يعمد معظم الباحثين، ومن بينهم حميد أحمد (مدرس العلوم السياسية في جامعة طهران، الذي قدّم العديد من الدراسات والكتب) لدراسة قضايا الشعوب وخاصة “السنّة” في إيران لكن من منطلق قومي وفي بعض الاحيان شوفيني. ومنهم من يعتقد بأن بين أهم التأثيرات الخارجية على “السنّة” في ايران الترابطُ الثقافي الوثيق والأواصر التاريخية بين السنّة في إيران، على ضفتي الحدود، والسنّة في الدول المجاورة خاصة أولئك الذين يسكنون الحدود الشرقية. حيث يوجد شعب “بلوشي” أخر يحاذي الشعب “البلوشي” الإيراني وراء الحدود الشرقية، ويعيش في باكستان. كما هو الحال بالنسبة للحدود الغربية لإيران حيث هنالك شعب كردي يقابله شعب كردي آخر في شمال العراق وشرق تركيا لديه علاقات وطيدة وتاثيرات مترابطة مع الأكراد في إيران. وكذلك الحال بالنسبة للتركمان الذين يقطنون شمال شرق ايران ويجاورون حكومة تركمنستان التي تعتبرهم من نفس الطائفة والعرق. وكذلك العرب في الأهواز وشاطيء الخليج والجزرالجنوبية لإيران، وهم يحملون نفس المواصفات الطائفية والعرقية والقبلية والتقاليد والأعراف التي توجد في الدول العربية الخليجية والعراق، وإن وُجد ما يفرّق بينهم فهو نادر للغاية.
إنّ الخوض في مسألة السنة في إيران تتطلب الإشارة الى طبيعة المكونات الإثنية والقومية التي يتشكل منها السنّة. وبطبيعة الحال فالسنة في إيران يتكونون من قوميات “كردية وبلوشية وتركمانية وعربية، وغالباً ما يسكنون في المناطق الحدودية في إيران. وسنشير في بحثنا هذا الى التأثيرات الخارجية السياسية والعقائدية والاقتصادية التي تترك بظلالها على الساحة السنّية في إيران بمنظور ما يراه الايرانيون وغيرهم، وذلك بالمحاورالتالية:
ـ المحور الأول، ظهور أحزاب شيوعية ويسارية سنية :
يرى “حميد أحمدي” أنّ القوى الدولية هي التي افتعلت قضية الشعوب في إيران وذلك بسبب إثارة النزعة القومية لديهم ـ دون أن يلفت إنتباه الكاتب أسباب مثل هذه النزعات الانفصالية ودون أن يأخذ على عاتقه عناء البحث في جذور مثل هذه الأسباب وهي حرمان الشعوب الايرانية والسنة على وجه التحديد من أبسط حقوقهم الدينية والقومية منذ نشأة الدولة الحديثة في إيران الى يومنا هذا وحرمانهم من حق تدريس لغتهم بالمدراس ومزاولة طقوسهم الدينية في المساجد. فعلى سبيل المثال لا يوجد جامع واحد للسنة في العاصمة طهران. ونحن لا ننكر دور الشيوعية واليسار في الأخذ بمزمام المبادرة لطرح قضايا السنّة والشعوب الايرانية وتدويلها لقضيتهم. ولا يعيب بالسنة الاحتماء بأي إيديولوجيا أو توجّه للوصول الى أهدافهم الشرعية ـ حيث يرى الكاتب أنه إثر قيام الدولة الشيوعية في عام 1917 في روسيا ومطالبتها التحررية ودعمها لمطالب حق تقرير المصير للشعوب فقد ذلك أثراً على السنّة في إيران وخاصة البلوش والكرد والتركمان والى حد ما العرب السنة في إيران. وهذا أدى إلى تأسيس أحزاب وحركات سنية في إيران تحمل الإيدولوجية اليسارية الماركسية. و ظلت التأثيرات الخارجية تطغى على الساحة السنية في إيران. فتأسست أحزاب كردية وبلوشية وعربية وكذلك تركمانية على غرار الحركة اليسارية الشيوعية والبلشفيكية في الإتحاد السوفيتي آنذاك. وتأثـّرت هذه الأحزاب بالفكر الماركسي الذي يطالب بحق تقرير المصير للشعوب ودفاعه عن الشعوب في إيران وحقها بتقرير مصيرها. منذ تلك الفترة، والى يومنا هذا، توجد أحزاب تحمل نفس الإيديولوجيا. وقد انقسمت الأحزاب اليسارية المذكورة الى وسط ويسار ويمين واختلفت حول مدى فاعلية رفع السلاح أوعدمه، أي بين النضال السلمي والمسلّح. فعلى سبيل المثال، حصلت عدة إنقسامات داخل حزب “الكوملة” الكردي والحزب “الديمقراطي الكردي”، وقس على ذلك بسبب صدام الايديولوجيات.
ويذكر الكاتب “حميد أحمدي في مصدر سابق “أنّه تأسس أول حزب كردي سني إيراني على يد “ملا مصطفى برزنجي” وهو حزب “كـوملة” الذي عمل على تاسيس جمهورية “مهاباد” وهي أول حكومة كردية سنية في المنطقة تاسست بدعم سوفياتي. لكن تدخلت الحكومة الملكية الايرانية بشكل مسلح واقتلعتها وهي في النطفة بعد فترة وجيزة من تاسيسها لا تتجاوز السنة الواحدة وذلك بدعم غربي للحكومة الإيرانية. ومن بين أهم أحزاب اليسار السني الايراني: حزب الأمة البلوشي ـ خلق بلوش ـ والحزب الديمقراطي الكردي وحزب “كوموله” اليساري1.
وتزعم العديد من النخب الايرانية أنّ تنامي ظاهرة القوى القومية السنية في ايران يعود الى ماهو مؤداه في التاثير الغربي وعلي رأسه امريكا، حيث يعتقد هؤلاء(ومنهم “حميد احمدي” والكتّاب الغربيون الذين لا يؤيدون مطالب الشعوب السنية في ايران من بينهم “كارل براون” في كتابه “السياسة الدولية ومسألة الشرق الأوسط “ص57) بأن قضية الشعوب السنية وخاصة الكردية والبلوشية والعربية في إيران تنامت إثرالتدخل الامريكي السوفيتي آنذاك. ويتهم احمدي في كتابه “القومية والتوجه القومي”، ص308” أن الاحزاب الكردية وعلي رأسها الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة ملا مصطفي برزاني لجأت عدة مرات للحضن الامريكي طالبا نجدته في تأسيس دولة كردية في ايران. ويعتقد احمدي أن المسالة الكردية لا تتكامل لولا الدعم الخارجي لها وإثارتها. وتؤمّن القضية الكردية البيئة الملائمة لاستراتيجية القوى الدولية منذ فترة غير قليلة حسب وصف الكاتب. و يرى أن الكرد أنفسهم كانوا الحاضنة لمثل هذا التدخل في إقليم كردستان ايران، ويعتقد بان تكتيك تشجيع التدخل الاجنبي هو “السمة الرئيسية للحركات التحررية في المنطقة”.
ونرى أن مثل هذا النقد الذي تمارسه الجهات الشوفينية في إيران لحركات التحرر الوطني للشعوب ما هو الّا ذر الرماد في العيون لكي تتمكن من ممارساتها التعسفية المتمثّلة في طمس هوية الشعوب في ايران. وإذا نظرنا الي مطالب هذه الشعوب، فهي لا تخرج عن دائرة المطالبة بحرية العقيدة وحرية الرأي وحرية استخدام اللغة وحرية ممارسة الطقوس بعيدا عن التهميش والإقصاء والكبت.
وساعد على التوجه المعادي للشعوب التي تطالب بحقوقها الشرعية في ايران وجودُ منظّرين غربيين يمدون نظرائهم الايرانيين بفكرة تخوين الناشطين ورموز الشعوب الايرانية. من بين هؤلاء “برينسن” في كتابه “القبائل الكردية”، الذي يتهم فيه الاكراد بتحّولهم الى آلة بيد القوى الاجنبية ويتهم شيوخ الاكراد أمثال عبد الرزاق بدرخان والشيخ محمود برزنجي (1920) والشيخ عبيدالله بالسعي للحصول علي الدعم الروسي والسوفياتي. ويساند هذه الفكرة المفكر الايراني إيرج افشار، “ص158″، الذي يتهم شيوخ الاكراد بالدعم من الملك فيصل، ملك العراق آنذاك. ويذهب الكتور احمدي الي أبعد من ذلك ويصف جمهورية مهاباد” التي تاسست في عام 1945 واطيح بها في عام 1946 بأنها جمهورية سوفيتية زُرعت في الخاصرة الايرانية وبأن نمو ظاهرة القومية للشعوب الايرانية ما هو إلا تعبير عن التدخل الدولي في الشؤون الداخلية لايران 1.
وتعقيباً على هذا الاتجاه الفكري السائد بين الاوساط القومية الايرانية المعادية للشعوب الايرانية يمكن أن نذكر بان الاتجاه السائد لدى الشعوب الايرانية بكسب الدعم لا يعتبر سوى محاولة لنصرة قضاياها، ولا يدخل في خانة التخوين والتشكيك بمبدأ هذه الجهات القومية للشعوب في ايران رغم وجود بعض الهفوات لدى قادة الشعوب. ولا يكمن تعميم ذلك على كل الانتماءات الشعبية السنية والأخذ بمقياس المسطرة في هذا المنحى.
وعلى كل حال، واصل تمدده بين البلوش في ايران. ولكن، كما يرى أحمدي، أنّ المسألة البلوشية لم تأخذ طابعاً دوليا بقدر ما أخذته المسالة الكردية حيث أن بلوشستان تفتقر الي تجربة مماثلة لتجربة كردستان. ولكن لعب العامل الدولي دوراً حيوياً، كما يرى، في تحجيم القضية البلوشية والدفع بالحركات السياسية البلوشية الى هذا الاتجاه. فكانت السياسة البريطانية الحاضرة في قضايا بلوشستان منذ عام 1840، وتجسّد النفوذ البريطاني بين القبائل البلوشية بطرح حق تقرير المصير ليكون ذلك لإستخدام هذه القبائل من جهة كأداة ضغط تمارس ضد الحكومة الايرانية وابتزازها، وكذلك لمواجهة المد الشيوعي آنذاك. ومن أبرزعلائم النفوذ البريطاني في واقع الامر السياسة الادارية التي كانت تمارسها بريطانيا بين السنة البلوش والمسماة بالـ”ساندمن”، ويعتبر “عزيز احمد” في صفحة 206 من كتابه “بلوشستان والسياسة البريطانية” أنها سمحت لبريطانيا بأن تقود زعماء قبائل البلوش تحت إمرتها .2
وهذا الامر قلل من نفوذ الشيوعية في بلوشستان. ولكن رغم ذلك، ظهرت حركة “تحرير بلوشستان” ذات التوجه اليساري بعد ذلك بفترة. ويرى الكاتب “حميد احمدي” أن لحزب البعث دوراً لا يستهان به في نشاط هذه الحركة. ويرى “فرزان فر” في كتابه ‘ ‘Ethnic Groups and the state,360’’ أن “عبدي خان”، وهو أحد زعماء قبائل بلوشية ورئيس “حركة تحرير بلوشستان”، كان يتخذ من بغداد مقراً له لمواجهة النظام الملكي في إيران إنطلاقاً من بغداد ودول خليجية عربية أخرى.
وتشكلت “الجبهة الوطنية للشعوب الايرانية” بدعم من حزب البعث أنذاك، وهي إئتلاف يضم عدداّ من الشخصيات الايرانية المناوئة من بينها البلوشية والتركية واليسارية الإيرانية مثل حزب “تودة” اليساري وشخصيات إيرانية أخرى. ونشأت على غرارها جبهة بلوشية أخرى سميت بـ”الجبهة الديمقراطية البلوشية” ونشرت صحيفة تحمل إسم “راه إتحاد”، أي “طريق الوحدة”، في بغداد. وتجزأت هذه الحركة فيما بعد الى عدة أحزاب بلوشية يسارية. كما تأسست أحزاب سنية أخرى على غرارحزب “كوملة” الكردي وأخذت بالفكر الماركسي. وتأسست أحزاب سنية كردية وبلوشية وعربية وكذلك تركمانية عديدة منها أحزاب: “زحمتكشان ـ حزب كمونيست ايران ـ حزب كوملة (فرع كردستان الشيوعي الإيراني) ـ حزب استقلال طلب كردستان ـ حزب كردستان (باك) ـ اتحاد الثوروين الكرد ـ منظمة جماعة كورمانجي”. وقام الفكر الماركسي في بلوشستان ايضًا بتأسيس أحزاب ذات صبغة يسارية سنية ايرانية ـ بلوشستانية وهي أحزاب : “جبهة مردم بلوشستان (جبهه الشعب البلوشي) ومركز دراسات بلوشستان ـ حزب الشعب البلوشي (حزب مردم بلوش) ـ جبهة متحد بلوشستان ـ الحركة الوطنية البلوشية (جنبش ملي بلوشستان) .1
ويرى الكاتب “”نفس المصدر ; 224” أنّ الدول العربية هي من أوائل الأنظمة في العالم التي دعمت وساندت بقوة الحركات الإنفصالية السنية في إيران وتحديداً في بلوشستان وعربستان وأثارت مثل هذه القضايا بإعتبارها قضايا عربية تندرج تحت إطار الأمة العربية ـ” وشعاراتها القومية أمة عربية واحدة من الخليج الى المحيط. ويعزز هذه الفكرة أنّ البلوش هم من أصول عربية ويجب مساندتهم بسبب مذهبهم السني ولغتهم القريبة من العربية وإنتماءاتهم السامية.
ويشير “هاريسون” في كتابه ”Harrison,seling s : Ethnicity and the Political Stalmate in Pakistan” أن على الدول العربية دعم البلوش وذلك للأسباب التالية: أن الإنتفاضة البلوشية هي بالاساس إنتفاضة كل العرب وتعود جذورالبلوش الى العربية منذ عدة قرون ولو أنّ العرب تقاعسوا بتقديم الدعم للبلوش فإنّ الماركسيين هم الذين سيسدون الفراغ الناجم عن عدم دعمهم من قبل الدول العربية. وبذلك، ستضيع الفرصة أمام العرب الذين سوف يفقدون حليفاً مهماً هو البلوش. وأنّ نظام الخميني في إيران سوف يهدد جميع الدول العربية في الخليج وسوف تقترب موسكو من مضيق هرمز في حين يمكن للبلوش أنّ يقوموا بتأمين الاستقرار في مضيق هرمز والخليج برمته، وهذا الامر من شأنه أن يضاعف الدور العربي في الخليج ويمكن للعرب من الحفاظ على الهوية العربية للخليج أمام المد الايراني الذي يسعى الى تفريسه”.
إذاً، ما يخشاه دوماً الإيرانيون تجاه البلوش هو الدعم العربي. واليوم أصبح الخوف من الإنتماء الذي يخشاه الايرانيون المعادون للشعوب السنية يأخذ مكانه الهاجس القوي لدى البلوش وهوالحس بالانتماء القومي والديني لدى الشعوب السنية.
كما أنّ منطقة تركمان صحرا شهدت نفس الحالة. فتأسست الأحزاب ذات التوجهات التركمانية اليسارية في ايران من بينها أحزاب: “منظمة تحرير تركمن الصحراء (سازمان آزادي بخش تركمن صحراء) ـ الحركة الوطنية الديقراطية التركمانية (حركت ملي دمكراتيك تركمن). ولا ننسى دور القرب الجغرافي بين هذه المناطق والإتحاد السوفياتي، وخاصة أنه في مراحل متقدمة احتلت روسيا أفغانستان وأصبحت تصل بين المناطق السنية الإيرانية والاتحاد السوفياتي صاحب الإيديولوجيا الماركسية 1.
وتأسست أحزاب إشتراكية ذات طابع قومي حسب المد الجهوي الإيديولوجي وتسلسله، حيث شهدت المنطقة العربية في إيران نشاط أحزاب يسارية وقومية ودينية في نفس الوقت. فتاسست “الجبهة الديمقراطية الأحوازية (ذات التوجه اليساري) ـ وحركة تحرير عربستان (ذات التوجّه البعثي القومي) ـ واللجنة القومية العليا (ذات الفكر العروبي) والحزب الناصري في الأحوازـ وفروع لأحزاب إيرانية يسارية نشأت بين العمال في شركات النفط في اقليم الأحواز أمثال حزب توده ـ حزب العمال الإيراني ـ فدائيان خلق (أكثريت وأقليت) وغيرها من الأحزاب اليسارية. ولكن بالنسبة للعرب الآخرين، غير الاحوازيين، والذين يسكنون مناطق بوشهر وموانيء الجنوب في إيران مثل “ميناء لجنه” وجزر”قشم” و”كيش” وغيرها، فإن السكان العرب في إيران ظلوا منضوين تحت إطار الطابع الديني السلفي ولم ينخرطوا في الأحزاب اليسارية والشيوعية إلا ما قل وندر 2.
أما بالنسبة للعرب في الأحواز فكانت الأحزاب الشيوعية واليسارية (3)على نفس نسق من الأحزاب الكردية، وإن خفّت وتيرة هذا التحرّك بسبب وجود المد القومي في المنطقة العربية وخاصة وجود زعماء قوميين عرب دعوا للوحدة العربية والقومية العروبية مثل “جمال عبد الناصر وما تركه هذا الامر من تاثير على منطقة الخليج برمتها. وكذلك وجود أحزاب قومية مثل حزب البعث العربي الإشتراكي. وبعد أفول المد القومي، صار التوجه العربي لدى عرب إيران نحو فكر “القاعدة” السلفي، وأصبح سكان هذا المنطقة يمارسون فكراً ومنهجاً هذه الإيديولوجيات.
ـ المحور الثاني ؛ ظهور أحزاب علمانية سنية:
جاء ذلك بتأثيرمن الفكر والايديولوجيا الليبرالية ودعوة الولايات المتحدة الامريكية الى حق تقرير المصير والاعلان العالمي لحقوق الانسان وسوف نرى مدى تأثيرالسنة بهذه الإيدويلوجيا الخارجية و من بين أهم الأسباب وراء التأثيرات الخارجية علي سنة إيران تعود الى الأطر التاريخية خاصة على الساحة الدولية والسياسات التي تركت بصماتها خلال الحرب العالمية الأولي والثانية على شعوب العالم حيث أن الأكراد في إيران يرون أنفسهم مجزّأون ومنقسمون في ثلاثة دول وهم يواصلون جهدهم لتاسيس دولة منذ سقوط الحكم العثماني لحد الآن لكن دون جدوى وكفلت إتفاقية “سفرس” (Sevres) في عام 1920 هذا الحق للأكراد. وبدأ الأكراد المطالبة بالاستقلال منذ ذلك الوقت وتواصلت المطالبات بشتي الأنواع وحصلت ثورات لايسع لهذا المقال ذكرها أمثال ثورة شيخ عبدالله التي كانت أول ثورة كردية تطالب بالاستقلال وإنشاء دولة كردية سنية شأنها شأن الدولة الشيعية القاجارية في ايران. وتواصلت الثورات ففي عام 1925 حصلت ثورة “الشيخ سعيد” وغيرها من الثورات التحررية الكردية وكذلك الحال بالنسبة للبلوش وعرب الأحواز وعرب الجزرالجنوبية في إيران والتركمان 1.
و بالنسة للتاثير الخارجي علي السنة في ايران والذي يتمثل بالايديولوجيا اليبرالية التي ظهرت مطلع القرن العشرين وتحديداً بعد الحرب العالمية الثانية بسبب دعوتها لتحرير الشعوب ومناداتها بحق تقرير المصير في إعلان نشأة الأمم المتحدة وبيان حقوق الإنسان ظلت الشعوب الإيرانية وأخص السنة على وجه التحديد أقل توجهاً لليبرالية وذلك بسبب وجود عدم ثقة متأصلة وذلك بسبب الممارسات التي كانت بريطانيا تقوم بها في مناطقهم وإزدواجية المعايير المستخدمة ضد السنة الايرانيين وعلاقتهم بالحكومة المركزية وتقارب زعماء الستة الإيرانيين الي التوجه السوفياتي فيدعمه لنبذ الهيمنة الليبرالية وتحرير الشعوب ومساندتها مادياً ومعنوياَ لهم 2.
رغم ذلك بقي المذهبيون السنة الايرانيون في الواجهة ضد الفكراليساري والذين يتهمونهم بالإلحادية وما شابه ذلك وبناءاً على ذلك تأسست أحزاب لاتتجاوز عدد الأصابع ذات طابع لبرالي سني.منها حزب الحزب الديمقراطي الليبرالي الكردستاني ” .
أما العرب قي الأحواز3 فبقوا متارجحين بين الأحزاب الدينية والقومية واليسارية على حى سواء فاليسار نشط والسلفية (انصارالسنة وغيرهم) والليبرالية (حزب التضامن الأحوازي) والقومية (الحزب الناصري الجبهة العربية لتحريرالاحواز)واليسار(الجبة الشعبية لتحرير الإحواز)والجبهة القومية كذلك وغيرها من تحركات وتوجهات فكرية متأثرة بالفكر والإيديوولجيا القريبة أو البعيدة والتي تتطابق مع طموحاتهم وأحلامهم.
المحور الثالث ؛ ظهور الحركة السلفية وتـاثيرها على الساحة السنية في إيران:
يرى البعض من الباحثين ومن بينهم”محمد رضا حافظيان” وهومن بين اولئك الذين يطالبون بالفدرالية الطائفية أو السياسية للشعوب في إيران وضرورة الاهتمام بالسنة البلوش في إيران من قبل الحكومة ويقدم حلولاً لهذه المشكلة ويصر على منحهم المزيد من الحقوق الدينية وذلك بسبب إعتبارات تتمثل بالتهديد الاجنبي ضد إيران وإستخدام ورقة السنة من قبل دول تسعى لقلب النظام الايراني على رأسها أمريكا وإسرائيل ودول عربية مثل السعودية . ويذكر الباحث أنّ للسعودية دور بارز في إثارة القضية السنية في إيران لمواجهة التمدد الشيعي ويؤكد أنّ المذهب الحنفي المنتشر بين البلوش الايرانيين لا يمثل تهديداً بقدر ما يمثله التمدد السلفي الذي يدخل إيران على مصراعيها عبر السعودية ويتهم الدول العربية على خلق هوية عربية سنية للبلوش لمواجهة الشيعة في إيران ويضيف الكاتب : إنّ الوهابية (السلفية ) مدرسة تقوم بإعداد القادة البلوش الذي يفدون المنطقة من الخارج ويتأثرون بعد تخرجهم من مدارس وهابية بصورة تلقائية كما يضيف “مولوي عبد الحميد” إمام جمعة زاهدان قوله بأنّ : المستوى الدراسي للسنة لا يرتقي للشهادات التي تمنح في السعودية للمولويين لذلك يرغب الكثير من المولويين بإكمال دراستهم في السعودية وذلك لأنّ ما تمنح من شهادات في باكستان والهند لاترتقي أيضاً لمستوى الشهادات التي تمنحهم إياها السعودية “.1
ويضيف الباحث ؛ أنه بعد عودة البلوش من السعودية يمارسون الفكر السلفي وينتشر بسبب ذلك الترابط العلمي بين جماعة “مولوي ” والسعودية الفكر السلفي بين أبناء الشعب البلوشي . ويذكر الباحث أنّ من أهم أسباب إنتشار السلفية بين أوساط البلوش في إيران هو وجود أواصر تربط كلاً من بلوش إيران وبلوش باكستان مما يمهد الارضية لهذا الانتشار وبشكل مكثف.وأيضاً هنالك دليل أخر يعود الى أنّ البلوش الحنفيين يقطنون الخط الفاصل بين إيران وباكستان .والسبب الاخر كما يراه الكاتب الفقر الاقتصادي والثقافي ووالاجتماعي والتمييز الذي يمارس ضد السنة والفارق الكبير بين المذهب الرسمي في البلاد وهو الشيعة وبين مذهب السنة لتلك المناطق .هذه الامور دفعت بالسلفيين أن يأخذو بزمام المبادرة ويكثفو بجهدهم الدعائي وأن يخلقوا المشكلة الكبيرة التي تواجه النظام الايراني في تلك المناطق .
ويذكر الكاتب في مقاله أنّ حزب الفرقان هو حزب سني ينشط في بلوشستان إيران ويضمّ جمعاً من جماعة “مولوي ” البلوشية المعارضة وينتمي هذا الحزب الى حزب الصحابة الذي ينشط في باكستان وأنّ حزب الصحابة لديه علاقات متواصلة بالحكومة السعودية ويمنح التأشيرات لأعضائه لدخول السعودية مقدمة من قبل وزارة الحج والاوقاف الدينية السعودية ولهذه الجكاعة الحصة الاكبر في إثارة البلبلة وخلق الإضطرابات في باكستان وإنّ فلسفة وجود مثل هذا التنظيم أساساً لمواجهة الشيعة ومناهضة الجمهورية الاسلامية الايرانية والقضاء على شيعة باكستان .ولا يعترف هذا الحزب بالشيعة كمسلمين “.
هنالك تنظيمات تحمل إيديولوجيا معادية للإتحاد السوفيتي وتتمثّل بالمجاهدين السنة الايرانيين في أفغانستان من” بلوش وكرد “وغيرهم في مرحلة الحرب ضد الاتحاد السوفياتي ومن ثم إنخراطهم بالسلفية وأفكار تنظيم القاعدة ونشأة حركات تحمل هذا النمط . بقيت معظم الأحزاب السنية الكردية الأخري متاثرة باليسار ليومنا هذا وهي القلب النابض¬¬¬¬ لليسار الإيراني وموطناً للأحزاب التي تحمل لواء الإشتركية بسبب تقارب المناطق السنية للعاصمة الإيرانية طهران وكونها ملجأ لزعماء الشيوعية الايرانية على مرّ الفترة السابقة أما بالنسبة للبلوش السنة بقيت أحزابهم وحركاتهم تحمل الطابع الديني السلفي خلافاً للحالة السنية في كردستان والبعض منها تأثر بالفكرة السلفية الجهادية بعد ظهورها ودخول المجاهدين العرب عبر بلوشستان لمقاتلة الإحتلال السوفياتي وبعد ذلك الامريكي وتعرفوا على الفكر السلفي عن قرب والسبب الأخر كون بلوشستان تقع على مقربة من موطن تنظيم القاعدة في بلوشستان باكستان وأفغانستان لكنه حافظ علي نمطيته ومحليته الدينية مستخدماً ايديولوجيا دينية قومية ممتزجة بالفكر الجهادي للسلفية وفي بلوشستان وتاسست على هذا السياق حركات منها :” حركة المقاومة الشعبية لبلوشستان “جنبش مقاومت ملي بلوشستان (جند الله) وبقي هذا التنظيم يسيطر على الساحة البلوشية حتي إعتقل زعيمه عبد الملك ريغي علي يد السلطات الإيرانية مؤخراً 1.
ولانغفل دور الشيوخ السنة في دعم مطالب الشعوب الايرانية الذي كان بارزًا رغم أن توجهات هؤلاء المشايخ الدينين نحو الدين والمحافظة عليه أمام ما يهدده من خطر وإن أبرز المشايخ الذين دعموا الحركات السنية رغم خلافهم الفكري والإديولوجي معها هو الشيخ “عزالدين حسيني” امام جماعة في مدينة “مهاباد” السنية الكردية عام 1946 ومطالبته لحكم ذاتي سني للاكراد في إيران وهذا المطلب يشترك فيه مع الحركات اليسارية في كردستان .2
وعلى نقيض مع الاحوازـ الحركة السنية الاحوازية ـ فإنّ العرب السنة في جنوب إيران وسكان الجزر(قشم وكيش و…)بقوا أقرب الي التنظيمات السلفية الجهادية والبعض ظلّ في الوسطية الدينية متخذاً الفكر السني الوسطس الذي يصدر من مكة والمدينة والأزهر كمرجع له وهناك العديد منهم سلكوا الإتجاه المعاكس وانظموا الى القتال في افغانستان وقاتلوا في صفوف تنظيم القاعدة وطالبان وكما تشير الغحصاءات التي تؤيد وجود عدد من هؤلاء العرب بين صفوف القاعدة أو كما تشير المعلومات وجودهم في سجن غوانتانامو الامريكي لحد الان .3
ـ المحور الرابع : بقاء الفكر السني التقليدي على حاله وإتباع الوسطية:
تأثر ألفكر السني في إيران بأفكار إبن تيمية من ناحية والفكر الإعتدالي الذي يصدر من المؤسسة الدينية في السعودية كمرجع رئيس يغذّي الفكر السني الايراني وبلدان خليجية أخرى تأثّر على البلوش خاصة والعرب السنة في إيران بشكل عام وظهور عدة حركات تحمل الافكارهذه والى دورالسنة الايرانيين في الدول المذكورة وتاثيرهم بين ضفتي الخليج . ومن بين إحدي أهم التأثيرات التي تركتها علي الساحة السنية وجود جاليات سنية كبيرة في دول مجاورة أو دول غربية وعربية حيث أن السنة الأكراد في ايران يتجمهرون عادة في اروبا وأهم البلدان التي يتواجد بها السنة الأكراد ويؤثرون إقتصاديًا ومعنويًا علي أبناء جلدتهم هي فرنسا والمانيا وسويسرا وبلدان اسكاندنيفيا يوفرون دعمًا ماديًا للأحزاب السنية الكردية التي تنشط في مناطقهم كما يعمل البعض منهم على توفير امكانيات إقتصادية لتعويض التخلف الإقتصادي الذي تمارسه السلطات الدينية في إيران ضد السنة وتدشين شركات ومنشأت اقتصادية توفر الدعم المالي لسكان المناطق كما يساعدون القنوات الفضائية الموجّهة للمناطق السنية الكردية.1
أما بالنسبة للبلوش السنة في ايران فإن معطم تواجدهم في المناطق العربية وخاصة دول مجلس التعاون الخليجية إضافة الى باكستان المجاورة ولكن بسبب النشاط البلوشي الإقتصادي في الدول الخليجية ترك تواجد هؤلاء البلوش اثرًا ايجابيًا على الحالة الإقتصادية للبلوش الذين يعانون من فقر اقتصادي وتهميش من قبل الحكومة المركزية الإيرانية كما أن البلوش ينشطون في أفغانستان وشمال شرق ايران وطاجيكستان ويمارسون نشاطًا اقتصاديًا يوفّر الدعم المالي لسكان مناطقهم ويذهب ريع هذا الإنتاج في تطور المناطق البلوشية على الرغم من وجود جالية بلوشية تتمركز في بريطانيا لكنها ليست بالحجم الكردي و إن نقُل البلوش هي الدول الخليجية وإن أهم اسباب الدعم المالي والمذهبي والسياسي وإطلاق قنوات فضائية وتدشين مساجد ومكتبات في اقليم بلوشستان هو بفضل الجالية البلوشية خارج بلوشستان.2
كما هو الحال بالنسبة للعرب في ايران وإنهم يقطنون دول خليجية وأروبية وينشطون سياسيًا وماليًا ويعتبرون الداعم الرئيسي للتنمية السياسية والإقتصادية لسكان جلدتهم ولكن يختلف هذا الأمر بالنسبة للتركمان من الناحية الإقتصادية لأن معظم التركمان بالقياس مع بقية السنة في ايران يتمتعون بحالة إقتصادية أفضل بسبب تملّكهم لأرض زراعية وموارد اقتصادية طائلة .
ـ المحور الخامس : التأثير الإقليمي المجاورللمناطق السنية في إيران ؛ أحزاب وحركات وشخصيات:
سنشير الى التأثيرالسياسي والمادي والفكري والعقائدي على السنة في ايران. فمن بين المؤثرات الخارجية على الساحة السنية في إيران وجود شريحة مثقفة في السنة الإيرانيين تخرجوا من الجامعات والمعاهد الغربية وأتوا بأيدولوجيا إشتراكية ليقوموا على أساسها بتاسيس أحزاب إشتراكية يسارية والهدف في معظمها حق تقرير المصير الذي تطالب به الشعوب السنية في إيران منذ فترة غير قصيرة فمعظم هؤلاء قاموا بتأسيس أحزاب محورها مطالبات أهل السنة في إيران وهم خريجوا الجامعات الاوروبية فكان أبرز الشخصيات السنية الذين عملوا طيلة سنوات للحق الكردي في الحكم الذاتي هو”عبدالرحمن قاسملو” المثقف الإشتراكي الكردي الذي كان استاذٌا محاضرًا في جامعة باريس وأسس الحزب الديمقراطي الكردستاني . إذاً ؛ شئنا أم أبينا فإن الطبقة المثقفة للسنة الإيرانيين من كرد وبلوش وتركمان وعرب هم خريجوا جامعات غربية أسسوا حركات وجبهات إما إنفصالية أو تطالب بمبدأ الفدرابيه لإستيفاء حقوق الشعوب السنية في إيران وهذا التأثير البارز في حياة السنة هو الذي ترك بصماته لحد الآن في الوسط السني الايراني و ذلك لأن معظم القائمين على الحركات الثورية السنية استوردوا الفكرالماركسي وغيره ليتلاءم وحق تقرير المصير أي تبيئته مع ظروف وواقع الشعوب السنية في ايران 1.
بالنسبة للتأثير الخارجي على السنة في ايران أو مناطقهم فإن الحركات المسلحة تستمد دعمها من مناطق مجاورة لسكان تلك المناطق فألاكراد الذين ينتمون الي أحزاب مسلحة يدخلون منطقة كردستان من منافذ حدودية مجاورة في تركيا والعراق ويقومون باعمال مسلحة ضد الحكومة فهذا السبب الرئيس لتواصل اسنزاف الحرب المسلحة ضد الحكومة المركزية هو جوار المناطق السنية الي مناطق سنبة أخري تنتمي الي نفس العرق والمذهب والفصيلة حيث انه اكراد العراق وهم ابناء أكراد ايران يقدمون دعمًا عسكريًا ولوجستيًا لأكراد ايران ويأوونهم في مناطقهم.
وكذلك هي الحال بالنسبة للبلوش الذين يترددون بين الحدود الباكستان و افغانستان بكل سهولة بسبب وجود بلوشستان أخرى في الحدود الشرقية لبلوشستان إيران وتقع في باكستان وأفغانستان ولأن بلوش باكستان يشكلون 40%من كل البلوش فيعتبر بلوش باكستان أصحاب ثقل روحي ومادي على بلوش إيران ومن هناك تنطلق الأحزاب المسلحة وغيرها وتؤسس الحركات وهذا الأمر يصدق على الأكراد و العرب وغيرهم من السنة في ايران. وإنّ جبهة تحرير بلوشستان بزعامة “رحيم زرد كوهي” تأسست هذه الجبهة في بلوشستان باكستان وكذلك الحال بالنسبة “للبشمرك بلوش”أي” فدائيوا بلوش” بزعامة ” أمان الله بركزايي” وهوينتمي الي أسرة “دوست محمدي”الزعيم البلوشي ينحدر من أسر بلوشية تعرف بالنضال لإستيفاء حقوق البلوش في إيران و كان هو أيضاً قام بتأسيس حركته المسلحة في بلوشستان باكستان كما توجد حركة يسارية بلوشية في الغرب وهي “مجلس الشوري القومي البلوشي”والتي تنشط في أمريكا وتدعو للإنفصال وكذلك “الحزب الديمقراطي البلوشي”الذي قامت بتأسيسه أحزاب يسارية بلوشية تنضوي تحت إطار احزاب يسارية ايرانية وهو فيصل من”الثوار الفدائيون “اليساري الايراني.ويطالب هذا الحزب بالفدرالية لبلوشستان وهو يحمل أفكارًا فدرالية اشتراكية ويتقارب ايديولوجيًا مع الأحزاب الاشتركية الروسية وظل بلوشستان إيران دائماً منطوياً تحت أجواء بلوشستان باكستان 2بسبب ما تتمتع به الأخيرة من نظام فدرالي أكثر انفتاحًا بالنسبة لايران ونشط البلوش بكل حرية في ذلك الإقليم الباكستاني وظل ينشط الي يومنا هذا واتّخذه الثوار البلوش منطلقًأ لمواجهة الحكومة المركزية في ايران على مر العصور2.
إمتداداً لذلك فإنّ الشعوب السنية في ايران يتقربون في الدم ومن الناحية القبلية مع أقرباء لهم وراء الحدود وظلّ هذا الهاجس يدفعهم الى التحرر والمطالبة بحق تقرير المصير وتوحيد الضفتين من الحدود مكا اسلفنا وهي تعيش منقسمة فعلى سبيل المثال فإن القبائل نفسها تتوزع بين بلوشستان ايران وباكستان وافغانستان وكذلك الحال بالنسية للقبائل الكردية والعراقية وهذه الحالة تصدق علي العرب الواقعين بين الحدود العراقية الأحوازية أو العرب في جنوب ايران والجزر الأخري وما تربطهم من علاقات أسرية وعاطفية وقبلية مع العرب في دول الخليج .
و أنّ الخلافات الإقليمية والدولية بين الحكومة الايرانية وغيرها لعبت دورًا في تشديد أو تقليص حجم مطالبات الشعوب في ايران ومع الأسف الشديد استغلت الدول الغربية ورقة الشعوب في ايران خدمة لمصالحها دون أن تقدم دعمًا يذكر فعندما تتصالح الدول الغربية والعربية مع ايران في عهد الشاه محمد محمد رضا بهلوي ؛ تتناسي قضايا الشعوب والسنة في ايران وعندما تتأجج الخلافات مع الحكومة المركزية تستخدم ورقة الشعوب لكسب مصالح ضيقة تفرط بها وتدخل في صفقات على حساب الشعوب في أي وقت ترقب وتقدّم القنوات الإعلامية وتنشر صحفهم عندما تري ضرورة في ذلك وتتقدّم بخطوات أكثرمن ذلك حيث تطالب بحقوقهم وتقدم الدعم اللوجستي للأحزاب القومية وعندما تنتهي الخلافات مع ايران تسلّم زعاماتهم الي الحكومة الإيرانية .1
وشهدنا ذلك في السبعينيات من القرن الماضي عندما قدّمت حكومة عبد الناصر الدعم للأحوازيين والبلوش لنصرة قضاياهم وعملت على طرح القضيتين على الساحة العربية بشدة و كتبت الصحف عنهم كما كان رياض نجيب الريّس الكاتب في مجلة المستقبل و يستوحي فكره من الحكومة المصرية الناصرية ويكتب في المجلة التي تصدر في باريس وله العديد من المقالات دعماً للقضية العربية والبلوشية في ايران وبلوشستان . “كما أنّ مقال ديار العرب بقلم المفكر العراقي معان العجلي في عام 1979 في بغداد يعكس هذه الحالة الداعمة للقضية البلوشية من قبل النظام العراقي السابق وصدرت العديد من الصحف والإذاعات لنصرة السنة العرب والبلوش في ايران ولكن بعد نهاية الحرب العراقية الايرانية أهملت القضيتين وأخرجت حكومة بغداد أنذاك العرب والبلوش من على أراضيها وهكذا بالنسبة لدول عربية وغربية أخرى إذن فإنّ الدعم الخارجي للشعوب يتعلق بمستوى علاقات الدول مع حكومة طهران وظلت هذه الحالة متأرجحة حتى يومنا هذا”2.
ـ المحور السادس : الثورة المعلوماتية وتاثيرها على السنة في إيران:
في كثير من الاحيان تنشط الحركات السنية البلوشية والكردية وغيرها خارج إيران وتتواصل مع الداخل مستخدمة التقنية المعلوماتية وعالم الاتصالات للتتواصل مع مؤيديها في الداخل . ويقول الباحث “محمد رضا حافظيان” في مقال له في هذا الاطار:
” في خارج إيران تنشط العديد من الحركات والجماعات السنية عبر إستخدام المواقع والمدونات في الانترنت وتمارس نشر معتقداتها وأفكارها الدينية والقومية بين سنة إيران حيث أصبحت العديد من التنظيمات السياسية السنية التي قلما كانت تعرف في السابق على الساحة السنية الداخلية ولم يكن لديها تأثيراً ملموساً في السابق أصبحت اليوم تستخدم الإنترنت وتتواصل مع جماعات لها في الداخل وتبدي رايها على الانترنت ويصل ذلك بطبيعة الحال الى من تريد مخاطبتهم وهذا الامر لم يستثن منه بلوشستان غيران وبقية المناطق السنية فالثورة المعلوماتية كسرت الحواجز والحدود وتركت بظلالها على السنة في غيران وأثرت كثيراً على مجريات الأحداث هناك2 “.
ويضيف كاتب الدراسة قائلاً :”أثّرت تقنية المعلومات على العلاقات بين الشعوب و بعالمهم الخارجي وعلاقاتهم مع بعضهم الأخر ، حيث أصبحت اليوم إزدواجية التقنية المعلوماتية الأمر الحاسم في إختيار الهوية القومية والعولمة والحداثة وإزالة الحواجز المتمثلة بالحدود وعلاقتها بالدول وهذا الامر يعتبر الداعم الأكبر للمناطق الايرانية ذات الاغلبية السنية وعلى توجه سكانها السنة وما ترك ذلك من تأثير على علاقتهم بالحكومة المركزية ” .
إذاً تركت الثورة المعلوماتية الجديدة أثراً بالغاً على جميع أبناء المعمورة وخاصة السنة في إيران تمثلت بالقنوات التلفزيونية وثورة الإنترنت وما لها من دور في الإرتباط حيث ظلّ الساسة الإيرانيون يصفونها بالحرب السايبرية و الحرب الناعمة بسبب تاثيرها الذي لايروق لهم على الشعوب في إيران وهذه الظاهرة تعتبر الأبرزوالأكثر تاثيرًا خارجيا على السنة في ايران .” وفي هذا الإطار وما يطرح من نظرية تدويل قضايا الشعوب يعتقد معظم الباحثون أنه بسبب الإهتمام التي تبديها الدول و وسائل الاعلام بما يجري من أحداث في منطقة الشرق الأوسط وايران بعد أحداث الثورة الدينية التي شهدها هذا البلد في الثمانيات من القرن الماضي ولحد الآن و دور ايران في قضايا حساسة مثل لبنان وفلسطين أصبحت الشؤون الداخلية لهذا البلد وعلي رأسها قضية الشعوب والمقصود هي قضية السنة في ايران علي رأس الإهتمام الدولي وتطرح دائما في طاولة المباحثات والعلاقات الدولية مع هذا البلد وذلك اساسيًا يعتمد علي مدي سطوة وسيطرة الأحزاب القومية السنية للمسك بهذه الملفات وقدّم الباحث في العلاقات الدولية “جان برتن “-“John w.Burton”والذي ينحدر من المدرسة الساسية ذات التوجهات الفكرية الواقعية بعض الحلول لقضايا الصراع الدولي حول الشعوب وطالب بتعديل مسارات الشعوب ومعالجة قضاياهم “.
واليوم تدرس القضايا السنية في ايران تحت إطار نظريات العولمة والحداثة فلايمكن إعتبار مثل هذه القضايا وشؤون الشعوب المظطهدة والمغلوب على أمرها بسبب القومية والمذهب أو ماشابه ذلك على أنها قضايا وطنية بحتة حيث أنه بفضل تكنولوجيا المعلومات والترابط الوشيج بين الشعوب تؤثرو تتأثر بما يحدث في العالم وهذا الأمر ينطبق على سنة ايران بكل تاكيد .
ـ المحور السابع : تأثير النخب على التوجّه السني في إيران :
تواصل النخب السنية في ايران حشد الدعم الدولي لقضاياهم رغم التهم الموجهة لهم من قبل الحكومة الإيرانية والشوفينون بالعمالة ففي حين يرى الباحثون في القضايا الإُثنية لإيران بأن السبب الرئيس وراء وجود مشكلة دينية أو أثنية في ايران هي الواقع الجيوسياسي للشرق الأوسط وإيران علي وجه التحديد1. حيث إنّ من بين التوجهات الدولية التي أخذت على عاتقها رفع القضايا الإثنية في إيران واستمرارها على الواجهة نطريات مدرسة الفكر ويلسون وهي علمانية المنشأ لبرالية التوجهات والتي تدعو الى تاسيس حكم ذاتي للشعوب التي لم يحالفها الحظ ولم تحصل على حقوقها الإثنية في إطار دولة وذلك بغرض إستيفائها لهذه الحقوق وتجنيبها الإضطهاد والتمييز الديني والإثني وأيّد عدد كبير من الناشطين السنة الايرانيين مبدأ اللبرالية وظلت تطالب بهذه القضية الدول الغربية والولايات المتحدة خاصة بأخذها زمام المبادرة .
و فيما يتعلّق بالجهد الدولي لنصرة الشعوب الايرانية صدرت العديد من القرارات في الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس حقوق الانسان ومنظمات غربية عديدة عدة قرارات وأخذت على عاتقها هذا الانمر وذلك بسبب مطالبة الناشطين في مجال حقوق الشعوب في هذا الاطار . وهذا الامر دفع بالكثير من النخب الاثنية في ايران للأخذ بمبدأ وليسون للمطالبة بحقوقهم والمطالبة بحق تقرير مصيرهم2.
كما يبين التبريرالتاريخي للتقارب بين البعض من الفصائل السنية في إيران والشيوعية وهو يجتمع حول دعوة لينين وجهوده لبناء جسور الصداقة مع دول أسيوية وأفريقية واعتماد الماركسية لتوحيد العالم ودعوته الى تأسيس حكومات ذاتية وحق استخدام اللغة القومية كمبدأ لتحرير الشعوب للتحرر وترسخت الفكرة اللبرالية بين العرب والأرمن أكثر من غيرهم كما ترسخت الفكرة الإشتراكية بين الإيرانيين.اكثرمن غيرهم من شعوب الشرق الأوسط .وهذا المبدأ هو نقطة إلتقاء اللبرالية والاشتراكية بين الاحزاب الايرانية بمختلف توجهاتها الفكرية اليسارية أو اللبرالية وحتى الدينية وإستفاد هؤلاء من هذا المنبر حتى السلفيين الايرانيين من بينهم البلوش فظهر ريغي مثلاً عدة مرات على قناة voa الامريكية اللبرالية الناطقة باللغة الفارسية والكل يعرف سلفية ريغي لكنه تعامل مع هذه القناة وطرح قضيته رغم إختلافه الفكري معها وتعامل مع فصائل مقاومة إيرانية يسارية كذلك وهذا الامر يصدق على بقية الفصائل الايرانية .3
ـ المحور الثامن :الإستشراق ودوره في إثارة قضية السنة في إيران
يعتقد البعض من بين القوميين الايرانيين المتحمسين الى ضرورة صهر الشعوب في بوتقة الحكم الايراني وتبديلم الى شيعة وتحويلهم الى فرس بإستخدام أليات التفريس وعملية التشيّع بإعتبارهما الركيزتان الاساسيتان التي تعرف بها إيران حاضرة للشعب الفارسي الشيعي من هنا عمدوا الى خلق الذرائع وإتهام السنة في إيران إما بالعمالة للأجانب وذلك بتلقيهم دعماً أجنبياً مختلفاً وتمسكهم بمذهبهم السني دون غيره .
ويرى المنظّرين الايرانيين وعلى راسهم “حميد أحمدي ” 1الكاتب الذي كثر إسمه في هذا المقال بسبب تنظيره لقضايا الشعوب وتأليفه كتباً تناولت قضاياهم بقوله أنّ الاستشراق هو العامل الرئيس في إثارة الحس القومي لدى الشعوب الايرانية عموماً والسنية خصوصاً وهذا الاستشراق إتبعته أجندة غربية لتمزيق إيران الى دويلات ويبدأ احمدي فصله الذي حمل عنوان “الاستشراق وتأثيره على شعوب إيران ” من كتابه “القومية والتوجه القومي لدى الشعوب في إيران” ص 355 بقوله : “عمل المستشرقون الغربيون في توسيع دائرة الفكر القومي والتوجه العرقي والإثني لدى الشعوب الايرانية بإثارة قضايا اللغة غير الفارسية والمذهب السني حيث قدّم العديد من السوسيولوجيين “علماء الاجتماع “وعلماء فقه اللغة والانثربولوجيين والمؤرخين ورجال السياسة غربيين بإثارة قضايا الشعوب في ايران والتركيز عليها من أجل الوصول الي مطامعهم وعملوا علي كشف الجذور التاريخية للغة القومية للشعوب الايرانية وإثارة النزعة القومية واستخدامها ضد اللغة الفارسية ليبدأوابمشروعهم الانفصالي وكان معظم هؤلاء المستشرقين هم يهود من بينهم المستشؤق اليهودي المجري”آرمينوس وامبري “1913”متوفى خدموا هؤلاء الاهداف الاستعمارية البريطانية و زار المنطقة عدة مرات وكتاباته مليئة بإثارة النزعة القومية الإنفصالية .2
وهنالك مستشرق أخر أكد على القومية البلوشية دون الديانة السنية الاسلامية وإعتبر البلوش من أحفاد البابليين وأثار النزعة القومية لديهم كمت ـنّ هنالك مستشرقين أخرين وهما” راولينسون ” و” اللرد كرزون “الذان إعتبرهما “عنايت الله بلوش” وهو أحد زعماء البلوش القوميين بأنهما مصدر إلهام للأمة البلوشية والنزعة القومية البلوشية .وإستعار النخب البلوشية والكردية والعربية على حد وصف الكاتب الفكر الاستشراقي المشحون بالقومية والمعادي لفكرة الانتماء الى إيران .
بعض المراجع المستخدمة:
1- دژم خوي ،صادق.«گرايش هاي قومي در تبريز» اداره كل ارشاد اسلامي آذربايجان شرقي،1380
2- رمضان زاده،عبدالله « توسعه وچالشهاي قومي» مجموعه مقالات همايش توسعه وامنيّت عمومي ،وزارت كشور ،1376
3- يوسفي زاده ،محمد علي.«طبقه بندي فرهنگي اقوام ايراني»سلسله سخنرانيهاي گروه مطالعات قومي وملّي ،نشست اول ودوم، مركز پژوهشهاي بنيادي،وزارت فرهنگ وارشاد اسلامي، 1374
4- حافظ نيا، محمد رضا .«جغرافيای سياسی ايران»سازمان مطالعه وتدوين کتب علوم انسانی دانشگاهها(سمت)،1381
5- عسگري،محمود«قوميّت هاي ايران وسياستهاي آمريكا»ماهنامه اطلاعات راهبردي،مركز تحقيقات راهبردي دفاعي،سال سوم شماره 32 ،1384
6- اتابکی، تورج . «تنوع قومی وتماميت ارضی ايران ،سازگاری داخلی ومخاطرات منطقه ای» فصلنامه فرهنگی و اجتماعی گفتگوشماره 43مهرماه 1384
7- احمدی ، حميد « قوميت و قوم گرايی در ايران افسانه وواقعيت» نشر نی چاپ پنجم،
1384
8- برخی بررسی ها درباره جهان بينی ها و جنبش های اجتماعی در ايران – اثر احسان طبری .
9. نوشته های فلسفی-اجتماعی اثراحسان طبری (در دو جلد)
10. فروپاشی نظام سنتی و زايش سرمايه داری در ايران – اثر احسان طبری .
11- بی بی سی فارسی، گزارش وحدت و مسئله شيعه و سنی در ایران تاريخ دسترسی :اپريل 16، 2007 http://www.bbc.co.uk/persian/iran/story/2006/04/printable/060415_mf_week_of_unity.shtml,
12- براساس منابع رسمی ايرانی ۸۹ درصد جمعيت ايران شيعه٬ نه درصد سنی و دو درصد باقيمانده زرتشتی٬ يهودی و مسيحی هستند. http://www.iranattache-afghan.ir/about-ir/#fgf
13- نادر انتظار ملی گرايی و قومی گرايی کردستان (1992) صفحه 20 .
14- ايران بين دو انقلاب ـ نوشته يرواند آبراهاميان.
1: مقال : “دور الهوية القومية في التضامن الوطني للشعب البلوشي في إيران ” محمد رضا حافظ نيا ومراد كاوياني ؛ صحيفة أفتاب بالفارسي 2007 طهران ـ إيران ص2 .
2: كتاب : “القومية والتوجه القومي بين الأسطورة والواقع” ؛ حميد أحمدي ـ طهران 2008 ص 10 .
و… مراجع عربية و إنجليزية أخرى .
falahiya25@yahoo.com
* محمد حسن فلاحية صحفي ومعتقل سياسي قضى ثلاث سنوات في سجن “إفين ” بطهران