بالإذن من أحمد قارس الشدياق: مقالان في علم الإستبداد، أو في علم إنطباح المثقفين أمام الإستبداد.
في “الحياة”، طالعنا السيّد داود الشريان بتحليل متحذلق خلاصته أن:
“الساحة العربية والإسلامية أصبحت تواجه إرهاباً ليبرالياً لا يقل تشدداً وشراسة ورفضاً للرأي الآخر عن ذلك الإرهاب الفكري المتشح بالدين. فلجوء الشيخ (صالح بن فوزان الفوزان عضو هيئة كبار العلماء في السعودية) الى كتابة توضيح دليل على اننا نعاني تطرفاً مضاداً، وطالما استمر ما يسمى بالتيار الليبرالي الإسلامي في التعامل مع مسألة القيم الدينية والاجتماعية بهذا الاستخفاف والتبسيط، فإن لغة العنف ستشهد نمواً هائلاً في المرحلة المقبلة”.
مفهوم؟ “الإرهاب الليبرالي” لا يقل “شراسة” عن ذلك “الإرهاب الفكري المتّشح بالدين”. هذه دعوة لحلّ “مطوّعة” الليبراليين في الرياض وبريدة وجدة! أو لوقف عمليات الليبراليين “الإنتحارية” ضد منشآت النفط!
في أي حال: ” .. في أعمقها سطحية فإن «الليبرالية الإسلامية» تعني .. السماح للمرأة بقيادة السيارة، وإلغاء «هيئة الأمر بالمعروف»، وإلغاء الحجاب، وإصلاح مناهج التعليم، بمعنى انها لا تستند إلى رؤية عميقة، فضلاً عن أنها ليست أصيلة، وهي في أحسن الأحوال استجابة مجانية للحملة الأميركية على ما يسمى «الإرهاب الإسلامي»!! منطق “بوليسي” متماسك لا غبار عليه.
ولا بأس، هنا، أن نضيف (من خارج مقال الشريان) أن فتوى الفوزان، الذي يدافع عنه الشريان، أثارت حنقاَ شعبياً وبدأت تثير تخوّفات من تصفيات قريبة. وأنها ترافقت مع تصريح سعد البريك (الذي ناوشه قينان الغامدي) بأن بعض الليبراليين يدفع لهم من السفارات. ثم تأكيد سيدة الأعمال حصة العون بأن إحدى السفارات رشتها بالمال. وهذا كله، بدون أن ننسى أن أسامة بن لادن كان قد شنّ هجوماً عنيفاً على الليبراليين في آخر تسجيل له قبل أكثر من سنة، وسمّى بعضهم، و”استحلّ دمهم”.
*
وزير العمل والشؤون الإجتماعية في لبنان مصاب بالذهول أمام نظرية “ولاية الفقيه”، التي يعتبرها كثيرون شكلاً من أشكال ما يسمّى “الإستبداد الشرقي”، الذي لا بدّ أن الوزير المثقف قرأ عنه، ويعتبرها هو ” نقلة نوعية في الفقه السياسي”. والخشية هي أن يطبّق هذه “النقلة النوعية” على قوانين العمل المتقدّمة في لبنان، فيعمل على إلغائها إستناداً إلى مبدأ “العدالة” المتحقّق في الولي الفقيه.
وزير العمل (المستقيل)، طراد حمادة، يستند إلى “دراسة المظاهر المتعددة لتطبيقات نظرية ولاية الفقيه في الجمهورية الاسلامية في ايران خلال العقود الثلاثة الماضية”، ويخلص من هذه الدراسة “الفينومينولوجية” إلى أن:
” ولاية الفقيه… تمكن من إقامة دولة عصرية تتمتع بدستور يقر حق المواطنية وتحفظ حقوق المواطن في ادارة مستقلة ويجري تداول السلطة فيها بطريقة سلمية وديموقراطية، وتشكيل منظمات سياسية حديثة، وهي تعصم من السلفية اذ تعترف بحقوق الآخر وحقه في التعبير السياسي، وتنفتح على تأوج العلوم العصرية وعلى الحداثة، وتبادل المصالح والقيم في عالم تسوده القيم الانسانية العليا، وتمنح العقل دوره في توجيه المواقف الانسانية، وتجعل من الحرب استثناء القاعدة ومن السلام غايتها، وتقيم الاجتماع الانساني على أساس التعاون والتعارف والتحاب”.
وقبل ذلك، هذا التعبير “الهيغلي” حول “ضميمته”:
“من اولى فوائدها ايجاد جامع مشترك بين النظريات الاجتهادية حول ولاية الفقيه، وولاية الامة على نفسها وتطبيق مبدأ الشورى، بحيث تبدو هذه النظريات كمجموعة انهر تلتقي لتشكل نهرا كبيرا دافقا بينابيع الفكر والحياة وكذلك الملاءمة الخلاقة بين السياسة الشرعية وواقعية بناء دولة كمظهر من مظاهر تأوج العقل في الساحة التاريخية للاجتماع الإنساني”.
هكذا: “تأوّج العقل في الساحة التاريخية للإجتماع الإنساني”!! تسقط “الماغنا كارتا”، عاش “الباسداران” و”الباسيج”.
في ما يلي روائع الشريان وحمادة لمتعة قرّاء “الشفّاف” في “الويك إند” (تعبير “ليبرالي”).
***
ضميمة في نظرية ولاية الفقيه
طراد حمادة
كنت ولا أزال من القائلين ان نظرية ولاية الفقيه تمثل نقلة نوعية في الفقه السياسي عند المسلمين الشيعة وذلك من نواح عديدة اهمها الجوانب التالية:
ـ نظرة متقدمة الى معنى غيبة الامام، باعتبار هذه الغيبة حضورا وقياما فينا، وعليه فإن الحاضر القائم أصلا، والغائب اعتبارا، هو امام العصر والزمان، ومركز الولاية، وحجة الله على خلقه، وهي نظرة من اصول المذهب الشيعي الامامي، وتندرج مباحثها في الإلهيات وليس في غيرها. اي في المكان التي تبحث فيه مسائل اصول الدين كالتوحيد والنبوة والمعاد، يضاف اليها العدل والإمامة، العدل مرتبط بالتوحيد والإمامة مرتبطة بمبحث النبوة. وقد التزم الامام الخميني هذه الاصول في اجتهاده الفقهي حول ولاية الفقيه، حتى ذهب بعض الفضلاء من اهل الحوزة الى البحث عن المباني الكلامية لولاية الفقيه وعدم اقتصار النظر فيها على مبحث اقسام الفقه ومشتقاته في العبادات والمعاملات، ولا يعني ادراجها في مباحث الكلام اعتبارها من اصول المذهب، بل تبقى على ما هي في الواقع اجتهادا فقهيا في مجال السلطة والحاكمية في زمن الغيبة. واستفاد الامام الخميني، بصفته عارفا، من نظريات العرفان الشيعي حول الامامة والولاية، وله في هذا الباب مؤلفات مشهورة يلزم العودة اليها عند البحث في نظرية ولاية الفقيه، وعدم الاقتصار على رسالته الخاصة بهذا الباب وعنوانها ولاية الفقيه والحكومة الاسلامية. ان فهم هذه النظرية عند صاحبها الامام الخميني لا يدرك الا من خلال فلسفته العامة، وقد درج كثير من الفلاسفة المسلمين على تخصيص مبحث معين برسالة مفردة، لكن الاحاطة بالنواحي الكاملة للمبحث تكون في النظر في سياق الفلسفة العامة، الى جانب الرسالة الخاصة، كما هو موضوع النفس عند ابن سينا المبثوث في كافة نظامه الفلسفي الى جانب رسالته في النفس الناطقة وقصصه الرمزية وسواها من مؤلفات الشيخ على سبيل المثال لا الحصر.
ـ الجانب الثاني في هذا المبحث يتعلق بالمعنى المقصود من الفقيه في الاسلام، ودور الفقيه في الاسلام، ودور الفقيه في الحياة العامة، وإذا كان هذا الأمر من الدقة والاتساع عند أصحاب الاختصاص من الفقهاء، فإن ما يلفت الباحث في الفلسفة الاسلامية حياله أمران:
ـ المعنى العام للفقيه المستفاد من آية النفر القرآنية «فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين وليُنذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون» (التوبة 122) وتحدد هذه الآية الكريمة دوره في تحصيل العلم الشرعي لاستنباط الاحكام من مصادرها والانذار، بمعنى التبليغ والتنبيه والهداية، والكشف عن الاحكام الشرعية، ومعرفة الحلال والحرام وهو الدور التقليدي للفقيه في الاسلام، والأمر واحد في هذا الباب، عند الشيعة، كما هو عند اهل السنة بكافة مذاهبها. وكذلك آية السؤال وهي في قوله تعالى (فاسألوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون) (الانبياء 7) فإنها تدل على وجوب السؤال، ومن الواضح انه لا يجب السؤال إلا اذا كان الجواب حجة، ولذلك ذهبت تفسيرات ان كل من له علم بالنبوة والولاية والاحكام الإلهية فهو من أهل الذكر (راجع فقه الشيعة للسيد محمد الخلالي ج1 باب الاجتهاد والتقليد).
ـ الأمر الثاني هو (ولاية الفقيه) وهنا نجد اجتهادين بين الولاية الخاصة والولاية العامة وهي مشروحة بتفاصيل مكررة عند اهل العلم من الفقهاء، لكن ولاية الفقيه باعتبارها نيابة عن الامام، تمثل ساحة الجهاد الاساسية، من اعتبار ما للامام محققا للفقيه، وكذلك توجد خصامات ومجادلات في هذا السبب، لعلها موضع الاهتمام والجدل. ولقد كنت دائم الاهتمام بهذا الأمر من باب اشتغالي الفلسفي في مباحث الإلهيات، ثم من باب البحث العلمي، وواجب امعان النظر وبذل الجهد للوصول الى الحقيقة اليقينية، التي يطمئن اليها القلب على المستوى الذاتي ووجدت في معرض البحث مخرجا، من خلال اشتغالي على كتابة فينومينولوجيا ـ غير هيغيلية ـ للروح، في باب ولاية الامر للفقيه، او ادارة السياسة الشرعية في الاسلام وذلك من خلال اجراء مقارنة بسيطة بين الشروط الواجب تحققها في الامامة والشروط الواجب تحققها في الفقيه، وهذه المقابلة او المقارنة، تسمح بتقديم رؤية مضافة الى ولاية الفقيه دون الوقوع على نتائج الجدل وما تثيره من خصومات في باب الاجتهاد المفتوح عند الشيعة للوصول الى أجوبة جديدة على الاسئلة المتغيرة في حركة الزمان والمكان. وإذا كانت هذه الاجوبة ذات ابعاد تقنية في علم الفقه، فإنني لا أدخل هذا الباب لانني لست من المشتغلين فيه، لكن الدخول إليه، يقوم على الاستعانة بالفلسفة في باب الفقه، وكنت قد ذكرت في المقالة ان هذا الباب ألصق بالإلهيات وعلم الكلام (علم اصول الدين) منه بالفقهيات بالمعنى الحصري لهذا العلم الشريف.
من شروط الامامة المشهورة:
1ـ الذكورة 2ـ طيب المولد 3ـ الحياة 4ـ العلم
5ـ العصمة
وعليه، يجب توفر مشابهة او مقابلة عند الولي الفقيه لتتحقق له «نيابة الامام» في زمن الغيبة.
وقد وضع الفقهاء هذه الشروط المقابلة وفق الجدول التالي:
1ـ الذكورة 2ـ طيب المولد 3ـ العلم 4ـ الحياة
5ـ العصمة
1ـ الذكورة 2ـ طيب المولد 3ـ العلم 4ـ الحياة
5ـ العدالة.
ما يهمنا في هذه الشروط المتقابلة الثلاث الأخيرة منها.
انه مقابل شرط العلم عند الامام يوجد شرط العلم عند الولي الفقيه لكن علم الامام يتصف باعتباره علما لدنيا نبويا، فيما علم الولي الفقيه هو علم كسبي إرثي.
علم كسبي يتحقق بالاجتهاد، ومن ثم باشتراط الاعلمية في موضع المرجعية والولاية، وعلم ارثي باعتبار العلماء ورثة الانبياء، اي انه يتصل بالعلم النبوي من خلال اشتغاله الطويل على الكتاب الكريم والسنة المطهرة. لكن الفارق البيّن بين العلمين، يقوم على اعتبار علم الامام نصا مقدسا فيما علم الفقيه، علم متصل بفهم النص المقدس واستنطاقه. والبحوث في هذا المجال، تتسع لتنفتح على اجتهادات عدة من بينها قابلية علم الفقيه للنقد من قبل فقهاء آخرين، يستنطقون بدورهم النص. وهذا الامر مفتوح على نقاشات علم الكلام الجديد على موضوعة النص ونقده، ودور المتلقي في فهمه، وتعيين القبول بتعدد القراءات للنص، الامر الذي يعني تعدد المعرفة الدينية، وقبولها للاختلاف، وقابليتها للنقد، والذي نجده مفصلا في حوارات المشهد الثقافي الاسلامي في ايران في الكتابات المتلاحقة حول فلسفة الدين وعلم الكلام الجديد.
مقابل شرط الحياة عند الامام، والذي يعني ان الامام المهدي، الثاني عشر عند الشيعة، حي قائم وموجود، وهو ما أثرناه في مقدمة المقالة وعليه لا يمكن ان ينوب عن الامام الحي القائم والموجود والحاضر الا ولي فقيه على قيد الحياة لانه لا يمكن وكالة الميت عن الحي حتى في القانون الوضعي، وهذا يعني ان ولاية الفقيه تندفع الى تحقيق المسائل التالية:
1) مرافقة حركة الزمان والمكان، او حركة العقل في الوجود الواقعي، وقبول المتغيرات والمسائل المستحدثة، من خلال عملية الاجتهاد نفسها، المرتبطة بحركة المكان والزمان، وحركة الافكار، في الساحة التاريخية للانسان لا يكون ولي الفقيه بشرط الحياة، الا محيطا بظروف عصره، ومستوى التأوج العلمي والمعرفي فيها، وهذا الأمر كان الامام الخميني نفسه قد لحظه في رسالة له، مثلت خطوة جريئة اخرى، في ربط حركة الفقه في الحياة. ان جدلية العلاقة بين الفقه والواقع، تقوم على تبادل الانتقال من الواقع الى الفكر ومن الفكر الى الواقع فلا يبقى الفقه مقتصرا على استنباط الاحكام وفق المنطق الصوري القائم على محاكمة القول على القول بالقول، بل ينتقل الى منطق جدلي آخر، يربط الفكر بحركة الواقع، متابعا يقظا لكل المتغيرات المعرفية التي لا تتوقف عن الحركة، ما دامت الحياة، في حركتها الدائبة والمستمرة.
2) يمنع شرط الحياة، في التفسير المعطى له، الوقوع في فخ السلفية، او الفكر السلفي وإذا كان الاجتهاد يتضمن ابعاد السلفية، فإن شرط الحياة في الولي الفقيه، ينفي بدوره هذه السلفية بشكل صريح، فلا يمكن القبول بقيادة السلف، للحياة الراهنة وإن كانت الاستفادة من السلف الصالح امرا مقبولا ومطلوبا، ولكن بحدود الاستفادة، في موردها المحدد. ولعل الفقه الاسلامي الشيعي، تنبه الى هذه المسألة من ناحية عدم قبوله بتقليد الميت ابتداء، ومن ناحية ضرورة عودة المقلد الى مرجع حي في الأمور المستحدثة اذا استمر على تقليد المرجع المتوفى بل ان شرط الحياة في الولي الفقيه يلزم على ما اعتقد المكلف اتباع ولاية الامر، عند المرجع والولي المتمتع بشرط الحياة فإذا كان تقليد الميت ابتداء امرا غير جائز فإن اتباع الولي الفقيه الحي أمر واجب على المكلف، بصرف النظر عن مسألة التقليد المرجعي، وهذه ناحية جديرة بالاهتمام باعتبارها واحدة من مشتقات القول بولاية الفقيه العملية.
مقابل شرط العصمة المتحققة بالامام المعصوم، يوجد شرط العدالة عند الولي الفقيه، وهو الشرط الوحيد الذي يتمايز فيه جدول المقارنة، وفيه يكمن بيت القصيد في هذه الضميمة، والتي تضع العدالة في مقابل العصمة والتي تعني ان العدالة يجب ان تكون من الرسوخ والتحقق ما يجعلها جديرة بأن تكون الملكة المتحققة في الولي الفقيه، مقابل النعمة الإلهية المتحققة عند الإمام.
ويذهب الفقهاء الى اعتبار العدالة:
1ـ ملكة نفسية
2ـ العدالة من صفات الفعل لا النفس.
لتحقق العدالة كملكة نفسية شروط معروفة، يجدها الباحث في كتب الفقه لكن لتحقق العدالة كصفة من صفات الفعل لا النفس يلزم اجتماع شروط واقعية تنقل مفهوم العدالة من هويته الصورية، كملكة نفسية الى هويته الوجودية، كفعل متحقق في ساحة الوجود. انها النقلة الكبيرة التي تدفع حركة ولاية الفقيه الى اصلها العملي باعتبارها ولاية امر، او الى اعتبارها ممارسة واقعية لسلطة ولي الفقيه العملية ولشروط هذه السلطة وحدودها ليس بالمعنى الصوري الماهوي لمفهوم العدالة بل بالمعنى الواقعي الوجودي كسلطة واقعية متحققة في ساحة الوجود وظاهرة فيه، كمظاهر شتى من الحكم والسياسة الى الحقوق والواجبات الى الاخلاق والفن والعلوم وكافة نواحي الحياة المتعددة. وإذا حققنا في مفهوم العدالة الفلسفي كمقولة فعل نجدها تدخل في باب تحققها الوجودي في الساحة الانسانية، من جمهورية افلاطون الى مدينة الفارابي الى مفهوم الدولة في ظواهرية الروح عند هيغل. وإذا اردنا تطبيق العدالة في الساحة السياسية على سبيل المثال، فإنه يلزم للفقيه الولي دراسة السياسة في هذا الموقع كعلم لذاته، يكتسب صفة العدالة من خلال مقاييس علم السياسة في المرحلة التاريخية الراهنة وفي هذا المجال لا تغدو العدالة كملكة نفسية هي الضامنة لتحقيق العدالة كمقولة فعل في الساحة السياسية، بقدر ما يلزم الاهتمام الى المظاهر الفينومينولوجية التي تكشف العدالة في السياسة فيها عن نفسها، وفق النظر الى السياسة في هذا المحل كعلم قائم بذاته. ولنقل ان العدالة في السياسة في هذا العصر تتحقق من خلال ممارسة قيم من نوع الديموقراطية والحرية والمساواة والتعددية والحوار والتبادل والاعتراف بالآخر وتوفير الانتاج وتأمين فرص العمل وبناء السلطات الدستورية والفصل بين السلطات وحرية الرأي والتعبير واحترام حقوق الانسان وحرية المرأة… الخ فإن صفة العدالة عند الولي الفقيه تظهر في اشكالها الواقعية من خلال مظاهر هذه القيم والعمل فيها وتكون هذه المظاهر هي الضامنة الواقعية لفعل العدالة الواقعي. وهي قابلة للشروط الفقهية المعتبرة في ضمان العدالة كملكة نفسية عند الفقيه العادل وإذا أردنا إيجاد مرتكز ميتافيزيقي لهذا الرأي نقول ان الحكمة الإلهية تتجلى من خلال السنن الإلهية في الساحات الكونية المتعددة وإن هذه السنن تتحرك وفق قوانينها الخاصة ولا نجد فيها لسنة الله تبديلا. وليس في هذا الامر جبرية كان قد اشار اليها الغزالي في معرض نقده لأهل الاختيار لكن فيها حرية وإرادة متحققة في الحكمة الإلهية المطلقة. وعليه يكون تحقيق العدالة باعتبارها مقولة فعل من خلال النظر اليها في خصوصيات مساحاتها كعلم يدرس لذاته في كل ساحة من هذه الساحات ليس فيها تقييد من سلطة ولاية الفقيه بقدر ما تبدو تحققا وجوديا بهذه السلطة عبر مؤسسات الاجتماع الانساني والقواعد التي تسيّر عمل هذه المؤسسات في موضوعاتها ومناهجها وتقنياتها التي باتت القول الفصل في تعريف العلوم واستقلالها. وهذا يعني على المستوى العملي ان ولاية الفقيه هي الضامن الشرعي لسلطات تتكون في الاجتماع الانساني وفق قوانينها الخاصة، ويصير بالامكان بناء دولة ذات مواصفات عصرية بمعنى انتمائها لعصرها تتجلى بكامل المواصفات الشرعية للدولة الاصلاحية ولهذه الدولة ان تستفيد من العلوم في تأوجها المعرفي، لبناء سياستها واقتصادها وسلّم قيمها المتحرك.
ان دراسة المظاهر المتعددة لتطبيقات نظرية ولاية الفقيه في الجمهورية الاسلامية في ايران خلال العقود الثلاثة الماضية كفيلة بتقديم مصداق واقعي على ما نذهب اليه في هذه الضميمة فلا نعود ننظر في ولاية الفقيه كنظرية مجردة عن تطبيقاتها العملية بل نذهب الى اكتساب نظرية مضافة (هي صلب هذه الضميمة) مستفادة من التطبيقات العملية لهذه النظرية في الدولة الاسلامية ولا يعود الباحث مطالبا في النظر في ولاية الفقيه في مبانيها النظرية وحسب (وهو مناط الجدل الراهن حولها) بقدر ما يتسع هذا النظر الى الساحة التطبيقية لهذه النظرية وتجربتها العملية في بناء الدولة والاستفادة من هذه التجربة نظريات مضافة تحقق قفزات جديدة على صعيد النظرية ومصداقها في الوجود الواقعي، وربما يكون من اولى فوائدها ايجاد جامع مشترك بين النظريات الاجتهادية حول ولاية الفقيه، وولاية الامة على نفسها وتطبيق مبدأ الشورى، بحيث تبدو هذه النظريات كمجموعة انهر تلتقي لتشكل نهرا كبيرا دافقا بينابيع الفكر والحياة وكذلك الملاءمة الخلاقة بين السياسة الشرعية وواقعية بناء دولة كمظهر من مظاهر تأوج العقل في الساحة التاريخية للاجتماع الإنساني.
ان هدف هذه الضميمة، هو تقديم الدليل العقلي، ان ولاية الفقيه، كنظرية في الحكم عند المسلمين الشيعة، تمثل تطورا متقدما في الفقه السياسي الشيعي، وتمكن من إقامة دولة عصرية تتمتع بدستور يقر حق المواطنية وتحفظ حقوق المواطن في ادارة مستقلة ويجري تداول السلطة فيها بطريقة سلمية وديموقراطية، وتشكيل منظمات سياسية حديثة، وهي تعصم من السلفية اذ تعترف بحقوق الآخر وحقه في التعبير السياسي، وتنفتح على تأوج العلوم العصرية وعلى الحداثة، وتبادل المصالح والقيم في عالم تسوده القيم الانسانية العليا، وتمنح العقل دوره في توجيه المواقف الانسانية، وتجعل من الحرب استثناء القاعدة ومن السلام غايتها، وتقيم الاجتماع الانساني على أساس التعاون والتعارف والتحاب…
إننا إذاً ندعو الى توجيه البحث هذه الناحية من الجدل الخلاق. نقدم هذه الضميمة كمشروع للحوار، يفتح النظر على البحث في جدل الفكر والواقع من خلال اشتغالنا على مشروع كتابة فينومينولوجيا غير هيغلية ـ للروح ـ والمقالة هنا تأسيسية ومفتوحة على مساهمات اهل المعرفة والاختصاص في ابوابها العلمية المختلفة.
([) وزير العمل المستقيل في الحكومة اللبنانية
نقلاً عن “السفير”
http://www.assafir.com/Article.aspx?EditionId=686&ChannelId=15145&ArticleId=1068
***
الإرهاب الليبرالي
داود الشريان
الحياة – 10/07/07//
سئل الشيخ صالح بن فوزان الفوزان عضو هيئة كبار العلماء في السعودية عن حكم الدعوة الى الليبرالية التي تفرغ الاسلام من قواعده الأساسية ليتوافق مع المفاهيم والقيم الغربية، تحت مسمى «الإسلام الليبرالي» أو «الاسلام المدني»، فكان جواب الشيخ ان المسلم الذي «يريد الحرية التي لا ضابط لها إلا القانون الوضعي هذا متمرد على شرع الله يريد حكم الجاهلية وحكم الطاغوت، فلا يكون مسلماً». فانبرت أقلام صحافية للتنديد بإجابة الشيخ صالح، واعتبرت تكفيره لليبرالية، التي تؤمن بكل او بعض مفاهيم العلمانية كأساس فكري لها، جزءاً من حملة التكفير التي يواجهها المجتمع من بعض التيارات المتشددة، مما اضطر الشيخ الى نشر توضيح لموقفه قال فيه: «ثارت ضجة من بعض الناس وصنفوا هذا الجواب على منهج من يسمونهم بالتكفيريين الذين يكفرون الناس بغير حق على طريقة الخوارج الضلال، ونزلوه على أناس لم أقصدهم وإنما قصدت الإجابة على السؤال فقط، لأن ما ذكر فيه هو من نواقض الإسلام المعروفة عند أهل العلم، فأنا – والحمد لله – لم أبتدع قولاً من عندي، وأبرأ إلى الله من تكفير الأبرياء أو التكفير على غير الضوابط الشرعية …».
لا شك في ان الاهتمام المتزايد في السنوات الخمس الأخيرة بما يسمى بـ «الليبرالية الإسلامية» جاء استجابة لتقرير الباحثة شيريل بينارد، التي تعمل في قسم الأمن القومي بمؤسسة «راند» الأميركية، الصادر عام 2003 بعنوان «الإسلام المدني الديموقراطي .. الشركاء والموارد الاستراتيجية»، والذي كان من بين أهدافه مساعدة صانع القرار الأميركي والأوروبي في التدخل عملياً لتهميش التيارات الإسلامية المعادية للقيم الأميركية والغربية، وتطوير «اسلام ليبرالي» يكون مدخلاً لتطوير ممارسة ما يسمى بـ «الديموقراطية» التي بدأ تنفيذها في العراق، من خلال دعم التيارات العلمانية، وتمكينها من المشاركة في السلطة. لكن الاستجابة الجديدة لبلورة وتطوير ما يسمى «الإسلام المدني الديموقراطي» في السعودية ودول الخليج اتسمت بالسطحية، حتى لا نقول السذاجة، فهي لم تلجأ مثلاً الى بناء مفاهيم جديدة تحمل اطاراً اسلامياً وتستند الى مضمون انتقائي لليبرالية الغربية، يمكن الحوار حوله، مثلما حدث في بيئات عربية وإسلامية أخرى سبقت منطقة الخليج في هذه القضية، كمصر وتركيا مثلاً، التي شهدت محاولات، وصفها بعضهم بالمزيفة، للمصالحة بين الإسلام والعلمانية، تحت شعار الليبرالية، أو الإسلام المدني. لكن تلك المحاولات بقيت تراوح في أروقة النخب الفكرية والسياسية، ولم تستطع تحقيق هدفها والوصول إلى الناس، رغم اعتمادها على التأصيل والعمق، لأنها ببساطة تنطوي على تناقض صارخ، وتعتمد أسلوب المساومة على مبادئ الإسلام. أما المحاولات في السعودية ودول الخليج لبلورة تيار ما يسمى «الإسلام الليبرالي» فانطلقت من فكرة أن «الليبرالية» مجرد كلمة مرادفة للوسطية أو التسامح، أو العصرنة والتجديد، وفي أكثر التفسيرات عمقاً فصل الدين عن الدولة، استناداً الى مقولة «إن الإسلام دين وأمة، وليس ديناً ودولة» وفي أعمقها سطحية فإن «الليبرالية الإسلامية» تعني عند هؤلاء السماح للمرأة بقيادة السيارة، وإلغاء «هيئة الأمر بالمعروف»، وإلغاء الحجاب، وإصلاح مناهج التعليم، بمعنى انها لا تستند إلى رؤية عميقة، فضلاً عن أنها ليست أصيلة، وهي في أحسن الأحوال استجابة مجانية للحملة الأميركية على ما يسمى «الإرهاب الإسلامي» التي تسعى إلى تذويب المبادئ الإسلامية ومناهضة المرجعية التشريعية المستمدة من الإسلام، وتوظيف كل ذلك لتبرير الهجوم على المنطقة وأنظمتها السياسية والاجتماعية، باسم نشر الديموقراطية وحقوق الإنسان!
الأكيد أن الشيخ صالح الفوزان لم يكن مضطراً لشرح رأيه المبني على موقف الإسلام، لكن الساحة العربية والإسلامية أصبحت تواجه إرهاباً ليبرالياً لا يقل تشدداً وشراسة ورفضاً للرأي الآخر عن ذلك الإرهاب الفكري المتشح بالدين. فلجوء الشيخ الى كتابة توضيح دليل على اننا نعاني تطرفاً مضاداً، وطالما استمر ما يسمى بالتيار الليبرالي الإسلامي في التعامل مع مسألة القيم الدينية والاجتماعية بهذا الاستخفاف والتبسيط، فإن لغة العنف ستشهد نمواً هائلاً في المرحلة المقبلة.
http://www.daralhayat.com/opinion/07-2007/Item-20070710-b111794c-c0a8-10ed-01bc-59aaec618026/story.html
“الساق على الساق” في ما بين وزير العمل اللبناني والسعودي داود الشريان من إتفاق
تحياتي لك داود الشريان كاتب محبط واجه فشلا ذريعا على عدة أصعدة ، وصار حسب ما يقول اخوتنا المصريون لا هنا ولا هناك ، الموضة التي يمارسها بعض الأدعياء في بلادنا هو التقرب من الرموز الدينية المتخلفة أملا في نيل البركة والتزكية عند الرغبة في نيل منصب أو ما شابه هؤلا منافقون ومتاجرون وعار على الكتابة والشرف الصحفي . فعلا إذا لم ةستح فأفعل ما شئت .
“الساق على الساق” في ما بين وزير العمل اللبناني والسعودي داود الشريان من إتفاقنحن نعاني من مرض استخدام المصطلحات في غير مكانها ونسمع في هذه الايام وصفا غريبا جدا ويثير الضحك وهو مصطلح “الارهاب الليبرالي” ولست أدري ماذا يعنوا بذلك المصطلح هل يعنوا بذلك أن الفكر الليبرالي يدعوا الى التفجير والتفخيخ وقتل الأبرياء والعمل للانقلاب ضد الدولة ،وعلى الرغم أن الاعمال الارهابية التي حدثت في السنوات الأخيرة كان منفذوها قد تأثروا بمنظمومة فكرية تستمد مصادرها من الكتاب والسنة والتراث السلفي ولكن لا يرضى رجال الدين بمصطلح “الارهاب الاسلامي”بدعوى أن الاسلام براء من ذلك فإذا أليس من العدالة معاملة المثل بالمثل… قراءة المزيد ..
“الساق على الساق” في ما بين وزير العمل اللبناني والسعودي داود الشريان من إتفاقIt is sickening to see KSA that unable to aquire the minimum degree of modernity and civilization. Allowing women to drive, unifying the male & female classes at all Saudi universities, appointing female ministers , abolishing most of the current Islamic/Wahhabi institutions are less than 10% of what it is required from the partially willing but entirely unable Saudi King. Backward fellows such as Al Shuryian are the ones who may lead KSA to a war with the civilized world that might be the only method to… قراءة المزيد ..