الرئيس الإنتقالي، اصبحوا اللاعب الرئيسي في اليمن، خصوصا بعد سيطرتهم على مؤسسات الدولة واختراقهم الأجهزة الأمنية ووزارة الدفاع ووضعهم كبار المسؤولين في الإقامة الجبرية.
إستخفّ الحوثيون بقدرة الشعب اليمني على المقاومة وبخطورة إثارة الغرائز المذهبية في بلد لم يفرّق يوما بين المذاهب. على العكس من ذلك، لم يطرح الموضوع المذهبي نفسه يوما بشكل حاد في اليمن. إعتقد “انصار الله” أن الأمور استتبت لهم. كان قرارهم القاضي بحلّ مجلس النوّاب موجّها ضد علي عبدالله صالح شخصيا. كان إشارة الإنطلاق لبدء مرحلة تصفية الحسابات معه نظرا إلى أن حزبه (المؤتمر الشعبي العام) يمتلك أكثرية في المجلس.
في أيّ اتجاه سيعيد الحوثيون مراجعة حساباتهم بعدما أفلت منهم الممسك بالشرعية؟ هناك الآن أسئلة يمنية لا أجوبة عنها. الثابت أنّ عبد ربّه منصور عاد لاعبا. الثابت أيضا أن عدن صارت مدينة مهمّة، من الناحية السياسية. الثابت أكثر من ذلك كلّه أنّ ما يطرحه جمال بنعمر لم تعد له أي قيمة. تجاوزت الأحداث طرحه، خصوصا أن ليس في الإمكان التوفيق بين المبادرة الخليجية وما يسمّى “إتفاق السلم والشراكة”. إنّه عبث ليس بعده عبث.
سيتوجّب على “انصار الله”، ومن خلفهم ايران، تقليص طموحاتهم في اليمن. لن يكون عبد ربّه منصور شخصا محوريا في المدى الطويل، على الرغم من امتلاكه الشرعية، خصوصا أن لا إجماع عليه حتّى في الجنوب اليمني. لكنّ الأكيد أن لديه دورا مرسوما له يُفترض عليه أن يلعبه خدمة لبلده في هذه المرحلة.
ما زلنا بعيدين عن الفصل الأخير في المأساة اليمنية. يصعب التكهّن بما سيكون عليه هذا الفصل. ما لا يمكن تجاهله أنه سيترتب على ايران إعادة النظر في طموحاتها اليمنية، فيما سيظل الحوثي في وضع الباحث عن شرعية هربت، أو جرى تهريبها، من صنعاء إلى عدن!