مِن المُنتظر أن يخرج منتظر من سجنه اليوم. مُنتظر الزيدي، العراقي الذي رشق الرئيس الأميركي جورج بوش بالحذاء، وضمن لنفسه مكاناً ومكانة في المخيال الشعبي العربي لم يكفا عن التكاثر، وتوليد ردود فعل شعبية ورسمية، منذ واقعة الحذاء المتلفزة تلك.
فلنبدأ بردود الفعل الشعبية. والشعبية، هنا، كلمة ملتبسة لكنها تعني “الجماهير” تمييزا لهؤلاء عن النخب الحاكمة والسائدة. وغالبا ما يُنظر إلى سلوك ومواقف “الجماهير” باعتبارها أكثر صدقا وأصالة وعفوية من النخب. وبالتالي، فما تقوله وتعبّر عنه هو الحق الحقيقة مرفوعا على سارية مواقف بسيطة مباشرة وصادقة تعبّر عن “نبض الأمة”. وهذا، أيضا، مفهوم لا يقل التباسا عن الأوّل.
على أية حال، فلنضع الالتباس جانبا، ولنتأمل ردود الفعل الشعبية كما تجلّت في الأيام القليلة الماضية. نقلت صحيفة “القدس العربي” اللندنية، نقلا عن جريدة أردنية، خبر أغنية “شعبية” لأحد المغنين الشعبيين في الأردن، احتفالا باقتراب موعد خروج الزيدي من سجنه. عنوان الأغنية “كندرة الملايين”، ومن بين ما جاء فيها من كلام العبارة التالية: “يتمنى العالم يلبس كندرتك ساعة”. قرأنا، أيضا، أن ابن شقيق الزيدي، وهو في السادسة من العمر “كتب” قصيدة تكريما لعمه هتف فيها “يعيش الحذاء”، وسمعنا عن ورأينا مظاهرات متلفزة في مدن عربية رفع فيها المتظاهرون الأحذية تأييدا للزيدي، وذكر شقيقه أن العائلة تلقت اتصالات من آباء يريدون تقديم بناتهم زوجات لمُنتظر.
ما قدمناه حتى الآن عينة تمثيلية، فقائمة العروض الشعبية طويلة، وأُضيف: سخيفة أيضا. وإذا كانت هذه هي الجماهير، بالفعل، فقل على العرب السلام. فعندما يتحوّل طفل في السادسة إلى شاعر تنقل عنه وكالات الأنباء، وعندما يتعامل آباء مع بناتهم كبضاعة، بلا رأي ولا إرادة، يمكنهم طرحها في السوق، وتوظيفها في التعبير عن مواقفهم السياسية، نكون قد بلغنا الدرك الأسفل.
هناك، طبعا، مسألة الحذاء الذي تحوّل إلى رمز يُرفع في المظاهرات، وتكتب عنه الأغاني، هل صحيح أن الجماهير تتمنى أن تلبس كندرة الزيدي، أم أن هذا يدخل في باب المجاز؟
فإذا دخل يصعب إعفاء “الجماهير” من شبهة الابتذال والسخافة.
فلننس “الجماهير” قليلا، ولنصوّب أنظارنا في اتجاه النخب السائدة والمهيمنة، أي في اتجاه ردود الفعل الرسمية. ذكرت وكالة الأنباء الفرنسية، نقلا عن شقيق الزيدي أن بعض الحكّام العرب ورجال الأعمال وعدوا بمنح شقيقه هدايا من الذهب والفضة والمال والسيارات وشقة سكنية. ومن بين هؤلاء العقيد معمر القذافي، الذي وعد بمنحه وسام شرف، وأمير قطر الذي وعد بمنحه حصانا ذهبيا. وإذا كنّا نفهم المقصود بوسام الشرف، يبدو الكلام عن الحصان الذهبي غامضا بعض الشيء. هل الوعد بمجسّم من الذهب لحصان، أم بحصان من لحم ودم موشى بالذهب؟
الملاحظة الأبرز في هذا الشأن هي الانسجام بين مواقف الحكّام و”الجماهير” فهم، وبقدر ما يتعلّق الأمر بالزيدي، على قلب رجل واحد، وفي خندق واحد. وهذه حالة نادرة في السياسة العربية حيث يُتهم الحكّام، عادة، بالوقوف ضد إرادة الجماهير. ومع ذلك، هل تفكيك البرنامج النووي الليبي وشحنه إلى الولايات المتحدة مع إرادة “الجماهير” أم ضدها، وهل “استضافة” القواعد الأميركية في قطر مع إرادة “الجماهير” أم ضدها؟
هناك، طبعا، في الحالتين الليبية والقطرية أمثلة غير معروفة على نطاق واسع، لكنها منشورة في كتب محترمة في الولايات المتحدة عن تعاون الليبيين والقطريين مع وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، ومع إدارة جورج بوش، بعد الحادي عشر من سبتمبر، فما الذي تغيّر؟ تعاونتم مع جورج بوش والآن تمنحون الأوسمة والأحصنة الذهبية لشخص رشقه بالحذاء.
سياسة الدكتور جايكل والسيد هايد التي يمارسها أغلب الحكّام العرب معروفة ومألوفة، ولكن الدرس الذي يمكن استخلاصه من هذه السياسة لا يندرج في باب المعروف والمألوف. فالآثار المباشرة والجانبية لهذه السياسة تتجلى في إفساد متبادل للذوق والذائقة، حيث تتحوّل ردود فعل “جماهيرية” بدائية ومبتذلة إلى موضع احتفاء وتكريم من جانب الحكّام للحصول على شعبية لا يمكن تحقيقها أو الحفاظ عليها دون الهبوط إلى مستواها، وفي المقابل يرتفع المستوى الهابط ويُرفع إلى مرتبة سياسة نموذجية تُقاس عليها الأقوال والأفعال. وبما أن الباطن لا يشبه الظاهر في جميع الأحوال يضيع الفرق بين الممارسة السياسية ولعبة الكراسي الموسيقية: إذا جلست فوق الشعار في الوقت المناسب نجوت، وإذا سهوت عنه هلكت.
ومع هذا، وفوقه، وقبله، وبعده ما هي بطولة الزيدي؟
يستحق جورج بوش (الابن) القذف بالحذاء، بالتأكيد. لكن تحويل الزيدي إلى بطل يُعيد إلى الأذهان قصة الأعرابي الذي عاد إلى قومه بعدما سلبه اللصوص قائلا: أشبعتهم شتما وفازوا بالإبل.
وما فائدة الشتائم إذا فاز اللصوص بالإبل؟
تقوم الشتائم مقام المطهر الأخلاقي والسياسي عند العرب وتنوب عن الأفعال. في أواخر السبعينيات سمعتُ في بغداد شعارا سخيفا تردده “جماهير” البعث: صدّام اسمك هز أمريكا!! هل صحيح أن الأسماء تهز الدول؟ أم المسألة مجرد صيغة مجازية لشيء آخر؟
وهي بالفعل صيغة مجازية لشيء آخر لا يختلف كثيرا عن رغبة “الجماهير” في لبس كندرة الزيدي ساعة. ولماذا لا تكون ساعة ونصف الساعة، مثلا؟ الجواب: لأن القافية حبكت وحكمت. وهل صحيح أن اسم صدّام هز أميركا، أم أن أميركا هي التي هزّت صدام وعلقته على خشبة؟
منْ أهم: الشتائم أم الإبل؟
الجواب في كندرة الملايين، وفي وسام وحصان من ذهب، وفي قافية إذا حبكتْ حكمتْ.
Khaderhas1@hotmail.com
• كاتب فلسطيني- برلين
الجواب في كندرة الملايين..!!
تصرف الزيدي يدل على العجز العربي الذي لم يكن قادرا للرد على ما آلت إليه ظروفهم . فكان ولابد من اللحاق بأية ثمرة تعوض عن الخسائرالتي عصفت بهم قبل أن يولي الجاني أدباره.وحسب الذهنية القبلية فهل أثمن وأغلى من الجوتي أو الطراك أو القندرة.في مثل هذه الحالات من الافلاس. فالذي حصل شئ من رد الإعتبار. يبقى على العاقل وضع النتائج في الميزان.لمعرفة من الخسران … الزيدي أم الأمريكان؟!!!!!
الجواب في كندرة الملايين..!!
الله يرحم والديك أيها الكاتب المحترم.
فعلا، أخذوا الإبل و أشبعتهم شتما.
أما أنت يا riskability فيبدو أنك من الذين يقرأون و لا يفهمون…نعم، لأن أي شيئ يوضع على اليوتوب لمدة شهر سينقره الملايين من الناس…أما منتظر الزيدي، فأنا أنتظره في جلسة أو ندوة صحفية و أعدكم بأنني سأضربه بأربعة أحذية، و بأشياء أخرى لن أفصح عنها الآن…كما سيضرب أمير قطر السمين و العقيد الليبي المريض…
تحياتي الخالصة إلى كاتب المقال.
الجواب في كندرة الملايين..!! تمكن (منتظر الزيدي) من رمي (جورج بوش) بالفردة الثانية من حذائه جلب الصف الأول من صناع القرار السياسي والعسكري والامني الى طاولة النقاش والتحليل في الاعلام الامريكي , فما بالك بالتفاصيل الاخرى والصورة العامة والتوقيت ومتعلقات كل منها .. فما قام به الزيدي عمل تاريخي عالمي بكل معنى الكلمة.. استبدال (O’Neil) بجورج بوش من قبل (هاوي موسيقى) في (Sweet Home Alabama) وتجاوز عدد المشاهدين المليون خلال ثلاثة ايام له دلالة بالغة الاهمية (فالاهتمام بالسياسة ليس الاول ولا …العاشر امريكيا؟!) Well I heard mister GEORGE sing about her And, I heard BUSH put her down I hope… قراءة المزيد ..