وصل حزب الله ومقاومته الى سدة السلطة، بعد نجاحه في اقصاء حكومة الرئيس سعد الحريري، وايصال مرشحه الرئيس نجيب ميقاتي الى سدة الرئاسة الثالثة. لكنّ التقدم هذا في مسالك الدولة وأجهزتها لم يلغ المسافة بين حزب الله والدولة واجهزتها. هذا ما يمكن ان نتلمسه في العلاقة بين اجهزة الدولة و”الحزب”، عند كل حدث امني يتعلق به او حيث يتواجد. فلا تناغم او ثقة الا على قاعدة التطويع، اي تطويع واحد واستخدامه في خدمة الآخر، لان العاملين في الشؤون الامنية والعسكرية يدركون اهمية احتكار السلاح والسلطة الامنية لتحقيق الامن. وهذا ما برز اخيرا في بعض المناطق حين يجد حزب الله نفسه متصديا لقضايا اجتماعية وبلدية ومتدخلا في شؤون تتصل بخصوصيات الناس وحرياتها الخاصة كما تقرها قوانين الدولة التي يشكل هو اليوم عماد حكومتها.
لم يعد حزب الله اليوم حزب المقاومة فحسب، فهو ظل متمسكا بالمقاومة ومنظّرا لعدم الدخول في السلطة، حتى صار اليوم، وعلى غفلة منه ربما، حزب المقاومة والسلطة معا، ليضيف سلطة جديدة إلى سلطة المقاومة وسلاحها: سلطة المال الحلال، سلطة الدين التي تكمل ما لا تناله الدنيا.
هو فائض من السلطات التي استحقها الحزب بقوة الفرض او بالسياسة والعمل، جعلته في موقع ينظر اليه انصاره ومريدوه في الطائفة الشيعية على انه مسؤول بالقوة عن شؤونهم. فهو رب العمل الاول، وهو محدد خياراتهم السياسية والاجتماعية، وممثلهم في برلمانهم وحكومتهم، وهو معبرهم الى يوم الدين. انه السلطة بتجليها الكامل، مالا وسلاحا ودينا… هو الخصم والحكم بالنسبة اليهم، على ما قال المتنبي لسيف الدولة.
الذين أعطوا حزب الله أصواتهم وأولادهم وأرزاقهم.. يدفعون ثمن تسليمه “السلطة” كلّها… كلّها
وحين تصير السلطة في يد واحد أحد، تكون إما الجنّة، أو الديكتاتورية. والقلق اليوم من الفوضى والفلتان الامني والاجتماعي لأن السلطات في يد واحد. حتى باتت ظاهرة في اكثر من منطقة، ولم يعد خافيا على أحد ان فائض السلطة فتح باب الاستنساب في استخدام السلطة، سواء لتعزيز الاحتكار السياسي والديني، أو لفرض قيود على المواطنين. قيود تتنافى مع ما تقره القوانين اللبنانية على صعيد الحريات العامة والخاصة.
في هذا السياق يمكن استحضار ما جرى في بلدتي العديسة وربثلاثين على امتداد الأسبوع الفائت، حين جرّد الحزب حملة أمنية، بالسلاح الأبيض، لـ”تأديب” من تجرّأوا على التلاسن مع شبّان من عناصره. والتأديب هذا طاول العشرات، ضربا أو تعنيفا أو تهديدا، وشمل الدخول إلى البيوت، ربما في سابقة جنوبية. فقد دخل عناصر الحزب إلى أكثر من منزل في العديسة وربثلاثين، وحطموا الأثاث، واستخدموا العصي لضرب الفتيات والمراهقين، في سابقة أيضا لم تخطر على بال من ساندوا المقاومة والحزب ويدفعون اليوم ثمن تسليم أصواتهم وحناجرهم والتضحية بمالهم وعيالهم في سبيل هذه المقاومة، التي تندفع صوبهم اليوم بشكل عدائيّ.
وفي بلدة حولا حدّث ولا حرج، فقبل أسبوعين حاول عناصر حزبيون تحطيم منزل أحد السكان لإجباره على الإمتناع عن بيع الكحول، في منزل، برخصة من الدولة ورثها عن أبيه. شعر جزء من أهالي حولا بأنّ حريّتهم مهدّدة، وليس كحولهم. حتى بعض المتديّنين شعروا بالخوف، وخطر على بال كثيرين منهم صور المتديّنين الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، والمتدخلين في كل شيء.
الى كل هذا هناك القبض على الحياة العامة، الذي يرافقه تزايد في شهوة السلطة، وشهوة المال التي استشرت فصارت عنوانا من عناوين “العزة والفخر”، وعنوانا للتمايز والتناظر في بيئة الحزب والمحيطين فيه. الأمر الذي ظهر في أزمة “عزّ الدين” الذي قيل إنّه استغلّ شهوات المئات إلى المال السهل و”الحلال” وجمع مئات ملايين الدولارات من بيئة تريد مضاعفة الثروات بسرعة، منذ حرب تموز 2006.
أضف إلى كلّ ذلك تصاعد وتيرة الاحتجاجات السورية ضد النظام في المدن السورية، الذي دفع بعض القوى في لبنان الى مزيد من تشديد القبضة السياسية والامنية في البلد، وظهر ذلك بقيام بعض مناصري “لحزب القومي السوري” بضرب و”تكسير” شبّان يرقدون في المستشفيات حاليا بانتظار جمع تكاليف العمليات التي سيجرونها لمحاولة إصلاح ما أعطبه المقاومون المستقوون بحزب الله.
التوتر الذي يعيشه الحزب ضدّ بيئته، هذا التوتر الذي يجعل عناصره يتعاملون بعدائية مع كلّ من يحمل شبهة الإختلاف أو الخلاف معهم، لا يوازيه ويوازنه، بمنطق الفيزياء والكيمياء والرياضيات، إلا عدائية مقابلة يبدو أنّها ستكبر أكثر وأكثر في الأيام الآتية.
alyalamine@gmail.com
كاتب لبناني
البلد