تمثل الخلافة في المملكة العربية السعودية مزيجا غريبا من الأسبقية والمراسيم. ففي السنوات الأخيرة، عمل العاهل السعودي الملك عبد الله الكثير لتنظيم الخلافة، وعلى الأخص من خلال إقامة “هيئة البيعة” – المكونة من كبار الأمراء – في عام 2006. ولكن المرسوم الملكي الذي صدر في السابع والعشرين من آذار/مارس الحالي يقلل أساساً من دور هذه “الهيئة”. وبدلاً من ذلك، “يفرض” على العائلة المالكة التعهد بالولاء للأمير مُقرن كولياً للعهد إذا أصبح ذلك المنصب شاغراً [أي تعيينه ولياً لولي العهد]، أو ملكاً إذا أصبح كل من منصب الملك وولي العهد شاغراً في الوقت نفسه.
ويوضح المرسوم جزئياً عدم اليقين الذي يحيط بالأمير مُقرن منذ تعيينه نائباً ثانياً لرئيس الوزراء في شباط/فبراير 2013. وكان ينظر إلى هذا المنصب سابقاً بأنه “ولي العهد المُنتظر” على الرغم من أنه رسمياً يمكّن فقط لحامل هذا اللقب ترؤس الاجتماع الأسبوعي لمجلس الوزراء إذا كان الملك (الذي هو أيضاً رئيس الوزراء)، أو ولي العهد (الذي يحمل لقبا مزدوجا كنائب رئيس الوزراء)، خارج البلاد أو بالأحرى غير متفرّغ.
والأمير مُقرن الذي سيبلغ الحادية والسبعين من عمره هذا العام هو أصغر مَنْ بقي على قيد الحياة من أبناء مؤسس المملكة الملك عبد العزيز بن سعود، المعروف كذلك بـ”إبن سعود”. فمنذ وفاته عام 1953، انتقل العرش بالتسلسل من الأخ الأكبر إلى الأخ الأصغر سناً مع تجاوز عدد قليل فقط من بين أكثر من أربعين ولداً من أبناء ابن سعود، من بينهم خمسة عشر ولداً فقط لا يزالون على قيد الحياة. ومعظمهم مُرضى و/أو واهنون وضعفاء. ولم يعد بإمكان الملك عبد الله، البالغ من العمر 90 عاماً، السير دون مساعدة ولكنه لا يزال سليم العقل. أما ولي العهد الأمير سلمان، 77 عاماً، فيبدو أنه يواجه صعوبة مؤخراً في التركيز عقلياً، وغالباً ما يتم الإعراب عن بعض الشكوك حول قدرته على أن يصبح ملكاً. وكانت رحلته الأخيرة إلى اليابان لأسباب طبية بصفة أساسية.
ولكن إرتقاء مُقرن في السلطة يتحدى تفاهمات مقبولة حول المؤهلات التي يمكن أن تتوفر في أمراء لكي يصبحوا ملوكاً، لأن الأمير مُقرن هو واحد من العديد من أبناء ابن سعود الذي ليس له نسب القبائل العربية السعودية. ويُشار إلى والدته في كتب التاريخ باسم “بركة اليمانية”، وقد كانت إما خليلة أو فتاة عبدة مفضلة، وهو ترتيب داخلي سمح لأن يكون لإبن سعود أكثر من أربع زوجات في آن واحد – العدد المحدد وفقاً لما يتطلبه القانون الإسلامي.
وسيكون أمراً مثيراً للدهشة إذا لم يتم الطعن بالأمير مُقرن حول هذه النقطة، من قبل منافسين في العائلة المالكة يتمتعون بنسب أفضل، على الرغم من أن مثل هذا الخلاف قد لا يكون واضحاً للجمهور. إن مواكبة المظاهر مهمة للعائلة المالكة السعودية. وقد أكمل ولي العهد الأمير سلمان مؤخراً سلسلة محمومة من الزيارات الرسمية لباكستان واليابان والهند وجزر المالديف والصين، وفي اليوم التالي – أي مباشرة بعد عودته – ترأس جلسة لمجلس الوزراء. ونظراً للمخاوف بشأن حالته الصحية، فإن التفسير الأكثر احتمالاً لجدول أعماله المزدحم هو أن أبناءه – إلى جانب أخوته الأشقاء المتبقيين في ما يسمى بزمرة السلطة من “السديريين السبعة” – يضغطون عليه للاحتفاظ بمظهر الملك القادم. إن تعيين الأمير مُقرن يُلقي فعلاً ظلال من الشك حول الاحتمالات السياسية والمالية المستقبلية لكل من الأمير سلمان وهؤلاء الأقارب.
إن التحرك المحتمل التالي في لعبة الشطرنج هذه في العائلة المالكة هي أن يطلب الملك عبد الله من فريق من الأطباء أن يعلن أن الأمير سلمان غير مؤهل طبياً، الأمر الذي سيسمح بالارتقاء المبكر للأمير مقرن إلى منصب الوريث الواضح. وإذا وضعنا الجينات جانباً، تُقارن مؤهلات مُقرن المهنية بشكل جيد مع الآخرين. فقد تدرب كطيار لطائرات F-15، وشغل منصب رئيس المخابرات في الفترة 2005-2012 وقبل ذلك منصب حاكم مقاطعة. كما يتمتع أيضاً بسمعة كرجل لطيف ونظيف اليدين – من الناحية الدبلوماسية.
وفي الوقت الراهن، من الصعب رؤيته زعيماً لمملكة تعتبر نفسها رئيسة للعالمين الإسلامي والعربي، فضلاً عن تزعمها لدول الطاقة. (إن تحديد أي منافس فوري آخر يمثل تحدياً أيضاً). ومن خلال المرسوم الذي صدر في السابع والعشرين من آذار/مارس، يضمن مُقرن مكاناً له في المحادثات التي ستجري في الثامن والعشرين من آذار/مارس بين الملك عبد الله والرئيس الأمريكي أوباما – وهي مناسبة من شأنها أن ترسخ تعيينه دون تثبيط التكهنات بشأن موعد التحول الكبير المقبل في المملكة والكيفية التي سيحدث فيها ذلك.
سايمون هندرسون هو زميل بيكر ومدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن. وتشمل منشوراته دراسة المعهد من عام 2009، “بعد الملك عبد الله: الخلافة في المملكة العربية السعودية”.