أجرت قناة الـ«بي بي سي» تحقيقاً كشفت فيه الغطاء عن عالم خفي من الاعتداء والاستغلال الجنسي من قبل رجال يعملون «معالجين روحيين»، أو «الشفاء بطرق الرقية»، وهي ممارسة شائعة في العالمين العربي والإسلامي، خصوصاً بين الطبقات الفقيرة وغير المتعلمة، ومعظم الضحايا طبعاً من النساء، الأكثر ميلاً إلى الاعتقاد أنه بإمكان البعض حل مشكلاتهن وعلاج أمراضهن، وطرد الأرواح الشريرة من أجسادهن.
هذا النوع من العلاج الديني أو الروحاني ليس بالأمر الجديد، فقد مارسه رجال الدين المنتمون إلى مختلف الأديان، ومنذ آلاف السنين، شرقاً وغرباً.
***
بينت الشهادات والإفادات التي جمعتها القناة، من إفادات 85 امرأة، على مدى أكثر من عام، تسمية 65 من المعالجين في المغرب والسودان، حيث تنتشر فيهما هذه الممارسات، وقد أمضى محققو القناة شهوراً في التحدّث إلى منظمات غير حكومية وموظفي محاكم ومحامين ونساء، لجمع والتحقق من مختلف قصص الانتهاك.
تقول إحداهن إنها أصيبت باكتئاب، فزارت معالجاً روحياً في بلدة قريبة من الدار، عندما كانت في منتصف العشرينيات من عمرها، وإن المعالج أخبرها بأن الاكتئاب سببه «الجن» الذي امتلكها. وطلب منها، وهما على انفراد، بأن تشم المسك، لكنه كان نوعاً من المخدر، الذي أفقدها وعيها، واعتدى عليها وهي «بنت». وأخبرها المعالج بأن ما قام به كان الأسلوب الوحيد لإخراج الجن منها. واكتشفت بعد بضعة أسابيع أنها حامل، فأصيبت بانهيار تام وفكرت في الانتحار، وعندما أخبرت الراقي أو المعالج بالحمل أجاب بأن الجن هو الذي حملها!
وقالت القناة إن العديد من النساء اللاتي تحدثت إليهن كنّ يخشين إلقاء اللوم عليهن، إذا أبلغن عن إساءة معاملتهن، وبالتالي فإن قلة أبلغن أسرهن، ناهيك عن الشرطة، بما جرى لهن. كما قال البعض منهن إن الإبلاغ عما حدث قد يدفع الجن إلى الانتقام منهن.
في السودان، أخبرتنا امرأة تدعى سوسن أن زوجها غادرها للعيش مع زوجة ثانية، فوجدت نفسها في حيرة، وطلبت المساعدة من معالج، واعتقدت أنه سيعطيها العلاج، لكنه فاجأها بطلب ممارسة الجنس معها، وأن يستخدم «سوائل الجسم» لعمل جرعة تطعمها لزوجها ليعود لها! وطلب منها كتمان السر، لكنها رفضت الفكرة وغادرت.
كما تبيّن، من التحدث مع 50 امرأة سودانية عن تجاربهن، تعرضهن للإساءة على يد رجل دين معروف، ذكر في التحقيق اسمه وصورته، وبسبب عدم توافر أدلة على كلامهن، فقد تبرعت موظفة في القناة للتظاهر بأنها بحاجة إلى العلاج، فقال لها المعالج إنه سيصلي عليها، وأعد لها قنينة من «الماء الشافي»، المعروف باسم «المحيا»، لتأخذه إلى المنزل وتشرب منه، ثم اقترب منها، ووضع يده على بطنها، فعنفته وهربت مرعوبة. وعند مواجهة رجل الدين بالأمر أنهى المقابلة فوراً.
***
إن النساء في مجتمعاتنا معرضات للظلم بشكل واسع، وبحاجة أكثر من غيرهن لتوعية مكثفة من هذه المخاطر، ومناهج المدارس تفتقر إلى هذا النوع من التوعية، ربما بسبب الجانب الديني للموضوع. فما يوجد في المغرب والسودان ومصر وغيرها، يوجد ما يماثله لدينا، وإن بصورة أقل انتشاراً، وقد سمعت قصص استغلال عديدة، كما تعرّض البعض لإصابات وعاهات، وأحياناً للموت على أيدي هؤلاء المعالجين المشعوذين، وقصص بعضهم معروفة، وتم تداولها في المحاكم.
a.alsarraf@alqabas.com.kw