بعد العصا الغليظة، الجزرة الفاسدة. وبعد الدم والدمار، وزهاء 8 آلاف شهيد، “يُنعم” الرئيس على من يتوهم أنه شعبه بما يسميه دستورا، عله يجني انصياعا لم يتحقق بالنار، خلال سنة، آملا أن يتحقق بسحر كلمة، اسمها الدستور، خلال يوم.
عمليا، يريد الرئيس أن يستعيد الزمن الى ما قبل عام، يوم خرج أهالي درعا، بعد مجزرة أطفالهم، طالبين منه أن يتخلى عن أهل نظامه لينضم إلى أهل سوريا. لكنه فضل الحرب بين الأهلين.
لم تنفع وحشية النظام في إسكات الثورة، كما لم يفتّ تلكؤ المجتمع الدولي، والتضامن الروسي – الصيني على الشعب السوري، في عضد المحرومين الحرية. انكشاف كذبة محاربة الارهاب و”القاعدة” زاد في إحراج موسكو وبكين، وفضح طغيان تجارة المصالح على المبادىء في موقفهما. وإذا كان النظام فطن، منذ البدء، لأهمية الإيحاء باقتناعه بـ “دمقرطة” الوضع، فإن حليفيه لا يقلان حاجة إليها اليوم، لتبرير دعمه.
يتوهّم النظام أن الاستفتاء على الدستور سيبرر له القول ان معارضيه يشكلون 10 في المئة من السوريين، هم الذين امتنعوا عن التصويت، وأن الذين لم يؤيدوا الدستور، وهم نحو 46 في المئة من المقترعين، اعترضوا على النص، لا عليه، بدليل أنهم شاركوا.
الواقع ان ما سمي استفتاء لم يكن إلا على بقاء الرئيس القديم. فالنص نسخة مشوهة من دستور 1973 الذي وضعه الأب، ولم يولد من نقاش جمعية تأسيسية، كما جرى في تونس وسيجري في مصر، وبالتالي لم يعكس تطلعات الشعب التي تتبدى منذ سنة، وفي طليعتها إنزال الرئيس، أي رئيس، من مرتبة أنصاف الآلهة، إلى مستوى البشر الذين لا يسمَون على الديموقراطية. فالرشوة المتمثلة بإلغاء احادية حزب البعث، تغطي ديكتاتورية دستورية مطلعها اعتبار مرحلته الرئاسية الحالية كأنها لم تكن وإعطاؤه الحق في الترشح لولايتين من 14 سنة، مما يجعل مدة رئاسته 26 سنة، أي أقل من مدة والده بـ 4 سنوات.
يجعل الدستور نواب الرئيس يقسمون يمين الولاء للوطن أمامه، وهو الذي يسمي رئيس الوزراء والوزراء ويعين الموظفين المدنيين والعسكريين، وله أن يحل مجلس الشعب، وأن يشكل الهيئات واللجان ويحدد مهماتها وصلاحياتها. وفي الوقت نفسه، يعتبره الدستور غير مسؤول عن الأعمال التي يقوم بها في إطار مهماته، إلا الخيانة العظمى التي يحاكم عليها أمام مجلس القضاء الأعلى الذي يعينه هو شخصيا أيضا، كما المجلس الدستوري.
ولكي يحدّ الرئيس من منافسيه، ينص الدستور على عدم الحق في الترشح لمن لم يكن مقيما عشر سنوات متواصلة في سوريا. أي أن أيا من المعارضين لا يمكن أن يترشح لمنصب الرئاسة.
دستور يعكس درجة من الديموقراطية تجعل السوريين يترحّمون على الدستور السابق.
m2c2.rf@gmail.com
* كاتب لبناني