غالبية الجماهير العربية في عام 1991 أثناء حرب تحرير الكويت، وفي عام 2003 أثناء حرب إسقاط النظام العراقي، اتخذت مواقف معادية لأمريكا والغرب، ودافعت عن سياسات النظام العراقي، واعتبرت أن الحروب التي خاضها النظام كانت تهدف لدعم المشروع القومي ولإعادة الإعتبار لزعامة عربية جديدة. أو بعبارة أخرى، اتخذوا مواقف قومية ترفض أي هجوم غربي على دولة عربية، في ظل محاولة هذه الدولة تحاول إحياء “اللحمة القومية”.
وقد واجه هذا الرفض العربي صدّا من الشارع الكويتي والخليجي، الذي كان مؤيدا للمساعي الدولية للتخلص من نظام صدام حسين في أسرع وقت.
تشابهَ موقف الشارع العربي آنذاك مع موقفه اليوم بعد التصعيد الذي جرى في غزة، مع قليل من التغيير طال مواقف العديد الكويتيين، الذين انضموا إلى الجمهور العربي المساند لعملية “طوفان الأقصى”، والمناهض لرد الفعل الإسرائيلي العنيف، والمعادي للسياسات الأمريكية والغربية المؤيدة لإسرائيل.
بعبارة أخرى، انضم هذا الفريق من الكويتيين إلى الفريق القومي العروبي الذي كان ضدّه عامي 1991 و2003.
في اليوم الأول والثاني من هجوم “حماس”، كان حديث الشارع الكويتي الواقع تحت تأثير التيار القومي والتيار الديني، منصبّا على إمكانية “تحرير” غزة (لا أعلم معنى “التحرير” هنا، فيما غزة تخضع لحكم “حماس” أو لحكم التيار الديني إن صح التعبير منذ 2007)، وأن الطوفان في طريقه للقضاء قريبا على دولة إسرائيل، وأن ما تحقق من نتائج خلال الطوفان من قتل وأسر لجنود ومدنيي “العدو الصهيوني” أثبت أن الكفاح المسلّح هو السبيل الوحيد للتحرير بعدما استطاع تحقيق نتائج على الأرض، ومن ثم برهن على عجز مشروع الدولتين في تحقيق أي نتائج على الأرض، رغم تفاوت الإمكانات العسكرية والاستخباراتية بين الطرفين.
ثم، ما أن بدأت إسرائيل في الرد على الهجوم الحمساوي، وبعنف لم تراعِ خلاله وضع المدنيين الفلسطينيين، مع عِلم القوميين والإسلاميين حجم الرد الإسرائيلي المتوقّع، اختفى الخطاب الكفاحي تماما إن لم نقل إنهزم. وتحوّل من خطاب يتحدث عن قرب “نهاية” دولة إسرائيل، إلى خطاب حقوقي بمحتوى عاطفي مهتم بـ”مظلومية الإنسان الفلسطيني”، لكنه كان منزوعا من أي مسعى نقدي وعقلاني. وفي حقيقة الأمر، فشل الخطاب في إثبات نواياه الإنسانية والحقوقية، وكل ما عمله كان لخدمة أهدافه القومية الأيديولوجية.
فهل “الإنسانية” تقتضي تجاهل صراعات الإنسان العربي والدم العربي في مواقع غير فلسطينية أو في مواقع لا يكون الخصم فيه غربيا؟
كان واضحا، بالنسبة لي على الأقل، دور الأيديولوجيا القومية والدينية في تحريك الشارع الكويتي لصالح هجوم حماس، وبصورة يغلب عليها الشعارات والإنفعالات والأماني المؤدلجة، مقابل تراجع دور التفاعل العاقل والمنطقي والواقعي مع الأحداث. فما فعله التياران صب في خانة “التعبئة”، لا في خانة تحليل الحدث وفق المنظور الظرفي وفي إطار المعطيات التي تعيشها أوضاع المنطقة، وبالذات ما يتعلق بولادة شرق أوسط جديد، ومن إمكان حدوث توافقات بين السعودية والولايات المتحدة وإسرائيل على قضايا استراتيجية عدة، من بينها العمل على تحقيق “دولة فلسطينية” وتفعيل مشروع الخط الحديدي الاقتصادي.
لقد حوّل التياران، وبطريقة فيها الكثير من المراوغة والاستغلال الأيديولوجي القائم على كراهية الآخر (لم يحدث ذلك في الكويت فحسب وإنما في مختلف الدول)، الحدثَ الراهن إلى حدث له علاقة بتأسيس دولة إسرائيل في المنطقة، بدلا من التركيز على الهجوم الحمساوي نفسه والظروف التي أدت لحدوثه. كان واضحا أن التعبئة المقصودة هنا هي “تعبئة الكراهية” تجاه الغرب “الإمبريالي” وبالذات تجاه الولايات المتحدة “قطب الفساد والإستكبار في العالم”، وقد نجحوا في ذلك إلى حد ما. فخرجت دعوات لمقاطعة المنتج الأمريكي والغربي المساند لإسرائيل، وغالبيتها العظمى ارتبطت بالمأكولات والمشروبات، وإلى وقف تصدير النفط.
ووصل الأمر إلى دعوات نيابية لرفض قبول تعيين السفيرة الأمريكية الجديدة لدى الكويت والتهديد باستجواب وزير الخارجية الكويتي في حال قَبِل تعيينها.
لم يتحرّك التياران القومي والديني وشارعهما السياسي في الكويت ضد السياسات الغربية الاستكبارية والإمبريالية في عامي 1991 و2003، وذلك لأن المصلحة القومية والدينية كانت تقتضي آنذاك قيام الآلة السياسية والعسكرية الغربية بقيادة أمريكا بمهمة إعادة وجود كيان وإزالة من هدّد هذا الكيان. ولم يحتج التياران وشارعهما السياسي على دك الآلة العسكرية الأمريكية لبغداد لمدة أربعين يوما وسقوط آلاف الضحايا من المدنيين قبل بدء العملية البرية لتحرير الكويت من الاحتلال العراقي. كما لم يحتجوا على العملية العسكرية الأمريكية والتي أدت إلى تغيير النظام العراقي رغم سقوط آلاف الضحايا المدنيين.
إن هذا الاختلاف في المشهدين، أو لنقل هذا التتاقض بينهما، يعكس السعي لفرض أيديولوجيا معاداة المشروع الغربي الليبرالي الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة على الشارع، والعمل على تعبئة الجمهور من أجل هذا الهدف، لا “إنقاذ فلسطين”.
هم يعلمون أن أي مسعى لتحقيق ما يريده الفلسطينيون لن يتم عن طريق العنف المسلح. وإلّا أين اختبأ موقف التيّارين من الصراع في سوريا واليمن والعراق، ومن الدم العربي المسال فيها؟ فالدم العربي، في نظر المؤدلجين، لن يُصبح مقدسا إلا حينما يكون في مواجهة مع “العدو” الإسرائيلي والأمريكي والغربي. إن هذا التقديس هو جزء من الصراع الثقافي. فإذا اختفى هذا “العدو” عن ساحة المعركة يصبح مصير الدم العربي كمصير أي دم آخر.
القوميون والإسلاميون يكرهون أمريكا لمساندتها الوجود الإسرائيلي انطلاقا من اعتبارات أيديولوجية تتعلق بمشروعي “الأمة العربية” و”الأمة الإسلامية”، اللتان فقدتا وجودهما الواقعي فيما لا تزال تعشعش فكرة المشروعين في المخيلة الأيديولوجية. إن أي مسعى سياسي وعسكري ضمن دوافع هذا الكره، لن يكون هدفه الأول إنقاذ الفلسطينيين مما هم عليه، بل سيرتكز على “تشويه” المشروع الغربي، والأمريكي بالذات، السياسي والاقتصادي والثقافي في الذهنية المحلية والإقليمية وفي العالم بشكل عام. وإلّا فالكفاح المسلح يسير في طريق مغاير لطريق تحقيق “الأماني” الفلسطينية المختلف حولها بين الفلسطينيين أنفسهم، وسيجلب لهم البؤس، لكنه قد يحقق للقوميين والإسلاميين ما يسمى “بالانتصار” الثقافي في الصراع مع المشروع الغربي، ولا ضير أن يتحقق ذلك على حساب الدم الفلسطيني.
إن التيّارين أوهما الشارع الكويتي بأن عملية “طوفان الأقصى” ستنجح في تحقيق أهدافها بنسبة 90%، في حين هي لم تحقق حتى صفر% من هدف إزالة دولة إسرائيل. في حين، ويا للمفارقة، أشارت العديد من التوقعات التحليلية إلى أن الهجوم الحمساوي قد يعيد إحياء مشروع الدولتين، ومن ثم قد يسرّع من وتيرة وضعه على طاولة المباحثات مجددا…
لا اتفق مع القارئ: الديين شيوعي او مثل ما هو يسمي نفسه ماركسي، لكن في القضايا العربية وبالذات تجاه القضية الفلسطينية فهو يعتبر نفسه قومي. ويتبنى فكرة مزج الاثنين القومية والماركسية معا.. التيارات السائدة المدافعة عن القضية الفلسطينية في الكويت هي التيار الديني والتيار القومي. حتى لو لم يطلق القوميون على أنفسهم حركة، لكن لا أحد يستطيع أن ينكر وجودهم كتيار. وهم يحاولون ان يحيوا القضايا القومية مجددا، وهناك توجه شبابي يدعم ذلك. اذا كان السيد حسان يقصد الحركة القومية الكويتية التي كانت نشطة حتى اوائل الثمانينيات، فهذه انتهت حركيا. لكن افكارها العروبية موجودة. ويبدو أن هنالك خلط بين مفهوم… قراءة المزيد ..
عنوان المقال والصورة لا تمثلان الواقع
الصورة لاحمد الديين وهو من الشيوعين
كما ان القوميين لا وجود لهم حاليا وليسوا مع المقاطعة أصلا