في كل عيد وطني تعوّدت أن أسترجع واحدة من ذكرياتي أثناء الغزو، أحيانا تكون ذكرى تبعث على الفرح، وأخرى ينبع منها النكد، وأخرى غريبة، وهذا العيد ليس استثناء، ففيها الفرح والحزن والغرابة والعرفان.
أثناء الغزو العراقي للكويت، تمت سرقة بيتنا ونهبه، بل والاقامة فيه من قبل القوات الغازية. وبعد سبعة أشهر عجاف، وعند عودتنا، كانت حالة المنزل، ككثير من منازل أهل الكويت، لا تسرّ عدواً ولا حبيباً.
بعد ترتيبه وتنظيفه من آثار الغزو المصغر عليه، قمنا بتفقد المسروقات والمفقودات التي كانت لا تُعدّ ولا تُحصى، إلا أن شيئاً واحداً حز في قلبي فقده، ودفعني الى البكاء وهو ألبوم صور زفافي.
بالطبع، لم يكن بالإمكان تعويض ما فقدته من صور، خاصة ليوم خاص جدا ولذكرى عزيزة، لكن كنت كلما اشتكيت من فقدان شيء من حاجياتي، هبّ في وجهي والدي ـ رحمه الله ـ ونهرني قائلا: إياك وهذا الهراء، يكفي أن الكويت عادت لأهلها، وكل ما عداها فداء لها»، فأهدأ وأسكت وأحمد ربي.
راحت الأيام، وعدت إلى حياتي وعائلتي وأولادي، ونسيت موضوع الصور، إلى أن أتتني يوما قريبة عزيزة وعلى وجهها ابتسامة عريضة قائلة: عندي لك مفاجأة ستفرح قلبك، ثم مدت لي يدها بكيس. فتحته لأجد صور عرسي كاملة من دون نقصان. دُهشت ولم أستوعب كيف لصوري أن تعود لي بعد شهور من ضياعها وفقداني الأمل في العثور عليها. فقامت السيدة بشرح القضية: عند سرقة الألبومات من مكتبة منزلي، لم تكن الصور بحد ذاتها ما أعجب السارق، بل هي الألبومات، فأخذها وذهب بها إلى حيث كان يقيم، على الأرجح في منزل لعائلة كويتية (مستعمر) كمنزلي، ثم نزع الصور منها وألقاها في البيت وأخذ الألبومات ورحل.
بعد التحرير ورجوع كل منا إلى منزله، قام أهل البيت بالتنظيف ووجدوا الصور، لكنهم لم يعرفوا لمن، وبدلا من أن يتخلصوا منها ويرموها، قاموا بتجميعها وفحصها لمحاولة التعرف على أصحابها. عندما عجزوا، تفحصوا الحضور، ومن بين المدعوين الظاهرين في الصور تعرفوا على سيدة معروفة، فقاموا بأخذ الصور لها وهم متأكدون أنها ستعرف أصحاب العرس، وقامت هي بدورها وأعادت الأمانة.
مرة أخرى أقول.. هذه هي الكويت التي نحب، وهذه هي مشاعر وأحاسيس أهلها، ولمن وجد صور عرسي منذ عشرين سنة وأحيا لي تلك الذكريات الرائعة، (والذي حتى الآن لا أعرفه)، أقدم عرفاني وامتناني له أو لها.
ولك يا أبي رحمة الله ومغفرته بقدر ما أحببت هذا البلد الصغير، ولك يا كويت.. كل عام وأنت وطن.
* كاتبة كويتية
d.moufti@gmail.com