العلماني مصطفى كمال “أتاتورك” كان ديكتاتورياً أيضاً، ولكنه لم يعش في عصر القنوات التلفزيونية والإنترنيت و”اليوتيوب”!
ما يلفت في سلوك إردوغان، الخارج منتصراً من آخر إنتخابات عامة بفضل الإداء الإقتصادي لحكومته، هو أنه بات “عصبيّاً” و”استبدادي السلوك والمزاج” منذ انكشاف فضائح وزرائه، وإبنه، وعلاقاتهم المشينة برجل أعمال إيراني تابع للحرس الثوري!
في أي حال، إردوغان سيصل إلى رئاسة الجمهورية التركية على الأرجح، وسيضع عبدالله غول على الرف! ولكن ذلك قد يكون فرصة عبدالله غول، الذي كسب احترام حتى معارضي حزبه، للتحوّل إلى “مرجعية سياسية” وربما للعودة إلى الحكم بعد مرحلة إردوغان! قوة عبدالله غول هو أنه يرفض أن يلعب، في تركيا، لعبة “بوتين-ميدفيديف” في موسكو!
هنالك شيء “شكسبيري”، من مسرحية “ماكبث”، في سلوك إردوغان في الأشهر الأخيرة! “ماكبث” كان يحاول إخفاء “جريمة” اغتياله لملكه! فهل تلاحق إردوغان جريمة مشروع اغتيال الديمقراطية التركية؟
*
سجّل التلفزيون التركي مباشرةً على الهواء مشهد مقاطعة رئيس حكومة تركيا رجب طيّب إردوغان لنقيب المحامين متين فايز اوغلو، واتهامه بـ”الوقاحة” و”الكذب”، قبل أن ينسحب خارجاً من قاعة الإحتفال بالذكرى الـ146 لتأسيس مجلس الدولة التركي. ولا يحتاج قارئ “الشفاف” إلى معرفة اللغة التركية لمتابعة “عصبيّة” رئيس الحكومة التركي وهو يتابع خطاب نقيب المحامين، وحوله رئيس الأركان ورئيس الجمهورية عبدالله غول الذي سعى لتهدئته بدون جدوى.
وكانت خطيئة نقيب المحامين الشاب هو أنه انتقد إداء حكومة إردوغان التي لم تؤمن مأوى لبعض الناجين من زلزال “فان” الذي ضرب تركيا في العام 2011، زاعماُ أن بعضهم ما يزال يعيش في “كونتينرات”.
وبعد أن فشل عبدالله غول في تهدئته، صرخ إردوغان في الخطيب قائلاً: “ما تقوله ليس صحيحاً”. ورد عليه نقيب المحامين قائلاً: “ما هو غير الصحيح الذي قلته سيدي رئيس الحكومة”؟ فرد إردوغان: “هذا النوع من الوقاحة مستحيل”! فأجاب النقيب: “لست أنا من يتصرف بوقاحة، سيدي رئيس الوزراء”!
ثم نهض إردوغان من مقعده، وقاطع الخطيب قائلاً أن نقيب المحامين لا يملك “الحق القانوني” في الإدلاء بمثل هذه الأقوال، وأضاف أنه “لسوء الحظ، وبسبب القانون، فنحن مضطرون لإعطاء منبر للإدلاء بمثل هذه الأقوال. أنت تدلي بخطاب سياسي.. وكل ما قلته عن “فان” هو كذب”!
وبعد أن تدخّل عبدالله غول محاولاً تهدئة إردوغان، أجاب نقيب المحامين: “أنا لم أكن وقحاً، وأنا لا أملك الجرأة لأقول لأحد أنه وقح، سيدي رئيس الوزراء. كان خطابي توافقياً جداً”.
وبعد الحادثة، قال النقيب الشاب: “كان فحوى خطابي هو “لنتضامن جميعاً”. ولكن رئيس الحكومة نهض من مقعده وأدلى بتعليقات تجاوزت حدود الإحترام بأي مقياس”!
وسبق لإردوغان أن اصطدم برئيس المحكمة الدستورية في تركيا، وهو أعلى شخصية قضائية في الدولة، في الشهر الماضي، بعد أن طالب الحكومة بالعودة عن نزعتها التسلطية!