“إيران تسيطر على العالم الإسلامي”.
“أهلا بكم إلى العصر الإيراني في الشرق الأوسط”.
“إيران صاحبة النفوذ الخارجي الأكبر في أربع عواصم عربية: دمشق، بغداد، صنعاء وبيروت”.
إنها عبارات فيها جزء من الحقيقة، وفيها ترويج إعلامي مبالغ فيه، خاصة عند الكلام عن نفوذ طهران الواسع الممتد من أفغانستان إلى البحر الأبيض المتوسط. وتؤكد على ذلك تصريحات المسؤولين السياسيين والقادة العسكريين الإيرانيين ومنهم نائب قائد الحرس الثوري الإيراني حسين سلامي، الذي قال: “ترتقي إيران اليوم سلم الاقتدار العالمي”، واصفا الصراع بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية وأميركا بأنه “استراتيجي بمقياس عالمي”.
وبيّن سلامي أن “الفتح المبين اليوم أصبح في العراق وسوريا وفلسطين، وأن الجمهورية الإسلامية الإيرانية هي التي تحدد التطورات الميدانية والسياسية على الساحة العراقية، وقال: “إن بلادنا حققت من التقدم حدا بحيث لم تعد أميركا قادرة على فرض إرادتها في المنطقة”.
مقابل هذه المبالغة في جعل طهران ندّا لواشنطن ومقارعا لها، ومقابل المبالغة بقدراتها ينبري بعض المتابعين للتقليل من حجم الاندفاع الإيراني، ويقارن بين وضع الجمهورية الإسلامية الحالي ووضع الاتحاد السوفيتي السابق في حقبة غورباتشوف والتي سبقت انهياره. يستند هؤلاء على الوضع الاقتصادي الصعب جدا للبلاد على ضوء آثار العقوبات الدولية وانخفاض أسعار النفط (وصفه الرئيس حسن روحاني بأنه مؤامرة على إيران والمسلمين) مما يمكن أن يدفع بالمرشد الأعلى للسماح بالمزيد من حرية الحركة لفريق رفسنجاني- روحاني في سعيه إلى عقد الصفقة مع واشنطن قبل يونيو 2015.
وهناك من يركز على نقاط الضعف الداخلية في تركيبة الفسيفساء الإيرانية، حيث تصاعد التوتر في بلوشستان القريبة من الحدود مع باكستان، وحيث يبدو النسيج الاجتماعي هشا مع تصاعد الفقر، ويصل بالبعض القول إلى أن هناك أكثر من عشرة ملايين إيراني يعيشون حالة بؤس، ولا يخفي الشباب الإيراني من الطبقة الوسطى، والغربي الهوى غالبا، استغرابه من استثمار أكثر من 150 مليار دولار في مشروع نووي مثير للجدل وتريده الدول الكبرى بلا أنياب كما ينقل عن أحد مفاوضي فيينا، كما هناك اشمئزاز من استثمار أكثر من ثلاثين مليار دولار في دعم حزب الله والنظام السوري والميليشيات العراقية والحوثيين، فيما لم يتم، حتى اليوم، التعويض لضحايا الزلازل وقد تم ترك غالبيتهم في الخيام.
تختلط في الممارسة السياسية لعبة الدفاع عن المصالح مع الخطاب المزدوج والكتمان والغموض والمبالغة، وبالطبع إبراز عناصر القوة وإخفاء نقاط الضعف، وهذا ينطبق على إيران كما على غيرها من اللاعبين في منطقة الشرق الأوسط والخليج، التي وصفها جون كيري أخيرا بالبحر الهائج. بيْد أن الواقعية السياسية تفرضُ العودة إلى جرد نقاط القوة والضعف، كما حسابات الربح والخسارة.
مما لا ريب فيه أن إيران بلد كبير له تاريخه وحضارته (نهج البعض في التركيز على المجوس والصوفية والفارسية لا يعتبر المقاربة السليمة في مقارعة خطاب النظام الإيراني التوسعي والفئوي) وموقعه الجغرافي المميز بين بحرين (الخليج وبحر قزوين) ومجاورته لتسع دول واحتواؤه على ثروات هائلة من الغاز والنفط، بالإضافة إلى ميزات أخرى لنظام الجمهورية الإسلامية في استخدام سلاح الإسلام السياسي الراديكالي والشيعي. لكن نقاط القوة والأرباح تقابلها نقاط ضعف وخسائر.
وتبقى إيران محكومة بلعبتي التجاذب الإقليمي والدولي وهي ضحية لهما، إذ أن التلويح بقرب الاتفاق مع واشنطن قابله توجه روسي نحو تركيا، أما التورط في سوريا التي تتحول تدريجيا إلى فيتنام إيران وحلفائها، فقد رأينا انعكاساته في العراق مع رحيل نوري المالكي وصعود ما يسمى بـ“داعش”.
في فترة الانتظار الثقيل التي تفصلنا عن يونيو 2015 فيما يخص الملف النووي الإيراني، يمكن للمراقب أن يستنتج بأنه سيصعب على النظام الإيراني تقديم أي تنازل عملي في الملف النووي أو في سوريا ولبنان، لأن ذلك سيمس بوضع النظام وديمومته. ولذا فاللعبة الأوبامية- الإيرانية لا تقتصر على الغزل وضرب المواعيد، بل هي لعبة عض أصابع مع الكونغرس الجديد في واشنطن.
في الإجمال يتم اللعب على حافة الهاوية أمام البحر الهائح، ومما لاشك فيه أن سلاح الاقتصاد سينهك اللاعب الإيراني وربما يجعله أكثر مرونة، مما يعني الدخول نحو شتاء نظام ولاية الفقيه وطموحاته الإقليمية، وإلا لا مناص من تمديد اختبار القوة في انتظار الرئيس الأميركي الجديد في 2017.
khattarwahid@yahoo.fr
أستاذ العلوم السياسية – المعهد الدولي للجغرافيا السياسية، باريس
العرب