والآن؟ إن إحتفالات الذكرى الـ31 للثورة الإسلامية التي ابتدأت يوم الإثنين في 1 فبراير وتصل ذروتها بنهار مسيرات وتظاهرات في يوم 11 فبرير تبدو، منذ الآن، كامتحان حاسم لتماسك النظام من جهة ولقدرة حركة المعارضة السلمية على البقاء من جهة أخرى.
وكانت السلطات، التي فاجأتها صلابة المقاومة التي نمّت عنها هذه الحركة العفوية، التي لا تملك هيكلية ولا تنظيماً، والتي ظلت مستمرة رغم اعتقال ما يزيد على 4000 شخص، ورغم التعذيب، و”الإعترافات المتلفزة”، والمحاكمات الصورية، قد رفعت صوتها مهددة في نهاية شهر ديسمبر. فمسيرات الحداد في يوم “عاشوراء” كانت قد تحوّلت إلى صدام مع المتظاهرين. ولأول مرة، فقد أطلقت قوى الأمن النار على الجموع (مما تسبّب بسقوط 8 قتلى). ولأول مرة، كذلك، فقد تمرّد المتظاهرون، المسالمون من حيث المبدأ، وقاموا بمهاجمة قوات “الباسيج” التي تمثل رأس حربة القمع.
ومنذ يوم “عاشوراء”، فإن كلا المعسكرين يشعر بالقلق إزاء مخاطر إنفلات الوضع. وقد جرت، في الأسابيع الأخيرة، محاولات خجولة لفتح طريق للحوار من جانب السلطة التي نعرف أنها منقسمة حول الردّ القمعي الأنسب للتعامل مع المعارضة.
وفي هذا السياق، تم تنظيم مناظرات تلفزيونية حول الوضع الداخلي، دُعي للمشاركة فيها أنصار الحكومة، ولكن ليس وحدهم. وشاهد الإيرانيون نوّاباً من الأكثرية يوجّهون النقد للحكومة، بل إن أستاذ العلوم السياسية، “جواد عيتات”، القريب من مير حسين موسوي، تحدّث عن تزوير الإنتخابات وطالب بتطبيق “الحقوق التي يعطيها الدستور للمواطنين”. ولكن نسبة المشاهدة الضخمة لهذه البرامج التلفزيونية دفعت الحكومة للتراجع ولوضع حدّ لذلك “الإنفتاح” بعد أن تبيّن لها أن نتائجه كانت في غير صالحها.
وبعد ذلك، وبغية الإنتهاء من فضيحة التعذيب والإغتصابات في معتقل “كهريزاك” السرّي الذي تشرف عليه أجهزة الإستخبارات، فقد وجدت الحكومة “قميص عثمان” في شخص النائب العام السابق المخيف لمدينة طهران، “سعيد مرتضوي”، الذي كان في العام 2003 قد تورّط في قتل الصحفية الإيرانية-الكندية “زهرة كاظمي”. وقد أقيل “مرتضوي” من وظيفته، وتمّ فتح تحقيق معه.
ومن جهتهم، أكثر زعماء حركة الإحتجاج من التصريحات الداعية إلى تهدئة الوضع، وقدّموا أنفسهم كـ”أنصار” للجمهورية الإسلامية ولمرشدها آية الله خامنئي، مع الإصرار على معارضتهم لرئيسها أحمدي نجاد.
ولكن ذلك كله ذهب هباءً.
فالإعلان، في يوم 29 يناير، عن شنق “متظاهرين” (الواقع أن الشابين اللذين تم شنقهما كانا قد اعتقلا قبل 3 أشهر من إنتخابات يونيو) قد أطاح بأي أمل في المصالحة. والدليل على ذلك، كما يلاحظ المراقبون، هو أن آية الله العظمى منتظري، الذي كانوا قد احتشدوا، في يوم 29 نفسه، للإحتفال بـ”أربعينية” منتظري، قد تعرّضوا لهجوم من قوات الأمن في مدينة “نجف آباد”، وهي مسقط رأس منتظري. وقي “قم”، حيث كان منتظري يقيم، فقد أحكمت الشرطة الطوق حول منزله. وأخيراً، ويوم الجمعة الماضي، دعا “آية الله جنتي” وبدون مواربة إلى “إعدام مزيد من المعارضين من أجل إعلاء كلمة الله”.
وقد أبلغنا صحفي إيراني كان يتحدث من طهران عبر الهاتف أنه “منذ أشهر، فإن النواة الأصولية في السلطة، المؤيدة لأحمدي نجاد، كانت متردّدة إزاء جرعة القمع والإرهاب التي ينبغي لها أن تستخدمها لردع المعارضة. ولكن يبدو أن هذه النواة قد حسمت أمرها قبل إحتفالات 22 بهمان (11 فبراير) المقبلة: فقد قرّرت أن تجعل يوم 11 فبراير يوم “ملحمة قومية” ضد “قوى الثورة المضادة” كما تسميها. ويمكننا أن نتوقّع كل شيء الآن، بما في ذلك حمام دم”.
وذلك، خصوصاً أن القمع تزايد عما كان قبلاً: فتم اعتقال 150 شخصاً في الأسابيع التي تلت إحتفالات “عاشوراء”. وصدرت أحكام بإعدام 9 متظاهرين، وافتتحت يوم السبت محاكمة 16 معارضاً يمكن أن تصدر ضد نصفهم أحكام بالإعدام. كذلك تم تهديد 15 جريدة بالإقفال إذا ما نشرت أقوال زعماء المعارضة، في حين تبجّح قائد الشرطة بأنه حقق 70 بالمئة من عمليات الإعتقال الأخيرة بفضل الوشايات.
ردّاً على هذا التصعيد، فقد عقد السيدان موسوي وكروبي إجتماعاً لإطلاق نداء مشترك للتظاهر السلمي، والكثيف، في يوم 11 فبراير. وقد شاهد الإيرانيون بكثرة فيديو الإجتماع الذي نشره موقع “سهام نيوز” (شاهد الفيديو أدناه). ويمثل اللقاء خطوة إضافية نحو الصدام الحاسم: فإبان التظاهرات الرسمية السابقة، التي كانت المعارضة قد استغلّتها لإعلان مواقفها، فإن زعيمي الحركة كانا قد امتنعا عن الدعوة للتظاهر بغية صيانة الطابع العفوي للعصيان المدني.
وسيكون الإمتحان الأول هو الإحتفال الذي سيجري اليوم الإثنين في ذكرى عودة الإمام الخميني من المنفى. وقد تقرّر أن يجري الإحتفال في مقبرة “بهشتي زهرة”، التي تسهل السيطرة الأمنية عليها، بدلأً من من ضريح الإمام الخميني كما جرت العادة. وسيلقي الكلمة الرسمية أحد المقرّبين من المرشد، وهو السيد “حداد عادل”. ولم تعلن عائلة الخميني، التي تتخذ موقفاً نقدياً من الإنحرافات الإستبدادية للنظام، ما إذا كانت ستشارك في الإحتفالات.
تحقيق: Marie-Claude Decamps في جريدة “لوموند” الفرنسية
*
فيديو زيارة مير حسين موسوي لمهدي كرّوبي: