أعاد قرار وزارة الشؤون الإسلامية السعودية بعدم الدعاء بالهلاك على اليهود والنصارى قضية الحريات الدينية في المملكة إلى دائرة الضوء، وطرح تساؤلات على جدية القرار في ظل انتقادات أمريكية للحريات الدينية وحقوق الاقليات فيها.
*
كشف تقرير لوزارة الخارجية الأمريكية عن الحريات الدينية في العالم لعام 2011 أن المملكة العربية السعودية تعد من أكثر الدول تشدداً ديناً، فالإسلام هو دين الدولة، ويتعين على جميع المواطنين أن يكونوا مسلمين، ويفضل أن يتبعوا المذهب الإسلامي “السني الوهابي” الذي تجيزه الدولة.
أما بالنسبة لغير المسلمين فتتلخص سياسة الحكومة الرسمية في السماح لهم بممارسة شعائرهم الدينية في منازلهم بعيداً عن العلن، لكنها لا تحترم دائماً في الواقع هذا الحق بالفعل، “فالمواطنون محرومون من حرية اختيار دينهم أو تغييره“، كما يقول عبد العزيز الخميس، وهو ناشط سعودي معارض ورئيس المركز السعودي لدراسات حقوق الإنسان في لندن، في حديث مع DWعربية.
وتعد ممارسة الديانات الأخرى في العلن “جريمة” يعاقب عليها القانون السعودي بالاعتقال والسجن والجلد والتعذيب، كما يتلقى جميع التلاميذ في المدارس الحكومية دروساً دينية إلزامية متطابقة مع التعاليم السلفية الوهابية.
لكن في خطوة مفاجئة حذرت وزارة الأوقاف السعودية في وقت سابق من شهر أغسطس/ آب أئمة المساجد من الدعاء بـ”الهلاك” على اليهود والنصارى أثناء الصلاة، مؤكدة على أن الدعاء يصح فقط على “المعتدين”.فهل يعتبر هذا القرار بداية تغيير حقيقية في السياسة الدينية السعودية؟ أم أن الأمر مجرد خطوة معزولة وليس لها أي سياق؟
ترحيب بالمبادرة
رحبت مجموعة من الأصوات السعودية بمبادرة وزارة الأوقاف واعتبرتها “مبادرة طيبة”. وفي هذا السياق يرى الخميس أن هذا الأمر سيقلل من حدة التطرف والحقد،ويضيف الناشط السعودي بالقول: “هذه الخطوة مهمة جداً وهي محاولة جيدة لإيقاف التطرف والكراهية بين الديانات. وهذه المبادرة من شأنها أن تجعل من المساجد مكان عبادة وحب”.
أما محمد بن عبد الله آل زلفى، عضو سابق في مجلس الشورى، فيرى أن الدعاء على غير المسلمين بالهلاك أمر مستحدث وليست له صلة بالدين الإسلامي. ويضيف آل زلفي قائلاً: “توجد أمور كثيرة أدخلها البعض في الإسلام وهي غير صحيحة، والدعاء بالهلاك على اليهود والنصارى أثناء الصلاة إضافة إلى أن التباكي والدعاء على الغير لن يفيد الإسلام والمسلمين بشيء”. كما حذر محمد بن عبد الله آل زلفى من مغبة إتباع مجموعة من العلماء غير الموثوق بهم، مشيراً إلى أن “هناك بعض العلماء سامحهم الله يدخلون الكثير من المستحدثات تسيء كثيراً للدين الإسلامي”.
خطوة معزولة أم بداية واعدة؟
ويتساءل أغلب المتتبعين للشأن الديني السعودي ما إذا كان القرار الأخير يعد خطوة معزولة أم أن الأمر يتعلق ببداية انفراج السياسة الدينية بالمملكة العربية السعودية. من جانبه ينفي عبد الله أن يكون وراء هذه المبادرة “موقف سياسي أو تبعية لأي مؤسسة دينية في المملكة بدليل أن الحكومة مستمرة في نفس سياستها الدينية الحازمة فيما يخص الكتب وتلقين المذهب الإسلامي السني الوهابي لكل المتلقين في المدارس”.
أما الخميس فيرى أن المبادرة ليس لها أي سياق ولا تأتي ضمن سياسة واضحة، “باعتقادي أن القرار جاء فقط من أجل إيقاف الإضرار بالعلاقات مع غير المسلمين ومحاولة التخفيف من التنفير الديني الذي تعيشه المملكة العربية السعودية”. ويضيف في حديث مع DWعربية: “أظن أن الأمر يأتي فقط في سياق محاربة التطرف الديني الذي يؤدي بدوره إلى الإرهاب وتحاول الحكومة وفي مقابل ذلك نشر قيم التسامح والحب بالنسبة للديانات الأخرى”.
الأقليات والحرية الدينية
وحسب تقرير وزارة الخارجية الأمريكية أيضاً، فالمملكة العربية السعودية تعد من بين الدول الثماني المتصدرة لقائمة “الدول التي تثير قلقاً بشكل خاص” على خلفية انتهاكات للحريةالدينية.
وأورد التقرير أن الأقليات الشيعية والمسيحية تعاني انتهاكاً واضحاً فيما يخص ممارسة طقوسهم الدينية في العلن. وفي هذا الصدد يقولعبد العزيز الخميس: “أكثر الموجودين على التراب السعودي من المسيحيين يمارسون وللأسف معتقداتهم ويحتفلون بأعيادهم بشكل سري لأنه لا توجد كنائس في المملكة.لكنني أعتقد أن المسألة تحتاج قليلاً من الوقت للانفتاح على ديانة الآخر”.
وليست الأقلية المسيحية الوحيدة التي تعاني انتهاك حريتها الدينية، فالشيعة السعودية يشتكون من معاملة السلطات لهم وتتعامل مع معتنقي هذا المذهب كمواطنين من “الدرجة الثانية”، إضافة إلى “تكفيرهم،كما يوضح ذلك المعارض السياسي السعودي حمزة الحسن. ويضيف الحسن بالقول: “الشيعة السعودية تعاني تمييزاً واضحة ومحرومة من أبسط حقوقها المدنية والسياسية، والسلطات السعودية دمرت أكثر المساجد التي يقصدها الشيعة خاصة في المنطقة الشرقية للبلاد، كما أن مقابرهم تم تدميرها بالكامل…”.
لكن آل زلفي يرفض ما جاء في التقرير الأمريكي، موضحاً: “الحريات الدينية مكفولة في الإسلام وفي المملكة خاصة إذا لم تكن تخالف الأمن والسلم الاجتماعي للبلد وعلى هذه الحريات ألا تتجاوز الحقوق الشرعية”. وعن الغياب التام للكنائس في السعودية يضيف بالقول: “لا يمكننا أن نبني في كل بلدة ومدينة كنيسة لأن أغلب المسيحيين يقيمون فقط بطريقة مؤقتة على الأراضي السعودية وبالتالي عند رحيلهم ماذا سنفعل نحن بتلك الكنائس”.
مشكلة الآخر
تتعلق المشاكل الدينية في أحايين كثيرة بالعقليات وكيف يرى المرء الآخر الغريب عنه الذي يختلف عنه في اللغة والدين والثقافة والهوية. وحسب المهتمين فإن المؤسسات الدينية السعودية وأغلبية المواطنين يعتقدون أنفسهم أنهم “حماة مكة والبيت الحرام وحماة الدين الإسلامي”،كما يقول الخميس، كما أنهم غالباً ما يتخوفون ويتوجسون “من غزو الآخر”. ويتلخص الأمر أيضاً في مسألة شد الحبل مع الغرب والفاتيكان بشكل خاص، لذلك فإن المؤسسة الدينية السعودية لا ترى نفسها مضطرة لإقامة كنائس على أراضيها، طالما يرفض فيه الفاتيكان إقامة مساجد على ترابه.
الكاتب: وفاء الرهوني