بعد تردد، حسمت المملكة العربية السعودية موقفها من المشاركة في مؤتمر أنابوليس للشرق الأوسط وأعلن وزير خارجيتها سعود الفيصل يوم الجمعة 23 نوفمبر في القاهرة أنه سيمثل بلاده في الإجتماع.
والمعلوم أن الرياض، وإن وافقت على مبدإ التفاوض من أجل السلام، فهي تشترط أن تتمخض العملية التفاوضية عن مقترحات جوهرية تُـزحزح قاطرة المسار السلمي عن الجمود الذي آلت إليه.
يبقى أن القضية الفلسطينية، بالرغم من أهميتها، ليست المحدِّد الأساسي لسياسة المملكة الخارجية، التي وإن شابها قدر من الاختلال بعد أحداث 11 سبتمبر الإرهابية، إلا أنها تمكّـنت من إعادة تحديد بوصلتها من جديد.
لقد أثارت التصريحات التي أطلقها العاهل السعودي قبل انطلاق جولته الأوروبية مستهل شهر نوفمبر، دهشة بعض المراقبين، حيث اتهم الملك عبدالله بريطانيا بأنها تجاهلت معلومات أمنية زوّدتها بها الرياض، كان من المُـمكن أن تُـفشل أول عملية إرهابية تعرّضت لها لندن، غير أن قِـراءة متأملة لتلك التصريحات، تظهر أنها لا تهدِف إلى إحراج بريطانيا، بقدر ما تسعى إلى إعادة ضبط بوصلة السياسة الخارجية السعودية.
لن تبدأ زيارة دبلوماسية هي الأولى من نوعها منذ عشرين عاماً بإهانة مضيفك! بيد أن الأمر بدا هكذا للوهلة الأولى. فالملك عبدالله بن عبد العزيز، الذي بدأ يوم 30 أكتوبر الماضي زيارة رسمية لبريطانيا، هي الأولى من نوعها لعاهل سعودي منذ عقدين، استبق جولته بانتقاد غير متوقع، حيث دعا في حديث مع هيئة الإذاعة البريطانية البي بي سي يوم 29 أكتوبر بريطانيا (وجميع الدول) إلى “عدم التساهل في محاربة الإرهاب واليقظة الدائمة ليل ونهار لمحاربة الإرهاب، مثلنا في السعودية، حيث نتابع الإرهاب ليل نهار”.
لعل صيغة هذا التحذير لم تكن كافية ـ لذلك، عندما طلب منه جون سمبسون، كبير محرري الشؤون الدولية في البي بي سي – الذي أجرى معه اللقاء ـ أن “يسمّي الدول التي يُـعتقد أنها لا تحارب الإرهاب بفعالية”، جاء ردّ الملك السعودي لا مواربة فيه “أغلبها، بما فيها انجلترا. نحن أرسلنا لبريطانيا بصفتهم أصدقاء لنا، بعثنا لهم برسالة قبل وقوع أول عملية إرهابية هناك ولم يعملوا بها وصار لديهم إرهاب”.
بطبيعة الحال، ردّت بريطانيا فورياً، حيث نفت بشكل قاطع أن تكون قد تلقّـت معلومات بهذا المعنى، لاسيما أن دلالة التصريح تُـفيد بأنه كان من الممكن أن تُـعيق تنفيذ التفجيرات الإرهابية، التي تعرضت لها لندن يوم 7 يوليو عام 2005، ولم تفعل! ولفتت إلى أن لجنة الاستخبارات والأمن في البرلمان البريطاني قد حققت في الأمر، ولم تعثر على دليل بوُرود مثل هذه التحذيرات من جهاز الاستخبارات السعودي.
السؤال إذن، لِـماذا استَـبق العاهل السعودي الزيارة المهمة بمثل هذا التصريح؟ المؤكد، أنه لم يكن يرغب في تعكير علاقات المملكة مع بريطانيا، ذلك أن البيان السعودي الحكومي الذي صدر بمناسبة جولة الملك الأوروبية، والتي شملت أيضاً كُـلاً من ألمانيا وإيطاليا، نصّ على أن هدفها يتمثل في “تطوير العلاقات الثنائية بين السعودية وهذه الدول، وسبل تعزيزها في المجالات كافة”، ولا شك أن تعزيز العلاقات لا يتم عبر اتهام الدولة “الصديقة” بالتقصير والإهمال والتسبب في مقتل مواطنيها.
لا، الأحرى أن الهدف كان إيصال رسالة، مفادُها أن المملكة وحلفاءها في الغرب يقفون في خندق واحد، خندق يجمع بين مصالح الجانبين ليجعلها مشتركة ويُـذيب خلافاتهما، وهي كبيرة، ليُـعيدها من جديد إلى خانة خلفية تتراكم عليها أتربة النسيان.
لقد أعادت تلك الرسالة بوصلة السياسة الخارجية السعودية إلى الاتجاه الذي سارت عليه خلال الحرب الباردة وحدّدت بوضوح مسارها من جديد.
السياسة الخارجية السعودية خلال الحرب الباردة
يمكن القول إن السياسة الخارجية السعودية خلال الحرب الباردة اتخذت مسارين متوازيين: المسار الدِّيني وتوأمه البراغماتي.
المسار الديني، ظهر عبر شكلين: الأول، من خلال قيام السعودية باتخاذ عدّة خطوات مدروسة لنشر مفهومها وتفسيرها الدّيني للإسلام في العالم وكمثال على هذه الخطوات، الحملة الناشطة، التي قامت بها الرياض، ولا تزال، في الجمهوريات الإسلامية المستقلة عن الاتحاد السوفييتي في وسط آسيا وفي اندونيسيا وماليزيا.
والثاني، عبّـر عن نفسه من خلال تولّـي السعودية دور الحامي السياسي والمالي للمنظمات الإسلامية العاملة في العالم العربي والدول الإسلامية، فتأثير السعودية القوي وسيطرتها على منظمات متعددة الأطراف مثل رابطة العالم الإسلامي ومنظمة المؤتمر الإسلامي، أعطاها القدرة على تجيير المعونة المالية للجماعات والجمعيات الإسلامية.
هذا المسار عكس ببساطة الأساس الدِّيني، الذي قامت عليه الدولة السعودية في تحالف المؤسسة الدينية الوهابية مع العائلة الحاكمة ووفر غطاءا لشرعية النظام السياسي داخل المملكة، والأهم، أنه ساعدها على تولّـي دور القُـطب الموازي والهادِم لفكر “العروبة القومي”، الذي كان يدعو صراحة إلى القضاء على نظامها المتحالف مع الولايات المتحدة.
دورها هذا كان ضرورياً خلال فترة الحرب الباردة، لاسيما أن الدول العربية، التي تبنّـت الفكر القومي “العِـلماني” (مع التحفّـظ على هذا المصطلح، باعتبار أن معظم تلك الدول أخذت من العِـلمانية قشورها، ولم تعكسها واقعاً فعلياً في سياساتها، خاصة فيما يتعلق بقوانين الأحوال الشخصية أو القوانين الخاصة بالحريات المدنية)، كانت تسير عادة في قطب الاتحاد السوفييتي.
في المقابل، فإن المسار البراغماتي في السياسة الخارجية السعودية لا يختلف كثيراً عن أية دولة أخرى في العالم، فالهدف منه أساسا، يتمثل في الحفاظ على مصالح الدولة، أمنياً وسياسياً، لذا، كان لافتاً أنه كلَّـما تعارضت مصالح الدولة الوطنية مع الاعتبارات الدينية، كانت الدولة السعودية تختار دوماً تأمين مصالحها الوطنية.
ضمن إطار هذا المسار، كان التحالف الإستراتيجي مع الولايات المتحدة، الذي اعتبرته الدوائر السياسية الحاكمة حجَـر الأساس في ترتيبات الأمن الوطني للبلاد.
بحثت السعودية إذن عن التزام أمريكي بالدفاع عنها من أي اعتداء، لقناعتها بأن حماية المملكة تقع في الحقيقة خارج حدودها وخارج أي إجراء إقليمي خليجي، ووافقت الولايات المتحدة على لعب هذا الدور، لأن استقرار السعودية مُـهم لأمن الخليج ولثروتها النفطية، ولأنها كانت أيضا حليفاً “يمكن الاعتماد عليه” في المواجهة التي كانت قائمة خلال الحرب الباردة مع العدو الشيوعي.
وعليه، فمقابل حصول السعودية على الضمانات الأمنية وصفقات شِـراء الأسلحة، فقد ضمنت هي الأخرى تدفّـق النفط إلى أمريكا وبقية البلدان الصناعية وبأسعار معقولة، كما لعبت دوراً في توسيع وتعزيز الإجراءات الأمنية الأمريكية في المنطقة خلال فترة الحرب الباردة.
زلزال الحادي عشر من سبتمبر
مثلت أحداث 11 سبتمبر زلزالاً خلخل أسُـس السياسة الخارجية السعودية وأدخلها في مرحلة من الضبابية وعدم الاتساق.
كانت مرحلة عدم التوازُن قد بدأت فعلاً قبل الحادي عشر من سبتمبر بعد تغير المعادلة الدولية مع انهيار الاتحاد السوفييتي وغياب العدو “المُـلحد” عن الأفُـق، لتتبّدى تداعيات دعم “الإسلام السياسي”، وبروز وجهه “الجهادي”، كما أن العائلة المالكة، والأهم، القِـوى الدِّينية الناشطة السعودية، بدأت تُـظهر تململاً واضحاً من استمرار بقاء القوات الأمريكية فوق أراضيها، بعد أن قامت مشكورة بإخراج قوات صدّام من الكويت في عام 1991.
لم يعُـد الحليف صديقاً، والعدو المشترك اختفى، لتظهر التناقضات الواضحة بين الجانبين، بين دولة دينية تدعم تفسيراً للدّين، استخدمته جماعات متطرفة لشن حرب على “الصديق الكافر”، وقوة عظمى، أصبحت القوة الوحيدة في العالم، ولأنها كذلك، بدأت تتصرّف بما يتماشى مع هذا الموقع.
جاء الحادي عشر من سبتمبر ليُـظهر تلك التناقضات واضحة سافِـرة لأول مرة، ولأنها تناقضات جوهرية، عايشت المملكة فترة صعبة لم تعرف خلالها كيف تضبط بوْصلة سياستها الخارجية أو إلى أي اتجاه تحيلها، لاسيما وأن إدارة الرئيس بوش بدأت تتحدث بجدّية غير مسبوقة (بل غريبة) عن ضرورة “نشر الديمقراطية” في البلدان العربية، لمواجهة خطر التطرف، وتغمز من طرف المملكة علانية.
ولم تكن السعودية وحدها التي تُـعاني من حالة الاختلال تلك، فإدارة الرئيس بوش كانت تمُـر هي الأخرى بمرحلة انتقالية، حيث أرغمتها الهجمات الإرهابية على الخروج من سياسة الانكفاء والانعزال عن الشأن الدولي، الذي شاب مواقفها في السنة الأولى من حُـكم الرئيس الجديد وأجبرتها على إعادة تقييم سياساتها في الشرق الأوسط، وكانت محصِّـلة التقييم أن سياستها “الواقعية” والقائمة على دعم أنظمة مستبدّة، لكنها “صديقة”، لا تتماشى مع المصالح الأمريكية البعيدة المدى، وأن ترك المنطقة لحكّـامها لن يؤدّي إلا إلى انتشار موجة التطرّف فيها وتُـحوِّلها إلى بؤرة للأزمات، بعضها سيتِـم تصديره إلى الولايات المتحدة.
السياسة الخارجية السعودية في مرحلة ما بعد 11 سبتمبر
مرحلة الاختلال كانت رغم ذلك قصيرة، القناعة السائدة هي أن تَـعرُّض الرياض لهجمات مايو الإرهابية عام 2003، هو الذي دفعها إلى تحديد مسار السياسة الخارجية السعودية تُـجاه دعم الحرب الدولية ضدّ الإرهاب والمشاركة فيها بفعالية، وهذا صحيح، لكن العامِـل الحاسم الذي جعل الرياض تجد صَـوتها من جديد، كان إيران والتغير الذي طرأ على سياستها الخارجية بعد وصول الرئيس أحمدي نجاد إلى السلطة.
فطوال تاريخ المملكة، وهو قصير في عُـمر الشعوب، كان هاجسها الأمني الأساسي هو خطر القِـوى الإقليمية الكُـبرى في المنطقة، وبالتحديد العراق وإيران (مصر الناصرية نجحت في احتوائها بأموالها النفطية وحركة الإخوان المسلمين)، التي عمِـلت دوماً على خلخلة نظامها السياسي، كل لأسبابه.
ولأن إيران الشيعية بدأت تُـظهر مخالبها الثورية من جديد مع الرئيس أحمدي نجاد ولأنها اتخذت من العراق المُـحتل مسرحاً جديداً لنفوذها المُـتنامي في المنطقة وحولت سوريا ومعها لبنان إلى ساحة أخرى للمواجهة مع الأنظمة السُـنية العربية، ولأن الولايات المتحدة اعتبرت إيران الساعية لامتلاك قوة نووية خطراً حقيقياً، وجدت الرياض من جديد في واشنطن الحليف الطبيعي لمواجهة الجار الخطير.
ومع هذين العاملين، الخطر الإيراني الشيعي الثوري والحركات الجهادية الساعية إلى الإطاحة بالعائلة المالكة، تحدَّد مسار السياسة الخارجية السعودية واضحاً، يُـشبه إلى حدٍّ كبير المسار الذي اتّـخذته خلال الحرب الباردة، ويجمع من جديد بين وجهيه الدِّيني والبراغماتي، وإن اختلفت طبيعة “العدو”.
فالعدو اليوم، “إقليمي”، وله طابع أيديولوجي، يتمثل في مضمونه “الشيعي”، ولذلك، تجب مواجهته بمضمون مقابل “سُـني”، يتم دعمه بالمال والسلاح، إذا استلزم الأمر.
والعدو اليوم أيضاً، “جهادي دولي”، ويجب مواجهته بجهود مشتركة لنشر “أيديولوجية دينية غير مُـتطرفة”، لكنها لا تمس بحال من الأحوال الأساس الوهابي لذلك الفكر، والحليف كما الأمس، هو الولايات المتحدة وبريطانيا تبعاً، وهي الأخرى حسمت موقفها بعد أن أدركت، وهي محرجة، أنه لا مفرّ من سياستها “الواقعية” في دعم الأنظمة المستبدّة “الصديقة”، إذا أرادت أن تخرُج من مستنقع العراق وتُحجم من نفوذ إيران وتتجنّـب وصول القِـوى الإسلامية “غير الصديقة” إلى السلطة.
إدراك “واقعي” جعلها تبتلع دعواتها لنشر الديمقراطية في المنطقة، مُـحيلة إياها إلى خانة الأمنيات المستقبلية.
والمحصّـلة، أن صوت المملكة أصبح أكثر ثقة، يتحدث من موقع قُـوة، تدعمه ثروته النفطية غير المتوقعة، يرتفع مُـحذراً إيران من مغبّـة طموحاتها النووية ويهددها بأن استمرارها في “سياستها العدائية”، لن يؤدّي إلا إلى “دفاع الدول العربية عن نفسها”، ولا يجد حرجاً في تقريع أحد حلفائه علناً، بريطانيا تحديداً، بأنها لم تهتم كفاية بالمعلومات التي قدمتها لها الرياض لمواجهة هجمات إرهابية آنية، وهو في كل ذلك لا يريد سِـوى أن يُـذكِّـرها، هي والحليف الأكبر، بأنه وهْـم “أصدقاء” ويقفان في خندق واحد.
elham.thomas@hispeed.ch
* برن
السياسة الخارجية السعودية: “لا تنسوا، نحن في خندق واحد”!لم يكون لدي الوقت , والرغبة في المشاركة في موضوع السياسة الخارجية …..: نحن في خندق واحد !قدمت الأخت “الهام مانع ” صورة واضحة وموسعة عن كيفية تركيب الساسة ال , إنا لااذكر البلد ليس خوفا من احد إطلاقا-لأنني اكسب القوت من عملي الشاق , وليس من أي منظمة عربية او أسلامية ولا حتى روسية , بهدى أضع آرائي بكل صراحة ,لا أخاف من احد, بقطع راتبي , أو أصبح بلا عمل , لهدا إن حر بكل معنى الكلمة , بكوني منتمي إلى بلد عربي ومسلم (اليمن) فانا انتقد اليمن أيضا ,… قراءة المزيد ..
السياسة الخارجية السعودية: “لا تنسوا، نحن في خندق واحد”!
الحرب القادمة سوف- إيران العدو الأخير لسعودية , بعد عبد الناصر و صدام في منطقتنا – تكون ضد الصين, الآن تتطابق مصالح أمريكا السعودية وبريطانيا واليابان, اليابان تريد إن تستعيد إمبراطوريتها في المحيط الهندي- لهدا الضحية في طريق تحقيق هدى الهدف تقع إيران ,أد ا اتحدوا يا عرب ويا مسلمين ضد إيران مع أمريكا وبريطانيا, مثلما تطابقت مصالحكم مع بريطانيا وفرنسا ضد الدولة العثمانية, وتم تقسيم الوطن العربي بمساعدتكم ( وعد بلفور) , وسوف نرى من الخاسر في اللعبة القادمة نحن العرب والمسلمين أم …….؟
السياسة الخارجية السعودية: “لا تنسوا، نحن في خندق واحد”!
يختي الأسرة الحاكمة ” السعوديين الوهابيين” يتقولوا الناس, ويمشوا في الجنازة بدون خجل..
السياسة الخارجية السعودية: “لا تنسوا، نحن في خندق واحد”!
يحفظك الله يا بنت اليمن على مجهودك , والمزيد.