رغم الدعوات المتزايدة إلى تدخل دولي عسكري من خارج مجلس الأمن في سورية… لا استجابة. وليس هناك ما يدلّ على استعداد اميركي او تركي، أو حتى أوروبي، لمثل هذه الخطوة. ولا يبدو أنّ ثمة تجاوبا مع ما يمني النفس به بعض السوريين لوقف دورة القتل والتدمير والتهجير والاعتقالات التي يديرها النظام السوري منذ نحو 19 شهرا.
فحظر الطيران أو انشاء مناطق عازلة يبدو متعذراً وبعيد المنال سياسياً. هذا ما تكشفه الوقائع الميدانية واعداد، القتلى قبل ان تفضحه مواقف هذه الدول. تلك غير المتضررة او المستاءة، على الأقلّ ليس إلى الحد الذي يدفعها نحو اتخاذ اجراءات عسكرية لوقفه.
الشعب السوري يدفع ثمن الحرية وهو ثمن كان ولا يزال، وسيظلّ دائما، غاليا. وما يزيده غلاء هو التلكؤ في المطالبة بها. واذا كان من ندم لدى الثوار السوريين فهو ليس على قيامهم بهذه الثورة، بل هو ندم الآباء الذين تهاونوا في السماح لحكم الاستبداد وعصاباته ان يستشري في مفاصل الدولة والوطن.
الشباب السوري الذي يتجاوز الـ70 في المئة من تعداد الشعب لم يعد يستسيغ الخنوع ولن يرضخ لما رضخ اليه الآباء والاجداد. يريد شيئا آخر غير حكم المخابرات. يريد ان يعيش زمانه لا يريد حكما مستبدا طائفيا اودينيا اوعلمانيا. لذلك هو لن يتوقف عن السير نحو هدف الحرية وتخليص سورية من الاستبداد الذي احتلها طيلة 40 عاما، واعيا ان عملية التغيير واسقاط نظام الاسد ليسا سوى حلقة اولى من عشرات الحلقات التي تواجه عملية بناء الدولة الديمقراطية. وهو في اصراره هذا يسقط بحزم محاولات “النظام” اليائسة لتثبيت معادلة تهاوت في الوعي العربي العام والوعي الثوري السوري، معادلة تقول: في الصمت السلامة وفي الثورة على “النظام” قتل وتشريد واسر وندامة.
معادلة ظنّ النظام السوري انها صالحة في كل زمان ومكان، لكنها خذلته لحظة خرج اطفال درعا الى الشوارع يرفعون ايديهم ويتطاولون على الجدران الكئيبة بألوان الحرية. والشعب يدرك ايضا ان مقولات الاصلاح التي رفعها النظام هي خدعة، كما رفع جنود معاوية بن ابي سفيان المصاحف في حرب صفين. هو ببساطة يرفض الاصلاح لادراكه الدقيق ان اي اصلاح حقيقي يعريه تماما ويكشف عن انعدام شعبيته لدى الاغلبية الساحقة من السوريين، فيما مشجب “الممانعة” فقد صلاحيته وبات المواطن السوري يقولها بصراحة: حريتي قبل كل شيء، وهي من اجل بناء سورية وحريتها. اما بالنسبة إلى فلسطين وتوابعها فلن اسمح ان يحولوني الى شعب مأسور ومقيد وخائف بحجّتها. وباختصار لن اسمح لأحد أن يصادرني باسمها سواء كان صادقاً او كاذباً.
الادارة الاميركية وتركيا والاتحاد الاوروبي امام هذا المشهد وهذه الحقيقة الصارخة تعلم ان النظام السوري الى زوال. فنظام قتل من ابناء شعبه خلال عام ونصف العام اكثر بكثير مما قتل الكيان الصهيوني من فلسطينيين داخل فلسطين منذ العام 1948 حتى اليوم، هو كيان زائل ولا افق له في الوجود. ومقاومة الشعب السوري ستقتلعه مهما امتدت الايام والأشهر. من هنا يبرز الخبث السياسي لدى هذه الدول. فهي، وان اقرت باستحالة هذا النظام على البقاء طويلا، تتربص بالثورة، وبالشعب، وتتحيّن الوسائل والفرص للقبض على الثورة واسرها لمحاصرة هذا النموذج الثوري وضبطه بما يتناسب مع تطلعات هذه الدول ومصالحها.
فتدمير سورية اليوم لا يتم بطائرات اميركية ولا بسواعد تركية. انه تدمير ممنهج للمدن والمنشآت العامة والخاصة من قبل النظام السوري، وبطائرات وسلاح روسي وبغطاء ونفط ايرانيين… والغطاء الاهم عمليا هو إطلاق يد النظام السوري من قبل دول الناتو لتدمير سورية. فواشنطن وانقرة لا تريدان تقديم اي معونة عسكرية جدية إلى الثوار السوريين، ولا تضطلعان بأيّ جهد بسيط لمنع الطيران السوري من ممارسة هواية قتل الشعب والتدمير.
لسائل أن يسأل في هذا السياق: لو كان “نظام الممانعة” في سورية بادر الى شن حرب على اسرائيل كانت سورية ستتعرض إلى هذا الحجم من الخسائر البشرية والمادية؟ بالتأكيد لما كانت الخسائر بهذا الحجم، بل من المؤكد كانت ثمة مكاسب كبرى للدولة والنظام. شخصيا اعتقد ان هذا السؤال يفضح حقيقة “الممانعة” التي ليس لديها اقدس من السلطة ولو بثمن قتل عشرات آلاف المواطنين السوريين.
ذات مرة كتب الثائر السوري، الكاتب ياسين الحاج صالح، بعدما قضى سبعة عشر عاما في سجن الأسد: الثورة السورية ليست معصومة. الثورة تخطىء، لكن الثورة ليست خطأً. إنّها الصحّ الأكبر الذي صنعه السوريون منذ نصف قرن.
alyalamine@gmail.com
كاتب لبناني
البلد