كمال ريشا – الشفاف – خاص
لن تتشكل الحكومة اللبنانية قبل ان تنهي ايران مفاوضاتها مع المجتمع الدولي في جنيف. الى هذه الخلاصة وصلت جميع القيادات اللبنانية في صفوف الاغلبية بعد ان اسقط في يد الجميع، حتى رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط الذي تمنى على الرئيس المكلف سعد الحريري وقفَ التنازلات للمعارضة ولقوى الثامن من آذار وللعماد عون.
وفي هذا السياق لا يبدو أن القمة السعودية السورية قد انتهت الى اي نتائج في ما يخص الوضع اللبناني. وانتهت مقولات رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري من ان توافق”سين سين”، اي سوريا والسعودية، سوف يؤدي الى انفراج الوضع اللبناني. ويبدو ان المطلوب هو “توافق سين الف”، اي بين السعودية وايران، كمفتاح الحل اللبناني وتشكيل الحكومة.
النائب نهاد المشنوق كان خير معبّر عن طبيعة الازمة الحالية، حيث قال ان الرئيس المكلف يسعى الى تشكيل حكومة في حين ان المعارضة تسعى الى تغيير النظام.
وفي هذا السياق تبدو المعركة الحالية بالنسبة لحزب الله الذي دفع بحليفه الجنرال عون الى واجهة التعطيل الحكومي وصولا الى تغيير طبيعة النظام اللبناني قبل ان يُسقط في يد الحزب المذكور.
فحزب الله وبعد ان استنفد حروبه الداخلية في السابع من ايار، وبعد ان اصبحت حرية حركته في مواجهة اسرائيل محكومة بسقف القرارات الدولية، يبحث عن مجال لتوظيف فائض القوة الناجم عن ترسانته العسكرية وعلاقاته الاقليمية. وهو، بعد ان سعى الى توظيف فائض القوة للمرة الاولى في “الاعتصام” الشهير في وسط العاصمة، وبعد ان وصل الى حافة الحرب المذهبية في السابع من ايار من اجل تكريس غلبته السياسية داخليا، يبحث حاليا عن مخرج يبقي على سلاحه في مواجهة الدولة. ولذلك هو يريد اختراع عدو قد يكون هذه المرة النظام اللبناني الذي لا يعطيه، بما هو تعبير عن الحالة الشيعية، اكثر مما هو حاصل عليه في السلطة التشريعية والتنفيذية لجهة عدد النواب والوزراء.
ولذلك تتقاطع عوامل التعطيل الحكومي على غير صعيد.
فأولاً، القمة السورية السعودية كانت حاجة سورية ورد جميل سعودي بعد ان بادر الرئيس السوري مرتين الى زيارة المملكة العربية السعودية وسعى جاهدا الى اقناع القيادة السعودية بمساعدته على العودة الى الحضن العربي.
ثانيا، القيادة الايرانية، التي تدرك تماما اهمية الورقة اللبنانية بعد ان ابلغت المجتمع الدولي في وقت سابق استعدادها للتعاون لحل المشاكل الاقليمية ومشاكل العالم ومن بينها لبنان، لا تبدي استعدادا لتقديم اي تنازل للمجتمع الدولي لا في لبنان ولا في غزة ولا في “صعدة” ولا في العراق ولا في اي مكا ن آخر قبل ان يتضح المآل الذي سيؤول اليه المسار التفاوضي بشأن برنامجها النووي.
ثالثا، الدور السوري، وما يشاع عن نية ورغبة سورية في تسهيل عملية تشكيل الحكومة حيث قضى الرئيس السوري بشار الاسد على كل امل ونافذة في حديثه الى صحيفة “السفير” اللبنانية ومفاده ان اللبنانيين يشكلون الحكومة وليس القمة السورية السعودية.
وفي معزل عن التفسيرات والاجتهادات التي تنقصها دقة المعلومات، فان سوريا اما غير قادرة على التأثير في مجريات الامور اللبنانية في معزل عن الارادة الايرانية، او انها لا تريد إحراج ايران في هذه المرحلة التفاوضية الحرجة، او انها متفقة مع ايران على توزيع الادوار بما يساهم في التقريب بين الرياض ودمشق ولا يغضب طهران. وفي جميع الحالات، فان التأثيرات السورية التي طال الحديث عنها من اجل تسهيل تشكيل الحكومة تبدو سرابا في رمال حارقة.
اما على المستوى الداخلي، فيبدو ان هناك نية لدى الاقلية لابتزاز الرئيس المكلف الى آخر نقطة، بما يقضي على نتيجة الانتخابات النيابية التي فازت بها الاكثرية. وتاليا رفض جميع مقترحات التشكيل التي يعرضها الرئيس المكلف والتي قيل ان عون رفضها وفيها احتفاظ التيار العوني بحقيبة الاتصالات على ان لا يتولاها الوزير الحالي جبران باسيل، إضافة الى حقائب المهجرين والثقافة والسياحة. فرفض العماد عون الاقتراح وطالب بضم وزارة الاشغال الى حصته. فما كان من الرئيس المكلف إلا ان استمهل عون للرد على طلبه. فرد بزيارة معلنة الى رئيس اللقاء الديمقراطي وليد جنبلاط الذي طالب الحريري بوقف التنازلات بعد ان انكشفت مزاعم العماد عون من ان التشكيلة الحكومية كيفما كان شكلها لا ترضيه لان المعوقات لا تتعلق لا بعدد الحقائب ولا بنوعيتها بل بالتعطيل لمجرد التعطيل.
وفي هذا السياق، تشير المعلومات الى ان الرئيس المكلف اشترط على عون ان يلتزم وزيره في الاتصالات ببرنامج الحكومة لتطوير القطاع والذي يعتقد الرئيس المكلف ان بامكان توفير الآف فرص العمل للشباب اللبناني من خلال هذا القطاع.
رفض عون جاء فجّاَ هذه المرة. وهو يريد وزارة العدل او الاشغال إضافة الى السلة السابقة، وفي يقينه ان الرئيس المكلف لن يستطيع تقديم المزيد من الوزارات. ولذلك تبدو العقدة العونية مستعصية على الحل طالما ان حزب الله ما زال يعتمد استراتيجيته السابقة بحجب اسماء وزرائه عن الرئيس المكلف وربط هذا الامر بالاتفاق بين الرئيس الحرير والعماد عون.
وإزاء الاستمرار في لعبة “خذ وطالب” التي تعتمدها المعارضة وواجهتها التعطيلية العماد عون، كان لا بد من وقفة تعيد السياسة المحلية الى نصابها الطبيعي. فكان البطريرك صفير اول من دق جرس الانذار مذكّراً في مواقفه الاخيرة بـ”بيان المطارنة” الشهير عام 2000، الذي أسس لخروج الجيش السوري من لبنان. وهو مؤخرا اعاد التذكير بثوابت النظام السياسي اللبناني من ان السلاح والديمقراطية لا يجتمعان وان الاقلية لا تجتمع في حكومة واحدة مع الاغلبية وصولا الى التنبيه من مساعي تغيير طبيعة النظام التي يعمل عليها حزب الله وعون.
وفي هذا السياق لا بد من تسجيل غياب الرئيس نبيه بري عن دائرة الاتصالات بعد ان بدا ان سوريا ابعدته عن الدائرة وكلفت النائب سليمان فرنجيه تولي سياسة الاتصالات المفتوحة مع الرئيس الحريري والعماد عون. وهذا ما يفسر غياب ممثل الرئيس نبيه بري عن الاجتماعات التي تعقد في الرابية بين اركان المعارضة.
واخيرا، وإزاء موجة التفاؤل التي تضرب لبنان اعتبارا من مساء امس سجل مراقبون تفاؤلا حذرا باعلان تشكيل الحكومة اللبنانية لأسباب سورية هذه المرة. وقبل الزيارة المرتقبة للرئيس السوري بشار الاسد الى باريس، ستكون الحكومة مفتاح تسهيل لمهمة الاسد في العاصمة الفرنسية. إلا ان المراقبين ربطوا بين امكان اعلان تشكيلة حكومية كورقة سورية لا تعمل ايران على الوقوف في وجه حليفتها لتعرقلها بل تقف الامور عند هذا الحد بحيث ان الحكومة المرتقبة ولو تشكلت لن تستطيع تجاوز عقبة البيان الوزاري.
richacamal@hotmail.com