الصورة: عبد الفتاح زراوي حمداش، الناطق الرسمي باسم “جبهة الصحوة الحرة”، الحزب السلفي الجديد في الجزائر.
بقلم : مراسلة خاصة – الجزائر- swissinfo.ch
سواء تعلق الأمر بتونس أو ليبيا أو المغرب والجزائر وموريتانيا، تتشابه التيارات السلفية عموما في اختلاف قُـربها أو بُـعدها من العنف أو المسالمة، والأسباب هي دائما ذاتها، أكثرها أيديولوجي وبعضها أمني.
في منتصف شهر فبراير 2013، التقت swissinfo.ch بالإمام السلفي محمد بلفوضيل، الذي منعته نظارة الشؤون الدِّينية في مدينة البليدة، 50 كلم غرب العاصمة، من التدريس والخطابة بسبب خُطبه الناقدة للنظام والوضع الإجتماعي على حدٍّ سواء، كما جاء في اتِّهام ناظر الشؤون الدِّينية لمدينة البليدة.
إلا أن الشيخ محمد بلفوضيل يؤكِّـد لـ swissinfo.ch شيئا مختلفا “سبب منْعي من التدريس هو أمْـران: الأول، أني في آخر خُطبة لي انتقدت سفور وسوء أخلاق بنات ثلاثة عسكريين يُصلّون في المسجد الذي أؤمه وأجدهم يوميا في الصفوف الأولى، إلا أن بناتهم لا يتوقّفن عن الحفلات الصاخِبة والحركات المرفوضة في ديننا. أما السبب الثاني، فهو بُغْـض السلفية الملكية المقرّبة من النظام والمخابرات والتي أسميها السلفية الجامية المدخلية”.
الواضح أن السلفية، حسب اتهام الشيخ بلفوضيل، بعضها ملكي والآخر غير ملكي، وهذا التقسيم هو أبرز ما يجده المرء في السلفية الجزائرية على الأقل، لأنها أبسط التقسيمات وأوضحها، ويضيف الشيخ بلفوضيل لـ swissinfo.ch: “السلفية المَلكية هي سلفية مصدرها فِكر الشيخ ربيع بن هادي المدخلي، وهو من السعودية، وأظن أن له علاقات قوية جدا بالمخابرات في بلده، وهو يعادي تنظيمات الإخوان المسلمين والإسلاميين الذين يخالِفونه أو الذين لا يروْن مشكِلا في الحِزبية والعمل البرلماني أو النهل من تيار الإخوان المسلمين من طرف أمثالي من السّلفيين”.
في نفس السياق، صرّح الشيخ عبد الله جاب الله، زعيم حركة العدالة في الجزائر، أن السلفيين المَلَكيين، أي المُوالين للنظام ويُبدّعون مَن ينتقِده أو يريد تغييره، ولو كان طاغيا: “إنما شيوخهم خارج الجزائر، وبالتحديد في بعض مراكز السَّلفيين الحَنَابِلة في المملكة العربية السعودية تحديدا“، ويضيف الشيخ جاب الله: “لقد ضخّمت الدولة أمثالهم لأغراض سياسية، فهُم لا يُعادونها، بل يُهادِنونها بكل الطُّرق والوسائل، وأدِلَّتهم غاية في الضّعف وهم أبعد الناس عن واقع مجتمعهم وأمَّتهم”.
من جه’ اخرى، علمت swissinfo.ch من مصدر أمني رفيع المستوى، أن شيوخ السلفية المَلَكية في الجزائر، مثل الشيخ العيد شريفي والشيخ عز الدين أو الشيخ عبد المالك رمضاني، يلقون اهتماما خاصّا من قِبل مصالح الأمن العسكري الجزائري، وأن كبار قادة الإستخبارات العسكرية الجزائرية يؤكِّدون دوْما وتكرارا لوزارة الشؤون الدِّينية على ضرورة السّماح لهؤلاء بالتدريس ونشر أفكارهم، ومنع أو إحراج كلّ التيارات الأخرى مثل الإخوان المسلمين أو الصّوفيين غير المُنضَوين في تيار الصّوفيين الذين يحميهم الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة شخصيا، بسبب دعمهم له خلال الإستحقاقات الإنتخابية الماضية.
أوامر السلطات
الشيخ عبد الله جاب الله أضاف لـ swissinfo.ch: “تصور أني أنا شخصيا ممنوع من التدريس والخطابة في المساجد بأمر من أعْلى السلطات في البلاد، رغم أني زعيم حزب وقائد سياسي معروف، أنشط في الساحة منذ بداية سبعينيات القرن الماضي”.
ويرى مختصّون في شؤون الجماعات الإسلامية، أن هذا الوضع في الجزائر، هو مُطابق لِما كانت عليه أوضاع الجماعات الإسلامية في مصر قبل انهِيار نظام الرئيس المصري السابق حسني مبارك. فقد كان هناك تيار سلفي نشط، سياسيا واجتماعيا، ممثل في الوقت الحالي بحزب النور، وتيار سلفي آخر استعانت به الأجهزة الأمنية لضرب التيارات الأخرى الناشطة سياسيا من سلفيين مخالفين أو إخوان.
في سياق متصل، يبدو أن الوضع السّلفي المصري ينعكس على السّلّفِيين في الجزائر، فمَن يوصفون بالسَّلفيين المَلكيين يُعارضون كلّ رموز التيار السلفي المصري، الذي شارك في إسقاط مبارك أو المشارك في الحياة السياسية المصرية في الوقت الحالي، مثل الشيخ الحويني على سبيل المثال. فمساجد السّلفيين المَلَكيين في الجزائر العاصمة وخاصة في أحياء برج الكيفان وحيدرة، تحذر من الشيخ الحويني وتصفه بالضالّ المُبتدع، لأنه يشارك في السياسة ولا يرى بأسا في العمل مع البرلمانيين ولأنه يرفض تبديع الإخوان المسلمين.
التقسيم الثنائي
في مقابل ذلك، لا يتوقف جزء كبير من مصالح الأمن في المنطقة المغاربية، عند هذا التقسيم الثنائي، ما بين ملكي وغير ملكي، لأن المسألة تتعلق بالغموض الفِكري للتيارات السلفية بشكل عام، وخاصة ما تعلّق منه بسذاجة التصوّر السياسي وبساطة تركيبه، ذلك أن نفس المرتكز السلفي الملَكي من قِراءات وتفاسير لنصوص قرآنية وأحاديث نبوية، تدعو حسب قراءتها (أي السلفية الملكية) إلى المُهادنة وعدم إحراج الحكّام أو الثورة عليهم مهْما فعلوا، تتحوّل بقُدرة قادِر إلى نصوص يُفهَم منها العكس.
وفي هذا الصدد، سجّلت مصالح الأمن المغربية والجزائرية والموريتانية، تحوّل سلفيين ملَـكِيين إلى غيْر مَلكيين والعكس، وهو ما انعكس في حال التحوّل إلى اتجاه عنيف إلى وضع غيْر مُستقر، وهو ما يفسِّر على سبيل المثال الوضع النفسي والتصور السياسي للتنظيمات الإسلامية المسلّحة في مالي.
تغييرات هائلة
يرى مختصّون في شؤون التنظيمات الإسلامية أن التيار السلفي بشكل عام، قد عرف تغييرات هائلة في السنوات المائة والعشرين الأخيرة، أي الفترة التي سبقت سقوط الخِلافة العثمانية وما بعدها. فبعدما كانت السلفية رمزا لنهوض المسلمين، عِلميا وحضاريا، في عهد محمد رضا ومحمد عبده، وعبد الحميد ابن باديس والمفكر الجزائري مالك ابن نبي، تحولت بعض التيارات السلفية في الفترة التي أعقبت غَـزْو صدّام حسين للكويت في صيف عام 1990 إلى موضة أمنية في المملكة العربية السعودية تحديدا، عبْر إعطاء شيوخ مثل الربيع بن هادي المدخلي أدوارا محدَّدة ضِمن الخطاب السّلفي العام، قبلت به معظم مصالِح الأمن العربية. وبعد هجمات القاعدة على نيويورك وواشنطن في سبتمبر 2001 تلقّفت بعض مصالح الأمن الغربية بدورها اتِّجاه ربيع المدخلي وواجهت به تنظيم القاعدة في معظم المنطقة الإسلامية.
ويبدو أن نجاح هذا التيار في كبْح جِماح التيارات الإسلامية الأخرى، النشطة سياسيا وأمنيا، مرهون بعدّة اعتبارات، أهمّها الدّور الذي تلعبه السلطات في البلد التي تنشط فيه، بمعنى أنها تنجح في إسماع صوتها في بلد كالجزائر والسعودية، وتفشل فشلا ذريعا في دول خليجية أخرى نشطة سياسية أو لديها نظام ديمقراطي أو حُـر نِسبيا، مثل الكويت والبحرين وقطر والإمارات.
ويبدو جَـلِـيا، أن التيار العنيف في الاتِّجاه السلفي هو المشكلة الكبيرة في الوقت الحالي، لأن التيار التابع للشيخ ربيع المدخلي، ضعيف النشاط ولا يشكِّل خطرا، كما أنه يُواجه التنظيمات الإسلامية بالأساس، لذا فإن الوجْه العنيف للتيار السّلفي يظل ممثلا في القاعدة بشكل عام، أو تلك الناشطة في المغرب الإسلامي أو الساحل أو أفغانستان أو باكستان.
الإنتساب إلى السلف الصالح
ولئن اختلف النِّقاش والطرح حيال العلاقة مع النظام الحاكم في الجزائر بسبب وضعِها الداخلي المتميِّز، إلا أن الوضع السلفي التونسي والليبي قد انعكَس، مقالات وتعليقات في الصحافة الجزائرية، التي أجمعت فيما يبدو على دعم التيار السلفي الذي لا يُهادن الحكومات، وفي نفس الوقت، لا يدعو إلى العنف إلا في حالات معيَّنة، مثل القهْـر السياسي والإقتصادي ومحاربة الإستعمار.
في الأثناء، تدعم صحف واسعة الإنتشار مثل “الشروق” و”الخبر” و”النهار الجديد”، سَلَفية جزائرية صَرفة هي سلفية الشيخ عبد الحميد بن باديس، الذي يُوصف بشيخ السلفية المُعتدلة. ويرى خبراء أمنيون جزائريون، تحدّثوا إلى swissinfo.ch ورفضوا الكشْف عن هوياتهم، أن الأمر برمَّته مرهُـون باتِّضاح الرّؤية لدى التيار السّلفي بشكل عام، فهو غير متّفق حِيال النّظرة إلى العقيدة الإسلامية، وغير مُتّفق حوْل أبجدِيات العمل السياسي وغير واضح المعالِم أو المرتكزات الفكرية بشكل عام، وفكرته الواضحة الوحيدة، هي “الإنتساب إلى السلف الصالح”.
وتضيف المصادر الأمنية الجزائرية لـ swissinfo.ch: “ألا يعرف السلفيون أن سلَف المسلمين قد اختلفوا سياسيا وعسكريا؟ غير أننا لا نُـبالي من أجل أمْن الجزائر من العمل مع التيارات التي لا ترغب في ضرْب الإستقرار الوطني”، على حد قولها.