فهد الرجعان، المتّهم باختلاس أموال مؤسسة التأمينات الإجتماعية، يُعتّبّر أحد أنصارالشيخ أحمد الفهد!
تقدمت المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية في الكويت بشكوى ضد مديرها العام السابق بتهمة اختلاس ما لا يقل عن ٢٠٠ مليون دولار بواسطة الهيئات المالية العاملة في جنيف. وتحقّق « برن » في العمولات التي قامت بدفعها بنوك « ميرابو » و »بيكتيه ».
هل تدفع البنوك الخاصة في جنيف ثمن تصفية الحسابات الجارية حالياً في أعلى مستويات السلطة في الكويت؟ في شكوى جنائية، حصلت « لو تان » على نسخة منها من مصدر مجهول، تتهم المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية في الكويت مديرها السابق « فهد الرجعان » وزوجته، بالفساد وسوء الإدارة، وخيانة الأمانة، وتبييض الأموال، وتزوير مستندات.
إن العمليات المشار إليها في الدعوى تشير بأصابع الإتهام إلى المصرفي « بيار ميرابو »، الذي تقاعد في العام ٢٠٠٩. وقد فتحت وزارة العدل السويسرية تحقيقاً بهذا الصدد. كما يشمل التحقيق عمولات دفعها « بنك ميرابو وبيكتيه ».
تشير الدعوى التي رفعتها المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية في الكويت إلى أن ما يزيد على ٢٠٠ مليون دولار تم « اختلاسها » من صناديقها منذ العام ١٩٩٦. وجاء في الدعوى القضائية كذلك أن « مبالغ أخرى كبيرة جداً، ناجمة عن عمولات غير مشروعة تم دفعها عن استثمارات المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية في الكويت، ودخلت في الحسابات الشخصية لفهد الرجعان، عبر ترتيبات مالية معقدة، وبواسطة مؤسسات مالية سويسرية وأجنبية”.
إن الترتيبات المالية- أي المعاملات التي تمرّ بمجموعة من شركات « أوف شور »- التي تم إنشاؤها بغرض دفع « عمولات سرية غير مشروعة » (الهدف منها زيادة ثروة فهد الرجعان وزوجته) ليست معروفة بالكامل، حيث أنه تعذّر تتبّع بعض المعاملات بسبب تعقيدها »، كما جاء في دعوى المؤسسة العامة للتأمينات الإجتماعية في الكويت.
وتقدّر المؤسسة العامة للتأمينات الإجتماعية في الكويت، التي تدير أصولاً بقيمة ٨٠ مليار دولار، أنها تعرّضت لخسائر “ما يزال تقييمها في مرحلة أولية”. واحتفظت المؤسسة بحقها في استكمال دعواها مضيفةً أن “الترتيبات المالية المعقدة جداً (….) ليست سوى نموذج تم كشفه حتى اليوم عما قام به فهد الرجعان، وأنه ينبغي كذلك التحقيق في دفعات أخرى مشبوهة جداً تمّت لصالح حساباته في سويسرا”. والمقصود حساباته في بنوك “إدمون دو روتشيلد”، و “إدوار كونستان”، و”كريدي سويس”، و”كورنر بنكا”، و”إي إف جي برايفت بنك”، وغيرها. وكذلك بنك “بيكتيه” الذي كان، حسب معلومات “لو تان”، موضوع تحقيق فيدرالي حول عمولات تم دفعها لفهد الرجعان.
شراء صمت المتضرّرين
وكانت صحف شرق أوسطية قد كشفت، في آخر شهر سبتمبر، أن مؤسسة سويسرية لم تورد إسمها عرضت مبلغ ٣٠ مليون دولار على السلطات الكويتية من أجل تجنّب الدعاية السيئة التي ستطالها من التحقيقات القضائية الجارية حالياً. ولا تقول المقالة الصحفية ما إذا كانت الكويت قبلت العرض المالي أم لا، علماً أن الموضوع يندرج في إطار الصراع على السلطة في الكويت.
والواقع أن هنالك تصفية حسابات شرسة بين الشيخين ناصر والأحمد، وكلاهما، “المحافظ” و”التقدمي” (إضافة من “الشفاف”: صفة “التقدمي” أطلقها على الشيخ أحمد الفهد مكتب المحاماة “جينتيوم لو” الذي يدفع له الشيخ أحمد الفهد “بدل أتعابه”، ولم نسمعها من أحد في الكويت نفسها!! وقد يكون المقصود بها ما كانت تتهامس به أوساط كويتية من أن الشيخ أحمد الفهد كان “يموّل” بعض أقطاب المعارضة السابقة في الكويت!) مرشّحان لخلافة أمير الكويت الحالي. ومنذ أشهر، يتّهم كل منهما الآخر (راجع عدد “لو تان” في ١٦ سبتمبر ٢٠١٦) بأنه يستخدم البنوك في جنيف من أجل الإثراء الشخصي.
ويقول المحامي « ماتيو باريش »، الذي يعمل في مكتب « جينتيوم لو » (= مكتب محاماة الشيخ أحمد الفهد) أن “فهد الرجعان كان قد ترأس عدداً كبيراً من المؤسسات المصرفية الناجحة، وبينها « البنك الأهلي”).
فيلات وشاليه في « كورشوفال »
يُعتَبَر المدير العام السابق للمؤسسة العامة للتأمينات الإجتماعية في الكويت أحد أنصارالشيخ أحمد الفهد. ويضيف المحامي “ماتيو باريش” (الذي تم توجيه اتهامات ضده في دعوى قضائية أخرى على صلة بهذا الصراع بين المسؤولين الكويتيين) أن “الهجمات التي يتعرض لها فهد الرجعان يمكن أن تخدم معسكر الشيخ ناصر، الذي يسعى لخنق منافسه مالياً، حيث أن كل حسابات فهد الأحمد هي لدى “البنك الأهلي”. إن التعرّض لفهد الرجعان عبر تجميد أصوله المالية يمكن أن يفيد كذلك في تخويف الحلفاء السياسيين لخصمه، حيث أن الخزائن في جنيف مليئة بالأموال الكويتية”.
وللعودة إلى الدعوى القضائية التي تقدمت بها المؤسسة العامة للتأمينات الإجتماعية في الكويت، فإن تلك المؤسسة تقدّر أن الأضرار التي لحقت بها، بمؤازرة مزعومة من المؤسسات المالية في جنيف، بما يزيد على ٢٠٠ مليون دولار. وذلك مبلغ تقريبي أتاح لفهد الرجعان أن يشتري مثلاً- حسب مزاعم المؤسسة العامة للتأمينات الإجتماعية في الكويت- فيلا في حي « كولوني » الراقي في جنيف، وفيلات في “رول”، و”سان موريتز” و”جزيرة فوكيت”. علاوة على شاليه في “كورشوفال”، وشقة في “ماكاو “.
لقد امتنع جميع المعنيين الذين اتصلت بهم هذه الجريدة (فهد الرجعان، وزوجته، والمؤسسة العامة للتأمينات الإجتماعية في الكويت، والدولة الكويتية) عن التعليق على الموضوع. أما بنوك « بيكتيه وميرابو » فإنها « لا تجد حافزاً للتعليق على هذه القضية ». ويطعن « بيار ميرابو »، من جهته، في الإتهامات الموجهة له- تزعم المؤسسة العامة للتأمينات الإجتماعية في الكويت أنه لعب دوراً في عمليات الإختلاس- ولكن بدون الدخول في التفاصيل.
١٠٠ مليون مجمدة في سويسرا
كشفت تحقيقاتنا أن القسم السويسري من هذه الحرب القضائية الدولية يعود إلى سنة ٢٠١٢، حينما فتحت وزارة العدل السويسرية تحقيقاً جنائياً بعد ورود لب مساعدة قضائية من النيابة العامة الكويتية. وفي أواخر ٢٠١٤، قامت وزارة العدل السويسرية بتسليم عناصر الإثبات التي طالبت بها النيابة العامة الكويتية. ولكن تحقيقاً أولياً كان قد تم فتحه بمعزل عن هذه القضية، بناءً على بلاغ يتعلق بـ”تبييض أموال” تقدّم به بنك “ميرابو” في مايو ٢٠١٢، أدى إلى نشوء شكوك بـ”إثراء غير مشروع” بحق فهد الرجعان. وفي يناير ٢٠١٥، طلبت العدالة السويسرية من المؤسسة العامة للتأمينات الإجتماعية في الكويت أن تتقدم بشكوى قضائية للمطالبة بحقوقها ضد فهد الرجعان وزوجته وآخرين مجهولين.
وهنا ينبغي الإشارةإلى نقطة مهمة: إن أيا من “ميرابو” أو “بيكتيه”، أو “بيار ميرابو”، أو أي مؤسسة مصرفية أخرى، ليس موضوع ملاحقة من جانت وزاة العدل السويسرية. وحتى الآن، فإن فهد الرجعان وزوجته- بصفتهما مقيمين في سويسرا الروماندية منذ ١٩٩٠- هما الوحيدان الملاحقان قضائياً. وتم، منذ سنتين، فرض تجميد مؤقت على قسم من أصولهما المالية والعقارية. أي ما يعادل ١٠٠ مليون دولارفي سويسرا، وأكثر بقليل من ٢٤ مليون في بريطانيا، و٧٥ مليون في الخليج. وهذا مع أن المعنيين تقدما بدعاوى لرفع الحظر أمام المحاكم الفيدرالية السويسرية وأما أعلى المحاكم البريطانية.
“شخص مكشوف سياسياً”!
تستند الدعوى التي تقدمت بها المؤسسة العامة للتأمينات الإجتماعية في الكويت إلى معلومات ومستندات محاسبة تقدّم بها “ميرايو” بمبادرة منه، في إطار التعاون الجنائي مع الكويت. وتقول المؤسسة العامة للتأمينات الإجتماعية في الكويت أنه “كما أشارت وزارة العدل السويسرية في بلاغها الصادر في ١٥ يناي ٢٠١٥، (فإن درجة تعقيد المعاملات) لم تكن ترمي في ما يبدو إلا لتحقيق هدف واحد: إخفاء أصل الدفعات المالية، وإخفاء المستفيد الحقيقي منها. وانطلاقاً، إخفاء فساد فهد الرجعان وعرقلة أية ملاحقات جنائية ضده”. وحيث أن الأمر يتعلق بـ”شخص مكشوف سياسياً” (هذا تعبير قانوني تستخدمه المصارف في العالم الآن للإشارة إلى شخصيات سياسية من الدرجة الأولى)، فإن المؤسسة الكويتية للتأمينات تعتبر أنه “كان من واجبات البنك السويسري أن يسعى للتعرّف إلى الخلفية الإقتصادية للحساب المصرفي المذكور، وكان من واجبه أن يضع حدّاً لعلاقته بهذ الزبون، بل وكان حريّاً به أن يتقدم من السلطات بإعلان إلى هيئات مكافحة تبييض الأموال”.
“وسيط أعمال تجارية”
كان فهد الرجعان مسؤولاً مالياً نشطاً جداً، يرأس عدداً من المؤسسات المصرفية الدولية. وقد اشتهر خصوصاً في أوساط “صناديق الهيدج”، وكان يتنقل من بلد إلى آخر- علناً- في طائرات خاصة من أجل تقديم المشورة والنصح. وحيث أنه فتح أبواب بعض الصناديق لبنك “ميرابو”، فقد منح البنك وضعية “وسيط أعمال تحارية”. وهذه الصفة تعني عملياً أن البنك يقدم تعويضات مالي مقابل الخدمات التي يقدمها الشخص المعني.
ولكن ذلك يمثل تعويضات غير مشروعة في نظر المؤسسة العامة للتأمينات الإجتماعية في الكويت حيث أن فهد الرجعان كان موظفاً حكومياً يتقاضى راتباً شهرياً قدره ٢٠ ألف دولار، ولا يحق له الحصول على رواتب أخرى. وتزعم المؤسسة الكويتية أن “المبالغ التي قبضها فهد الرجعان من البنك السويسري تم حسابها على أساس قيمة الأموال التي تم استثمارها، أي قيمة نسب الصناديق، من غير أن يكون ذلك علاقة بمداخيل التسيير. أي أن المستحقات (التي حصل عليها الرجعان) ليست مقابلاً عن خدمات، بل عن جلب مؤسستنا والإبقاء عليها ضمن البنك “.
إن على النيابة العامة السويسرية أن تثبت، بصورة خاصة، أن المؤسسة العامة للتأمينات الإجتماعية في الكويت كانت تجهل، وعن حسن نية، وجود دفعات منتظمة لصالح مديرها العام السابق من جانب بنوك في جنيف بصورة خاصة. وهذا ما ليس واضحاً أبداً حتى الآن.
ترجمة “الشفاف” نقلاً عن جريدة “لو تان” الصادرة في جنيف