لقد كتبنا هذا المقال اثر الحوار الذي رعته مجلة (اليوم السابع ) الصادرة في باريس تحت عنوان «حوار المشرق والمغرب»، حيث مثل المشرق الدكتور حسن حنفي (مصر) ومثل المغرب الدكتور محمد عابد الجابري(المغرب)، وقد استمر الحوارعلى مدى عشرة أسابيع سنة1989 .
يقوم د. محمد عابد الجابري بالتعقيب على بعض الردود التي أثارها حواره مع الدكتور حسن حنفي في مجلة «اليوم السابع» فيعلن: شيء واحد لا أوافق عليه وهو ما يقوله من يرد على ما لم أقل، أو على ما قلته في معنى آخر، أو على «ويل للمصلين» ويترك الباقي.
هذه الملاحظات يسوقها الجابري في معرض الرد على مقالة لنا تحاور “حوار المشرق والمغرب ” الذي كان فيه الجابري ممثل المغرب في مواجهة حسن د. حسن حنفي ممثل المشرق ، فيعتبر أن ما طرحناه يدخل في إطار تحفظاته الحوارية السالفة الذكر التي توصف بأنها من قبيل حوار “ويل للمصلين “، وأن مقالنا يدخل في إطار هذا الاجتزاء “ويل للمصلين”، عندما أخذ عليه المفاخرة بنوع «البيعة» في المغرب خلال القرون الماضية، وأنه (أي مقالنا) احتج عليه بتزوير الانتخابات في التجارب البرلمانية المغربية الراهنة بما لا يختلف عن المشرق، وذلك من خلال المثال التونسي، وليعقب على ذلك متمثلاً المثل المغربي القائل: «تعالي يا أمي أريك أين توجد دار خالتي»، لكنه يعود ليصف «ردنا» بأنه «ناقش الحوار بجدية …».
وفي سياق هذا الحوار الذي وصفه الدكتور عبد العزيز المقالح بأنه حوار الثمانينات، نجد أن هناك ثمة ما ينبغي أن يقال بعد اختتام هذا الحوار الشيق في حيويته، القيم في ضرورته ووظيفته الراهنة، الكاشف للغطاء ليكون البصر حديداً .
إن انكشاف الغطاء في هذا الحوار تبدى عن حالة مأساوية لانتحار (الإبيستمولوجيا) التي يبشر بها الدكتورالجابري على مذبح الإيديولوجيا المراوغة التي تتهرب من كل النتائج التي أقرتها بالأمس على مستوى الاستدلال والاستقراء والتحليل والبرهان.
فالدكتور الجابري منذ أطل على ساحتنا الفكرية في بداية الثمانينات، ونحن مندهشون إعجاباً بهذا الخراب الجميل الذي يشيعه في فضاء العقل العربي، حتى بتنا نعتقد أن مرحلة نهضوية من طراز نوعي جديد راحت تشق طريقها إلى الفضاء الثقافي والفكري العربي، باعثة ومجددة لأرقى ما توصل له المشروع النهضوي الأول في القرن الرابع الهجري، والنهضوي الثاني الذي ختمه طه حسين، لتبدأ بعده مرحلة الارتداد من فضاءات العقل إلى غابات الأهواء والمشاعر الغريزية وعنفوانية الشعارات وثقافة الأناشيد والهتافات ….أي إلى ما سنسميه لاحقا من فضاءات (اللوغوس) إلى سديم (الميثوث) الوعي الأسطوري، وذلك حينما زارنا في مدينة حلب ليحاضر في كلية الآداب، لكن كان ذلك في منتصف الثمانينات بعد أن استقالت الجامعات السورية من وظيفتها العلمية إلى وظيفتها الشعبوية الأمنية والحزبية والشعارية الفاشية بعد أن تم (تبعيثها) النهائي، سيما بعد عودة أكثر من أربعة آلاف موفد (ممن يفترض أنهم أستاذة جامعيون) على أساس خبراتهم المظلية والأمنية الاستخبارية بعد محنة سوريا في أوائل الثمانينات بين فاشيتي النظام والأخوان المسلمين اللذان يتذابحان بذات السلاسة التي يتصالحان بها مع غزة وفي غزة وبعد غزة، ومن ثم حلول مبدأ مكافأة الطلاب المظليين (الأمنيين) محل الطلاب المتفوقين، ومن ثم اقتصار البعثات الدراسية بشكل لاحق على أسس طائفية أولا ثم أمنية ثم حزبية …ولهذا كنا خجلين من ضيفنا الكبير الذي أتانا من أقصى المغرب العربي لكي لا يجد أحدا من محبيه غيري أنا المطرود من الجامعة في كل الأحوال …
حينها قمت بقراءة تأويلية اسقاطية لمصفوفته النظرية، فقلت له: إن ثلاثيته عن (البرهان والبيان والعرفان) تسير في سوريا الحديثة بشكل معاكس لما يتغياه من حركية الفكر صعودا وتقدما من (العرفان إلى البرهان) لأقول: إن سوريا الحديثة بدأت من فضاءات عقل البرهان مع المرحلة الليبرالية العقلانية الدستورية مع قيام الدولة الوطنية الستورية منذ سنة1920، لتدخل مرحلة (البيان/الخطابة) مع الشعبوية الناصرية فالبعثية، حيث فكر وثقافة وايديولوجيا ممالأة وتملق سذاجات الوعي العام(العوام) عن الوحدة والحرية والاشتراكية، وانتهت إلى (العرفان) الذي يعادل التشيع وفق منظومة الجابري، وذلك من خلال الحرب بين النظامين البعثيين (البيانيين عروبيا) في سوريا والعراق والتحاق البعث السوري بـ(العرفان الشيعي) في إيران، حيث النظام السوري هو الوحيد-عربيا- الذي وقف مشايعا التشيع (العرفاني) الإيراني ضد (البيان) العروبي البعثي خلال الحرب العبثية بينهما …!!!
ارتبك رحمه الله وحاول أن يرد بصيغة العموميات…لكن عندما أتيح لنا بعض الخلوة عبّر عن دهشته من جرأتي التي وصفها بالمتهورة، ومن ثم عبر عن اعتذاره من عدم تمكنه الخوض معي في هذا الموضوع الحساس، فطمأنته أن كل الحاضرين (من طلاب وأساتذة أمنيين) -في فترة الرعب الثمانيني بل والمستمر حتى اليوم بفضل إخلاص الإبن لسيرة أبيه- ، لم يفهموا علينا شيئا مما قلنا أمامهم…لأن محبيه ومقدريه والقادرين على فهم مشروعه إنما هم خارج الأسوار الأمنية للجامعة ….
إذن لقد استقبل مشروع الجابري في وسط النخبة السورية –خارج مستنقع الفاشية- بفرح عقلي استثنائي، منذ «نحن والتراث” مروراً بـ”الخطاب العربي المعاصر”»، وصولاً إلى مشروعه عن (تكوين العقل العربي وبنية العقل العربي ) الذي تشكلت حلقة من المثقفين في مقهى السياحي في حلب لمناقشة مشروعه هذا على مدى شهور .
كنا ننظر بتقدير وإعجاب للمستوى المنهجي الذي كان يقترحه ويمارسه ويقارب به النصوص، بغض النظر عن الرؤية الكامنة أو المحايثة للمنهج، والمقصود بالرؤية في هذا السياق هي “رؤية العالم” كما حددها لوكاش في نظريته عن الرواية، حيث لا رؤية صافية نقية، بل الرؤية دائما مشوبة بقذى وحل العالم، فهي ليس بمقدورها أن تعيش في عالم برزخي منقطع عن المنظومة المنهجية التي تحتويها وتنطوي عليها، لكونها -حكماً- تستند إلى مستويات مرجعية متعددة (إيديولوجية ـ سوسيولوجية ـ فردية ـ سياسية) تجعلها مشوبة ومكتظة بتداخل الذاتي والموضوعي ، فإنها -(أي الرؤية)- يمكن أن تتحرك بنسق له استقلاليته (النسبية) عن المنهج، سيما في عصر التقنية والثورة العلمية والمعلوماتية التي عمقت مفهوم استقلالية النسق عن الإيديولوجيا، منتجا ما يمكن اعتباره مباطنة إيديولوجية وظيفية تتوارى في صيغة جهاز التحكم المغفل المحرك عن بعد…
أي باختصار إن مجتمعنا العربي المترع حتى الثمالة بالإيديولجيا غدا بحاجة مصيرية للتقنية بغض النظر عن مستويات الرؤية وتنوعها في إنتاج هذه التقنية، عسى أن تكون هذه التقنية مدخلا للبحث عن شجرتها المعرفية التي أثمرتها، ومن هذا المنظور كان الحماس للتجربة المنهجية التقنية للجابري.
لقد كانت إشكالية (العلمانية) هي المدخل لسوء التفاهم بيننا كعلمانيين والجابري عندما استبعدها من مصفوفته النظرية، وأحل محلها (العقلانية) التي دأب الدكتور الجابري على تقصي تجلياتها ومظانها في التراث الفكري العربي الإسلامي، مما بدا لنا حينها أن هذا التوجه لاستبدال العلمانية بالعقلانية إنما هو مسعى محافظ يهدف إلى- ما أسميناه- إنتاج معادل نظري لتعزز سلطان الإيديولوجيا التقليدية الرسمية من جهة، والتلاقي مع بروز الإسلام السياسي الحركي من جهة أخرى، وذلك لإضفاء المشروعية والمعقولية (العقلنة) على لا معقولية حالة النكوص والتردي المعاش فكريا وثقافيا في الفضاء العربي الرسمي والأهلي بل والمدني، وهو بذلك يعيد إنتاج دور الفكر العربي في العصر الوسيط، الذي قامت فلسفته – وفق الجابري نفسه ـ على ترجمة الفكر اليوناني (الفلسفة والمنطق) بما يضفي المشروعية على واقع الفكر الرسمي للسلطة الرسمية في زمنه وهي السلطة العباسية، وهنا لابد من تذكر تفسيره لحركة الترجمة في أيام المأمون وبروز التيار الاعتزالي بوصفه (ايديولوجيا ) السلطة الحاكمة .
فاستنتجنا أن هيغل، وماركس، وفوكو، وبياجيه والمنهج الإبيستمولوجي، إنما يتوسلهم الجابري لكي لا يكون لهم وظيفة سوى إضفاء المشروعية العقلانية على لا معقول التأخرالراهن، على لا عقلانية الواقع القائم بالتلاقي أيضا مع الأطروحة الرسمية القائلة بـ”الخصوصية” التي لم تفض في مآلاتها إلا عن خصوصية الاستبداد ، حيث طرحت هذه “الخصوصية” كاشتقاق من الأدلوجة القوموية البعثية التي راحت تتغّول في سوريا والعراق، أي أن هذه العقلانية لم تكن سوى (المعقولية الواقعية) التي ترتقي بواقع البؤس إلى مستوى فلسفة البؤس لشرعنته عقلانيا، انطلاقا من واقعيته القائمة التي تمنحه معقوليته، فكل واقعي معقول، أي ترسيخ وتأبيد معقولية الأمر الواقع ، حيث هذه القراءة- والأمر كذلك- تقوم باجتزاء مقولة هيغل عن : كل ما هو واقعي فإنه عقلاني، والسكوت عن الوجه الياليكتيكي الآخر القائل : إن كل ما هو عقلاني واقعي أيضا …. حيث في هذه المعادلة الثانية للأطروحة يكمن البعد الثوري لدياليكتيك هيغل … وبذلك خلصنا إلى أن ثمة مراوغة ايديولوجية للخطاب تلتف من وراء ظهر (الابستمولوجيا) وظيفيا في خدمة أدلوجة (العقلنة كبديل للعلمنة) وليس نحن المجتزئين، كما يتهمنا الجابري بالاجتزاء على طريقة “ويل للمصلين”. .
لنخلص إلى أن العقلانية التي يبحث الراحل عن تعيّناتها ومشخصاتها في التراث يقدمها كبديل نظري للعلمنة، وذلك بدلا من أن يرى في هذه العقلانية بعد العمق التاريخي، والمخزون النفسي، واللاوعي الشعوري أو اللاشعور النفسي على حد تعبيره، لإنساننا الذي يعيش داخل التراث وفق استقراءاته لواقع الفكر العربي والثقافة العربية، أي عوضا عن اعتباره العقلانية التراثية هذه بمثابة العمق التاريخي التمهيدي لانتقال العقل العربي والاسلامي باتجاه الحداثة ومن ثم باتجاه نوع خاص (خصوصي ) –كما يشاء التراثيون الخصوصيون- للعلمنة ، نجده يرفض العلمنة ويسعى لاستبدالها بمفردة العقلنة لكي لا يجرح مشاعر سلطان الثقافة التقليدية أو ثقافة السلطان الاستبدادية ،استنادا إلى واقعة أن «الإسلام ليس فيه كنيسة» والعلمنة تعني فصل الكنيسة عن الدولة، مما يعني أن العلمانية لا تشكل حاجة للواقع العربي.
وأخذنا على رجل الإبيستمولوجيا، أنه سرعان ما يتلاشى من ذهنه البعد الإيبستمولوجي للعلمنة وما تعنيه على مستوى صياغة البنية التكوينية للعقل في رؤية العالم والمجتمع والحياة، ليبحث فيلولوجيا عن جذور العلمنة في معادلها السياسي المباشر (السياسوي) علمانية السطح، وظروف ولادتها في الخاص الثقافي الغرب.
إذ اعتبرنا أن فصل الدين عن الدولة ليس إلا التعبير السياسي (السياسوي) للعلمنة، عندما لا يلاحظ أن العلمنة كانت الوجه الآخر للعملة وهو وجه الديموقراطية، هذا على المستوى السياسي وذلك إذا تركنا الصيغ السياسوية الشعارية التبسيطية التسطيحية عن خصوصيتها المسيحية المعبر عنها بقول المسيح “اعط ما لقيصر لقيصر وما لله لله ” ،ذلك أن العلمنة ولدت –تاريخيا- كمعادل عقلي لكلية مجتمع يولد ولادة جديدة …
وعلى هذا فإننا سنخلص للقول: إن العقلانية التي يدعو إليها الدكتور الجابري ليست إلا استمراراً للتيار الهيغلي اليميني الذي فهم وفسر مقولة هيغل حول «كل ما هو عقلاني واقعي، وكل ما هو واقعي عقلاني» بوصفها مقولة تنطلق من اعتبار الواقعي هو العقلاني الوحيد، وبالتالي ليس أمام العقل سوى تفسيره للواقع كما هو عليه وتبريره والتنظير لعقلانيته في راهنية لحظته التراثية، وراهنية لحظته القائمة في الحاضر ، كما كنا قد ألمحنا .
وبالتالي لابد من الوصول -تأسيسا على هذه المقدمات – إلى خلاصة أن الدولة العربية القائمة والراهنة هي أعلى مرحلة من مراحل تجلي العقل والعقلانية بغض النظر عن نوايا الجابري …!
فكان حكمنا الحاسم الظالم نحو الراحل الكبير، عندما قلنا : هكذا يسجل العقل العربي لحظة من أشد لحظات أزمته على طريق انتكاسته ونكوصه في مسيرته النهضوية، حيث أن فكر النهضة الأولى كان يتحرك في إطار فهم المقولة الهيغيلية، انطلاقاً من أن العقلاني هو الوحيد الواقعي، وكان بذلك يطمح إلى الارتفاع بالواقع إلى مستوى العقل عبر الكشف عن لا معقولية الواقع ولا عقلانيته، وبذلك كان الآباء النهضويون المسلمون ـ ولن نتحدث عن المسيحيين كما يلح التراثيون المحدثون ـ أكثر عقلانية راديكالية و تنويرا شجاعا في مشروعهم النهضوي التنويري منذ رفاعة الطهطاوي إلى الشيخ علي عبد الرزاق إلى الشيخ طه حسين من ممثلي المغرب (الجابري) والمشرق (حنفي) بل وكل التراثيين الجدد أو (التراثيين المحدثنين ) .
لقد شككنا عندها بنوايا الرجل، عندما أشرنا إلى أن الدكتور الجابري قد يزعم أنه يميز في ممارسته بين الشغل المعرفي والتوجه الإيديولوجي لتجنب التصنيفات الإيديولوجية والسياسية، وأنه يسعى إلى ذلك من خلال تقديم نص يقرأ ما بين سطوره طموح إلى الانزياح عن مألوف عادات التفكير ونظم التعبير، نص يهدف إلى تقديم رؤية تنويرية تفكك نظم العقل السائدة، وأن هذه التصريحات التي يدلي بها بين الفينة والأخرى حول العلمنة وصلاحية الدين الإسلامي لكل زمان ومكان، ما هي إلا نوع من التكيف وترتيب العلاقة مع الجماهير المؤمنة المتدينة مراعاة لمشاعرها وأحاسيسها، وهو ما يلمح به هنا وهناك، لكن المؤكد أن الأمر ليس كذلك، فقد سبق الجابري وحنفي وغيرهما تجربة فريدة في علاقتها مع الوجدان الشعبي عبرت عنها التجربة الانشقاقية العصيانية الكبرى التي قام بها طه حسين، عندما قام بأكبر عملية فك ارتباط مع الموروث العقلي والمخزون النفسي واللاشعور الثقافي الجمعي الجماهيري، ومع ذلك كان يجد دائماً الوسيلة لتطبيع العلاقة مع هذا الوجدان، عندما أقام حاجزاً حديدياً بين العلم والدين، وميز تمييزاً واضحاً بين نسق العقل ونسق المشاعر، فكان في بحثه العلمي لا يقبل إلا بشروط العقل ولا يقدم أي تنازل مهما قل شأنه، وكان قادراً عبر التواصل مع نسق المشاعر أن يتواصل مع الوجدان الوطني بموروثاته التراثية والدينية للحفاظ على أقنية الحوار والمشاركة والتفاعل، فظل محافظاً على مكانته الكبيرة وشأنه المعنوي الرفيع في التأثير بالرأي العام، وهو يحافظ في الآن ذاته على المسافة الضرورية لاستقلال عقله عن حاكمية الرأي العام ونفوذ السلطة السياسية.
لقد تمكن طه حسين من الحفاظ على هذه المسافة العلمية والعقلية دون أن يجبر عقله على التحول إلى خزانة تشتمل أدراجها على كل ضروب المعرفة وفنون الفكر، وعجائب التراث، وروائع الفولكلور ومباهج الخصوصيات وسؤدد الذاتيات الحضارية والثقافية ، كما يفعل الأبناء والأحفاد (التراثيون المحدثنون )، حيث في خزانتهم العجيبة كل ما يشتهى ويستطاب من أصناف العقائد والايديولوجيات والتيارات الفكرية والفلسفية : (الدين ـ القومية ـ الماركسية ـ الإبستمولوجيا: البنيوية ـ الألسنية ـ الفيلولوجيا ـ هيغل ـ سبينوزا ـ ماركس ـ فوكو ـ داريدا..الخ ) ، لكن طه حسين لم يتردد في التعاطي مع نسق المشاعر ومثالات واستحضارات المخيال الثقافي الذي يستحضر التراث وفق مباهجه الروحانية العذبة كما استحضر ولادة النبي وسيرته الذاتية من خلال هذه الفيوضات الميثولوجية الساحرة في كتابه المفعم بشعرية الميتافيزيك، (على هامش السيرة)، وهو ما توقفنا عنده في كتابنا الصادر السنة الماضية في القاهرة تحت عنوان (طه حسين رائد الليبرالية العربية) …
لكن الغريب في الأمر أننا تنبهنا في حينها إلى البعد المعرفي الاستراتيجي لمشروع الجابري، لكنا مع ذلك عبرنا عن خيبة أملنا في هذا المشروع، ربما لدواعي ايديولوجية وسياسية تتعلق بموقفه المعتدل من نظام بلاده وأرائه حول «البيعة» في المغرب، وموضوعة سلطة العالم أو المفكر على الحاكم التي يتميز بها المغرب دون المشرق ، ومدى مصداقية موروث الشورى والبيعة التي يعتبرها الجابري مستمرة حتى اليوم في بلاده ، لينوِّه بالديموقراطية في المغرب التي يفتقدها المشرق …
لقد تنبهنا في حينها إلى أن كل من يقرأ ما كتبه الدكتور الجابري، يرى في مشروعه وعياً أكثر اتساعاً وعمقا وكثافة معرفية بالموضوع التراثي من التراثيين أنفسهم، وذلك عندما يكشف عن الجوانب العقلانية في هذا التراث بوصفه منظومة وليس أشتاتا، حيث يمكن أن يخلص المتلقي إلى أنه يسعى لتبيئة العلمانية جوانيا، من خلال الكشف عن أن العقلنة تشكل عمقا تراثيا للعلمنة في التراث العربي، و على هذا فهي ليست بدعة أو اختراعا أو استيرادا، بل إن مقدماتها يمكن أن نجدها في الماضي كما تبرهن دراسات وبحوث الجابري إذ يتقرى البرهان(البشري الدنيوي) في مسيرة العقل العربي، وعلى ذلك يكون الجابري قد قام بعملية تبيئة للعلمنة من خلال التركيز على بعدها المعرفي والثقافي في صورة العقلانية كما ينادي ويصرخ التراثيون المحدثون حول ضرورة تبيئة المفاهيم الخارجة عن السياق النسقي الإسلامي والعربي، وذلك من خلال حفره اركيولوجيا في مكونات العقل العربي لامساك جذور العقلانية تراثياً، لكنا إذا كنا عبرنا عن خيبة أملنا بأن ذلك ليس في نوايا مشروع الجابري في ذلك الوقت …لكنا نسارع اليوم للقول: إن ذلك ما تحقق على أرض الواقع بغض النظر عن النوايا التي لا يعرفها إلا صاحبها، وذلك من خلال الدور التنويري الذي لعبه مشروع الجابري على مستوى وعي النخب الإسلامية –بما فيها نخب الإسلام السياسي- حيث شكل مشروعه جسرا لعبور الكثيرين منهم إلى الحداثة والمصالحة مع العلمانية كمدخل للمصالحة مع الديموقراطية أكثر بكثير مما فعله العلمانيون الراديكاليون المنافحون –عقائديا عن العلمانية- حيث راحت حركات إسلامية –وليس أفرادا وحسب- تتحدث عن الدولة المدنية متخلية عن مفردات الدولة الدينية أو دولة الخلافة …ولعل التعبير الأشد برهانا على ذلك هو الحملة السلفية (الوهابية) على مشروعه الذي اعتبروه غزوا داخليا لمضاربهم العقائدية والعقلية …. وللحديث بقية على طريق المراجعة للكشف عن الدور النهضوي التنويري الذي لعبه الراحل الكبيرالدكتور محمد عابد الجابري …
mr_glory@hotmail.com
* كاتب سوري- باريس
الجابري (2): بين مشروع تجسير الحداثة للإسلاميين
احمد
مهما حاول الكاتب عيد أن يخفي نفسه لكنه من خلال ما يكتب تتجلى نزوعاته الطائفية متخفية خلف التعابير العلمية والتحليلات المبهمة..
هذا النقد كان يجدر صدوره في حياة الجابري وليس بعد موته. أما برحيل المفكر الكبير فهذا نوع من الجبن الثقافي. فالهجوم غير النقد وغير التحليل. ولا يفصل عيد بين أفكار الجابري التي ينتقدها والتجريح الشخصي الأتهامي للمفكر الراحل
الجابري (2): بين مشروع تجسير الحداثة للإسلاميين فاروق عيتاني — farouk_ itani@ live.com نيوتن انتقل الى رحمته تعالى منذنصف الفية. . مازال الحداثويون العرب متمسرين عنده . لم يسمعوا بالنسبية ولا باينشتاين و فيزياء الكم. ثوابت المادة و الزمان و المكان و علم الاجتماع عندهم تؤكد القول المأثور : من شب على شيء شاب عليه.ليس الجابري نهاية الطريق بل محاولة انضجت أكثر مما أنضجوا . يكفي انها حركت في هذه ” الامة” ما لم يلامسه الكثير غيره.لا أرغب في الاسترسال حتى لا يصير التعليق مقالا.وليس معنى قولي ان كل ما كتبه الجابرى هو التمام.خصوصا في ثلاثيته عن العقل العربي اذ… قراءة المزيد ..
الجابري (2): بين مشروع تجسير الحداثة للإسلاميين Kareem — maktoobji@gmail.com العزيز الأستاذ الكاتب الدكتور عيد: لقد كتب الأستاذ جورج طرابيشي مقالا في موقع “الأوان” وأرسلت له تساؤلا استيضاحيا حول ما ورد في مقاله لكنه لم يجب ولم تنشر الأوان سؤالي رغم أني أرسلت السؤال مرتين، وباعتبارك سوريا وتعرف الإثين معا فقد قرأت لك الكثير عنهما، فإني سأوجه لك مضمون هذا السؤال عسى أن أجد عندك الإجابة، وهو : إن الأستاذ طرابيشي ذكر في مقاله في( الأوان العدد 6) أيار أنه كان زميلا للدكتور الجابري في جامعة دمشق، وهذا أمر مفهوم ومعروف، حيث أن الجابري درس في جامع دمشق فعلا،… قراءة المزيد ..
الجابري (2): بين مشروع تجسير الحداثة للإسلاميين
سوري قرفان
أحلى شي لما ’’ الكاتب’’ بيحكي عن ذاته بصيغة الجمع لتبجيل الذات. المعارضه السوريه ’’ مو كلن طبعاً ’’ ما هي إلا جماعه متشرذمه بتعتبر حالها نخبه مظلومه من النظام وبدها حصتها من الغنيمه. غطرسة السيد عيد وحقدو وأحباطه دليل قوي ما عم يقدر يخفيه