كان العلامة السيد السيد هاني فحص ضيف إذاعة الشرق في بيروت صباح الجمعة، ودار معه الحوار التالي:
سئل : موضوع النداء الذي أطلقته مع السيد محمد حسن الأمين، وكان عنوانه “نناصر الإنتفاضة السورية بلا تردّد” هل يريح الوضع الداخلي؟ وهل المبادرة المصيرية هي شخصية؟
أجاب: أولاً لقد جاء هذا النداء في اللحظة التي كان فيها الجرح يكبر بسرعة وبعمق غير عادي.
برأيي نحن لم نبادر، بمعنى أنّه بدأنا أو أسّسنا في التعبير عن مواقفنا. أنا أذكر سنة 2011 ، كنت في روما وتكلمنا عن الربيع العربي وانتظرت أن يبدأ في سوريا. هذه ليست نبوءة مني، بل توقّع الإنسان العادي خاصة إذا كان يعرف سوريا وما حصل سابقاً.
هذه المسائل تكررت في ميونيخ في أوروبا، في القاهرة في مؤتمرات عدة، في مؤتمر الحوار العربي الأوروبي. كنا مع الربيع العربي ولم نكن متفاجئين به!
وتابع: بهدوء وعقلانية والقليل من الخوف، تأييد كامل ومشوب بالخوف! خوف العقلاء. من هنا يؤسفني أنّ بعض الصحافيين الكبار في الوطن العربي كان ينبغي أن يكونوا مسؤولين أكثر وأن لا يكتفوا بقراءة ما يكتبونه، أن يقرأوا تاريخ الناس ولا يتفاجئون بتأخيرهم. ولكننا نحن لم نتأخر ومنذ الـ67 وحتى الآن، دفعنا أثماناً كثيرة لمبادرتنا في تأييد الشعوب ورفض الأنظمة والشكّ فيها. نحن جزء من حركة التحرر العربي ومن الذين استمروا وأعادوا النظر في تحركهم ومارسوا دوراً نقدياً على مواقفهم وانتهوا الى اعتدال في كل شيء إلاّ في حقّ الشعوب.
سئل العلامة فحص عن المبادرة، فأجاب:
أكل هذه مقدّمات المبادرة . ما أقوله هو خطوة من مسار، سبقها بيان شخصي، بنفس الصراحة والقوة التي صدر فيها البيان المشترك. نحن رتّبنا أمورنا بالمعنى الشخصي، والسيد محمد حسن الأمين الله يحفظه عنده مواقف شخصية معبّر عنها بأكثر من مكان وأنا لست وحدي. حاولنا أن نعبّر عن قناعاتنا التي خبرناها، وهي قناعات تيار واسع في لبنان من دون استثناء الشيعة.
غاية الأمر إنّ هذا الموقف ليس مُظهّراً تماماً ونحن حاولنا تظهيره، وسيعقبه بيان بنفس القوة والصراحة وسيوقّع من قبل معنيين شيعة طلائعيين من الفكر السياسي على المستوى اللبناني والعربي، وسيصدر قريباً.
أضاف : أنا والسيد محمد حسن لا نحمل مشروعاً سياسياً خاصاً اتفقنا على ان نشكّل مظلة، بالتفاهم المباشر أو غير المباشر مع كل الأفراد والمجموعات الشيعية المختلفة التي تحمل نفس القناعات ونفس الحماس للربيع العربي، وأن نتبادل معها العمل دون أن نشاركها في خصوصيات مشروعاتها سواء كانت متفقة أو مختلفة.
نحن يهمنا المشترك بينها وبين الموقف العام. بصراحة، نحن نقدّم الموقف العام وبوضوح، وبنفس الوقت نستعمل لغة ليّنة في النصّ وخلف النصّ، ونحن لسنا ذاهبين الى قطع علاقتنا مع من نختلف عنهم ونتمنى أن لا نختلف معهم في هذه المسألة.
سئل: ما تريد قوله في هذه المبادرة التي قد تكون صادمة؟
أجاب : ما نريد قوله إذا كنّا نريد أن نتحدّث بالبعد المذهبي، نحن مضطرون أن نتحدث عن البعد المذهبي ولا نريد تجاهله ولكن لا نريد أن نحوّل المذهب او الطائفة الى كهف أو الى سجن لها خصوصياتها ولكن لا يحفظ الخصوصيات المذهبية والطائفية إلاّ العام الوطني هو الذي يحفظها وهي التي تغنيه.
هذا الجدل بين الخاص و العام هو ما سنركّز عليه. أردنا ان نقول إنّ السائد السياسي الشيعي والذي لسنا معادين له مختلفين عنه وقوي لأسباب عدة ولكن قوّته لا تعني قوة، قوة الإعتراف الإعتراف ضعيفة، نريد ان نبلور قوة الإعتراف، ونريد أن نقول لهذا السائد الشيعي الذي يتذرع أنّ جهادية أحد من الناس أو من الأنظمة تكفي لتبرير أخطائه في حقّ شعبه أنّ هذا خطأ.
سئل : أي موقف حزب الله؟
قال : موقف حزب الله وحركة امل وموقف التيار الوطني الحرّ من عداءات مجانية أو عداوات نهائية.
الكل مع تخصيص الوضع الشيعي أي تظهير الصفة الشيعية. صحيح هذا الكلام ، وأنا أعتقد أنّ مظاهر ردود الفعل على مستوى الحزب قيادةً وحتى القاعدة، أنا كنت بالجنوب واكتشفت أنّ الناس بشكل عام وأنصار المقاومة والمقاومين، إلاّ قلّة قليلة، تعاني شيئاً من الإرتباك والإحساس بالمفارقة لأنّ طبيعتها مع الشعوب ورفع المظلومية.
أضاف العلامة فحص لإذاعة الشرق: أنّ العقل المقاوم، العقل الذي قاوم بلحظات حرجة جداً وحرر، نريد أن يسيطر على العقل السياسي اليومي او المحلي بمعنى انّّنا نريد المقاومة وسلاحها رافعة للدولة وعامل تقوية لمشروع الدولة أكثر من تحجج أو تذرّع بضعف الدولة الذي يلزمنا أكثر بأن نقدّم لها أسباب العودة والقوة والعدالة.
“ولاية الفقيه” نظّر لها المرجعان منتظري والصانعي وكلاهما تراجع عنها!
سئل عن قوله “نحن الشيعة نغامر في الدخول الى الدولة”؟
أجاب: لا يوجد تعريف جامع مانع لأي جماعة. على الأقلّ لا يوجد تعريف ثابت بكل مراحل التاريخ بمعزل عن التطورات الفاعلة في عقل الجماعة كما هو حاصل. ولاية الفقيه فكرة إيرانية داخلة في الدستور الإيراني. إنّ الذين نظّروا لولاية الفقيه اثنان مشهوران في إيران: واحد نظّر لولاية الفقيه الفقهية وواحد نشرها، والذي نظّر لها هو المرحوم الشيخ حسين علي منتظري والذي بعد التجربة عاد ونقضها! والثاني الذي نشرها وهو الشيخ يوسف الصانعي، الذي عاد وانسحب والتزم منزله ومارس عمله الفقهي، يقول لزوّاره “لقد أخطأنا الولاية على الأمة وكأنّها غير راشدة ونحن لا نستطيع أن ننفّذ ولايتنا على اولادنا لأنّ التحديات والأسئلة كثيرة ولا يمكننا أن نختزل الناس”!
وقال : برأيي ولاية الفقيه ليست جزءاً من منظومة عقائدية وإن كان هناك من يحاول أن يجعلها كذلك. هي مسألة فقهية، وفرع فقهي، والنقاش معها ليس أكثر من النقاش في بعض الأمور العبادية التي تختلف آراء الفقهاء فيها ولا تستدعي التكفير أو التهميش أو الإدانة.
سئل: المبادرة الى أين يمكن أن توصل؟
أجاب: هي مبادرة انسجام مع ما يتطلّبه المشهد العربي والسوري ولا تحمل مشروعاً خاصاً، بل تظهير موقف شيعي منسجم مع ذاكرة الشيعة وأحلامهم وقيمهم وقيم أهل البيت التي كان استمرار خيارها أن تكون منطلقاً إذا طُلب أو دُفعت لأن تكون ظالمة تهرب من ظلم الآخر الى ظلم الذات بمعنى التخلّي عن مشروعاتها الخاصة في سبيل إنجاح المشروع العام، وعدم التشويش عليه. وأنا أستند في هذا الكلام الى موقف الإمام علي عليه السلام، من الخلاف الراشدي الذي حسم أموره بقوله (لأسلّمنّ ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن فيها جوْر إلاّ عليّ). ظلّ متمسكاً بأفضلية طروحاته ولكنه لم يعتبر الناس الأطروحة باطلة وأنّ أمور المسلمين يمكن أن تستقيم من دونه. هذا الأساس الذي يحركنا.
العلامة فحص تمنى ان يخفّ الكلام عن المبادرة وقال: وكأنّها تشعرنا بأنها بلا سابقة وبلا سياق، علماً انه مبكراً وقفنا مع الثورة الفلسطينية ثمّ رجعنا ومارسنا نقداً على الثورة من حيث أدائها في لبنان وأسهمنا في مقدّمات بيان الإعتذار الفلسطيني، نقد ذاتي، منطلقين من كوننا كنّا جميعاً شركاء في الحرب الأهلية بذريعة فلسطين أو بذريعة لبنان وساعدنا الآخرين على أخطائهم. وهذا ليس تنصلاً من مواقفنا لأنّه طوال فترة الحرب كنّا ضدّ مشاركة أحد في الحرب الأهلية بصرف النظر عن نتائجها ومخاطرها، ولم نرض بمشاركة احد. لم نكن استثناء لأنّ أهلنا كانوا معنا والسيد موسى حضر معنا، وبإخلاص شديد السيد موسى دفع الثمن لأنّ الأولوية كانت عنده لفلسطين ولبقاء الدولة، وهو كان يقود حركة معارضة ضدّ الدولة ثمّ التفت أنّ الحرب خطر على الدولة والجيش والمؤسسات بشكل عام.
وقال: هناك شباب يتواصلون معنا ولا يؤيدوننا إنما متفقون معهم على موقف، وهؤلاء شكّلوا بيئة حاضنة لعملية دلال المغربي، وكانت هذه العملية إعادة تذكير. نحن نأتي من هذا المحلّ من هذا التراث، نحن مصرون على تنقية الذاكرة وعلى إعادة وصلها بالمعطيات الحاضرة. كنا اكثر توازناً، لم نشكل كتلة مواجهة مباشرة مع حزب الله وحركة امل، بل بالعكس كان عندنا طموح أن نطوّر من داخلهم الأمور ونتفق وندوّر الزوايا. هناك تراث يجب ان يـُقرأ، نحن لا نؤسس الموقف الشيعي إننا نضيف إضافة جزئية جداً. وأكثر من ذلك عندما نتحث عن حزب الله وحركة امل نقول إنّ السيد موسى كان مشروع توسيع مساحة الحضور الشيعي في الدولة سلماً وليس حرباً، ونقول إنّه يمكن أن نتغاضى عن أي طرف سياسي يقوّض الدولة يحاول ان يستأثر بالدولة ويحوّلها الى مكسب ولكنّ المقاوم الذي قاوم إسرائيل بلحظة حرجة جداً هذا غير مقبول منه أبداً أن يقوّض الدولة بل يوظّف عمله من أجل بناء الدولة ويجعل القوة الشيعية الآتية من المقاومة ومن التحرير عاملا إضافيا لإعادة دمج الشيعة في المجتمع اللبناني.
وتابع: رغم شكواهم من الحرمان والتهميش الآن توجد قوة شيعية لا يستهان بها، وندعو الى تشكيل عقل شيعي جديد يحسن التصرّف بهذه القوة ويوظّفها للصالح العام لأنّ استثناء أي طائفة بهذا البلد وغلبتها إضرار بالطائفة وبالآخرين.
هل من قنوات مفتوحة مع حزب الله؟
أجاب : أنا أقول لو يسكت تلفزيون المستقبل وتلفزيون المنار، يمكن ان تتحسن ظروف الحوار، بمعنى أنا لا اريد أن نتحدث عن الإعلام إنّما على الطبقة السياسية في لبنان وليس عندي حرص على استفزاز قيادة حزب الله. منذ سنوات وأنا أحاول فتح قنوات وليس عندي أبواب مقفلة. لومي على حزب الله هو اكتفاؤه بذاته، هو يحترمك ويسايرك ويحبك وينتقدك لإسكاتك! نريد نية مشاركة اكثر، نريد عقل حزب الله وحركة امل!
سئل: هل نداء الرئيس بري يلتقي معكم في مكان ما؟
قال : من خلال معرفتي السابقة بالرئيس بري وأنا قلتها وكتبها المرحوم نصير الأسعد، “بصرف النظر عن نقدنا للرئيس بري وشكوانا منه أحياناً أنا أؤمن أنّ الرجل عنده عقل وطني واسع يضطر أحياناً لإخفائه ولكنه كامن وموجود”. الرجل تجريبي ليس لديه أوهام إيدلوجية، يراقب ويوقّت كلامه وفعله وعلاقاته على التطورات من دون ان يضطر الى القطع مع حلفائه وأصدقائه. وإذا ضعف صديقه أو حليفه أو غلّط هو مضطّر الى ان يدوّر على نفسه وبلده ووطنه وبلده!