سوريا مهد لحضارات وأعراق وأديان ومذاهب مختلفة ومتنوعة، يشهد على ذلك تاريخها (الأقدم بين المناطق المأهولة). هي أرض جبلت على معنى التعايش والمحبة، احتضنت كل من لجأ إليها، ولم تعرف ـــ كما غيرها ـــ صراعات واقتتالات مذهبية أو طائفية. لكن اليوم ليس كالأمس، فبفضل نظام يلجأ إلى آخر ما تبقى له من حصون، بدأ يزرع الفتنة الطائفية والشقاق الديني بين أفراد الشعب السوري الواحد، وراح يخيف الجار من جاره، والصديق من صديقه، ويبث الرعب من المستقبل المجهول، معتبراً نفسه الملجأ الوحيد للأمان والاستقرار.
في نقاش مع صديق سوري مسيحي حول استياء الكثيرين من موقف معظم مسيحيي سوريا من الثورة، رد بكل بساطة: هل نلام؟ انظري إلى الهتافات والشعارات، هل سمعت بـ «العلوي على التابوت والمسيحي على بيروت»؟ قلت له: وهل تصدق تلك الخزعبلات التي يسوقها النظام كي يفرق بين فئات الشعب؟ قال: ومن أصدق؟ لنا في العراق ومصر أكبر مثال. قلت: لكن المجتمع السوري مختلف، ولطالما تبنى وقبل الآخر المختلف، ولن يتغير هذا الآن. قال: ومن يدري؟ اضمنوا لنا ألا يحصل لنا ما حصل لغيرنا من مسيحيي الشرق، اضمنوا لنا ألا نُهجّر، ولا تُحرق كنائسنا، ولا يُغتال قساوستنا، ولا نُجبر على انكار ديننا، عندها سنضع يدنا بيد الثوار. هل تعتقدون أننا فاقدو البصر والبصيرة؟ نحن فقط متخوفون من المقبل المبهم. هل أنتم متأكدون بأن سوريا ستكون دولة مدنية تعددية علمانية ترعى حقوق الجميع؟
للأسف كل الأنظمة الدكتاتورية تتساوى في الظلم وتساوي فيه، لا تُفرّق بين طائفة أو مذهب أو دين أو عرق، فهي تحتكر الظلم لنفسها، لهذا.. تظن الأقليات انها بحماية نظام دكتاتوري ستكون بأمان أو هكذا أقنعوها. ان المقبل المبهم يمثل هاجساً ليس بالنسبة للمسحيين فقط،، بل للكثير من الأقليات العرقية والدينية، جراء ما يبثه النظام من رعب ممنهج، لكن العقلاء من مسيحيي سوريا ودروزها وعلوييها وإسماعيلييها وأكرادها وتركمانها وأرمنها، حسموا أمرهم وقالوا كلمة حق ووقفوا مع الدم ومع مواطنتهم ومع إنسانيتهم قبل كل شيء. فبعد 3000 شهيد، بينهم ما لا يقل عن 100 طفل، لم يعد بالإمكان غض النظر عما يقترفه النظام بحق شعبه بكل أطيافه.
لا لدفن الرؤوس في الرمال. نعم هناك هواجس حقيقية ومشروعة، ويجب ان يسمح للناس بحق الخوف والتخوف. في المقابل على المثقفين والقياديين والثوار أن يبددوا المخاوف، وأن يشددوا على مدنية الثورة وعقلانيتها، وأن يصروا عبر ممارساتهم وشعاراتهم على تعددهم وتنوعهم، ولهم في المعارضين ميشيل كيلو «المسيحي» وعارف دليلة «العلوي» أفضل مثال. فلا بد من ثورة اجتماعية فكرية أولا تشجع الناس وتبدد شكوكهم وتخلصهم من موروثاتهم الصدئة، فالثورة الاجتماعية أهم من الثورة السياسية، وهي وحدها القادرة على تأسيس دولة مدنية وشعب واع. وليفهم الجميع ان سوريا ليست ملكا خاصا لأحد بل هي ملك للسوريين بمختلف أعراقهم واطيافهم وأديانهم ومذاهبهم.
d.moufti@gmail.com
* كاتبة كويتية
القبس
الخوف المشروع ألخوف والقلق والكراهية والجهل والارهاب ؛ صناعة أعرابية اسلامية بامتياز.نوافق الكاتبة تمنياتها، ونسأل متى كانت أرض سوريا وسواها من الجزيرة الأعرابية وبلاد المستعمرات الاسلامية؛متى جبلت على معنى التعايش والمحبة،وبأيّ كيفية احتضنت كل من (لجأ) اليها ،وكيف لم تعرف -كما غيرها-صراعات واقتتالات مذهبية أو طائفية ؛كيف وكيف؟..وحكاية أهل الكهف تشبه حال الشعب السوري وسواه من بلاد الأعراب ومستعمراتهم الاسلامية ؛شعوب تترنح تحت وطأة ضرب النعال والسياط وسكاكين تقطيع الأوصال والرقاب وحرارة الدم الملوث بالقهر والذل والاستعباد..متى كانت سوريا ومشاعب الأعراب الاسلامية بعيدة عن الفتن الطائفية والمذهبية والشقاقات الدينية بين أفراد وجماعات هذه الشعوب المتشعبة .متى كان لهذه الأنعام كرامة… قراءة المزيد ..