واشنطن – من هشام ملحم:
قال مسؤول اميركي بارز معني مباشرة بمنطقة الشرق الاوسط لـ”النهار” ان نتائج اجتماع جنيف بين ممثلي مجموعة 5+ 1 وايران في شأن البرنامج النووي الايراني، لم تكن مفاجئة، وان توقعات واشنطن من الاجتماع كانت متدنية “لاننا ندرك ان الاجتماع في ذاته هو الرسالة الموجهة الى الحكومة والشعب الايرانيين عن جديتنا وجدية طروحاتنا”.
وعلى رغم تأييد هذا المسؤول القوي للحوار مع ايران، الا انه شكك في حصول اي تغيير نوعي او ثابت في موقف الحكومة الايرانية من وقف تخصيب الاورانيوم، لاسباب عدة تبدأ باعتبارات ايرانية داخلية، وتنتهي بعملية الانتخابات الرئاسية الاميركية، اذ يرى بعض المسؤولين الايرانيين ان الوضع التفاوضي الايراني قد يتحسن مع مجيء رئيس اميركي جديد.
وستناقش وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس مع بعض نظرائها في مجلس التعاون الخليجي اليوم في ابوظبي محادثات جنيف، وسيتولى وكيل وزارة الخارجية للشؤون السياسية السفير وليم بيرنز اطلاع المجتمعين على اجواء اجتماع جنيف ومضمونه.
لكن المسؤول الاميركي اضاف ان اي تقليص للتوتر بين البلدين، وخصوصا اذا احرز تقدم في مجال التبادل الديبلوماسي واقامة شعبة برعاية مصالح كل من البلدين في واشنطن وطهران، وهوا مر محتمل قبل انتهاء ولاية الرئيس جورج بوش، ستكون له انعكاسات ايجابية في العراق وفي المنطقة، كما انه سيشيع مناخا افضل للرئيس الاميركي الجديد في تعامله مع ايران.
ولاحظ المسؤول بخيبة واضحة ان هذه المبادرة كان يجب ان تطرح قبل سنة او اكثر، في تأكيد جديد لعمق الخلافات والاجتهادات داخل الاجهزة الحكومية، وتحديداً بين وزارة الخارجية من جهة وبعض الشخصيات النافذة في البيت الابيض، وخصوصا نائب الرئيس ديك تشيني ومساعديه، وبعض المسؤولين في مجلس الامن القومي مثل آليوت ابرامز المسؤول عن قسم الشرق الاوسط في المجلس الذين كانوا، ولا يزالون، يعارضون اي انفتاح ديبلوماسي على ايران. وكان المسؤول واضحا في تأكيداته ان اجتماع جنيف “لم يلق الدعم في بعض الاوساط المعروفة، لكن الرئيس وافق على توصيات الوزيرة رايس في هذا الشأن”.
واكد هذا المسؤول وغيره من الذين تحدثت معهم “النهار” في الايام الاخيرة ان المشاورات بين وزارة الخارجية والبيت الابيض في شأن طريقة التعامل مع ايران كانت تتسم بالحدة وبقرارات محرجة للمسؤولين الكبار في وزارة الخارجية كان يتخذها البيت الابيض اعتباطيا. وفي احدى هذه المواجهات قال مسؤول بارز في وزارة الخارجية لمسؤولين نافذين في البيت الابيض باستياء واضح: “هل تريدون خافيير سولانا (الممثل الاعلى للسياسة الخارجية والامن المشترك للاتحاد الاوروبي) ان يفاوض علي لاريجاني نيابة عن الولايات المتحدة”، في اشارة الى المسؤول الايراني السابق عن الملف النووي والذي خلفه سعيد جليلي. وكان المسؤولون في البيت الابيض يبررون رفضهم بالقول ان ايران ستماطل ولن تغير موقفها وان التفاوض معها سيفسر على انه ضعف.
واضافت مصادر “النهار” ان المتشددين في البيت الابيض لم يعارضوا المبادرات الديبلوماسية فحسب، بل ايضا اي مؤشرات رمزية او اعلامية حيال ايران، مثل السماح لوسائل الاعلام الايرانية الرسمية بالتحدث مع المسؤولين الاميركيين. وللتدليل على ذلك، كشفت ان وكيل وزارة الخارجية للشؤون السياسية السابق نيكولاس بيرنز (لا صلة قربى بينه وبين خلفه وليم بيرنز) نجح قبل سنة في اقناع رايس بالسماح له باجراء مقابلة على الهواء مع التلفزيون الايراني الرسمي، بعد السماح لمراسل التلفزيون في نيويورك بالقدوم الى واشنطن. لكن البيت الابيض تدخل في اللحظة الاخيرة وطلب من رايس منع المقابلة.
وفي طريقها الى سنغافورة لحضور اجتماع وزاري لمجموعة دول جنوب شرق آسيا، ستتوقف وزيرة الخارجية الاميركية اليوم في أبو ظبي للاجتماع بنظيرها الاماراتي الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان لمناقشة بعض القضايا الثنائية. وسيدعو الشيخ عبدالله وزراء الخارجية لدول مجلس التعاون الخليجي الى عشاء اجتماعي غير رسمي لمناقشة مسائل اقليمية تراوح بين الوضع في العراق والقضية الفلسطينية، وطبعا ايران. وكان بيرنز قد انتقل من جنيف الى أبو ظبي لاطلاع رايس اولا على محادثات جنيف، وبعدها اعطاء الوزراء العرب تقويمه للمحادثات وللمفاوض الايراني سعيد جليلي.
وتدليلا على وجود انفتاح اكبر في واشنطن على ايران، يناقش المسؤولون الاميركيون في ما بينهم، ومع أكاديميين وخبراء في مراكز الابحاث منذ فترة، “فكرة” اقامة شعبة لرعاية المصالح في البلدين لتسهيل عمليات الحصول على تأشيرات الدخول (الفيزا) ولرفع مستوى الاتصال الاميركي المباشر مع الشعب الايراني.
وقال المسؤول الاميركي لـ”النهار”: “هذه فكرة مطروحة للنقاش وليست قرارا”. وأوضح انه في حال اقامة شعبة لرعاية المصالح، ستحذو حذو الشعبة الاميركية القائمة في كوبا والتي تركز نشاطاتها على التواصل مع الكوبيين، مع ابقاء الاتصالات بالحكومة محدودة جدا. وأكد ان الفكرة تحظى بدعم اليمين واليسار في أميركا، إذ تؤيد مراكز الابحاث الليبرالية مفهوم التحاور مع ايران من حيث المبدأ، بينما ترى شخصيات محافظة ويمينية معروفة بمواقفها السلبية القوية من النظام الايراني انه اذا كان الهدف الرئيسي لأميركا هو الوصول الى قلوب الايرانيين وعقولهم مباشرة وتشجيع برامج التبادل والزيارات بين المجتمعين المدنيين الاميركي والايراني، فان اقامة شعبة للمصالح الاميركية في طهران وشعبة مماثلة لايران في واشنطن هي هدف يجب تحقيقه.
وأبدى مراقبون وديبلوماسيون سابقون تحدثت معهم “النهار” شكوكهم في ان تؤدي هذه المبادرة الى أي اختراق نوعي قريب. وقال المنسق السابق لعملية السلام في الشرق الاوسط السفير دنيس روس الذي يتابع عن كثب الاوضاع في ايران: “لا أتوقع اي تراجع جذري عن المواقف المعروفة في واشنطن وفي طهران… أتوقع مناقشات في شأن مناقشات مستقبلية في أحسن الحالات، لأن هناك عدا عكسيا في ايران لنهاية ولاية الرئيس بوش”. وفي رأيه ان ايران ربما كانت تريد في هذه المرحلة ان تعطي “انطباعاً عن نوع من المرونة في مواقفها لايجاد هوة بين أوروبا وأميركا، وجعل أي ضربة عسكرية اميركية لايران أكثر صعوبة.
واضاف روس، الذي يؤيد المرشح الديموقراطي باراك أوباما، وهو من مستشاريه غير الرسميين لشؤون الشرق الاوسط، أن غياب رؤية اميركية شاملة للمنطقة تأخذ في الاعتبار التحدي الايراني وتتعامل معه تعاونا خلاقا على مختلف الصعد، هو من الاسباب التي أدت الى الوضع الراهن الذي لا يخدم مصالح الولايات المتحدة.
النهار
http://www.annahar.com/content.php?priority=2&table=main&type=main&day=Mon